الأربعاء ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
قصص من وحي الانتفاضة
بقلم عادل الأسطة

الرجال يبكون

  2-

تجلس في مكتبك في جامعة النجاح الوطنية. تنظر في أوراقك، تقرأ ما ستقوله في المحاضرة ، هذا إذا استطعت أن تقرأ في ظل تلك الأجواء التي غالباً ما تخرجك عن طورك، وتجعل منك شخصاً عصابياً، وقد تحدث قادماً أو تتحدث مع زميل يجلس بقربك يحدثك عن معاناة وصوله إلى الجامعة، ويشرح لك أن المسافة بين قلقيلية ونابلس احتاجت مدة ساعتين، لأنه اضطر لأن يسير مشياً على الأقدام حتّى يتجاوز حاجزاً إسرائيلياً، وقد تصغي إلى مكبرات الصوت وهي تزعق معلنة عن تعليق الدوام لأن ثمة شهيداً ما، أو لأن هناك عمليات تفجير، أو لأن ثمة قصفاً لهذه المدينة أو تلك.

تجلس في مكتبك فيأتيك طالب كي يراجع في أمر يخصه. تصرفه بأدب لأن هناك قوانين جامعية عليك أن تراعيها حتّى تكون الجامعة جامعة، وحتى تكون أستاذاً جامعياً صارماً لا يصبح في قادم الأيام موضع تندر التلاميذ، وبخاصة البؤساء منهم. ولا تلتفت أيضاً لصديقه الذي جاء كي يتوسط، ظاناً، لأنه طالب نشيط ومجتهد، أنك ستصغي إليه، معتقداً، لأن اسمه يذكرك باسم دار نشر نشرت لك كتاباً، معتقداً أن صاحب تلك الدار يتوسط لديك، لا تلتفت إليه فتصرفه بأدب جم قائلاً له: لا تتدخل في هذا، وتضحك قائلاً: انصرف يا هذا، فيبتسم وينصرف. ولكنك تفاجأ بوالد ذلك الشاب يأتيك. يقول لك بأدب جم: أتسمح لي بأن أجلس دقائق؟ ترحب به وتسأله إن كان يرغب في أن يشرب شاياً أو قهوة فيشكرك، ويدخل في الموضوع مباشرة. يذرف دمعة ويقول: أنا والد فلان. ويخبرك أنه منذ 28/9/2000، منذ بداية انتفاضة الأقصى، لم يعمل ولم يدخل أي قرش إلى جيبه. يقول لك إنه والد ثمانية، وأن ابنه الذي رسب في المادة مرتين، هو ابنه الكبير، وأنه اضطر أن يستدين مبلغاً من المال حتّى يدفع قسط المادة التي يدرسها للمرة الثانية، ويقسم لك أن ابنه درس ودرس. تنظر إلى دمعة الأب الذي يدعو الله ألا يحرمك الفرحة، لأنه هو يريد أن يفرح بابنه. ولا تجيب. تطلب منه أن يرسل ابنه. تقرأ وابنه ورقة الإجابة وتتذكر دمعة الأب، تتذكر واقع العمال الذين غدوا منذ 28/9/2000 بلا عمل، العمال الذين تسمح إسرائيل لقسم منهم ولا تسمح للقسم الأكبر، وتتذكر منظر هؤلاء وهم يتدافعون لاستلام مخصصات شهرية: شوال طحين وعشرة كيلو رز وعشرة كيلو سكر ومعلبات لا تدري إن كان تاريخها صالحاً أم قد انتهى واستبدل بتاريخ آخر وتعود بذاكرتك إلى أيام زمان، أيام كنت تقف في بداية كل شهر في طابور لكي تحصل على المعونة الشهرية للاجئين.

يأتي الأب هادئاً وديعاً تفصح الدمعة التي تساقطت عن أب كسره الاحتلال وقلة العمل والمال، وتحتار ماذا تفعل؟

ما الذي سيتغلب الآن: الصرامة الأكاديمية أم المشاعر الإنسانية؟ وتسأل: هل قدّ قلبك من صخر؟ وإن من الصخر ما تتفجر منه العيون؟

عمان 11/7/2001


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى