الثلاثاء ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم ليلى بورصاص

غربة في الوطن

الغربة... أحست أن لهذه الكلمة طنينا كريها، ومعنى بائسا حزينا... سالت عن معناها فقيل لها: هي شعور بالوحدة وبعدم الانتماء تحسينه لما تكونين بعيدة عن وطنك، وأرضك، ولما تحيين بين أناس ليسوا من أبناء جلدتك، أن تحسي أنهم لا يأبهون لك و أن أمرك لا يهمهم، وأنهم لا و لن يعتبرونك منهم... أيقنت انه تعريف لغوي صحيح، لكنه ليس صادقا، فالشعور بالغربة ليس إقليميا بالضرورة، وليس مرتبطا بالبعد عن الوطن والأهل والأرض، قد تتوفر كل هذه الأشياء... لكن شعور الغربة يظل موجودا، شعور بغيض بأنها ليست من هذا الزمان ولا من هذا المكان، وان كل هؤلاء المحيطين بها لا يفهمونها، فلا هي تتقبلهم كما هم، ولا هم يشعرون بها، يعتبرون عزوفها عن دنياهم تكبرا، وتمسكها بقيمها تخلفا، وبترفعها عن تفاهتهم تمثيلا، وإفراطها في الأحلام جنونا... لطالما تمنت لو عاشت في زمن غير هذا الزمن، زمن الحب والنقاء والأمل، زمن وردي كل شيء فيه نقي نقاء نفسها، زمن رومانسي لا حسابات فيه، لا تحكمه سوى المشاعر الصادقة الرقيقة، زمن يكون للناس فيه وجه واحد، فتتبين الخير منهم من الشرير، لأنها أصبحت لا تعرف... لا تعرف القناع من الوجه الحقيقي... أضحى العالم مسرحا غريبا، اختلط التمثيل فيه بالواقع، وتخبطت هي فيه تبحث عن شخص حقيقي، فغرقت وسط الممثلين، رأته من هناك يضحك لها... فرحت انطلقت نحوه، وعندما وصلت إليه سقط قناعه الجميل عن وجه بشع مخيف، وحش مريع، هربت، جرت، كلهم يضحكون لها، لكنها لا تعرف المزيف من الحقيقي... اختارت الهرب مرة أخرى، إلى عالمها الجميل الذي بنته لنفسها، رمت بنفسها في إحدى رواياتها الخيالية، عاشتها بكل روحها ومشاعرها، وجدت فيها فارسها النبيل، لم تكن الدنيا لتسع ضحكتها البريئة الصادقة، وعزفت لها الطبيعة سيمفونية سماوية حالمة، رقصت على أنغامها معه... اصطدمت بالصفحة الأخيرة للرواية، أحست أن كلمة " انتهت" قد أنهت حياتها، ورمت بها إلى غياهب الموت... الموت، أليس هو الحقيقة الوحيدة في الوجود كله، أليس نهاية مريحة لكثير من المآسي، أليس طريقا نحو حياة أخرى أبدية، عيبه الوحيد انه مؤلم... مؤلم لصاحبه ولمن حوله، مؤلم إذا لم يكن صاحبه قد اعد عدة الحياة الأخرى... لكن إذا لم يجد به القدر فما هو مصيرها؟... أن تتقبل مبادئ الزمن الجديد وان تتنازل؟ وهي تعلم أن التنازل يجر تنازلات، أم تظل على رفضها فتكون الغربة مصيرها؟ أن تحارب وحيدة على جبهة مضادة وهي عزلاء من السلاح؟ حتى أنها لا تتقن فنون القتال الحديث من نفاق وكذب وتخف خلف الأقنعة، فهي لا تملك سوى شخصية وحيدة تعيش بها ويراها الناس، سيستضعفونها ويدوسونها، أو يستغلون براءتها باعتبارها سذاجة، فكرت طويلا في حل لمعضلتها، وعندما تعبت فرت هاربة إلى عالمها الجميل تاركة كل ما حولها..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى