الأربعاء ٢٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
من كتاب العزف على الوتر الحساس
بقلم سهير فضل عيد

بين الحلم والواقع

على كرسي خشبي على شاطئ البحر كانت تجلس تلك الفتاة حيث موجات البحر تعانق الشاطئ بقوة والشفق الأحمر يتلألأ في السماء معلناً بداية الغروب ومع بداية غروب الشمس أغمضت الفتاة جفنيها وبدأت الأحلام تزورها رويداً رويداً.

رأت نفسها مستلقية على سرير في مستشفى وعلى ما يبدو أنه مستشفى الولادة, وكان طفلها موجوداً في الغرفة المجاورة مع باقي الأطفال.

بدأت تحدث نفسها بأن ذاك الطفل قد يبدأ بشرب الكأس الأولى من العلقم مع بداية امتزاج الطفل بالحياة وقد يكبر يوماً ويقول لو لم ينجبني أبواي لما تمنيت الموت.

وقبل أن تعرف تلك الفتاة إن كان المولود ذكراً أو أنثى قالت:

قد يعيش طفلي بمنتهى السعادة إلى أن يتجاوز مرحلة الطفولة ولكن عندما يبدأ بالتمييز بين الصواب والخطأ ويرى أن الدنيا ومن يحيا فيها يمشون على درب الخطأ , ماذا سأقول له؟ وكيف سأشرح له؟, كيف سأقنعه بفعل الخير إذا كان الشر هو المسيطر؟, كيف سأزرع في فؤاده حب التفوق والاعتماد على الذات؟ ويُفاجأ بعدها أن الأنساب والأحساب هي التي تجعل ذاك متفوقاً وهذا (وإن بذل كل الجهد) فلا ينال إلا أخفض الدرجات, كيف سيخرج للعالم؟ باحثاً عن عمل ثم لا يجد لأنه ليس ابناً لشخصية مرموقة وليس من الأشخاص الذين يتجاوزون الحدود, كيف سيقلد نفسه وسام التسامح في كون لا يوجد فيه إلا البغض والكراهية؟, كيف سيرفع راية الوضوح والصراحة في زمن علق السيوف على رقاب الصادقين؟ كيف سأمنعه من الانتحار في كون ليس فيه إلا ما يهيء للانتحار؟.

صمتت الفتاة قليلاً ثم همست قائلة: إن كان المولود أنثى فإنها ستحيا كما حييت, سوف تكون ممنوعة من كل شيء، من الإحساس واللا إحساس , من الحياة والموت, أينما ذهبت وأينما ولت وجهها فلن ترَ إلا ذلك الرجل الذي يدعي الرجولة بالسيادة, بالقوة, عنوة. كيف ستحيا إن كانت الحياة للأفضل والأفضل دائماً هو الرجل حتى وإن كان من الغاووين والملحدين.

فتحت الفتاة عينيها وأومأت للشفق ثم أغمضت عينيها من جديد فإذا بالحلم يزورها وهذه المرة تقول:

ماذا لو كان المولود صبياً, معنى ذلك أنني أتيت بمن يمد يد العون والمساعدة لأولئك المدعوين رجالاً كي تساعدهم في ظلم وإحراق الفتيات. صبياً في الشرق يعني ألماً وتعاسة وحكماً قاسياً فيا هول شرقية أولئك الرجال.

في هذه اللحظة فتحت الفتاة عينيها فإذا بالشمس قد غربت وإذا بآخر خيط من خيوط الشفق الأحمر قد غادر, نظرت يميناً ويساراً فأدركت أن ما رأته مجرد حلم فنظرت للسماء ثم رفعت يديها وقالت: حمداً لله أنني لم أقع في شراك السيد (أحمد عبد الجواد) وأحمده تعالى أنني لا أمتلك ذكراً ولا أنثى. ثم حملت كرسيها الخشبي وغادرت المكان تاركة فيه ذلك الحلم دليلاً على شرقية هذا الزمان.

***

انتهى

18يونيه/حزيران 2001


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى