الاثنين ٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم عرفة بلقات

المدينة

إن المساءات التي سكنتْ مداكَ الآن حزن مدينةٍ،

رسمتْ بحارُ الهجر فوق بياضها سرَّ العيون الحائراتِ

و يُبْسَ أرصفة- كمنعرجات أحزان أطلتْ

من تضاريس الجفون العائدات من الكرى-

ترنح خصرها تحت انكسارات الخطى، ثملا،و جالتْ

كالجياع بها عيون أنهكتها،من ربا الأجساد،ناهدةٌ

و رادفةٌ و ألوان-كأن هزائم التاريخ،من زيف بها،

نصْرٌ- ترسب تحتها وجه الحقيقة

عاريا.

ها قد تكشفت المدينة عن ملامحها،كسافرة،و ألقتْ

ما بها من سر أشعاري؛تكسرت الرموش على الجفونِ

و غاب في ليل العيون-كأنه صمت الحياة-بريقها،

ما استعذبت وجهي سوى قسماتِ أحزان،و ما انتكستْ

 كأرمدة النهار- على الوجوه سوى مساحيق الهوى،

فتستَّري بالعري-إن شئت- اعتناقا ،أو بأحزاني اختناقا،

و ارسمي خطو الرواح فإنه باب تقوس فوقها وجه السماءِ

توهجا،حتى ارتمى خلف انطفاءته

نهارُك داميا.

هذا العراء فناء وجهك، و انشطار البحر تحت مراكبي عريُ المدى،

رحلت بأيامي الشوارع و استباحتني السنون الجدب لونا

من عراء القادمين من الصفيح،و أولِ الغرقى بأحلام الرحيلِ،

همُ الذين جفاهمُ و طنٌ،و جف على شفاههمُ السؤال تحسُّرا،

و همُ الذين تربعوا " تربيعة الجوزاء"،و ارتشفوا- بأحزانٍ -

لهيب الكأس،و ارتسموا حدود البحر سِفْرا للخروج تستُّرا،

و هم الذين،بباب سبتة،أعدموا عشق البلاد و فرحة الميلاد إذْ

رحلوا –كأنهمُ انفلات الروح من جسد-عراةً،دونهمْ

عري المدينة جاثيا.

أيُّ المدائن أنت أيتها المدينة أي أسوار.. تقوس تحتها

عنق الزمان كما بـ"باب التوت "أعناق تدلت؟أي تاريخ

تغمدك انكسارا و ارتدى لون البياض تكفنا و تجافيا..؟

أي احتراق ألهب الأبواب و الأقواس و الأقدام حتى لامستْ

سفنُ العبور "طريفة" الأحلام خائبة؟و عاد"طريف"يطوي سره

أن ليس من شبه الخروج إلى طريفته عبور البحر أو هجر البلاد

 تلاقيا-

فلرب أحداق تقطع تحتها جفن الكرى،واستوطنت دهرا،

"بقاع الحافة"،البرج القديم بدون أحلام ولا فرح تسافر فيه

أزهار المدينة،عانقت جمر المدى خلف البحار

أمانيا..

لا صوت للموتى إذا ماتوا..ولا أكفان للغرقى إذا غرقوا..

فأنت لنا جميعا كالكفنْ.. أنت الحزَنْ.. أنت امتدادات الوطنْ..

أنت الأزقة،دون شمس تغسل الظل الشحوب،و ياسمين بلا بياض

يرتدي مسك العبور إلى حدود قصائدي،عشقا،و أنت طلاق أحلامي

و صمت العاشقين إذا انطفى بعيونهم وهج النهار،و أينعت بقلوبهم

للظاعنين مواسم الهجر افتراقا،و استباحتهم -من الشوق احتراقا-

أدمعٌ،أن يمحي رسم الخطى..

و يغيبَ وجه مدينة كمويجة ترتد خائبة،بدون حصى يغازل خمصها،

و يغيبَ.. مثل مركبة تجيئ بدون أحمال الرحيل.. بدون أجساد و لا روح

تلامس أعين الغرقى بأحلام الذهاب..

يغيبَ.. دون نضارة،مثل الزهور إذا تكسر لونها و اغتالها صوت الخريفِ

تناهيا

ويغيبَ.. مرتديا سحابته بلا ماء يطهره إذا سِقْط الرمال رمى ملامحهُ

بلون القادمين من الجنوب بدون زاد أو ملاذ تستريح به قوافلهم إذا كلَّت..

يغيبَ.. كأنه التاريخ دون شهادة، و رواح صانعه بدون ملاءة،عار سوى

من سره البالي،حسيرا كالسؤال إذا تردد بالشفاه كأنه القيظ احتراقا،

أو رجوعِ الراحلين-كأنهم،من زرقتهم،خشب مسندة-بلا نصر و لا

مجد ابن زياد و لا فتح يجيئ من الرماد إذا محت سفنا حرائقُها بأندلس

أو اشتعلت بنور العودة المدن القديمة و العيون

تباهيا

هاذ المدينة لي،و لكن،كلما رسم الرحيل عراءها و ترصعت بسكونها الأسوار

و انكشفت أزقتها -كأن بها احتضارا- عن رفات بياضها حتى اعتلاها،من رطوبتها،

اخضرار،ضمني نوح اليمام كأنه صوت القفار إذا تنادت بالصدى أرجاؤها،و انشق عن

شفق المدى وطن غريب- مثل كل الراحلين- بدون مأوى في القلوب يصونه

أو فرحة تعلو محياه الحزين إذا ركاب الهجر صوْبَ رحابه ارتحلتْ،أو احترقتْ

بعشق الفاتحين مراكبٌ،حتى توارتْ بالحجاب

نهائيا..

فتلملمي،فلرب أصوات تجيئ من الأزقة -كامتداد ظلالها- دون انتماء..

دون ذاكرة ..و دون لون.. يرتدي وجه المدينة زاهيا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى