السبت ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٣

رحيل الطائر الحزين

مروة سعيد

عاد الطائر الحزين ليحلق في سماء حياتي من جديد بعد غياب طويل . أبهجتني عودته و سرني مجيئه إلا أنه لم يطل البقاء و لم يدم التحليق.
عاد ليخبرني أنه راحل إلى ديار بعيدة . لماذا؟ سألته فلم يجب ,وعن ميقات عودته استفسرت فلم يومئ. فقط قال أنه راحل عند الغروب وأنه لابد من الرحيل!!

لم أقنع بهذا جوابا . وعدت أسأله من جديد عن سبب الرحيل.

 "ألم تعتد التحليق هنا؟" "بلى" " فلم الرحيل إذن؟"

"إن السماء هنا ملبدة بالسحب و الغيوم. وهذا يعيق أجنحتي عن التحليق عاليا كما أريد , وعن الوصول إلى الأفق البعيد كما أطمح. أما هناك فالسماء صافية و الأفق رحب."

"واحدة هي السماء هنا وهناك ,ولكنها الغيوم والسحب كما تقول . وتلك آفلة , محال دوامها , مؤكد زوالها. وساعتها لن يكون هناك فرق أو اختلاف بين سماء هنا وهناك."

 "أجل ...ولكن الهواء هناك هفهاف ونقي, والنسيم عليل وشجي وكلاهما يساعد على التحليق أعلى و أعلى."

 "دوار هو الهواء و سيار هو النسيم. فما يلبسان أن يهبا هنا . فلم يسمع من قبل عن هواء راكد ,أو نسيم هاجع.
 ألا ترى أنك تتعلل بحجج واهية يا طائري؟ فلما لا تفصح عن سبب رحيلك الحقيقي؟"

 "إنها الحياة... أجل الحياة هنا أضنتني وأسقمتني , فلم أعد قادرا على تحملها , ولم أعد راغبا في مواصلتها هنا. إنها تزداد سوءا يوما بعد يوم , وألما ساعة بعد ساعة"

"واجد هو معين الوجود الذي تصب منه الحياة هنا وهناك. فلمَ هذا التحايل؟"

 "أنت لا تعلمين شيئا عن حياتي."

"وكيف لي أن أعلم وأنت دائم السكوت والإطراق.تخفي ولا تفصح , تلمح ولا تصرح ,تشكك ولا تؤكد. كل ما أراه دائما هو طائر حزين ,تمتلئ عيناه بالشجن , وتصرخ ملامحه بالأسى .لماذا ؟لست أدري .ولطالما حاولت معرفة السبب , ولكنك دائم الهروب والإشاحة, ولماذا ؟ لست أدري.

 لقد أخطأت يا طائر كل الخطأ, حين اعتقدت أن في الهروب ملاذا وفي الإخفاء ستارا. ولكنك كما تقول "حياتي" أجل هي حقا حياتك وحدك ,ولا أريد أن اعرف شيئا عنها إذ لا مكان لي فيها. فلترحل كما تشاء و حيث تشاء"

يوم الرحيل.

كم حزين كان قلبي ,وغاضب كان عقلي ,وضائق كان قلبي ,وساخط كان وجداني في ذلك اليوم. كم تمنيت ألا يعود ليودعني قبل رحيله ليسهل نسيانه , ولكنه جاء

"اني راحل اليوم"

"ارحل...في رحيلك راحة لي"

"إني راحل ولكنني سأعود يوما ما لأحلق هنا بعد أن تزول تلك السحب وتتبدد تلك الغيوم"

 "تعود أو لا تعود , في كلا الحالتين لن تجد السماء صافية لك ولا الأفق خالص لك!"

 "ولمَ لا؟"
 "لأنك لا تستحق!"
 "لمَ هذه القسوة؟"

 " أحقا تسأل؟ ما كنت يوما قاسية عليك ,أنت من دفعني و يدفعني إلى هذا.
 أترى هذه السماء , إن أحبت يوما رضيت أغدقت , فصفيت وشمست,وان كرهت يوما نقمت وسخطت فعصفت وأرعدت , وصعقت وأمطرت..ارحل من هنا."
 "اني راحل ولا أريدك غاضبة مني."
 "أنت دائما من يريد ويأخذ, أنت دائما من يطلب ويلبى, وليتك اعتبرت هذا. ارحل فقد ولى زمن العطاء"
 "حسنا...اني راحل!"
 "ارحل"

رحل الطائر الحزين ,مخلفا وراءه حزنا , تاركا خلفه شجنا وترحا ..ولست أدري إن كان حقا يعود ...لست أدري!!!

مروة سعيد

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى