الأحد ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
قصة قصيرة للأسير المحرر : رأفت حمدونة
بقلم رأفت حمدونة

عصافير الاحتلال في السجون

استغل المحققون جرح( رفيق ) الأسير الفلسطينى المصاب من رصاص جنود الاحتلال لحظة اعتقاله فاستخدموه في التحقيق، كانوا يضغطون على الجرح ويلمسونه بأداة حادة ليعترف ولكن رفيق كان صامداً متحدياً وصبوراً فلم يزد على اعتراف الآخرين عليه بتقديم مساعدات مالية لشراء السلاح.

 قال المحقق الاسرائيلى لرفيق : أنت قائد تنظيم إرهابي يا رفيق ولك علاقاتك مع جهات خارج البلاد أليس كذلك؟

 أجاب رفيق : الإرهاب هو أن تستغل جرحي وأعصابي وتعذبني دون دليل ولم أكن يوماً على علاقة مع أحد....

قاطعه المحقق: أنت تكذب يا رفيق وان لم تعترف سوف نعتقل أمك وأخاك وخطيبتك وسنهدم الليلة بيتكن، هيا قل ما عندك؟؟

 لا تهددني بشيء (فالله خير حافظا وهو ارحم الرحمين) (يوسف64)
(فاقض ما أنت قاض ) (طه72) ، فليس عندي أي شئ.

لم تمر الساعات سهلة على رفيق ورغم أنه تجاهل تهديد المحقق في مسلخ التحقيق بسجن أهله وهدم بيته إلا أنه كان يتألم من حديثه أكثر من التعذيب، فأهون عليه أن يتقطع إرباً على أن لا يمس أمه وخطيبته مكروه، والاحتلال لا يعرف الرحمة أو الشفقة فكان يتوقع منهم كل سوء.

مر سبعون يوماً على رفيق والتهب الجرح من الإهمال الطبي والضغط النفسي، وشعر بالتعب الجسدي من قلة النوم والجلوس على كرسي صغير مقيد الأيدي من الخلف وصب الماء البارد والساخن على رأسه وجسده ونقله للحجز الانفرادي ومواصلة تهديده وضربه وهز رأسه فشعر بألم شديد في رقبته وباقى جسمه .

دخل المحقق عليه وبلغه بانتهاء التحقيق وطلب منه أن يجهز نفسه للانتقال للسجن ، وفي هذه اللحظات سمع صراخ وشتائم وادخلوا لزنزانته أربعة رجال.

 أهلاً وسهلاً من تكون؟؟

 رفيق نصر العسقلاني.

 نحن نحيي صمودك فأنت الآن ستنتقل إلى قسم استقبال كمحطة لدخول السجن وبلِّغ سلامنا للموجه العام هناك وقل لهم أن الشباب الذين نزلوا للزنازين بخير وأنك أتيت من طرفنا ولكي تعجل لانتقالك للسجن فصارحه بقضيتك لاستكمال المعطيات التي يعرفونها من المرجعية في الخارج ونحن ننصح بذلك لمساعدة الفدائيين المطلوبين في الخارج حتى لا يصابهم أذى من اعتقالك وإن شاء الله يكون حكمك خفيف وكفارة يا رفيق.

عانق رفيق الشباب الأربعة ولم يعلق على حديثهم حتى يرى ما ينتظره.

فتح شرطي الزنزانة لرفيق وقيد يديه ونقله لقسم عادي وأدخله لغرفة كبيرة يقطنها تسعة رجال، فاستقبلوه بالترحاب وطلبوا له ممرض السجن الذي غَيَّر له ضماد جرحه واهتم مَنْ في الغرفة به، فأحضروا له الملابس وبعض الحاجيات الضرورية اليومية كالصابون وفرشاة الأسنان والمعجون والمشط والمناشف وداوموا على تقديم الحليب والعسل له.

كانوا يجلسون معاً ويتعلمون القرآن ويخرجون لصلاة الجمعة ويطالعون الكتب الإسلامية والوطنية وتجمعهم القوانين الاعتقالية فيهتمون بالبرامج الثقافية ولهم أوقات نوم ونهوض ويخرجون للنزهة ويعقدون الجلسات والتحاليل السياسية.

شعر رفيق بالراحة بينهم وخجل من كثرة اهتمامهم به، وفي ذات ليلة طلبه كبيرهم أبو عنان.

 أهلاً وسهلاً بك يا رفيق، أنا الموجه العام وأحيِّي صمودك وتحديك فنحن بحاجة لأمثالك لأنك بطل.

يا رفيق وصلتنا رسالة من التنظيم وعليها توقيع رسمي يطالبوننا فيها بتاريخك النضالي واثبات نقائك الأمني وتقاصيل قضيتك وعلاقاتك والذين تم السؤال عنهم أو من تشعر بالخطر عليهم من أصدقائك حتى يتم تحذيرهم وأن تشرح كل نشاطك لرفع ذلك للتنظيم قبل أن تنتقل للسجن الدائم هناك.

استغرب رفيق من حديث أبي عنان وقال له :

 أي صمود الذي تتحدث عنه ومن قال لك أني صمدت؟؟ على كل الشباب الأربعة الذين نزلوا للزنازين يبعثون لكم السلام.

 قال أبو عنان: سيماهم في وجوههم يا رفيق ولكي تتأكد من حديثي فها هي الرسالة الرسمية وختم التنظيم عليها يطلبون من الحديث معك.

تذكر رفيق وصايا أمه التي تعلمتها من زوجها إبراهيم قبل استشهاده على أن لا يبوح بسره لمخلوق وقال له :

 يا أبا عنان بلِّغ التنظيم شفهيا أن كل قضيتي ما اعترف علىَّ الشباب به عندهم في سجن وإذا أرادوا المزيد فهم عندهم.

 قال أبو عنان: ولكنك بهذه الطريقة تضر بالتنظيم وبالشباب في الخارج وهذا يضع علامات استفهام عليك، فكيف يمكن أن نتيقن من صدق انتماءك دون التعرف على تاريخك- يا رفيق سأتركك الآن تفكر في الأمر حتى غد وتصبح على خير.

فكر رفيق طوال ليله بحديث أبي عنان وتساءل: من هذا أبو عنان، وكيف أعطيه سري وأّمن له، وهل فعلا هذا اسمه؟ ثم لماذا يسألني عن أمور حساسة ودقيقة وما القصد من ذلك وأين الشباب الذين اعتقلوا قبلي ، لماذا ليسوا هنا، وما هذا السجن الذي يتكون من غرفتين؟؟

لم يجد رفيق أي إجابة لأسئلته ولكنه لم يشأ الظن السئ في أناس احترموه وقدروه وساعدوه وانتظر لليوم الثاني.

وفي الصباح تحامل على نفسه وخرج للنزهة ليرى الشمس ويستنشق بعض الهواء وتحريك رجله المصابة والضعيفة قياساً بالأخرى وفي نهاية اليوم جلس بجانب أبي عنان وسأله:

 ما هو موقع هذا القسم من السجن؟

 فأجاب: هذا فقط قسم استقبال للمعتقلين الجدد الذين يخرجون من الزنازين، لذا آمل أن تكون فكرت في حديث الأمس حتى تنتقل للأقسام فوق.

لم يقتنع رفيق بحديث أبي عنان الذي أضاف علامات استفهام جديدة وقال له:

 نعم فكرت ولكن في حقيقة الأمر ليس عندي ما أقوله سوى ما تعرف.

استشاط أبو عنان غضباً ونادى على من في الغرفة وقال لهم:

 رفيق عميل يا شباب ويجب أن نحقق معه، فهو يرفض إثبات نقائه الأمني وعلينا أن نعرف ما وراءه.

استجاب من في الغرفة لنداء أبي عنان وأسرعوا نحو رفيق الذي تأكد بأن حضوره لهذا المكان ما هو إلا جزء من التحقيق وأن الغرفة ومن فيها يعملون مع المخابرات عصافير وقبل أن يصلوه تناول كرسي وشج به رأس أبي عنان فنزف دمه وتعالت الصيحات وشعر السجان بالخطر على أبي عنان فأعلن زامرات الإنذار التي تعلو في سجن عند كل خطر فحضرت للغرفة فرقة خاصة مجهزة بالخوذ والهراوات ومدافع الغاز فأخرجت أبا عنان للعيادة ورفيق من الغرفة إلى التحقيق ثانية.

عاد رفيق للشبح والتعذيب والضرب وهز الرأس من جديد وقال له الضابط:

 إذن تغلبت على تلك الحثالة من أبناء شعبك. فاجاب رفيق:

 إنهم كما وصفتهم ولكنهم ليسوا من أبناء شعبي ( فمن يتولهم منكم فانه منهم ) المائدة 51

 قال المحقق: إنهم ليسوا منا فمن خان شعبه وليس فيه خيراً لهم لن يكون فيه خيراً لغيرهم وكما خانوكم فسيخوننا يوماً ما، فنحن فقط نعصرهم كالليمونة ثم نرميهم لأنهم لا يساوون شئ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى