السبت ١٦ شباط (فبراير) ٢٠١٩
بقلم عبده حقي

يوتيوب وصناعة الاستغباء

يطفو من حين لآخر على سطح منصة يوتيوب مخلوقات آدمية كاريكاتورية تدفع بها أياد خفية بعضها مدسوس لغايات فبركة إلهاء إجتماعي عام وبعضها الآخر يروم منها خلق ما يسمى ب(البوز) أي الحدث الإعلامي اليوتوبي الفائق والمستأثر بالرأي العام في فترة ما.

إنها مخلوقات تعيش في قعر الهشاشة وتنام على سرير الهامش وتقتات في صحون الإقصاء.. ما يجعل منها حالات متفردة في الوسط الاجتماعي لها ثقافتها الخاصة ولغتها اليومية المتفردة وردود أفعالها المتميزة... هؤلاء كانوا إلى وقت قريب ينعتون ب(الشمكارة) أي تلك الفئة من الصعاليك والشحاذين الشباب المحلقين بأجنحة حبوب الهلوسة ومراهم السيليسيون.

ومع هذا الانفجار المهول في منصة التواصل الاجتماعي يوتيوب وتعدد أدواره الإعلامية والثقافية والاجتماعية والسياسية وأيضا التطور الحاصل في تطبيقات الهواتف الذكية بات الولوج إلى عالم الشهرة والنجومية أمرا أيسر من جرعة ماء يكفي فقط لكل صاحب هاتف اسمارتفون أن يلم ببعض التطبيقات الرقمية وقواعد التسجيل والأرشفة والنشر ليصعد إلى خشبة المنصة ويتشدق بما يشاء و يتشاطر مع مجموعته وأقرانه في موقع فيسبوك بعض تسجيلاته بحثا عن هدف ما...

لم يعد يوتيوب منصة للتعبير الحر والرصين وتوثيق لحظات مائزة وإنما صار منجما مدرا للأموال الباهضة التي لم يكن يحلم بها عديد من اليوتوبيين الفاشلين وذلك وفقا لمنسوب عدد المشاهدات الذي قد يصل عند بعض المحظوظات والمحظوظين إلى عشرات الآلاف بل الملايين...

ولتحقيق ذلك عمد هؤلاء الأغبياء الأذكياء إلى البحث عن مفاتيح مغارة علي بابا والاصطياد في قعر المستنقع بحثا عن كائنات منسية يصنعون منها ضجة البوز بدل أن يصنعونها من أعمالهم الشخصية في مجالات تخصصهم الفني أو المهني والوظيفي..إلخ

لقد اغتنى كثير من اليوتوبيين الأذكياء على ظهر يوتوبيين أغبياء جيئ بهم إلى عشرات الآلاف من الجماهير ليس لديهم من رصيد سوى حفنة من العبارات الساقطة والحركات والإشارات الرعناء والساخرة.. أحيانا يعمد إلى استفزازهم عن طريق كمائن أسئلة وأحيانا عن طريق النبش في اهتماماتهم وأوجاعهم.

إنها كائنات قصيرة العمر وحياتها رهينة بنسبة المشاهدة التي قد تعلو إلى القمة في وقت ما لتندحر بسرعة إلى حضيض النسيان وإلى أن يشطبها من ذاكرة المجتمع ضحية أخرى يؤتى به لنحره وإعداد ولائم الفرجة من جسده المنهوك الذي ينخره دود البلادة.

فكيف يصنع أذكياء يوتيوب من شاب فقير ومعدم نجما لا لشيء يميزه في عالم النجومية سوى أنه تحدث عن فيروس أنفلوانزا الخنازير (إن وان إتش وان) بطريقة بليدة وغبية جعلت منه أشهر حلايقي بامتياز على اليوتيوب.. ثم يتم اصطياده من طرف يوتوبير آخر ليحدثنا عن علاقته الحميمية بزوجته ويقصص علينا كيف تعرف عليها وكيف ولجا إلى عش الزوجية خاليا الوفاض ليناما على الحصير ويقتاتا على الخبز والزيتون... وأخيرا يقوم أحد الأثرياء بإهدائهما خاتما من الماس النفيس تعاطفا معهما واعترافا بفقرهما بدل البحث لهما عن عمل ودخل قار ومستدام يضمنا به مستقبلهما ومستقبل أبنائهما اللذان سيولدان تحت سقف القصدير.

ومما لاشك فيه أن مثل هذه الوقائع سوف تدفع بكثير من الشمكارة الأغبياء واليوتوبيين الأذكياء إلى البحث عن مواقعهم على منصة يوتيوب بأي ثمن أخلاقي وعلى حساب غباء الفئات المجتمعية التي باتت تقضي أيامها في مشاهدة السخافات بدل إستثمار أوقاتها في طرد نحس الأمية التي تلقي بالمغرب في أدنى المراتب التعلم على الصعيد العربي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى