الأحد ٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم محمد السموري

ثقافــة الحوار... وشرعة الاختلاف في الإسلام

إن قضية الحوار إشكالية بحدّ ذاتها وأيّ دراسة موضوعية تتناول القضايا الإشكالية عادة لا بد أن تنطلق أساسا من معطى معرفي لا أيديولوجي , وقد رأينا اعتبار الجانب المعرفي الحيوي – غير الكتيم - منطلقا في منهج هذه الدراسة , متوخين التأسيس لبنية ثقافية غير مرتهنة لأي مسبقّات تعيق انعتاقها إلى فضاءات أكثر رحابة ,وأوسع أفق , من انغلاقات الجحور الضيقة والمريضة.إذا لا بد أن نتفق أولا على ضرورة التأسيس لثقافة الحوار,بالإجابة المشتركة على سؤال: كيف نتحاور؟ فإذا كان الحوار والتواصل :هو القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين،فإن ذلك يتوجب التحلي بأدب الاستقبال الذي يفيد الطرفين في استمرار الحوار والتواصل وشعور المتحدث بارتياح واطمئنان وشعور المستمع بالفهم الجيد والإلمام بموضوع الحوار مما يمكنه من الرد المناسب.

ولتحقيق الاستماع الجيد لا بد من توفر شروط منها :

أ- إقبال المستمع نحو المتحدث.

ب- عدم إظهار علامات الرفض والاستياء

ج - عدم الانفعال أو إعطاء ردود فعل سريعة ومباشرة قبل إنهاء المتحدث كلامه .

أما أدب الحديث فيكون :

أ- بالإقبال نحو المستمع.

ب - عدم المبالغة في إظهار الانفعال وحركات الأيدي والتوسط في سرعة الرد.

مستويات الحوار:

المستوى الأول :حوار داخلي مونولوجي مع النفس بمحاسبتها وحملها على الحق.
المستوى الثاني:حوار بين أفراد المجتمع وفق اجتهاداته المختلفةعملا بمبدأ:" نصف رأيك عند أخيك"ومبدأ المحافظة على وحدة الصف: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه،
.
- آداب الحوار:حسن الخطاب ,وعدم الاستفزاز أوازدراء الآخرين. فالحوار غير الجدال والسجال واحترام آراء الآخرين شرط نجاحه،. صدور الحوار عن قاعدة قولنا: " قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب "وضالة كل عاقل هو الحق. الرجوع للمرجعية المعرفية المتحاورين .و لا يكون الحوار إ لا مع الآخر. وتحديداً مع الآخر المختلف. نفهم من ذلك أيضا انه ليس لأحد أن يدعي الحقيقة المطلقة. وليس له أن يخطئ الآخرين لمجرد اقتناعهم برأي مخالف. فالحقيقة نسبية. والبحث عن الحقيقة، حتى من وجهة نظر الآخر المختلف، طريق مباشر من طرق المعرفة.

أنواع الحوار: إن الحوار يتطلب أولا وقبل كل شيء الاعتراف بوجود الآخر المختلف، واحترام حقه ليس في تبني رأي أو موقف أو اجتهاد مختلف فحسب، بل احترام حقه في الدفاع عن هذا الرأي أوالموقف أو الاجتهاد، ثم واجبه في تحمل مسؤولية ما هو مقتنع به.

من هو الآخر ؟ تعريف الآخر لا يمكن أن يتم في معزل عن الأنا. إن فهم الآخر، ثم التفاهم معه، لا يتحققان من دون أن تتسع الأنا له. وبالتالي، كلما سما الإنسان وترفّع عن أنانيته، أوجد في ذاته مكاناً أرحب للآخر. إن الحقيقة ليست في الأنا. إنها تتكامل مع الآخر، حتى في نسبيتها. وهي لا تكتمل في اطلاقيتها إلا بالله. والحوار مع الآخر اكتشاف للأنا وإضاءة ساطعة علىالثغرات والنواقص التي لا تخلو منها شخصية إنسانية. ولذلك يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "الآخر هو وسيط بيني وبين نفسي، وهو مفتاح لفهم ذاتي والإحساس بوجودي". والآخر قد يكون فرداً وقد يكون جماعة.

شرعة الاختلاف والحوار في الإسلام:

يقرر الإسلام الاختلاف كحقيقة إنسانية طبيعية، ويتعامل معها على هذا الأساس. يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير [ الحجرات 13 ].خلق الله الناس مختلفين اثنياً واجتماعياً وثقافياً ولغوياً، ولكنهم في الأساس "أمة واحدة" كما قال تعالى : وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون [ يونس 19 ] ، أي أن اختلافاتهم على تعددها لا تلغي الوحدة الإنسانية. تقوم هذه الوحدة على الاختلاف، وليس على التماثل أو التطابق. ذلك إن الاختلاف آية من آيات عظمة الله، ومظهر من مظاهر روعة إبداعه في الخلق. قال تعالى ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين [ الروم 22 ] ). والقاعدة الإسلامية كما حددها الرسول محمد r:هي أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. وبالتالي فإن الاختلاف العرقي لا يشكل قاعدة لأفضلية ولا لدونية. فهو اختلاف في إطار الأمة الإنسانية الواحدة، يحتم احترام الآخر كما هو على الصورة التي خلقه الله عليها. إذا كان احترام الآخر كما هو لوناً ولساناً (أي اثنياً وثقافياً) يشكل قاعدة من قواعد السلوك الديني في الإسلام، فان احترامه كما هو عقيدة وايماناً هو احترام لمبدأ حرية الاختيار والتزام بقاعدة عدم الإكراه في الدين.قال تعالى :( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير[ البقرة 148 ]. وفي إشارة واضحة إلى تعدد التوجهات قال تعالى : ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين [ البقرة 145 ] ذلك انه مع اختلاف الالسن والألوان، كان من طبيعة رحمة الله اختلاف الشرائع والمناهج، قال تعالى. وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون [ المائدة 48 ] و ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين [ هود 118 ]أرسى الله تعالى في القرآن الكريم قواعد واضحة للاعتراف بالآخر وبوجهة نظره إجلاء للحقيقة، وفي مقدمة ذلك، الحقيقة الإلهية.في حوار الله والشيطان، كما ورد في سورة الأعراف، (الآيات من 10 إلى 24)من خلال هذا الحوار الإلهي مع الشيطان ما كان لهذا الحوار ان يقوم من دون وجود الآخر. وفي حوار الأنبياء مع الناس، تبرز حقيقة التربية الإلهية، في قصة أوس بن الصامت وخولة بنت ثعلبة: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير[ المجادلة 1 ] إن الحوار يتطلب وجود تباينات واختلافات في الموقع وفي الفكر وفي الاجتهاد وفي الرؤى. وفي ذلك انعكاس طبيعي للتنوع الذي يعتبر في حدّ ذاته آية من آيات القدرة الإلهية على الخلق. لقد اهتم الإسلام بالحوار اهتماماً كبيراً، وذلك لأن الإسلام يرى بأن الطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار أو الجدل كما يطلق عليه لله تعالى في القرآن الكريم في وصفه للإنسان ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا[ الكهف 54 ] بل إن صفة الحوار لدى الإنسان في نظر الإسلام تمتد حتى إلى ما بعد الموت، إلى يوم الحساب كما جاء في قوله تعالى: يَوْمَ تأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا"من خلال ذلك نرى أن الحوار لدى الإنسان في نظر الإسلام صفة متلازمة معه تلازم العقل به؛ ولهذا فقد حدد الإسلام المنطلق أو الهدف الحقيقي الصادق الذي ينطلق منه المسلم في حواره مع الآخرين، فالإسلام يرى بأن المنطلق الحقيقي للحوار هو ضرورة البحث عن الحق ولزوم أتباعه, إن وحدة الجنس أو اللون أو اللغة ليست ضرورة حتمية لا يتحقق التفاهم من دونها. لذلك لا بد، من أجل إقامة علاقات مبنية على المحبة والاحترام، من الحوار على قاعدة هذه الاختلافات ، والتي يتكشف للعلم أنها موجودة حتى في الجينات الوراثية التي تشكل بعناصرها شخصية كل منا وتمايزاتها.إن للحوار في شرعة الاسلام قواعده وآدابه. ولعل من ابرز ها:ما ورد في سورة سبأ. كان الرسول محمد r يحاور غير المؤمنين شارحاً ومبيناً ومبلغاً.

ولكنهم كانوا يصرون على أن الحق إلى جانبهم. فحسم الحوار معهم على قاعدة النص قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين[ سبأ 24 ] لقد وضع الرسولr نفسه في مستوى من يحاور تاركاً الحكم لله، وهو أسمى تعبير عن احترام حرية الآخر في الاختيار، وعن احترام اختياره حتى ولو كان على خطأ. وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال تعالى: قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون إن احترام حرية الاختيار هنا ليس احتراماً للخطأ. فتسفيه وجهة نظر الآخر ومحاولة إسقاطها ليسا الهدف الذي لا يكون الحوار مجدياً إلا إذا تحقق.لقد أرسى مجتمع المدينة المنورة في عهد النبي rقاعدة لإقامة نسق تعاوني بين فئات الناس من مؤمنين وأهل كتاب في أمة واحدة. الوثيقة النبوية أقرت أصحاب الآراء على آرائهم وتكفّلت بحمايتهم كما هم.ذلك لأن مجتمع المدينة قام على قاعدة نشر الدعوة مع احتضان الاختلاف. وليس مع تجاهله ولا مع محاولة إلغائه..على قاعدة السابقة النبوية في دولة المدينة الأولى،التي أقرت الاختلاف , فإن الإسلام لا يضيق بتنوع الانتماء العقيدي، ولا يؤمن بالنقاء العرقي (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). فإذا كان التنوع من طبيعة تكوين المجتمع، فإن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يؤدي بالاختيار الحر وبالمحبة إلى الوفاق والتفاهم والوحدة. ذلك إن البديل عن الحوار هو القطيعة والانكفاء على الذّات، وتطوير ثقافة الحذروالشك والعداء للآخر. إن من مقومات الحضارة العربية - الإسلامية احترام الآخر والانفتاح عليه والتكامل معه، وليس تجاهله أو إلغاؤه أوتذويبه. ويشهد تعدد الأقليات الدينية والاثنية في العالم الإسلامي، ومحافظة هذه الأقليات على خصائصها ، وعلى تراثها العقيدي والديني، ، على هذه الحقيقة وأصالتها. وقد رسم الرسول الأكرمr أروع الأخلاق في الحوار وأحسنها، بل وأسماها وأنبلها؛ لأنها أولاً مطلب إلهي أوصى الله به رسوله في كثير من الآيات القرآنية العظيمة,

ومن أساليب الرسول في الحوار

1- أسلوب الشك ووضع الأفكار موضع التمحيص والاختبار

2-احترام الرأي الآخر وعدم إسقاطه؛

3- البدء في الحوار بالأفكار المشتركة:

4- إنهاء الحوار السلبي بالإيجابية والاتفاق:

أهداف الحوار .

1- وسيلة لتنفيس أزمة ولمنع انفجارها،

1- السعي لاستباق وقوع الأزمة ولمنع تكوّن أسبابها،

3- محاولة لحل أزمة قائمة واحتواء مضاعفاتها.

4- تعريف الآخر على وجهة نظر لا يعرفها،

5-شرح وجهة النظر وتبيان المعطيات التي تقوم عليها، والانفتاح على الآخر لفهم وجهة نظره
ثم للتفاهم معه..

6- استيعاب المعطيات والوقائع المكونة لمواقف الطرفين المتحاورين.

مهام الحوار

1- إبراز الجوامع المشتركة في العقيدة والأخلاق والثقافة.

2- تعميق المصالح المشتركة في الإنماء والاقتصاد والمصالح.

3- توسيع مجالات التداخل في النشاطات الاجتماعية الأهلية

4- التأكيد على صدقية قيم الاعتدال وتوسيع قاعدتها التربوية

5 - إغناء الثقافة الحوارية التي تقوم على عدم رفض الآخر،والانفتاح على وجهة نظره واحترامها،وعدم التمترس وراء اجتهادات فكرية صدئة من خلال التعامل معها وكأنها مقدسات ثابتة غير قابلة لإعادة النظر.إن أي حوار يستلزم من حيث المبدأ تحديداً مسبقاً لأمرين أساسيين

الأمر الأول :هو التفاهم على ماذا نتحاور،

والأمر الآخر: هو التفاهم لماذا نتحاور.

منطلقات الحوار وقواعده:

1- أن يمتلك أطرافه حرية الحركة الفكرية التي ترافقها ثقة الفرد بشخصيته الفكرية المستقلة، فلا ينسحق أمام الآخر لما يحس فيه من العظمة والقوة التي يمتلكها الآخر، فتتضاءل إزاء ذلك ثقته بنفسه وبالتالي بفكره وقابليته لأن يكون طرفاً للحوار فيتجمد ويتحول إلى صدى للأفكار التي يتلقاها من الآخر،

2-اعتماد المنهج الفكري وهي أن القضايا الفكرية لا ترتبط بالقضايا الشخصية. فلكل مجاله ولكل أصوله التي ينطلق منها ويمتدّ إليها:

3-أن يتم في الأجواء الهادئة ليبتعد التفكير فيها عن الأجواء الانفعالية التي تبتعد بالإنسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير، فإنه قد يخضع للجو الاجتماعي ويستسلم لا شعورياً مما يفقده استقلاله الفكري:

ألوان الحوار السلبي

1. الحوار العدمي التعجيزي: وفية لا يرى أحد طرفي الحوار أو كليهما إلا السلبيات والأخطاء والعقبات

2. حوار المناورة (الكر والفر ): ينشغل الطرفان (أو أحدهما) بالتفوق اللفظي في المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة.

3.الحوار المزدوج: وهنا يعطى ظاهر الكلام معنى غير ما يعطيه باطنة لكثرة ما يحتويه من التورية والألفاظ المبهمة.

4. الحوار السلطوي (اسمع واستجب): نجد هذا النوع من الحوار سائدا على كثير من المستويات، فهناك الأب المتسلط والأم المتسلطة والمدرس المتسلط والمسئول المتسلط..الخ

5. الحوار السطحي (لا تقترب من الأعماق فتغرق): حين يصبح التحاور حول الأمورالجوهرية محظورا أو محاطا بالمخاطر يلجأ أحد الطرفين أو كليهما إلى تسطيح الحوا طلباً للسلامة

6. حوار الطريق المسدود (لا داعي للحوار فلن نتفق ): يعلن الطرفان (أو أحدهما ) منذ البداية تمسكهما بثوابت متضادة تغلق الطريق منذ البداية أمام الحوار

7- الحوار الإلغائي أو التسفيهي (كل ما عداي خطأ ) يصر أحد طرفي الحوار على ألا يرى شيئا غير رأيه، وهذا النوع يجمع كل سيئات الحوار.

8. حوار البرج العاجي: ويقع فيه بعض المثقفين حين تدور مناقشتهم حول قضايا فلسفية أو شبه فلسفية مقطوعة الصلة بواقع الحياة اليومي

9.الحوار المرافق (معك على طول الخط): وفية يلغي أحد الأطراف حقه في التحاور لحساب الطرف الآخر إما استخفافا (خذه على قدر عقله) أو خوفا أو تبعية حقيقية طلبا لإلقاء المسئولية كاملة على الآخر

10- الحوار المعاكس (عكسك دائما):

11- حوار العدوان السلبي (صمت العناد والتجاهل): يلجأ أحد الأطراف إلى الصمت السلبي عنادا وتجاهلا ورغبة في مكايدة الطرف الآخر.

مواصفات الحوار الإيجابي

 حوار متفائل (في غير مبالغة طفلية ساذجة).
 حوار صادق عميق وواضح الكلمات ومدلولاتها.
 حوار متكافئ يعطي لكلا الطرفين فرصة التعبير والإبداع الحقيقي ويحترم الرأي الآخر ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر وآداب الخلاف وتقبله.

 حوار واقعي يتصل إيجابيا بالحياة اليومية الواقعية ,اتصال تفهم وتغيير وإصلاح.
 حوار موافقة الهدف النهائي له هو إثبات الحقيقة حيث هي لا حيث نراها بأهوائنا وهو فوق كل هذا حوار تسوده المحبة والمسئولية والرعاية وإنكار الذات .،
لغة الحوار : للحوار لغته الخاصة التي تتطلب التعارف والتعاون والتعايش من جهة، و التمكن من لغة الحوار، وإدراك وظائفها الاجتماعية وأبعادها النفسية والتربوية، والتنبه إلى تأثير الكلمة وسحرها ومفعولها، واختيار الاستجابة وتنويع الأسلوب واختيار المفردات والمصطلحات، والتحقق بالإبانة والتمكن من لغة الآخر في الحوار معه والإحاطة بمعرفته؛ وذلك بالإدراك الكامل لخلفيته الفكرية وقيمه وتاريخه وحاضره، وتعد لغة الحوار عاملا مهما من عوامل النهوض الحضاري، وتتطلب تكاتف النخبة المفكرة في المجتمع نحو تعزيز رسالته وأدبياته المتحضرة، وإثراء أبعاده في أطياف قضاياه المتنوعة. ويشكل الحوار صيحة عقلانية في تفاعل الحضارات معا في العالم اجمع، عبر ألوانه المتعددة من المناقشة والتفاكر والمثاقفة. إن الواقع الإعلامي المتأزم يشكل مشكلة إضافية إلى أزمات الحوار لأنه يدعم تصليب التعصب والانغلاق والتشرنق، ويضع عراقيل في لغة التفاهم والتبادل الثقافي، وتنتفي من خلاله أدبيات الحوار واستيعاب الأخر، ويتحول بالتالي إلى مادة إعلامية تسوغ حالة تأجيج المواجهة الحادة والصراع تحت مظلة وشعارات الحوار والتفاعل الثقافي الحضاري. ومما سبق تبرز أهمية توسيع دائرة المشترك وتفكيك اللغة الأحادية لتغدو لغة مفتوحة تستوعب الأخر، وتلك المهمة السامية تحققها لغة الحوار، والمنابر الثقافية الجادة التي تتبوأ تلك الرسالة السامية،

الحوار والوحدة الوطنية: في إطار الوعي العميق بطبيعة التحديات والمخاطر التي تواجهنا، تتأكد ضرورة تصليب الوحدة الوطنية وإزالة كل الشوائب والرواسب التي تضر بشكل أو بآخر بمفهوما وحقيقتها فالوحدة الوطنية ممارسة متواصلة ومشروع مفتوح على كل المناقبيات والمبادرات التي تزيد من رص الصفوف وتوحيد الكلمة وتمتين مستوى التلاحم الوطني. وهذا ، لا يتأتى إلا بالمزيد من السعي والعمل والكدح على تكريس أسس هذه الوحدة ومتطلباتها في الواقع الاجتماعي.لاريب أن الحوار بين مختلف المكونات والتعبيرات، هو من المداخل الأساسية التي تساهم في تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية. إذ بالحوار نستطيع أن نفهم بعضنا، وبه تتكرس قيم التواصل والتفاهم، ومن خلال تقاليده وآدابه ونتائجه نتخطى واقع الانقسام وحالات الجفاء والتباعد. وبالتالي فإن الحوار الوطني المستديم، هو الذي يمد واقع الوحدة الوطنية بالمزيد من الحيوية والفاعلية. وذلك لأن الحوار المفتوح على كل القضايا والأمور والذي يدار بشفافية ونزاهة، فإنه يساهم في تجلية حقائق الوحدة الوطنية، ويجعلها على قاعدة صلبة من الوعي والمعرفة والإيمان.. فليس حواراً بين ذوات تحمل مسبّقات وأعباء تاريخية وواقعية تجاه بعضها، وإنما هو حوار بين أفكار وقناعات بعيدا عن أصحابها، وبخلق المسافة الموضوعية بين الذات والأفكار وتوجه الحوار إلى الأفكار والقناعات، يجعل الحوار هو الوسيلة الرائعة لتعميق التواصل الإنساني، ويتم التعاطي والتعامل مع مجموع الأفكار والقناعات بدون حساسية أو خوف. وبهذا يمنحنا الحوار جميعا الوضوح والشفافية في النظرة والتعامل مع الآخر، كما يمنح الوضوح التام في نظرته إلى الذات. لهذا فإن الحوار في دوائره المتعددة قبل أن يكون أطرا وأوعية وهياكل، هو روحية واستعداد نفسي صادق للتعاطي مع المختلفين بعقلية حوارية مستديمة بعيدا عن التشنج والتعصب. فالأحاسيس والاستعدادات النفسية لدى كل أطراف الحوار، يجب أن لا تتجه إلى تصعيد الخلافات، بل إلى القبول بالآخر والاعتراف به على مختلف المستويات. وذلك لكي يتسم الحوار بالموضوعية الذي يتجاوز المشاعر والأمزجة الذاتية، ويعتني بالأفكار والقناعات المشتركة. لهذا فإن منهجية الحوار السليمة، تقتضي منا جميعا التخلص من كل الرواسب النفسية والثقافية التي لا تقبل الآخر، وتثير أمامه زوبعة من الشائعات والاتهامات بدون أي سند وبدون أي مبررسوى اختلافه معه. فالاختلاف مهما كان شكله أو مستواه، لا يشرع للإنسان الظلم أو إطلاق الشائعات والاتهامات الرخيصة أو قذفه بأقذع الشتائم وألوان السباب. فالعدالة والموضوعية في عملية الحوار، هي التي تخرجه من جانبه الجدلي - السجالي الذي يستهدف تسجيل نقطة وإلزام الآخر دون أن يكون الهدف هو الوصول إلى الحقيقة. وبذلك يعد كل طرف نفسه أنه مع الحقيقة التي لا يمكن أن يحيد عنها، ويعد الطرف الآخر خارجا عن نطاق الحق والحقيقة. ويتحول الحوار من جرّاء ذلك، إلى محاولة متبادلة لإقناع الآخر بقناعات الذات دون أن نعطي لأنفسنا جميعا فرصة الإنصات أو التفتيش عن الحقيقة لدى الآخر. فغياب الاستعداد النفسي للتعامل مع الآخر على حد سواء، هو الذي يفقد الحوار حيويته، ويحوله إلى مماحكات وسجالات تشحن النفوس وتزيد من الحواجز والموانع وتحول دون التفاهم المتبادل.. فالخلافات في الدائرة الاجتماعية والثقافية والسياسية مهما كانت قسوتها وطبيعتها، ينبغي أن لا تلغي حالة الإحساس العميق بالوحدة والمشترك الإنساني.وتحول الاختلاف الثقافي إلى خلاف اجتماعي فالأجواء المشحونة بالشك والريبة، لا يمكن تجاوزها إلا بالحوار المتواصل والتخاطب عن قرب والإنصات الواعي إلى الحجج والبراهين. فالمسألة الحقيقية والجوهرية، ليست خلافاتنا وتباين وجهات نظرنا، وإنما في كيفية إدارة هذه الخلافات في كل القضايا والأمور،فالحوار هو الطريق الحضاري لتعزيز مفهوم الوحدة الوطنية، وتجاوز كل المخاطر التي تواجهنا في مختلف المجالات. من هنا فإن الحوار الوطني،لا يستهدف فقط التعارف بين مدارس المجتمع وتوجهاته المتعددة، بل يستهدف أيضا صوغ برنامج وطني متكامل، يتبنى العيش المشترك والسلم الأهلي واحترام حقوق الإنسان وتطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية.وعملية التحول الديمقراطي .

منهجية الحوار :

1- إخراج الذات من دائرة الاختلاف. وتوفير مسافة موضوعية بين ذواتنا وأشخاصنا وأفكارنا وقناعاتنا، حتي يتم الحوار بانسيابية وبعيدا عن الحساسيات والمسبّقات

2- الاستعداد النفسي الدائم للقبول بروح وجوهر الحوار، الذي يتطلب الاعتراف بالآخر فكرا وروحا ومشاعر وأن نترك في عقولنا مساحة للاختلاف يمكن لهذا الآخر أن يدخل من خلالها فتستوعبه هذه المساحة .

3- الالتزام بمقتضيات العدالة والموضوعية، ونبذ الأساليب العدوانية التي تشحن النفوس وتمنع العقول من فهم المقولات والقناعات على نحو سليم.

4- الاستناد على منهج الدليل والبرهان، ونبذ حالات الاتهام والتشنيع بكل مستوياته. وأن لا نطلق الأحكام على بعضنا البعض جزافا، وإنما نحن بحاجة بشك دائم إلى

المعرفة والتعارف،

الحوار والعنف : يحمل العنف مخزونات التعصب والانقسامات والتناقضات الموروثة كلها، وأكثر أشكال الوعي تخلفا وشراسة. وينتج عنه باستمرار الحط من إنسانية الإنسان في قيم الحضارة والثقافة، والروح الدينية الحقيقية، والتسامح والمحبة،بمصادرهِ من البيت، إلى المدرسة، إلى الأحزاب السياسية والفعاليات الفكرية، إلى الدولة بجميع مؤسساتها. فلم تعد أوطاننا تتحمل دورات جديدة من العنف الأعمى، هنا وهناك، لا تحصد منها غير الكوارث.وتستمد الدعوة إلى " ثقافة الحوار أهميتها في أنّ الدعوة لحوار الثقافات حينا، وحوار الحضارات والأديان أحيانا أخرى وتبرز الحاجة إلى تجاوز كل ثقافة ونهج استئصالي، لا يؤدي بنا إلا إلى المزيد من الإرباك والضياع.ويخطئ من يتعامل مع مبادرات الحوار بعقلية الخاسر والرابح أوالغالب والمغلوب. وذلك لأن الوطن كله هو الرابح حينما تسود ثقافة الحوار وتتكرّس تقاليد التواصل، وتفعيل دور الحوار على المستوى الوطني العام. وفي النتيجة ترتكز ثقافة
الحوار أولا وآخرا على حقيقة أن الوطن يتسع للجميع .

المراجــع والمصــادر

1- عبد الرحمن حللي - حرية الاعتقاد في القرآن الكريم، المركز الثقافي العربي - المغرب، -2001ص94 – 96

2- د. عمر مسقاوي – ثقافة الحوار - جريدة "النهار" تاريخ 19/5/ 001 2

3- فضل الله (محمد حسين)، الحوار أبعاد وايحاءات ودلالات - مجلة المنطلق: ،16 عدد 105 - ربيع الأول 1414

ـ 4-أخلاقيات الحوار وشروطه المعرفية- باقر جاسم محمد –جريدة الوفاق – طهران - العدد الأحد 17/7/2005

5- ثقافة الحوار في الاسلام: حرّية الاختيار وحق الاختلاف-محمدالسماك شبكة الحوار الاسلامي-المسيحي

6- ثقافة الحوار الواقع والأزمات-الكاتبة : سعاد جبر- موقع مرآة سورية الألكتروني

7- قواعد منهجية في الحوار الوطني- محمد محفوظ – موقع منتدىالكتاب الألكتروني

8 - إشكاليات حوار الثقافات في عالم متغيّر -الدكتور عبدالله تركماني-lمجلة جسور الثقافية -تونس 11/2005


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى