السبت ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
بقلم فاطمة الزهراء بطوش

أختي

"..اركن جنونك بموقف التعقل، اعد حساباتك، لا تتهور في قيادة قراراتك الطائشة كسابق عهدك.. فكل شيء آيل للزوال.. و أن تصل متأخرا خير لك من أن لا تصل أبدا".

جاءت هاته النصائح متتابعة من أعماق ضمير رابح.. فجأة تملكه الحنين لتوقيت ما في حياته.. ولكأن يدا خفية توجه ذاكرته إلى حيث توقف عمل قلبه الطبيعي.. إلى يوم مشؤوم اتخذ فيه التنكر لأخته، والتنصل من أي مسؤولية تدفعه ليعينها في أشد ازماتها.

جاءته على وجع.. بثوب الذل و الظلم من رجل اختير زوجا لها بمباركته وكل الأهل عداها هي.. كي لا تسمى الاخت العاقة والمتمردة رضخت في اعتزاز وشموخ البنت البارة.
طرقت بابه لأول مرة.. استقبلتها زوجته بجفاء، ملقية عليها لوم ما كان ومالم يكن.. وضعت نظارات التغابي كي لا ترى خطوط الدمع المرسومة على وجنتيها.. ولا آثار كدمات لكمات الوحش..

يعود صوت ضميره مخاطبا" كان يجب أن تسمع أنين روحها.. و تلمس خدوشات جراحها.. و تعي بإحساس المرأة النبيلة وجع بنت جنسها.. لكن زوجتك أبت أن ترى كل ذلك، وقررت أن تشغلك بتفاهات الحياة.. و لم ليست تسأل عنكم؟."

يهز رابح رأسه يمينا وشمالا رافضا ما يسمع، مدافعا عن موقفه يومها..

..دخل كعادته بابتسامة عريضة إلى بيته بعد مساء تعب العمل و اهوال الحياة كي يضمن لقمة عيشه وزوجته الحامل، وكي يشبع جشع روحها للهدايا و ملذات الحياة.. سابقت إليه زوجته كي تزف له خبر ضيفتهما عند الباب.. وطبعا لتمرر قرارها في عدم رضاها عن تواجد أخته ببيتها.

سرق الشوق من محياه ابتسامة السعادة لمرآها.. لكن لغة الأنا تغلبت على صوت الأخوة، فسابق سيل دمعها المتوسل ليبحث معها عن مخرج مما هي فيه من ظلم.

لم تفهم لم كلماته الجارحة.. و طرده إياها بكل برودة دون أن يسمعها حتى.. أو يفهم سبب زيارتها إليه.

نظر رابح لمن كانا السبب في اعادة شريط ذاكرة ذاك اليوم.. رأى ابنته تمازح أخاها و تخبره انها ليست تتشرف به خالا لأولادها مستقبلا بسبب اهماله لدروسه.

جاءه صوت أكثر حنان من صوت ضميره الذي أرهقه لوما، من ذاكرة صغره.." أريد أن أفخر بك و أرفع رأسي بنجاحك يا عمري".. كانت تهطل عليه تلك الكلمات و الدمع في عينيه حبيس.. كحبسه لآمال

أخته آنذاك.

أراد أن يشعر زوجته -التي ضحكت فرحا بقول ابنتها-بذاك التخبط الذي يتمرغ فيه حيرة..

- ما ظنك لو فعلتها حقا؟

أجابته في ثقة متناهية

 محال ان تفعل الأخت هذا بأخيها.. مهما كانت صفته أو حالته ،فهي حنونة دوما.. و أما ثانية لأخيها. ها أنا ذي لست أنس أخي أبدا.. و أختي الكبرى كما ترى أحن شخص علينا.
بادرها مستهزئا

 نعم فتحت له محلا بمال زوجك.. و لم يكلف نفسه عناء شكري يوما.. بل ليته كان ممتنا لك انت أخته ويزورك دون مناسبات، أو دعوات.

قاطعت كلامه في انفعال مصطنع

 الأمر بيني وبين أخي.. فلم تتدخل بيننا؟

بابتسامة ساخرة رد

 تذكرت فجأة أختي.. يوم طردتها من حياتي دون ما ذنب اقترفته.. فقط كي أرضيك أفلت يدها من يدي بلا شفقة أو رحمة.. ما كان سيكلفني لو أني طيبت خاطرها بكلمة طيبة.. ليتني فقط قلت لها يا أختي.

 لم لم أكن أقوى على ردع وسواسك لي ضدها..؟

حين تنبهت زوجته أن الجو سيزداد سوءا أرادت تلطيفه بجملة تنهي شمس استيقاظ ضميره
 لست امنعك عنها.. ابحث عن اختك و اطلب الصفح.. ما دامك تذكرتها اليوم.

خرجت وهي تتمتم.. وقفت عند باب المطبخ ونظرت إلى حيث أجلستها يوما على كرسي يكاد يكون

مهترئا.. زعزعتها فجأة أحاسيس الندم لصنيعها.. فقد اختلقت كلاما قيل عنها ونسبته للسانها.. وكي تدمرها

جعلت من زوجها ألعوبة لأهوائها.. والذي لم يتبين الحقيقة يومها بل هاجمها كوحش مفترس على غزالة مجروحة.. لم يكن

لم تمتلك أية حيلة لتدافع عن نفسها.. فقد امتلأ قلبها بكل أنواع الجراح.. بجعبتها أعذارا لتواجه حقدها

خاصة بعد أن كادت تسقط وهي تسند رأسها على حنان أخوة متهالكة.

لثمت ثغراتها حينذاك كل جميل عن جوع كيد امرأة.. و قابله خنوع أخت عاجزة..

عادت إلى زوجها متودده

 لم خطرت اليوم على بالك؟ فلتلك الحادثة سنين عجاف قد مرت عليها، وقد كبر أولادها الآن.. ولم تذكرها يوما.

رد بوجع مشيرا لابنته

 معاملتها لأخيها.. تذكرني كثيرا بأختي.. ولكأني أراها في ابنتي.. عيناها.. ابتسامتها.. حتى اهتمامها بتفاصيل أخيها يشبهها.. أذكرها آخر مرة و أنا أطردها من بيتي.. يومها قالت لي أن ما يؤلمها ليس اخراجي من بيتها و إنما من حقها في كأخت.

سكت رابح قليلا يبتلع ريق الندم.. فاقترحت عليه زوجته فكرة استراح لها و اطمأن بها..

نادت أولادها تخبرهم أنهم سيذهبون لزيارة العمة..

تلك العمة التي تجرعت مرار الفقد في يوم واحد.. أخ تنكر لها.. وزوج طلقها حين رأى ألا معين لها.. ولم يكلف عناء الانفاق على فلذات كبده كل تلك الأعوام.

لم تجد سندا غير والدها الشيخ.. الذي وهبها مسكنه الصغير في حياته.. فكان امتلاك سقف يؤويها و أولادها من التشرد في الشوارع.. لتخرج بعد وفاة والدها للعمل كمنظفة بالبيوت لتسد رمق صغارها بلقمة حلال.

..وهم رابح للخروج في انتشاء مع أسرته.. و إذا بهاتفه يرن ينقل له بصوت ابن أخته وفاتها. حين رأت منه زوجته التأثر الشديد.. والانهيار سألته ما الخطب.. أجابها وعينيه حمراوين من البكاء. .وهو يعانق ابنته قائلا" فهمت الآن المعنى الحقيقي للمثل القائل"

 عز الطفلة مع بوها.. وغير بوها تتهان..حتى لو كان شيخ القبيلة خوها وراجلها ولد السلطان.
لذا أنجبي أختا لابنتي و إلا فإنك طالق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى