الأربعاء ٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم محمود عبد الوهاب محمود

المجنون

وقف الرجل ذو العينين الجاحظتين فى الميدان، وفى يده العصا الغليظة وهوى بها على سيارة الضابط.
استرعى الصوت كل من بالميدان وفى ثوان كان التجمهر قد بدأ.
بدأ الرجل يصيح بأعلى صوته بجملة واحدة لا تتغير:
 فيه إيه؟.. فيه إيه؟
كانت الدهشة قد ألجمت الواقفين جميعاً بسبب اجتراء الرجل، وإقدامه على التعدى على الضابط.
خرج الضابط الأسمر الشاب من سيارته بهدوء بذل جهداً واضحاً ليحافظ عليه، تقدم نحو الرجل بينما الناس – الذين توقعوا ماسيحدث - بدأوا فى الإحاطة بالضابط لتهدئته ومنعه من الاشتباك مع الرجل.
الضابط، وبعد شتائم الرجل التى لم تتوقف بدأ فى فقدان أعصابه، فحاول الامساك بملابس الرجل الذى بدأ فى سب "دين أم الضابط" بصوت عال.

قال بعض الناس أن سبب الخناقة أن الضابط كان يمر بالسيارة أثناء عبور الرجل فى نفس الوقت، فقال له:
  مش تفتح!

هذه هى الرواية الوحيدة التى سمعتها عن سبب الخناقة.
زاد عدد الجمهور المُشاهد باضطراد مع علو صوت الرجل بينما كان الضابط يحدث الذين حوله وقد علا صوته:
 أنا فعلاً لو مسكته مش عارف حا اعمل فيه ايه.
 ده مجنون ياباشا..مش شايف شكله؟.. سيبك منه.

وبالرغم من نجاح الجماهير المحتشده فى أخذ الرجل وعصاه بعيداً عن الضابط، بحيث لم يعد يمكنه إصابة السيارة، وأيضاً فى إبعاد الضابط وإقناعه بأن الرجل مجنون، إلا أن التوتر كان قائماً، فالرجل لم يهدأ بعد:
 كان حايموتنى.
فى النهاية ركب الضابط سيارته ساخطاً بعدما أحس أن الخناقة ستقلل من هيبته، وبدأ فى إدارة المحرك، بينما كان الرجل يتابعه بنظراته، ويحاول التملص من الجماهير المحيطه به.

بابتعاد الضابط أدلى الرجل بآخر أقواله المفاجئة، صارخاًً بأعلى صوت، ملوحاً بعصاه وراء السيارة:
 ينعل دين أم الحكومة.
بدأت الجماهير المحتشدة فى التفرق، بينما تابعت عيناي شابين أثناء عبورهما الشارع، كانا يتضاحكان بصوت خافت بينما ينظران إلى المجنون بين الحين والآخر.

فبراير 2006


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى