الجمعة ٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم سهير فضل عيد

الأمومة شيء مقدس

الأمومة شيء مقدس ، إحساس يصعب التعبير عنه بالكلمات،
إحساس أكبر من أن نعبر عنه حتى بالإحساس .
فكلمة أمي لا تطلق إلا على الأنثى وليست كل امرأة هي أنثى.

يا ترى ماذا يفعل الله بإنسان رفض نعمة قدمها الله له ؟
ويا ترى هل يداعب الندم هؤلاء الناس ؟ أو هل يذكرون الله فيشكروه مثلما يذكرهم الخالق فينعم عليهم ويرحمهم؟

البداية

إنها هناك تلك السيدة ، جميلة الملامح , رومانسية العينين , ممشوقة القوام ، هادئة التعبير .

سيدة قدمت مئات الأعمال الناجحة لمن أحبها من الجماهير ، سيدة كانت تطرَب بكلمات المعجبين وترقص فرحاً بانحناء الملايين أمامها وتدمع عيناها فرحاً لنيلها مئات الجوائز وشهادات التقدير.

داخل بيت مليء بالإبداعات الفنية التي ارتسمت على الجدران
كانت تعيش تلك السيدة وحيدة بعد حصولها على الطلاق منذ شهر مضى ، وحيدة مع أعمالها الرائعة ، لا يسليها ولا يهون عليها وحدتها سوى ببغاء يردد أصداء المكان وكلما أحست بنوع من التوتر تبدأ بتغيير الأثاث لإيجاد نوع من التغيير والتجديد فتشعر بشيء من الارتياح.

وفي إحدى الليالي الهادئة حيث كان القمر بدراً يشع وسط السماء دغدغت أحشاءها أنامل طرية ناعمة ، وبعدما تأكدت من تلك الأنامل لم تكن إلا جنيناً حاول لمسها بعطف وحنان ، قادها حبها الأعمى لعملها وبريق شهرتها وتفكيرها الخالي من الرأفة إلى إجهاض ذلك الكائن الضعيف الذي لا حول له ولا قوة ، الذي لا يمتلك وسيلة للدفاع عن نفسه ، امرأة قوية وكائن ضعيف كفتان غير متكافئتين وكان لابد أن ترجح الكفة القوية.

أزهقت روحاً بمحض إرادتها ثم ذرفت الدموع السخية.
غادرت السيدة عيادة الطبيب إلى بيتها وهناك وقفت أمام مرآتها لتتأكد هل شوه ذاك الجنين جمالها أم هل غير شيئاً من رشاقة جسمها !

بعد ذلك بدأت باسترجاع ذكريات الماضي الجميل وتنتقل من شهادة إلى شهادة ومن جائزة لأخرى ، اندمجت مع ذلك العالم ولم تسمع موسيقى الناي الحزين التي ظهرت من اللاشيء من وراء حجاب وعلى هذه النغمات دخل الجنين المجهض بيت أمه .
ربما دخل عبر الباب دافعاً الباب بجسده النحيل أو ربما دخل من بين الثقوب أو تسرب عبر قفل الباب بأي طريقة دخل لا نعلم، إلا أنه دخل .

تقدم باكياً وجثا أمام قدمي أمه ، في هذه اللحظة صحت الأم من غفلتها وشاهدته !! ارتعشت ... تلعثمت، لم تعرف ماذا تقول ؟!
ولا كيف توجه حركات جسدها وبعد نظرات خائفة مذهولة قالت :
من أنت ؟!

الجنين: أنا الجنين الذي أجهضته منذ ساعات ، لا تعلمين أيتها المرأة كم تعبت من أجل أن أتبع خطاك على الثرى وكم ضاع دمي من أجل نظرة من عينيك.
الأم(وهي تبكي ودموعها هائمة): كيف دخلت إلى هنا؟!
الجنين: اسألي فؤادي ...ثم يصمت متألماً.

الأم: قل ما تريد يا قرة عيني وفؤادي.
الجنين: عينك قد فقأتها وفؤادك قد فطرته.ثم ينظر إليها متسائلاً .. ِلمَ؟ لِمَ حرمتني من الحياة؟
 الأم: أنا لم أحرمك من الحياة . لكنني أردت الحفاظ عليك من الضياع من بين يدي فما كنت سأتخلى عن مجدٍ تعبت في الوصول إليه فاخترت لك السعادة في الآخرة على أن تكون تعيساً معي في الدنيا.
 الجنين: آه لو تعلمين بما كنت أشعر وأنا بين أحشائك ،كنت خائفاً مذعوراً من شدة الظلام الدامس الذي يخيم علي وكنت أبكي من الوحدة والغربة وأدعو الله أن ينتشلني من هذه الظلمة وعندما بدأتِ بإجهاضي ، تصورت أنك أتيتِ لتخليصي من هذا الظلام لتضعيني بين يديك وتضميني لصدرك ولكنني اكتشفت عندما غادرت أحشاءك أنني ذاهب للقبر .آه ما أقساك يا أمي!!
 الأم: دعنا الآن نتعانق عناق مودع حتى أشعر ولو مرة في حياتي بلذة الأمومة.
 الجنين: هذا ليس جسدي ، فجسدي دفنته تحت التراب دون أن تكلفي نفسك العناء حتى ولو بإحضار إكليل من الزهور لتعطري به ترابي .

لكن هذه روحي جاءت إليك معاتبة ، أما أنا فسأبقى أحبك وأشتاق إليك وليديك التي لم أشعر بهما، سأشتاق لسماع دقات ذلك الفؤاد الذي طاوعك لإنهاء حياتي.
ولي أمنية أرجو منك تحقيقها عندما نتقابل في العالم الآخر وهي أن تضميني بكل ما أوتيتِ من قوة فأشعر أنك تريدين شق أضلاعك وإدخالي لما وراء تلك الأضلاع ومن ثم توصدي تلك الأضلاع جيداً فأبقى شاعراً بالأمان.

لكِ مني هذه الكلمات التي كتبتها بدمي على لوحة من طين الأرض:

أحبك يا أمي أن تكوني
الكاهن وأنا المعبد
الساقي وأنا الورد
القبلة وأنا الخد
القارئ وأنا الرواية
اللوحات وأنا الزوايا
الضياع وأنا الهداية
الحزن وأنا الأنين
العمر وأنا السنين
الدمعات وأنا العين
وأحب يا أمي أن أكون
 
الليل وأنت الهمس
الجسد وأنت اللمس
الألم وأنت الصبر
العطش وأنت النهر
الحلم وأنت المنام
الثغر وأنت الابتسام
كم تمنيت يا أمي أن تكوني وأن أكون
لكنك رفضتِ أن تكوني وأن أكون.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى