الأربعاء ١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم مهند عدنان صلاحات

الديمقراطية تعتدي علينا

على هامش اليوم العالمي لحقوق الإنسان

تعرض المشهد الإعلامي العربي والدولي لسلسلة من التطورات العالمية عبر سنوات نشأته، فمن الإعلام المكتوب إلى الإعلام المرئي والمسموع، وصولاً لعصر الحداثة والإنترنت، واستطاعت بعض المؤسسات الإعلامية من الارتقاء والمساهمة في وصول العالم لعصر الانفتاح، بحيث ساهم الإعلام في جعل العالم قرية صغيرة إلى جانب وسائل الاتصال الأخرى، فشكل الارتقاء بالمشهد الإعلامي والاتصالي رهاناً أساسياً ضمن مسار التأسيس للتجربة الديمقراطية التعددية في العديد من دول العالم، وكان لتفعيل دوره في عملية البناء الوطني ركيزة محورية ضمن منظومة التنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتكنولوجية.

وإذا كانت الممارسة السياسة هي تنوع وتعدد في الرؤى والمقاربات والمواقف، قد احتلت مكانة في صياغة العلاقات الدولية، فإن الإعلام استطاع كذلك أن يتخطى مكانة وقيود السياسة ويساهم في صياغة العلاقات الاجتماعية والإنسانية، بل ويحركها أحياناً في الدول المتقدمة، والمتطورة فكرياً وصناعياً.

ومن هنا برزت على هذا الصعيد مبادرات جريئة من بعض من الحكومات الساعية للتحول الديمقراطي في بلدانها، نحو تنقيح قانون الصحافة في عدد من القوانين والدساتير، في اتجاه تحرري، ألغى العقوبات اتساقاً مع الحرص على الإيفاء بالتعهدات المقطوعة في نطاق الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها، والمتصلة أساساً باحترام مبادئ حقوق الإنسان وحرية النشر والتعبير.

إلا أن الإعلام لا يمكن أن يحقق هذه النجاحات التي وصل إليها، وأصبح يسير -في بعض الدول- جنباً إلى جنب مع السلطات الثلاث، ليصبح سلطة رابعة تمارس مهامها، ودورها الرقابي الرائد بحرية، إلا إذا واكب تطوره بشكل حقيقي في احترام حقوق الإنسان أولاً.

في دولنا لماذا لا يمكن أن يحدث هذا ؟

ببساطة لأن بلدانها لديها فهم خاطئ لقيم للديمقراطية، وثقافتها، والتي تسهم في إبراز الإعلام، وتسيير اتجاهه، حتى يصبح مؤسسة متكاملة إلى جانب المؤسسات الإيجابية بالدولة، خاصة بعد انتهاء دور الدولة الشمولية التي تتحكم بإعلامها وتسيسه، وليلعب دوره كأحد مؤسسات المجتمع المدني الضاغطة في اتجاه تصحيح مسار الدولة إن انحرف.

فعلى هامش احترام حقوق الإنسان في الدول العربي، التي صارت حقوق الإنسان فيها دوماً على الهوامش، وفي هذا اليوم (العاشر من ديسمبر) والذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تلقت الصحافة الأردنية التي من المفترض أن تكون السلطة الرابعة في الدولة، صفعةً قاسية، وجهتها لها الديمقراطية، هذه الصفعة التي لم تأتِ على طريقة الصفعات الديمقراطية الأمريكية للشعوب، بل جاءت ممن اختارهم الشعب ليكونوا شكله وهيكله الديمقراطي.

فقد تعرض عدد من الزملاء الصحفيين، ومصوري الصحف اليومية الأردنية، للاعتداء بالضرب والشتائم من قبل نواب "ممثلي الشعب، والمدافعين عن حقوقه وحريته"، قبل انعقاد جلسة المجلس النيابي، في أعقاب قيامهم بممارسة واجبهم المهني بتصوير المشاجرة الحادة التي نشبت بين نائبين، تبادلا خلالها النائبان التراشق بعبوات المياه، وتبادلا التهم والألفاظ النابية .!!!

الحقيقة كثيرون هم الذين نادوا، ولا زالوا ينادون بالحرية، ويعتبرون أنفسهم حماتها، وصناعها، وبذات الوقت يقمعون الناس لأجل هذه الحرية، ويكتشفون في النهاية أن الحرية شيء غير الذي كانوا ينادون فيه، فالذي لم يفهمه أعضاء المجلس النيابي الأردني أن الحرية ليست نقيض سيادة الدولة، ولا نقيض الديمقراطية الفردية، ولا الشعب منحهم ثقته ليتبجحوا في الإساءة له، ولحرياته. فهل يعي "ممثلو الشعب الأردني" معنى الحرية، وهل يعون أن السجان لا يجوز له الحديث عنها؟

فالحرية لا تُفرض، ولا تُهدى، لكنها بحاجة لنضال شعوب، ومصالحة بين الشعب والسلطة. والحرية في حد ذاتها قائمة على المجتمع المدني، الذي يقوم على أسس الحرية، والعدالة، والمساواة، واحترام الأخر، وليس على أساس إلغاء الأخر، والتي تبنى على أساس صاحب الحق المطلق كما يظن أعضاء المجلس النيابي، بأن الحصانة الدبلوماسية تملّكهم الحق المطلق في أن يعتدوا على الحرية، بل على أكبر رموز الحرية في العالم، وهي الصحافة. فمتى يدرك النواب الذين انتخبهم الشعب ليدافعوا عن حريته، وكرامته، ومنحهم ثقته بعد رحلة طويلة من النضال المستمر من أجل إلغاء قوانين الطوارئ، وإخراج "القانون" من أيدي العسكر إلى أيدي نواب الشعب، متأملين بأن حريتهم ستكون بخير، فيجدون أن ديمقراطيتهم وحريتهم تنالها الشتائم تحت قبة البرلمان من برلمانيهم "شخصياً".

وهل سيعتذر النواب "بأسهم شخصياً" وليس باسم الشعب، لشعبهم عن هذه الإساءة لصحافتهم، وحريتهم، ومنبرهم الحر ؟

بعد كل هذا نستغرب حين تخرج مجلة "ديوان العرب" بنتيجة تثير الاستغراب، حول أن 40% فقط من الذين شاركوا باستطلاع رأي قامت به المجلة، أبدوا رغبتهم في البقاء في وطنهم، بينما صوت خمس المواطنين العرب الذين شاركوا بالاستطلاع، والبالغ عددهم 3180 مشاركاً بأنهم يريدون الهجرة بدون عودة إلى أوطانهم، وأن 48% منهم يريدون الهجرة سواء بنية العودة، أو عدم العودة نهائيا، أي نصف الشعب تقريباً.

وهنا أعود لطرح ذات السؤال الذي طرحه رئيس تحرير المجلة "الأستاذ عادل سالم": لماذا يريد هؤلاء الناس الهجرة من بلدانهم؟؟

حقاً نقول ... وبعد أن رأينا وسمعنا ما يحدث في الجالس النيابية (قبة الديمقراطية)، نتساءل، ما الذي يحدث في السجون، ومخافر البوليس، ودوائر الأمن !؟

على هامش اليوم العالمي لحقوق الإنسان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى