الثلاثاء ١٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨

الدراما السورية؛ ملحمة تاريخية خالدة

الحسين أيت بها

يتفق الكثير من العارفين بالسينما على أن السيناريو هو المفتاح الأول لنجاح أي فيلم، لأنه يساهم بشكل كبير في بث الحماس في نفوس الساهرين على إخراجه للوجود من ممثلين وكومبارس، على أن يترك المخرج بصمته الفنية فيه،وبهذا يكون موقف كاتب السيناريو في موقع من يتحمل مسؤولية كبيرة في الأثر الذي يتركه وقع الفيلم في النفوس ورسالته العميقة بمختلف دلالاتها وأفكارها. إذا افترضنا أن رسالة الفن السينمائي الابداعية نبيلة قبل أن تكون مدعاة للتسلية والمتعة.

لذلك أحببت الحديث عن سينما سوريا في فترة من الفترات، كانت فيه الدراما رزينة وعقلانية، أثمرت عدة مسلسلات بلغة فصيحة مستوحاة من التراث العربي، ولعل أبرز هذه المسلسلات، نجد مسلسل الزير السالم المتجسدة في قصة المهلهل وقصة ثأر أخيه كليب وصراعهما من أجل سيادة القبيلة.

وهي سيرة من الفانتازيا أقرب ما تكون إلى الأساطير، خلد فيها الأبطال سيرتهم، وكتبوها من ذهب، في هذا المسلسل يظهر النظام القبلي جاثما على الرؤوس بشكل لم يستطع فيه أحد التخلص من هموم قبيلته حتى الصعلوك منهم أو العاشق الهارب؛ لأن القبيلة هي الحياة بالنسبة للإنسان الجاهلي، هي ملاذه الوحيد، ذاكرته ووجدانه وطفولته التي يعيش من أجلها، كما أن حكايات الاجداد تروى كل يوم في مجلس كبار القوم من أجل إدامة التفاخر، وإحياء العزم بين أفراد القبيلة،

في مسلسل الفوارس يتكرر نفس الأمر هذه المرة وعلى الرغم من اختلاف كاتب السيناريو، في شخص صقر الذي جسد دوره الممثل السوري رشيد عساف.. والذي قام بتوحيد القبائل الستة في مواجهة جبروت قوانين روما و إذلال القبائل العربية.غير أن فشله مكن حثالة القوم من البروز والظهور كطرف هو يد روما والمتطلع لمحوها من الوجود ومحو العرب أيضا، يبرز سرمد، قام بدوره الفنان القدير سلوم حداد .من قبيلة ابن آوى القبيلة التي وضعت يدها في يد روما من أجل الحد من خطر زحف العرب، الذين كانت سيرتهم على مر العصور دماء وارتبط تاريخهم بالقوة والتفاخر. غير أن السحر انقلب على الساحر، فكان أن تحالفت روما في شخص حاكمها كاسيوس مع صقر سيد قبائل العرب، فاصبح بنو آوى في مأزق، من هنا يظهر أن الصراع بين الخير والشر متجاذبان وأن الغلبة دائرة، والحرب سجال بين الأطياف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

تفوقت الدراما السورية في تجسيد واقع العرب الذي لا ينفصل عن عالمنا المعاصر، فالأحداث المأساوية التي عرفتها سورية مؤخرا دليل على أن النعرة القبلية والطائفية لا زالت قائمة متجذرة ومترسخة في الناس.هي الموجه الرئيسي لكل ما يقع ويحدث، فتكون النتيجة نفس ما حدث قديما، فرق بسيط فقط هو التطور في الامكانيات.

لقد خفت شأن هذه السينما، التي كانت مزدهرة في وقت من الأوقات، ولم يعد لها من وجود بعد الثورة، وكان الثورة قدمت من أجل هذا الغرض. زد على ذلك ان الساحة الفنية اليوم، فقدت أحد نجمات السينما السورية؛ هي مي سكاف، أيقونة الشاشة العربية، رمز التضحية والتحرر.
يبدو الأمر غير مألوف حينما أتحدث عن الدراما السورية، وأنا من المغرب، لكن تأثيرات هذه الدراما العربية تصل لكل عاشق للغة الضاد والناطقين بها، كما يدعونا ذلك لمشاهدة ممثلين مغاربة، مثل الأستاذ محمد مفتاح.

لذلك سوف أتحدث قليلا عن مسلسل ملوك الطوائف، وهو مسلسل مشترك بين المغاربة والسوريين والأشقاء العرب، يتناول سيرة الخلفاء الذين تعاقبوا على حكم الأندلس، وقبله تجربة مسلسل، صقر قريش المتميزة مع جمال سليمان و محمد مفتاح، لتكتمل السلسلة وتتطور مع مسلسل ربيع قرطبة، وهي تجارب خالدة تجسد عمق الروابط التاريخية بين سكان الاندلس و العواصم العربية : بغداد ودمشق.

يحكي المسلسل قصص ملوك الطوائف، التي عرفت في التاريخ الإسلامي، عرفت بملوك الطوائف بعد سقوط الخلافة الأموية، في الأندلس، ونشوء الدويلات الصغيرة المتناحرة على الحكم.

كما يتناول أيضا ظهور ونشأة المرابطين في المغرب؛ واتساع نفوذها في تلك الفترة لتشمل الأندلس، ودخول يوسف بن تاشفين في هذا الصراع.

غير أنه لا يمكن لنا أن نغفل عن مسألة، تقع في المغرب، فكل متزعم لأي حركة من هذه الحركات، لا بد أن يتسم بالصلاح ويغلف مواقفه وسلوكه بغلاف ديني، هكذا يتم إنشاء الحركات الدعوية في المغرب ، ونفس التجربة تكررت مع المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين، غير أننا لا ننكر غنى الثقافة المغربية والأندلسية والمشرقيةعلى حد سواء.

وما الفن سوى محاكاة للتطور الذي حدث في هذه الحضارات الخالدة عبر العصور.

الحسين أيت بها

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى