الخميس ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم سها جلال جودت

الأيوبية ست الشام ومعركة حطين

الدين الإسلامي ما يزال مستهدفاً من قبل أعدائه الذين يحاربونه بشتى الوسائل إما تحريفاً أو تشويهاً كما حصل في الدانمارك عندما قامت فئة ضعيفة بتشويه صورة الرسول الكريم محمد (ص) الذي حباه الله بالنبوة من دون غيره من بني البشر لنشر الدين الإسلامي لأنه كان صادقاً وأميناً طيب الخلق حسن السيرة يحب العفو غير طامع بدار الدنيا وحكمها، ومن ينظر في سيرة الأسرة الأيوبية يجدها قد قامت على ما بناه الإسلام من حب لهذا الدين وإخلاص له فلقد سعت بكل جهدها وعلمها وأدبها ومراكزها التي وصلت إليها في الدفاع عنه وعن المسلمين ضد الإفرنجة.

 من هي ست الشام ولماذا لقبت بهذا الاسم ؟

إنها زمرد خاتون بنت نجم الدين أبي الشكر أيوب بن شاذي بن مروان، وخاتون لقب لكل امرأة محترمة وهذه الكلمة ما تزال متداولة عند العرب والأكراد المسلمين في العائلات العريقة في البلاد العربية خاصة العراق.

لقب أبوها بالملك الأفضل حيث كان يعمل مع أخيه أسد الدين شيركوه في خدمة نور الدين زنكي بمرتبة وزراء.

من إيمان الملك الأفضل بدينه وقيامه بواجباته من صلاة وصيام وزكاة وكرم وجود نفس اكتسبت خاتون – زمرد – كل الصفات الحميدة خاصة أن أخاها صلاح الدين الأيوبي لم يكن أقل شأناً من أبيه في طاعته لربه وحمايته لدينه وسعيه في الجهاد لإعلاء كلمة الحق التي هي كلمة الله وهو أعرف من أن يُعرف في هذا الصدد.

في دمشق مقابل البيمارستان النوري كانت تقطن في بيت كبير جعلته مقصداً وملاذاً للخائفين من بطش الإفرنج رجالاً ونساء وكانت تقدم الصدقات لكل محتاج وتغدق في عطائها عليهم وقد ألف ابن قاضي شهبة كراسة في ست الشام ومناقبها (7).

تزوجت من محمد بن عمر بن لاجين ويبدو أنه مات في فترة زواجهما الأولى، ثم تزوجت من محمد بن شيركوه فهو من أبناء عمها وكان صاحب مدينة حمص، ومما يذكره عنها ابن أبي شامة (8) في ذيل الروضتين مايلي: (قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: كانت سيدة الخواتين، عاقلة، كثيرة البر والإحسان والصدقات وكان يعمل في دارها من الأشربة والمعاجين والعقاقير في كل سنة بألوف الدنانير) مما يجعلنا نقول أنها كانت جديرة بلقب ست الشام.

حادثة الكرك:

مع قافلة كبيرة سافرت ست الشام برفقة ابنها محمد بن لاجين الملقب بحسام الدين لقضاء فريضة الحج حتى إذا وصلت إلى منطقة قريبة من الكرك تعرض لها أرناط – صاحب الكرك الصليبي- وحين بلغ صلاح الدين ما تعرضت له أخته خاتون وولدها والقافلة أقسم أن يقتل أرناط بيده.

وقعة حطين:

لم يكن في حياة صلاح الدين رغم مرضه ما يثنيه عن إعلاء كلمة الله في كل مكان يحط فيه وكان لا يغزو إلا في أيام الجمع لاسيما وقت الصلاة تبركاً بدعاء الخطباء على المنابر، وهذه لعمري من أهم صفات المؤمن التقي الورع التي لم يماثله بها أي قائد إسلامي .

اجتمع الأعداء في مرج صفورية بأرض عكا عندما بلغهم أن صلاح الدين قد جمع عسكره من كل الجهات، نزل على بحيرة طبرية عند قرية تسمى الصّنبَّرّة من يوم الأربعاء الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.

لم يأخذ العدو الصبر فقصدوا طبرية للدفع عنها حيث التقى العسكران على سطح جبل طبرية الغربي منها وذلك في أواخر الخميس الثاني والعشرين من ربيع الآخر المذكور فوقع الوبال بهم أي الأعداء ونصر الله المسلمين، وكان القومص وهي كلمة لاتينية تعني الأمير أو مرافق الملك ذكي القوم وألمعيهم قد رأى ما قد رأى من خذلان أصاب جنده وعتاده فهرب بنفسه إلى صور حيث مات بطرابلس بذات الجنب التي أصابه الله بها.

حين استمرت الحرب ووجد العدو نفسه مهزوماً خاسراً اعتصمت طائفة منهم بتل يقال له حطين لكنهم لم يسلموا من حصار المسلمين لهم بإشعال النيران من حولهم حيث قتلهم العطش والجوع فاستسلموا وكان فيمن سلم نفسه الملك جفري والبرنس أرناط وأخو الملك وغيرهم.

وذكرنا أن صلاح الدين الأيوبي حين سمع بتعرض أرناط لقافلة الحج التي كانت فيها زمرد –خاتون- التي لقبت بست الشام أنه نذر أن يظفر بقتل البرنس أرناط.

حين وقف صلاح الدين وجها لوجه أمام كلٍ من الملك جفري وأخيه والبرنس أرناط قدم شربة من جلاّب بثلج للملك فقد كان عطشاً ثم قال صلاح الدين للترجمان:

 قل للملك: أنت الذي تسقيه وإلا أنا ما سقيته.

ثم أمر بنزولهم إلى موضع عُيّن خصيصاً لهم فمضوا وأكلوا وكان من عادة القادة المسلمين وكريم أخلاقهم أنه إذا أكل وشرب من مال من أسره أمِنَ على نفسه.

لكن البرنس أرناط حين دعاه صلاح الدين إلى الإيمان بدين محمد عليه الصلاة والسلام رفض واستعصى فضربه بالنّمجّاة وهي كلمة فارسية وتعني الخنجر المقوس فحلّ كتفه فعجل الله بروحه إلى النار فلما رأى الملك جفري حال أرناط خاف على نفسه لكن السلطان صلاح الدين طيّب قلبه قائلاً: لم تجّر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك، فأما هذا فقد تجاوز حدَّه.

وفي يوم الجمعة الموافق للسادس عشر من ذي القعدة سنة 616 هجرية توفيت ست الشام بدمشق بدارها المقابلة للبيمارستان النوري بجنازة رهيبة تحدثت عنها الركبان فقد سار الناس وراء نعشها بالآلاف وهم يرددون الأدعية لها حيث دفنت فوق ولدها حسام الدين، ويقال بأن جنازتها كانت فريدة إذ لم تشيع امرأة قبلها بمثل ما شُيعت به خاتون ست الشام لأنها كانت الجندي المجهول الذي قام على إعمار المدارس والاهتمام بالأدب والأدباء كما بذلت جهوداً كبيرة لتحفيظ القرآن الكريم ولعل أفضل ما تركته بناء مدرستين كبيرتين هما الشامية الجوانية والشامية البرانية وجلبت لهما أحسن المدرسين وجعلتها للفقهاء والمتفقهين من أصحاب الإمام الشافعي فكانت بمثابة جامعة من جامعات ذلك العصر . لقد كانت سيدة الداعيات في عصرها كما كان صلاح الدين من خيرة القادة المسلمين.

الهوامش:

مجلة رأس الخيمة العدد 354 عفت وصال حمزة.

سيرة صلاح الدين من كتاب النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى