الجمعة ١٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم جميل حمداوي

مدخل إلى النقد السينمائي المغربي

إذا كانت تجربة الإبداع السينمائي المغربي حديثة، فإن تجربة النقد المغربي السينمائي كذلك حديثة ارتبطت بالأندية والجمعيات السينمائية أو الجامعة الوطنية للأندية السينمائية أو الملتقيات والمهرجانات المحلية والوطنية والدولية، ويمكن كذلك القول بأنها ارتبطت بالجامعة والمعاهد الثقافية ومستلزمات الإعلام والصحافة.

ويلاحظ على النقد السينمائي المغربي أنه تغلب عليه الكتابة الصحفية التي ترصد الأفلام بطريقة موجزة ومبتسرة دون احترام خصوصيات الكتابة السينمائية أو قواعد الجنس؛ لذلك نرى أن كل ما كتب في الجرائد والمجلات مقالات تهتم بسرد الحكاية وتأويلها حسب معتقدات الكاتب وانتماءاته السياسية أو الحزبية أو التعريف بالمخرج أو الممثل وذكر صيته في مجال السينما. أي أن هذه المقالات تنصب على تلخيص الأفلام وتأويلها حسب مقاصد وإيديولوجيات معينة أو الاقتصار على حوارات مع بعض المخرجين والممثلين دون الاهتمام بالجوانب الفنية والأسلوبية والتقنية والجمالية. و قد حقق هذا النوع من الكتابة الصحفية تراكما كميا أكبر من الإنتاج السينمائي نفسه، ويمتاز كذلك بالانطباعية والتسرع في تعميم الأحكام والافتقار إلى القراءة الفيلمية الممنهجة و اللجوء إلى مقاربة هذه الأعمال السينمائية على ضوء مفاهيم النقد الأدبي دون تشغيل مفاهيم السينما وأدواتها التقنية وهذا راجع إلى كون هؤلاء الدارسين هواة وصحفيين وليسوا متخصصين في مجال الفن السابع.
وعلى الرغم من ذلك، فهناك مؤلفات وكتب حاولت مقاربة السينما ولكن من وجهات منهجية مختلفة( ببليوغرافية- تاريخية- فنية- قراءة فيلمية- فلسفية- انطباعية- إيديولوجية...).
ومن أهم هذه الكتب النقدية نذكر على سبيل التمثيل:
1- الخطاب السينمائي بين الكتابة والتأويل لمحمد نور الدين أفاية(1988)؛

2- موقع الأدب المغربي من السينما المغربية لخالد الخضري( 1989)؛

3- السينما بالمغرب لمولاي إدريس الجعيدي ( 1991)؛

4- دليل المخرجين المغاربة لخالد الخضري(1999)؛

5- المغرب السينمائي( معطيات وتساؤلات) لأحمد سيجلماسي

6- ( 1999)؛

7- سينما البلدان النامية لعز الدين الخطابي وعبد الإله الجواهري، (2000)؛

8- السينما المغربية:الواقع والآفاق( رصد نظري لمظاهر الأزمة: دراسة تطبيقية) لإبراهيم أيت حمو(2001)؛

9- أبحاث في السينما المغربية لمصطفى مسناوي(2001)؛

10- مادة التعبير الفيلمي لبوبكر الحيحي(2003)؛

11- سيناريو المدينة لعبد العزيز فيلالي صدوق وعبدالحفيظ حمدوش(2003)؛

12- دراسات في السينما لبشير قمري(2005)؛

13- لعبة الظل- لعبة الضوء- كتابات سينمائية لعز الدين الوافي( 2005).

نركز في هذه الدراسة على كتاب ( عز الدين الوافي" لعبة الظل- لعبة المرايا" )الذي يحاول فيه مقاربة مجموعة من الأفلام القصيرة والطويلة مقاربة فيلمية .
يقع كتاب عز الدين الوافي في أكثر من مائة صفحة من الحجم المتوسط الجيبي. وينقسم إلى مقدمة وفصلين. في المقدمة، يحدد الكاتب منهجيته في القراءة التي تتمثل في المقاربة الفيلمية الراصدة للجوانب الموضوعاتية والجمالية والتقنية بعيدا عن الانطباعية والارتجالية في إصدار الأحكام. المقاربة الفيلمية هي خلاصة مناهج عدة: سيميائيات وبنيوية ونقد أدبي وتواصل جماهيري وعلم نفس وعلم اجتماع.. أي أنها تدرس المحكي كصورة مرئية مشخصة في لقطات فيلمية مؤطرة encadrée، كما تستعين بالحوار والموسيقى والتشكيل البصري والنحت والصباغة ووسائل الإعلام المعاصرة والتكنولوجيا الحديثة. ويستلزم هذا أن ندرس الأفلام من وجهة سينمائية بعيدا عن الإيديولوجيا والقراءات الذاتية والانطباعية. وينبه الكاتب إلى أن السينما مهما كانت فردية( الشاشة الصغيرة) أو جماعية ( الشاشة الكبيرة)، فنا أو تجارة أو صناعة فلا بد أن تكون جادة وهادفة في أبعادها الجمالية والموضوعاتية والتقنية. كما يطمح الكاتب إلى سينما عربية ذات جودة عالمية وذات فنية تقنية متميزة، وخصوصيات متفردة في وسط المدارس والاتجاهات السينمائية العالمية.

وتستحضر المقاربة الفيلمية كما هو معلوم بيداغوجيا ثلاثة عناصر أساسية، وهي:
1- كتابة السيناريو: تحويل الأفكار والمشاعر والقصة اللفظية إلى صور ولقطات مرئية عن طريق التقطيع" الديكوباج Découpage "؛
2- مرحلة التصوير: تسجيل الصور المرئية على شريط الفيلم؛
3- مرحلة المونتاج: مرحلة توليف اللقطات والمتواليات الفيلمية.
ويمكن قراءة النص الدرامي فيلميا من خلال ثلاثة أبعاد متكاملة تجمع بين مفاهيم النقد الأدبي والتقنيات السينمائية على هذا النحو:

1- قراءة المحكي الفيلمي:

ويتم التركيز على هذه العناصر التالية:
  البنية الدرامية وتأثيراتها؛
  الزمن؛
  الفضاء؛
  وجهات النظر أو التبئير الفيلمي؛
  الشخصيات أو الممثلون؛
  الحوارات؛
  النص الموازي( العناوين، العناوين الفرعية....)؛
  المقاطع-المفاتيح: البداية، العرض، النهاية...

2- القراءة الأسلوبية:

 تنظيم الصور؛
 المونتاج؛
 تنظيم العناصر الصوتية( ضجيج، موسيقى، كلام)؛
 العلاقة بين الصورة والصوت؛
 نوع السجل وتنغيمه( ملحمي، هزلي، درامي....)؛
 مظاهر الجنس ومكوناته وسماته.

3- قراءة السياق والتناص:

 حياة المخرج وأعماله؛
 موقع الفيلم في تاريخ السينما المعاصرة( التيارات و المدارس والاتجاهات)؛
 السياق التاريخي لإخراج الفيلم؛
 العلاقة الجمالية والتناصية بين الفيلم ومصادره: المؤلفات الأدبية والصور التشكيلية والموسيقية والسينمائية؛
 مراحل الفيلم وخطوات تصويره وإنتاجه: الملخص، السيناريو، الرسومات الأولية، الصور المسجلة والمنقولة، المشاركون...

وعليه، فلقد انتقل عزالدين الوافي في الفصل الأول إلى بعض التقنيات الفيلمية لمقاربتها ودراستها نظريا وتطبيقيا في الفصل المخصص لخصوصيات اللغة السينمائية كلغة الإخراج السينمائي حيث ميز بين المخرج الواقعي الموضوعي والمخرج الانطباعي الذاتي كفيليني في أفلامه. كما أن هناك المخرج التعبيري الذي يركز على تعابير الوجوه ودلالات الأشياء بالإضافة إلى المخرج الرومانسي. وبعد ذلك انتقل للحديث عن بعض المفاهيم السينمائية التقنية بالشرح والتوضيح والتمثيل مع ذكر الوظائف الجمالية والسينمائية والإيديولوجية مثل: التأطير Encadrage وهندسة الزوايا أو ما يسمى بالتبئيرFocalisation والإنارة والحوار والتقطيع المشهدي واللقطة ولغة الكاميرا والتوازن بين اللغة السينمائية والطرح الفكري والجمالي، والانتقال لدراسة السيناريو و الملخص الفيلمي( السينوبسيس) ومواصفات السيناريو الجيد الذي يعد أساس الإبداع والعمل السينمائي. وبعد ذلك انتقل للحديث عن الفيلم القصير من خلال نماذج مغربية" الصمت المغتصب" لمحمد عهد بنسودة و"ظل الموت" لمخرجه محمد مفتكر وفيلم "رباط" لليلى التريكي لتشخيص صعوباته وإشكالية المعنى بين الزيادة والنقصان وبين السهولة والامتناع.

ولم يكتف بهذا بل قدم مقاربة تشخيصية نقدية للفيلم المغربي من خلال التركيز على السيناريو والحوار والإنارة والكاستينغ(Casting: مراحل اختيار الممثل الكفء) والموسيقى التصويرية. كما تعرض للفيلم النسائي الذي تتوفر فيه خصوصيات الكتابة النسائية كما هو الحال في فيلم نرجس النجار" العيون الجافة" والأفلام التلفزيونية ك"الدويبة" لفاطمة بوبكدي، و"كيد النساء" أو " باب السماء مفتوح" و" النية تغلب" لفريدة بليزيد.

وفي الفصل الثاني، تناول الكاتب أفلاما من دول مغربية وأوربية وآسيوية بالدراسة والنقد. فقد ركز على السينما التونسية المشاغبة من خلال نموذج" عرائس من طين" لنوري بوزيد الذي حلل فيه المخرج الطفولة المغتصبة وعلاقتها بالفقر والدعارة والسياسة على غرار المخرج المغربي عبد القادر لقطع عن الطفولة المغتصبة و فيلم" صندوق عجب" للمخرج التونسي كذلك رضا الباهي عبر أفلمة السينما لتتحدث عن نفسها دراميا وذاتيا، وينتقل بعد ذلك إلى الفيلم الجزائري" رشيدة" للمخرجة يمينة بشير الشويخ الذي يركز على يوميات العنف والإرهاب في الجزائر من خلال تقاطع دلالي وفني فيلمي.

ولم يقتصر الباحث على السينما المغاربية بل انتقل إلى السينما الأوربية من خلال نموذج إسباني بيدرو ألمودوفار في فيلميه"كعوب عالية" و"نساء على حافة الانهيار العصبي" حيث تتداخل الحبكة البوليسية مع العبث الوجودي والشبقية والخيانة والثأر ضد الذكورة.وفي الأخير يقارب فيلم "مهووس بالنساء والرسم"للمخرج الكوري الجنوبي : إيم كونغ تايك وذلك بالتركيز على الخطاب الشاعري وسحر العيون والتشكيل الآسيوي الشرقي.

ونصل بعد هذا العرض الوجيز لمضامين كتاب الناقد عز الدين الوافي للتأكيد بأنه من الدراسات النقدية السينمائية المغربية الجادة التي تسلحت بأدوات سينوغرافية فيلمية إجرائية، مركزا في مقاربته الفيلمية على الأبعاد المنهجية السينمائية الثلاثة: الموضوعية والأسلوبية والسياقية. وإذا كانت أغلب الدراسات النقدية السينمائية المغربية تسقط في التأريخ والببليوغرافيا والقراءة الانطباعية والتشخيصية لمظاهر الأزمة في السينما المغربية فإن دراسة عز الدين الوافي في رأيي من الأعمال النقدية التطبيقية الأولى التي تجرب المقاربة الفيلمية بمصطلحاتها ومفاهيم الجنس السينمائي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى