الاثنين ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم سهير فضل عيد

ليس المال كل شيء يا ولدي

[المشهد الأول]

ضمن جلسة شبابية بين الأصدقاء يتحدث سامي عن والده بنوع من الحقد والملل والسخرية:

أتعلمون أن أبي يملك المال الكثير (مليونير) لكنه لايفتأ يذكر جملته المملة المعهودة – ليس المال كل شيء ياولدي _ هذه الجملة صارت الافتتاحية لكل جلسة عائلية وصارت أيضاً نهاية كل حديث عابر حتى لو كان الموضوع لا يتعلق بالمال: يتفرع أبي في النقاش ويطرح المشاكل بطريقة توصله لهذه الجملة ولاأعلم ما هو قصده بها هل هو بخيل؟
هل لا يريد إعطائي المال رغم أنني وحيده؟!!

لاأعرف! من يصدق أنني ابن المليونير الشهير وعلى أعتاب التخرج في الجامعة ولا أملك سيارة!!

[المشهد الثاني]

(سامي يصعد درجات السلم قفزاً ضاحكاً مستبشراً ويصل لباب البيت ويبدأ بالعزف القوي على الجرس والباب في معاً فتفتح الخادمة ويدخل مسرعاً ليمسك بأمه يراقصها يدور معها بين آثاث المنزل الجميل الأنيق في ترتيبه ، الغالي في فرشه وديكوراته مما يدل على ثراء أصحابه).

الأم:ما بك حبيبي؟

سامي:نجحت بامتياز مع مرتبة الشرف – شانه شأن الناجحين في المسلسلات والأفلام بأعلى الدرجات وامتياز ومرتبة شرف في عالم يتسول ساكينه الشرف فلا يجدونه- .
الأب: (الأب بنظر من فوق النظارة وهو جالس وراء مكتبه في الغرفة المقابلة للصالون)
وبعد دقائق يأتي الأب وبكل برود وكأن شيئاً لم يحدث ...... مبارك يا سامي .
(كأنه يعزي، وكأنه أسقط ابنه في وادٍ سحيق بعد أن كان معتلياً هام السحب)، تعال معي يا سامي إلى المكتب: لقد تخرجت اليوم يا سامي ... يقاطعه سامي: أبي أريد هدية تخرجي سيارة و.... قبل أن يكمل
الأب بسخرية:سيارة؟! أتعلم متى ركب أبوك سيارة ؟ بعد أن أمضى سنوات من حياته ماشياً على قدميه تارةً وتارةً بالمواصلات العامة وتارةً على دراجة .

يجب أن تعمل وتشعر بقيمة تعبك حتى لا تضيع ما تملك بكل سهولة ويسر.
سامي (يستمع بملل):أعلم ...أعلم أن المال ليس كل شيء يا أبي أليس هذا ما تريد الوصول إليه في نهاية المطاف؟
 الأب: تكلم بأدب
 سامي:عذراً فهذه أسطوانة متكررة لا تيأس من أن تسمعني إياها كلما رأيتني تبدأ بالتعب والعرق وتنتهي بأن المال ليس كل شيء يا ولدي.
 الأب (ثائراً):ألم تعلمك المدارس كيف تحترم الآخرين؟
 سامي: وهل الاحترام أن أكبت مشاعري وأتصنع الخجل وأنظر للأرض وأتلعثم في الكلمات ،نحن في الألفية الثانية عام 2005 ، زمن الحرية والتعبير عن الرأي بالطريقة التي نريدها.
ليس زمن الإبحار في سفينة الكسب الطويل والتعب والإرهاق بل هو زمن جني المال بأقصى سرعة وبكل الطرق.
ألا ترى العالم من حولك؟ ألا يموت الكثير من الناس بسبب المرض والجوع؟
هل تقوم المستشفيات والمهنة التي تطلقون عليها بأنها إنسانية بإسعاف المرضى دون مال؟
ألم يتنازل الكثيرون من المتعلمين والمثقفين عن القيم والمبادئ في فترات من حياتهم وعندما وصلوا للمال والمجد عادوا فالتزموا بنفس ما تخلوا عنه سابقاً.
ألا تشاهد الفن الحديث والفيديو كليبات(الأغاني المصورة) التي هي عبارة عن أفلام إباحية مصغرة ثم يتوج أصحابها ويسمونهم بالمبدعين على رغم أنهم لا يملكون أصواتاً إنهم لا يملكون إلا أجساداً لكنهم وصلوا وصاروا الأفضل والكثير والكثير....ألا يعني هذا أن المال كل شيء؟

ثم لماذا أبدأ من الصفر وأنت تملك الملايين ؟
هل من العدل أن أبدو كالفقراء وأبي يملك أكبر شركات البلد إذاً ما هو الفرق بين الفقير والغني؟

 الأب: أنا لا أبخل عليك ولكن أريدك أن تعلم أن الأخلاق هي الأساس والمال يأتي باتباع الطرق السليمة وأن لاتحصر تفكيرك بالمال والثروة حتى إذا جاء يوم وضاعت منك لاتضطر للبحث عن بديل فلا تجد .
 سامي (بنظرة ساخرة غير مقتنعة) كما تريد ويغادر الغرفة .

[المشهد الثالث]

(حول مائدة الطعام)

 سامي:أمي أريد مالاً فاليوم سأحتفل مع أصحابي بمناسبة النجاح.
 الأب: أعطيه ياأم سامي لكن لاتسرفي فالمال ليس كل شيء.
ينهض سامي منزعجاً ويرتدي ملابسه بسرعة ويغادر المنزل وعندما يصل الشارع يتفقد ثيابه فيكتشف أنه نسي محفظته فتزوره في تلك اللحظة عزة النفس ويرفض الرجوع للبيت لجلب المال .

ولأن الحماقة تختلط بالحاجة أحياناً ، غاب عن باله أنه من الممكن أخذ تاكسي وصديقه يحاسبه ، فاختار المشي من بيته لبيت صديقه هشام وهي مسافة استغرقت حوالي أربع ساعات مرت عليه كأربع أيام شعر خلالها بالعطش وأمامه المحلات التي تبيع مالذ وطاب من العصيرات لكنه لايملك المال ، شعر بالجوع لكنه نسي محفظته ، احتاج لكل شيء خلال أربع الساعات ،احتاج لأشياء لاتأتي على باله أصلاً في لحظات الشبع _ ماأجمل متاع الدنيا حين نكون فقراء لانملك الحصول عليه وماأهون وأحقر ذلك المتاع حين تكون جيوبنا ممتلئة _

[المشهد الرابع]

يفتح هشام الباب فيقع سامي مغمى عليه ، يسرع هشام لإحضار الماء البارد ويسكبه على رأسه ، فيصحو سامي لكنه غيرقادر على الحراك فيحمله هشام ويضعه على سريره ومن شدة التعب يدخل سامي في النوم دون مقدمات.

[المشهد الخامس]

هشام: صباح الخير

سامي: صباح الخير ويقص على هشام ماحدث
هشام (يضحك هشام): إنك تحمل الأمور فوق طاقتها كان عليك أن تأخذ تاكسي وأنا أحاسبه بدلاً عنك.

هيا لا تضيع الوقت لابد أن نستمتع بفرحة نجاحنا , كلها دقائق وتحضر الشلة ويجب أن نستعد للرحلة.
سامي: لكن ليس معي قرش واحد.
هشام :لاعليك سأدفع نصيبك في الرحلة.

[المشهد السادس]

(أرض زراعية أشبه بالغابة قاموا بالتخييم هناك وبدأ الرفاق باللعب والمرح والغناء والأكل ، والضحكات تتعالى).

سامي يهمس في أذن هشام : أريد دخول الحمام.
هشام: هناك على بعد خمسة أمتار على يسار شجرة الياسمين توجد دورات مياه .

[المشهد السابع]

سامي للمسئول عن دورات المياه :لو سمحت أريد الدخول
 المسئول: 25
 سامي: دعني أدخل وسأحضر لك ماتريد
 المسئول: آسف هذه دورات خاصة
 سامي: اسمح لي فأنا مضطر ولاأستطيع العودة لإحضارالمال دعني أدخل وأعدك بإحضار المال.
 المسئول :آسف
يرجع سامي ليأخذ المال من هشام لكنه لا يستطيع تمالك نفسه فيضطر لترطيب ملابسه.

[المشهد الثامن]

(في طريق العودة للمنزل داخل الميكروباص)

تتعالى الضحكات والكلمات الساخرة
افتحوا الشبابيك لانستطيع التنفس.
ماهذا ياسامي هل لا زلت طفلاً ....وهكذا طوال الطريق
تدمع عينا سامي ويزداد حقداً على والده.

[المشهد التاسع]

(تفتح الخادمة الباب)

يدخل سامي دون سلام أو كلام.
الأب:بنظر إليه – ماهذا ياسامي لماذا ملابسك مبللة هل وقعت في الشارع ، ماهذه الرائحة لابد أنك وقعت في مياه الصرف الصحي.

 سامي: كلا ، لقد عملتها على نفسي.
 الأب : هل جننت؟؟
 سامي ساخراً: كلا، لكن المال ليس كل شيء ياوالدي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى