الأربعاء ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤
بقلم إدريس ولد القابلة

قضايا مغربية - القسم الثالث ـ موقع السوسيين في الركح السياسي بالمغرب

سوس هي منطقة تقع في الجنوب الغربي للمغرب

لقد سبق للكاتب " واتربوري" أن تطرق إلى مكانة السوسيين ضمن النسيج المجتمعي والنسيج الاقتصادي المغربي لاسيما في مؤلفه المعنون " أمير المؤمنين".
لقد اعتبر " واتربوري" أن السوسيين لم يكونوا ضمن المحظوظين لاسيما وأن موقعهم ضمن الإدارة كاد يكون غائبا، كما أنهم لم يهتموا بالدراسة والتعليم، إلا أن تضامنهم في المجال الاقتصادي جعلهم يحتلون موقعا خاصا في الركح الاقتصادي على الصعيد الوطني، وبفضل تقوية هذا الموقع تمكنوا من احتلال موقع ضمن النخبة السياسية.
ولا يخفى على أحد أن مدينة الدار البيضاء شكلت منذ البداية مركزا للنشاط التجاري للسوسيين، إضافة إلى أنهم تحكموا في تجارة التقسيط على الصعيد الوطني بامتياز وقد كان لهؤلاء دور حاسم في التطور الذي عرفته منطقة سوس ومدنها وقراها الذي استثمروا أموالهم بها.

وبعد مدة اهتم التجار السوسيون بالصناعات الحديثة بالأراضي الفلاحية، وقد لعبت بعض الفصائل القبلية دورا مهما في هذا الإطار، مثل إذاوكنضيف، أملن، آيت صواب وآيت مزال بتخصص أبنائها في أنشطة تجارية محددة، فبالنسبة لأملن اهتموا ببيع السجائر والبقالة، أما إداوكنضيف فقد نافسوا الفاسيين في تجارة الجلد والنسيج.
لقد جاء في كتاب " واتربوري" أنه يكاد يكون من المستحيل العثور على سوسي من أملن بفاس أو بمكناس اللتان كانتا تشكلان ميدانا لأبناء إداوكنضيف، وقد عزى أندري أدام هذه الظاهرة إلى نوع من العادة استقرت وسط العائلة السوسية، حيث أين ما ذهب الأب يتبعه الأبناء وأفراد العائلة، إن الطفل الصغير الذي يبدأ حياته العملية كمساعد في متجر يندمج على مرور السنين في دواليب المهنة والوسط ويستعد للحصول على مكانته في سن الرشد، ومن الأسباب والعوامل التي تسهل هذا المنحى ـ الذي يكاد يكون عاما ـ أن المقاولة السوسية ترتكز بالأساس على العلاقات العائلية وعلى التمويل الأسري ونادرا ما يلجأ للغير.
وكانت الانطلاقة هي اهتمام بعض السوستين لاسيما بالدار البيضاء باقتناء بعض مقاولات الأوروبيين ومن أمثال هؤلاء الحاج عابد الذي برع في هذا المجال أما البعض فقد اختاروا التحالف مع عائلات فاسية بواسطة الزواج لولوج الركح الاقتصادي من بابه الواسع، لاسيما في المدن الكبيرة.
بالرجوع إلى الإحصائيات القديمة المتوفرة، ففي سنة 1657 بلغ عدد تجار التقسيط بالمغرب ما يناهز 295420 ، أي تاجر تقسيط لكل 30 مغربي تقريبا، آنذاك كان الكثيرون يكتفون ببيع بعض السلع القليلة بواسطة التجوال بأمل الاستقرار يوما وتحويل جزء من الأرباح إلى بلد الأصل .
أما في الميدان السياسي فإن السوسيين كان لهم تواجد متميز في حزب الاستقلال قبل الاستقلال، وأغلبهم تبعوا توجه المهدي بنبركة، ومن أبرزهم عبد الله إبراهيم والفقيه البصري وأولحاج بنسعيد، ولقد قيل الكثير عن التنافس الحاد بين السوسيين والفاسيين، إلا أنه في الواقع المعيش يلاحظ نوع من التعايش مع سيطرة الفاسيين على حزب الاستقلال، ولا أدل على ذلك اختيار الفاسيين آنذاك على راس غرف التجارة والفلاحة قبل الاستقلال، كما أن السوسيين قد قبلوا بدور عباس القباج، وهو فاسي من طنجة بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان فلاح بناحية أكادير وقد تم اختياره كممثل لبيوكرة في البرلمان سنة 1963.
ولإظهار دور السوسيين في المجال السياسي في فجر ستينات الألفية الثانية، يجب الرجوع إلى الانتخابات الأولى بعد الاستقلال المقامة في 8 مايو 1960 والخاصة بتجديد مكاتب غرف التجارة والصناعة، وبمفاجأة الجميع آنذاك فاز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بأغلبية المقاعد في الدار البيضاء والرباط وطنجة والقنيطرة ومكناس وسيدي سليمان وسطات والجديدة والقصر الكبير، في حين أنه لم يقدم أي مرشح بمدينة فاس.
وقد لعب السوسيون دورا حاسما في هذا الانتصار الكاسح، كما أنهم لعبوا نفس الدور في انتخابات سنة 1963 الخاصة بغرفة التجارة والصناعة للدار البيضاء، لكن هذه المرة انحازوا لعبد الله الصويري الذي ارتبط بالفديك (حزب من صنع النظام).
ومهما يكن من أمر فإن السوسيين كانوا دائما حاضرين بشكل أو بآخر على الركح السياسي.
التجار السوسيون بباريس
لا يخفى على أحد أهمية تجارة المواد الغذائية بالتقسيط التي يديرها السوسيون بباريس وضواحيها، إن عدد المحلات التي يديرها هؤلاء تفوق 1200، أغلبها متمركزة بالضواحي، وتحتل ضمنها البقالة حظ الأسد بنسبة 73% إذ تضاعف عددها بسرعة ملحوظة على امتداد أقل من 10 سنوات.
وبجانب البقالة هناك تجارة الأثواب والمخبزات والحلويات إلا أن هذه التجارة تظل دائما وراء البقالة لتي تظل هي السائدة، إذ أن هذه الأخيرة تتمركز بالأحياء التي يقطنها المغاربيون بصفة عامة، لاسيما في المقاطعة 18، بحي " باربيس" و " كوت دورا" و " جونفيلي" و " كليشي".
فيما يخص تجارة المواد الغذائية يمكن التمييز بين نوعين: البقالة التقالعصرية فتحترمالمتاجر العصرية، فالأولى لا تختلف كثيرا على البقالة كما هي بالمغرب، وتتمركز بالأساس في الأحياء الشعبية لباريس ويديرها بقالون مسنون من الرعيل الأول، وتحتل المواد الغذائية مكانة بارزة في هذه المحلات (توابل، طجين، براد.....) كما أن مساحات هذه المحلات صغيرة ونادرا ما تتعدى 40م2 أما المتاجر العصرية فتحترم كل مواصفات المتجر العصري وغالبا ما تعمل بطريقة " الخدمة الذاتية".
وبجانب البقالة هناك تجارة الخضر والفواكه، وغالبا ما تعرض على الرصيف أمام المحل، إلا أن السوسيين لا يتعاطون كثيرا لهذه التجارة التي تكاد تكون مجالا يسيطر عليه التونسيون .
أما الجزارة فإنها تعد أول تجارة تعاطى إليها السوسيون بباريس قبل غيرها، وأغلب محلات الجزارة متمركزة في الأحياء التي يقطنها المسلمون، لاسيما في المقاطعات 20, 18, 11 أكثر من 85% من محلات الجزارة باريس يديرها سوسيون.
أما في قطاع المطاعم فهناك عدد من السوسيون يديرون مطاعم مختصة في المطبخ المغربي، وهو قطاع يأتي في الدرجة الثالثة بعد البقالة والجزارة، ويتعلق الأمر بصنفين:مطاعم شعبية مفتوحة خصيصا في وجه العمال المغاربيين، لاسيما في المقاطعة 18، على سبيل المثال لا الحصر هناك مطعم أكادير ومطعم الدار البيضاء ومطعم مراكش، ويشر عليها سوسيون من تزنيت، أما الصنف الثاني من المطاعم فهي التي تستهدف زبائن أوروبيين وهي منتشرة في جميع أنحاء باريس منها مطعم المامونية بحي لاكورنوف ومطعم تزنيت بحي بلان ميسنيل ومطعم شمس مراكش بحي سان أرون والمطعم الصغير لأكادير بحي لاكارين كولومب، إن هذه المطاعم توجد بالأساس في الأحياء البرجوازية بباريس، إن أسماء هذه المطاعم في غالبيتها الساحقة ذات ارتباط بالمغرب مثل النخيل، موعد بأكادير، في المطاعم الشعبية غالبا ما تكون الوصفات المعروضة محدودة، الكسكس والطاجين مرفوقة بالشاي أو المشروبات الغازية بأثمنة تتراوح ما بين 30 و 50 فرنك فرنسي ومدخولها اليومي يتحدد ما بين 3000 و 4500 فرنك فرنسي، أما في المطاعم العصرية فإن الوصفات أكثر تعددا مرفقة بالخمر والحلويات وثمن الوجبة 250و 350 فرنك فرنسي أما المدخول فيصل إلى ما بين 6000 و 9000 فرنك فرنسي، وقد يتجاوز 10000 فرنك فرنسي أيام العطل والمناسبات.
ومن الملاحظ أن أغلب المتعاطين لقطاع التجارة بباريس أصلهم من تزنيت يليهم الذين من أكادير ثم الأطلس الصغير ثم تارودانت ثم كلميم أما الآتون من الدار البيضاء ومكناس ووجدة والقنيطرة فلا يمثلون إلا قلة قليلة.
أن التجار المغاربة المتواجدون بباريس الآتون من إقليم تزنيت أغلبهم من مدينة تزنيت (30% تقريبا) و 25% من لخصاص و 17 % من أكلو و 14 % من الساحل و 8% من أولاد جرار و 4 % من مير اللفت، كما أن أكثر من 55 % من هؤلاء يشتغلون في قطاع البقالة و 22 % في الجزارة و 6 % في بيع الخضر والفواكه و 5 % في قطاع المطاعم.
أما بالنسبة للأكاديريين فإن الأوائل منهم استقروا في خمسينات الألفية الثانية في حي جونوفيلي وعرف عددهم تطورا ملحوظا في سبعينات الألفية الثانية وبالنسبة للتجار الآتون من الأطلس الصغير والمشهورون في ميدان البقالة بالمغرب نفسه يحتلون المرتبة الثالثة من ناحية العدد وأغلب هؤلاء من أنزي وآيت باها وإغرام وتافراوت وبعض هؤلاء قدموا إلى فرنسا بعد مغادرتهم للجزائر سنة 1975.
في حين أن الرودانيين فأغلبهم آتون من حركيطة وباقي التجار المغاربة المستقرين بباريس آتون من قبائل آيت با عمران (كلميم وبويزكارن) والذين شرعوا في التعاطي للتجارة في فجر الثمانينات من القرن الماضي.
وبجانب كل هؤلاء هناك بعض التجار المغاربة من الدار البيضاء ومكناس ووحدة والقنيطرة، إلا أنهم لا يمثلون إلا أقل من 3 %.
فيليكس مورا
النخاس الفرنسي الذي أعطى الانطلاقة لهجرة.
منذ الخمسينات، احتاجت فرنسا للسواعد المغربية، ولذلك فتحت أبوابها لهجرة واسعة النطاق للمهاجرين من دول المغرب العربي، وبذلك بدأت فترة "بلترة" أقوى سواعد الشباب المغربي لاسيما المنحدرين من الجنوب، حيث تم آنذاك تشغيل ما يناهز 78000 شاب مغربي في مناجم الفحم بشمال بادوكالي بفرنسا، وقد تكلف بهذه المهمة جندي فرنسي سابق يدعى فيليكس مورا، وهو شخصية ذائعة الصيت بمنطقة سوس لاسيما بين جيل الخمسينات لأنه كان النخاس الفرنسي المكلف باختيار السواعد القوية المرصودة للأشغال الشاقة بمناجم الفحم الفرنسية.
كل شيء كان يمر عبر فيليكس مورا الذي صال وجال في ربوع سوس ابتداء من سنة لتشغيل أكثر من 66000 مغربي، كان المرشحون يمرون أمامه قصد إجراء الاختيار الأولي.
وكان مورا هذا يشترط مواصفات محددة في المرشح ما دام سيرصد للعمل في قاع الأرض في ظروف شاقة، ومن بين هذه الشروط أن لا يتجاوز سن المرشح 30 سنة ولا أن يتجاوز وزنه 50 كلغ وأن يتوفر على رؤية جيدة.
وكان يرافق مورا موظفين من شركة المناجم الفرنسية وموظفين مغاربة الذين تكلفوا أساسا بإعطاء هوية رسمية للمرشحين مادام أغلبيتهم الساحقة لم تكن تتوفر على دفتر الحالة المدنية.
كان هناك جيش عرمرم من المرشحين، لكن البعض منهم فقط هم الذين تم اختيارهم في نهاية المطاف، لاسيما وأنه كان من اللازم إبعاد كل المصابين بأمراض معدية وبأي عجز.
كان مورا يكشف على المرشحين بنفسه يعاين اسنانهم وعضلاتهم وعمودهم الفقري، وبعد الفحص يضع على صدورهم إما طابع باللون الأحمر أو اللون الأخضر، فكان الأخضر هو علامة على القبول أما الطابع الأحمر فيعني الإقصاء، وقد قيل أن بعض الفائزين بالطابع الأخضر كانوا يساومون بعض المرشحين حول حضنهم لالتقاء الصدر بالصدر قبل جفاف مداد الطابع مقابل مبلغ مالي أو مصلحة.
وكان على المرشحين المختارين من طرف مورا أن يتوجهوا إلى المستشفى عل حسابهم الخاص لعرض نفسهم على الفحص الطبي وإذا كان إيجابيا عليهم التوجه إلى المكتب الوطني للهجرة بالدار البيضاء لتوقيع عقد العمل حسب ما تنص عليه الاتفاقية المغربية ـ الفرنسية لسنة 1963.
وكانت تلك الفترة هي فترة الحلم بالنسبة لشبان كلميم وورزازات وتزنيت ومختلف جهات سوس، وقد أرخت بعض الأغاني الشعبية لهذا الحدث وقد أكدت كلمات بعضها على ما يلي:" جاء وقت بيع فيه الرجال...آه يا مورا النخاس ذهبت بأولادنا إلى باطن الأرض ..جاء مورا وجمل الرجال كما تجمل البهائم...اختار الفحول وترك النعاج....آه يا بنات عليكم بثوب الحزن....مورا أهاننا وذهب....يكون الله في عون شبابنا....ما دام الذي في فرنسا هو من عداد الموتى....".

نشأة موقع السوسيين في البرجوازية المغربية.

هناك أكثر من دراسة تعرضت لإشكالية الثراء ببلادنا، سواء تلك التي أعدها مغاربة أو تلك التي أنتجها أجانب، ومن بين هذه الدراسات هناك دراسة قامت بإعدادها مقاولة أمريكية متخصصة في التحقيقات وهي دراسة رصدت تطور الثراء السوس فيما بين 1963 و 1978 ومقارنته مع الثراء الفاسي ومن بين المعطيات المتوفرة في هذه الدراسة تمركز الثروات بين أيدي الفاسيين.

إن نصيب السوسيين في الاقتصاد الوطني في 1963 كان محدودا جدا ولم تكن تتجاوز 0,7 % مقابل 3,1 % بالنسبة للفاسيين ، إلا أنه بعد مرور 15 سنة تضاعف نصيب السوسيين مرتين في القطاع الفلاحي وأربع مرات في قطاع الصناعات الخفيفة وأقل من مرتين في قطاع الصناعات الفلاحية والغذائية ، وعرف نصيبهم تطورا لم يسبق له نظير في قطاع الخدمات ..
كما أن الجدول يبين بجلاء أهمية تدخل الدولة آنذاك في القطاع الاقتصادي، ففي الثمانينات كان عدد الشركات العمومية يناهز 70، لم تكن توفر للدولة إلا 895 مليون درهم، من ضمنها 500 مليون درهم بالنسبة للمكتب الشريف للفوسفاط، إلا أن تدخل الدولة تراجع بشكل واضح لفائدة البورجوازية المغربية، إذ السوسيين والفاسيين معا وضعوا اليد في نهاية السبعينات على أكثر من 30 % من الاقتصاد الوطني.

قضايا شائكة

 الفساد و الشفافية
 الاصلاح الدستوري
- الحوار نهج يفتح الأبواب
 الجامعة و الحركة الاسلامية
 الحرس الجامعي و حرمة الجامعة
 تاريخ إرهاب الصحافة بالمغرب
 اللوبي الصهيوني بالمغرب و اللوبي المغربي بإسرائيل
 المقاطعة

الفساد و الشفافية

إن الشفافية تعتبر عاملا مهما للتخفيف من نسبة العلاقات المشبوهة وغير الشرعية المحتملة مع المسؤولين. والتصدي للفساد يتطلب أول ما يتطلبه درجة عالية من الشفافية، لاسيما وأن الجميع أضحى ينظر إلى الرشوة والفساد على أنهما من الأعمال والممارسات الخطيرة التي تهدد مصالح الأجيال القادمة.

ولعل من إحدى متطلبات الشفافية الكشف عن مختلف القواعد والأنظمة السلوكية والآليات المعتمدة من طرف الدولة في مختلف إدارتها. وتعتبر هذه أول خطوة على درب فتح المجال للإقرار عمليا بالمحاسبة في حالة عدم احترام تلك القواعد والأنظمة التي فرضتها الدولة على نفسها. إلا أنه ما زلنا نعاين نوعا من التلكؤ في الكشف عنها بوضوح.

ومهما يكن من أمر، فلا يمكن توخي إمكانية التصدي للفساد إلا إذا كان القانون ـ على علته ـ يأخذ مجراه الطبيعي حتى يتم الإقرار به و تنفيذه بشكل ملائم.

ومن بين المعايير المناهضة للفساد سيادة الأمانة في تطبيق المساطر والإجراءات والأنظمة الإدارية، علما أنه للوصول إلى الأمانة في العمل يجب دعمه وتدعيمه بالوثائق وبالتوثيق لتمكين تحقيق الغاية المتوخاة، اعتبارا لكون أن من شروط استفحال الفساد ببلادنا عدم بقاء آثار إدارية ووثائقية لجملة من الممارسات والتصرفات. ولهذا فإن توثيق المعلومات يجب أن يكون ممارسة وعملية دائمة ومستمرة في مختلف الإدارات والمؤسسات.

فالشفافية في واقع الأمر تتضمن الكشف في الوقت المناسب عن المعلومات الملائمة والكافية. والإدارة المتمتعة حقا بحسن التدبير والتسيير تعتمد وتتبنى معايير تتسم بشفافية عالية مما يمكن المتعاملين معها من تقييم وتثمين أدائها العملي وتدبيرها المالي.

ورغم أن بعض الإدارات قد تكون بحاجة إلى حماية نوع من المعلومات الحساسة، إلا أن القاعدة تظل هي تكريس المزيد من الانفتاح وذلك اعتبارا لمخاطر عدم الكشف عن الحقائق في إبانها وتكريس الضبابية والغموض في تدبير الشأن العام والمالية العمومية.

..هل نحن مستعدون فعلا للشفافية ؟

الشفافية هي الوعلى مختلفليط الضوء على مختلف الجوانب، لاسيما جوانب القصور في الأداء السياسي. وفي هذا الصدد تلعب الشفافية دورا بارزا ما دامت القيادة السياسية من أهم عناصر التنمية شريطة الإقرار بالمساءلة وممارستها. وإهمال هذا الجانب من شأنه أن يبعث حالة اليأس والإحباط في نفوس المواطنين. وهذا ما هو واقع عندنا حاليا بامتياز.
وتعد الشفافية المسألة المحورية في عملية التنمية، وهي لا تشترط فقط الإشراف والمساءلة حول النفقات العامة فحسب. وإنما تفترض كذلك ضمان والحرص على عقلانية هذه النفقات قصد الحد من هدر المال العام والثروات الوطنية.

ففي غياب الشفافية يتعذر على الحكومة والدولة عموما تحقيق أي تقدم، لاسيما تلك الشفافية المتصلة بالمحاسبة الصارمة. ولقد أثبتت التجربة في عدة دول أن التمسك بالشفافية يقلل من وقوع الأزمات الاقتصادية، وإنها تساعد بدرجة كبيرة على معالجة القضايا عند وقوعها وقبل استفحالها واتساع مداها.

ويظل الفساد هو العدو الرئيسي للشفافية، ما دامت الشفافية تستوجب الحرص الشديد على تطبيق القانون واحترامه لكي تبلغ أبعادها وتحقق الأهداف المعلقة عليها. ولعل من شروط سيادة الشفافية قيام شراكة حقيقية بين الحكومة ومختلف مؤسسات المجتمع المدني. شراكة تستهدف بالأساس المساهمة الفعالة في إنضاج الرأي العام لمقاومة الفساد وتكريس رفض ممارسته عبر تقوية وتعزيز ثقافة الانتماء للوطن والالتزام بقضاياه. وفي هذا الصدد علينا نحن المغاربة جميعا أن نعمل بصدق ونناضل من أجل الكشف عن الحقيقة كسبيل لتكريس الوضوح والتعرية على كل ما من شأنه عرقلة الإقرار بالشفافية لمحاصرة مساحات الفساد والتقليل من عدد أنصاره ومرتكبيه.

ومن الشفافية سرعة البث في القضايا والمحاسبة على طبيعة السلطة التشريعية وفاعليتها والتصدي للمتورطين ضمنها في قضايا الفساد حتى لا يكون منهكوالقانون يساهمون في تشريع القوانين.

ومن الشفافية كذلك التصدي إلى ما تعاني منه السلطة القضائية من ضغوط كبار المسؤولين المتدخلين من أجل التستر عن مرتكبي الفساد ومنتهكي القانون، هؤلاء الذي يفلتون في واضحة النهار من قبضة العدالة ويتمادون في ممارساتهم المنتهكة للقانون ما دام في إمكانهم تحريك سلطة القانون كيفما يريدون ومتى يشاءون وكيفما يشاءون. وفي هذا الإطار تبرز تساؤلات عريضة ما هي العلاقة بين الشفافية والسلطة؟ وهل في حالة اختفاء الشفافية وتراخي المحاسبة يسشتري الفساد؟ وهل الفساد هو نتيجة حتمية لغياب الشفافية ؟

ومهما يكن من أمر، فإن الشفافية تعني أولا وقبل كل شيء تدفق المعلومات وعلانية تداولها عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة باعتبارها هي التي تساهم في تسهيل مأمورية صد مختلف أشكال الفساد وتوفير تواصل المواطنين بصانعي القرارات والقائمين على الأمور لتحفيزهم على تطويق ومحاصرة الفساد واجتثات جذوره.

وبهذا المنظور يبدو بجلاء أن غياب الشفافية واختفائها يساهمان في تعذر قياس حجم الفساد وتثمين انعكاساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإجمالية سواء الآنية منها أو المستقبلية. فمما لاشك فيه أن حجب المعلومات تسبب في التستر على الفساد ومرتكبيه في وقت يفترض فضحه بمختلف الأشكال والأساليب والوسائل. إن محاربة الفساد عندنا تستوجب أول ما تستوجبه وضع كل شيء على الطاولة من أجل الكشف عن الحقيقة ما دامت الشفافية ستساهم عندنا في تمكين ممارسة الديموقراطية على النحو الصائب والسليم.
ولقد تأكد الجميع الآن أن الفساد المستشري في مجتمعنا هو ثمرة لغياب الشفافية المالية وضعف تكريس الإحساس بالمسؤولية. وإن غيابها ساهم إلى حد كبير في هدر المال العام والثروات الوطنية على امتداد أكثر من 4 عقود خلت وتبديدها.
علاوة على أن غيابها ساهم في تعزيز اهتزاز ثقة المواطنين بدولتهم التي تجافي في اعتقادهم الراسخ لعدالة توزيع الثروات. وهذا من شأنه أراد من أراد وكره من كره أن يؤدي طال الزمن أو قصر إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، فإذا كانت الشفافية تعتبر من الشروط الرئيسية لتحقيق التنمية بوصفها إحدى الوسائل لمكافحة الفساد. فإنها لازالت غير متوفرة عندنا نظرا لصعوبة الحصول على المعطيات والمعلومات لمتعلقة بظاهرة الفساد. أما المساءلة فلازالت تصطدم عندنا باحتكار القوة من طرف من يستحوذون على السلطة ويتحصنون بأموالهم ليتحولوا إلى قوة ضاغطة تحقق مكتسبات بطرق غير شرعية.
فهل والحالة هذه، نحن مستعدون فعلا لتكريس الشفافية قصد التصدي بجدية للفساد ؟؟؟

هل حقا نتوخى الشفافية ؟!

و مهما يكن من أمر إن النقاش حول هذه القضية بالذات هو في حد ذاته دليل على أن التواصل و الحوار أضحى من الأمور العادية حول كل القضايا و لم يعد يخيف أحدا و هذا، بغض النظر عن فحوى و مضمون الأفكار المعبر عنها و الطريقة التي يدار بها، يعتبر أمرا ايجابيا. لأن بالأمس القريب لم يكن لأحد الحق في النقاش حول هذه القضية، و إلا عرض نفسه للخطر الأكيد و هذا فعلا ما حصل للعديدين.

و الجميل في الأمر حاليا، هو أننا بدأنا نعاين بروز نوع من التفهم، باعتبار أننا بدأ،ا نسمع للآخر و نفهم أن لكل قناعاته و أن السجال و الحوار كفيل بتبيان كل شيء و أن ترك الفرصة للتعبير الحر عن الرأي تكبل الجميع، حتى أصحاب الآراء المخالفة و تلك التي تبدو غريبة على الأفكار السائدة. فمادام لأصحابها حق التعبير عنها فلا خوف منها حتى وان كنا نعارضها لأن كشف الأفكار و عدم التضييق عن التعبير عنها يؤدي إلى تحليلها و انتقادها و لغنائها و تمحيصها و الباقي منها يكون للأصلح و الأصوب. و هذا النهج يؤسس لعدم الخوف من الأفكار لأن الأفكار المجانبة للصواب و المخالفة للصيرورة التاريخية للبنية المجتمعية و قوانين تطورها من السهل دحضها و هنا فليتنافس المتنافسون.

هناك ثروات متراكمة بين بعض الأيادي لا تكاد تبين من قلتها. وأصحاب هذه الأيادي يخشون نظرة المغاربة إليهم ومعاينتهم اليومية لتكدس ثرواتهم، كما يحسبون ألف حساب لي مطالبة بالمراقبة من أي نوع كانت، حتى تلك المراقبة المرتبطة بسيادة الأمة أو السيادة الشعبية. كما يمقتون أشد المقت كل حديث عن اللجن البرلمانية للتقصي...لاسيما منذ انفجار فضائح القرض العقاري والسياحي...لكنهم يجهلون حقيقة الحقائق وهي أن الشعب من حقه أن يعرف في أين استعملت وصرفت ووظفت الثروات الوطنية ؟ وما هو مال ما يؤديه المواطنون من ضرائب ؟

كما من حق الشعب المغربي أن يعرف لماذا مستشفياته وطرقه ومدارسه ومؤسساته ومرافقه العمومية في وضعية لا يمكن الرضا عنها، في وقت يعاين فيه تناسل الإقامات الفاخرة " آخر تقليعة" والبنايات الفاهرة " آخر صيحة" والمركبات السكنية الخاصة المحروسة والحسابات البنكية المملوءة والسندات والأسهم المتراكمة ونمط ومستوى عيش الأقلية القليلة والذي قد يصل إلى درجة لا يمكن تصورها من طرف المواطن المغربي حتى في الحلم.

بطبيعة الحال هناك أناس جدوا واجتهدوا وكونوا ثروة بعرق جبينهم وبعملهم وكدهم ومثابرتهم، هؤلاء لا يجب أن يؤذوا الثمن مكان أولئك الذين يخشون المحاسبة والشفافية والوضوح. فالأوائل لا يخشون، باسم المواطنة ولإبعاد أي شك، الإعلان والتصريح عن ثرواتهم ومداخيلهم وتاريخ تكوينها ونموها. أما الآخرون فلا يريدون الحديث عن هذا الأمر قطعا، وهنا تتناسل التساؤلات.

لماذا لا يتم هذا مرة واحدة وتتضح الأمور ويظهر الصالح من الطالح عوض انتظار انكشاف فضيحة هنا وأخرى هناك، وعوض الارتعاش في كل مطالبة بالمراقبة أو التقصي ؟
" أح وبردات" مرة واحدة وينطلق القطار نحو أفق قوامه الشفافية والمسؤولية.

يجب قراءة صفحة الماضي قبل طيها، و إلا ستظل الشكوك قائمة، وستظل متربصة وكلما سنحت الفرصة ستبرز المطالبة. بالتقصي هنا أو هناك. وستظهر تصريحات هنا أو هناك أو سيكتشف وثائق هنا أو هناك، لاسيما وأن هذا الماضي في المجال المالي، على وجه التحديد، هو الذي يعتقد الكثيرون أنه دمر البلاد ورهن حاضرها ومستقبلها.

إن أقدم حزب بالبلاد، ومع مختلف الحركات الاشتراكية والتقدمية التي عرفت النور تحت شمس المغرب، طالب بشكل أو بآخر بتطبيق شعار:" من أين لك بهذا "؟ إلا أن " اللوبيات الثرواتية " لم تبخل بأي جهد ومجهود لجعل هذا الشعار يكسوه الغبار على الرف منذ أزيد من أربعة عقود خلت.
ألم يحن الوقت للرجوع إلى هذا الشعار ؟
المساءلة والشفافية وحق المواطن في المعلومات
المساءلة والشفافية مفهومان مرتبطان أشد الارتباط بحقوق الإنسان الأساسية، لاسيما الحق في الإعلام والإطلاع. وهذا الحق الأخير هو واقع الأمر يعتبر آلية محددة وعملية متماسكة تسوق في نهاية المطاف إلى المساءلة.

فمن حق المواطن أن يتوفر على معلومات كافية حول المعاملات والإجراءات والمساطر المرتبطة بمصالحه. و أكدت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على هذا الحق وكرسته وإن لم تعينه بكل وضوح، إذ نصت على ما يلي:" لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية تبني واعتناق الآراء دون أي تدخل واستفاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة دون التقيد بالحدود الجغرافية". كما أن هذه المادة 19 أعيد دمجها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكأن هذه المادة أضحت مرادفا لحرية المعلومات. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك منظمة تنشط على الصعيد الدولي وتصدر تقارير منتظمة في هذا المجال، حيث نصبت نفسها للدفاع على حق كل إنسان في حرية التعبير وفي طلب المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة يختارها. كما أنه في سنة 1993 أحدثت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المقرر الخاص حول حرية الرأي والتعبير، جاء فيه " أن حق طلب المعلومات والحصول عليها وبثها يفرض على الدول موجب تأمين الوصول إلى المعلومات".
وقد تطرقت دساتير جملة من الدول إلى هذا الحق، إلا أن الملفت للنظر هو التحول الخطير الحاصل في الولايات المتحدة التي كانت تكرس حق الإطلاع بموجب ما يسمى بقانون حرية المعلومات، إذ بعد أحداث 11 سبتمبر جرى تجميد الجزء الكبير من مقتضيات وأحكام هذا القانون إذ سقطت الحرية أمام الأمن، وهذا كذلك ما انسحب على جملة من الدول الأخرى عبر التذرع بالأمن للتضييق على الحرية.

وقد نصت الدساتير المغربية على حرية التعبير والرأي ومستلزماتها، اعتبارا لكون المقدمة أو الديباجة لها هي كذلك قيمة دستورية شأن سائر مواد الدستور.

لكن كيف يتعاطى المواطن العادي مع المعلومات ؟ وكيف يمكنه أن يمارس حقه في الإطلاع وذلك تأمينا وضمانا للمساءلة والشفافية ؟ ففي الحالات الخاصة، حيث أن الموضوع يرتبط بأفراد أو بمصالح خاصة ومعينة من الواضح أن حق الإطلاع يظل محصورا على ذوي الحقوق وأصحاب العلاقة، وهذا أمر يعتبر مشروعا لحماية الحياة الخاصة والشخصية.

أما على مستوى الحياة العامة، فلابد من الإشارة إلى الحالات التي تختلف من إدارة إلى أخرى. وفي هذا الصدد لا يخفى على أحد أهمية إلزامية هيئات الرقابة بنشر تقاريرها الدورية واتساع تداولها. وفي هذا المجال تلعب وسائل الإعلام دورا حيويا باعتبار أن المواطن العادي قد لا ينتبه إلى ما يعتور سلوك الإدارة أو القائمين عليها من أخطاء أو مخالفات أو تجاوزات.

وفي هذا المجال لا مناص من الإشارة أنه إذا كان السبب والقذف ممنوعا قانونيا، فإنه إذا كان المعني بالأمر موظفا رسميا حاز للصحفي أو غيره قذفه شريطة الإثبات لأن للإعلام عموما والصحافة على وجه الخصوص دور في مراقبة عمل الإدارة.

كما أن المجتمع المدني يلعب من خلال تنظيماته ومكوناته دورا مهما في تعميم الثقافة الحقوقية بهدف المساهمة في تكريس وتفعيل حق المواطن على الإطلاع على ما يهمه ويرتبط بمصالحه.

إلا أن هذا الحق في الإطلاع والمعلومات لابد له من آليات تقرها تشريعات خاصة.

حق حيازة المعلومات والشفافية

من بين حقوق الشعب حقه في حيازة المعلومات التي تمتلكها السلطات، وهذا حق يدخل في إطار حرية حيازة المعلومات، وهو حق إنساني أساسي. وقد تأكدت أهمية هذا الحق لكون أن التدابير القانونية أضحت غير كافية لتأمين ممارسة هذا الحق وبالتالي أصبح من الضروري سن قوانين خاصة بهذا الحق بالذات.

هناك قوانين تشير بشكل أو بآخر، إلى حرية حيازة المعلومات إلا أنها تتضمن استثناءات قلصت إلى درجة كبيرة جدا من التمتع بهذا الحق وهذه الحرية. ولعل من أبرز عوامل تقليصها اعتبار الهاجس الأمني بشكل يتجاوز الحدود المقبولة. علاوة على تكريس طابع السرية لأتفه الأسباب. وكثرة هذه الاستثناءات تصل في نهاية المطاف إلى تقويض القانون . ولعل القاعدة الأنسب الواجب إتباعها في هذا الصدد هي أن مختلف الاستثناءات يجب أن تخضع لمصالح الشعب بكامله. لأن كشفها يكون أفيد وأقل من التستر عليها.

فمثلا عندما تكون معلومات شخصية متعلقة بموظف أو مسؤول سام بالدولة تكشف عن الفساد، فهذا الكشف يصبح ضروريا حتى ولو كان يدخل ضمن دائرة الاستثناءات.
ومهما يكن من أمر فإن تكريس حرية حيازة المعلومات يعتبر من أنجع السبل فإخضاع القائمين على الأمور للتدقيق العام، وهذه من أعلى درجات الشفافية التي أضحى يتوخاه الجميع في مختلف الميادين.

وهناك أكثر من هيئة ومن جهاز يستثنى من الكشف عن المعلومات من ضمنها كل المؤسسات المرتبطة بالأمن، كالجيش والاستخبارات وبعض المؤسسات الرسمية الأخرى رغم أنه لا تمت بصلة بالأمن القومي. في وقت تظل فيه القاعدة هي أن جميع الهيئات الرسمية عليها الالتزام بكشف المعلومات ما لم يكن هناك ما يخالف ذلك قانونا، وذلك لتكريس سيادة الشفافية. إلا أنه وفي أحيان كثيرة لا يوجد مبرر معقول لحفظ جملة من المعلومات بشكل سري.

وهناك إشكالية أخرى تستوجبها ممارسة حق حيازة المعلومات وهي المتعلقة برفض الكشف على المعلومات من طرف الموظفين، خاصة في حالة إخفاء الفساد أو تصرفات خاطئة. ففي بعض الحالات يسمح القانون الجاري به العمل اللجوء إلى المحاكم الإدارية في هذا الصدد، إلا أن هذا المنحى لا يمكنه أن يسفر عن نتائج مرضية إلا في حالة سيادة استقلال القضاء وتمتع المنظومة القضائية بالقوة اللازمة.

ففي اليابان مثلا هناك قانون يضمن للمواطنين حق حيازة المعلومات الرسمية، وهو قانون يضمن للمواطنين حق حيازة المعلومات الرسمية، وهو قانون يمكن المواطن الياباني من اللجوء إلى مجلس كشف المعلومات في حالة إخفاء الإدارة معلومات يطلبها أو في حالة رفضها عن الكشف عنها. وهذه الممارسة مكنت من الكشف عن حالات عديدة من الفساد.
ويعتبر جملة من المحللين أن قوانين إفشاء المعلومات يساعد المواطنين وهيئات المجتمع المدني على كشف الفساد، لاسيما وأن الإدارة عموما تملك سلطات استثنائية واسعة النطاق بشأن المعلومات الواجب الكشف عنها والتي لا يمكنها ذلك.
ومما جعل الإشكالية معقدة عدم وجود معايير واضحة تساهم في تكريس التمتع بحق حيازة المعلومات في وقت ينادي في الجميع بضرورة سيادة الشفافية.

الشفافية والمساءلة من ركائز الديمقراطية

الشفافية والفساد مصطلحات متنافران، إلا أنهما مترابطان لأنه لا يمكن الحديث عن إحداهما دون الحديث عن الآخر، رغم أن علاقتهما عكسية ما دام وجود إحداهما ينفي، أو على الأقل يقلل من فرص وجود الآخر.

ولا يخفى على أحد أنه بوجود وتكريس الديمقراطية فإنه تتوفر الفرصة المناسبة لممارسة الشفافية وتنفتح السبل والأبواب أمام المساءلة والمحاسبة.

والمساءلة والمحاسبة بدورهما تعززان وتطوران تكريس الديمقراطية وتقويان قواعدها ولبناتها. وفي المقابل في مناخ لا توجد فيه إمكانية توفر الشفافية يسود فيه الظلام وتنعدم فيه المساءلة والمحاسبة، وبذلك ينتشر الفساد الذي يقود إلى تدهور أوضاع المجتمع على مختلف الأصعدة، لاسيما انتشار الفقر وتزايده، وتراجع الاقتصاد، وهذا وضع يكرس التعسف تجاه المواطنين وكأن على الفئات الضعيفة أن تتحمل لوحدها دفع فاتورة الفساد والاختلالات والانحرافات على حرمانها حتى من أبسط شروط الحياة الكريمة.

تعتبر الشفافية والمساءلة من أهم الركائز والمبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية. وهما مفهومان مرتبطان ارتباطا عضويا، لاسيما في مجال عملية صنع القرار في المجتمع. وطبعا فلا يمكن أن تكون الشفافية هدفا بحد ذاتها ولذاتها، وإنما هي وسيلة من الوسائل المساعدة في عملية المحاسبة والمساءلة. كما أن المساءلة والمحاسبة لا يمكن أن تتم بالصورة المرجوة والفاعلة والمجدية دون ممارسة الشفافية وتكريسها.
وتظل المساءلة والمحاسبة حق من حقوق المواطن تجاه السلطة كأحد الضمانات الأساسية لتعزيز الديمقراطية وتكريسها في المجتمع. وهي في واقع الأمر تهدف بالأساس لخدمة الصالح العام وخدمة مصالح المواطنين وخاصة حقهم في الإطلاع على عمل الحكومة وعمل من اختاروهم لتمثيلهم.
إلا أن المساءلة والمحاسبة تستلزم المشاركة الفعلية في الحياة العامة، كما تستوجب ممارسة كافة الحقوق، ومن ضمنها الحق في المشاركة في عملية صنع القرار، وذلك عبر التأثير في هذه العملية بواسطة ممارسة حق المساءلة والمحاسبة.

والشفافية أيضا حق ن حقوق المواطنين، كما أنها واجب من واجبات السلطة والحكومة والإدارة تجاه المواطنين. فمن واجب الحكومة فتح المجال أمام المواطنين للإطلاع باستمرار على سير إدارة وتدبير شؤون المجتمع في كافة المجالات وذلك لسببين رئيسيين. أولهما أن الديمقراطية تقتضي منح المواطنين كافة حقوقهم غير منقوصة وثانيهما منح إمكانية تصحيح وتصويب الأداء الحكومي ومختلف الهيئات في المجتمع باستمرار إلى تطور المجتمع نحو توفير أفضل السبل لتحسين أوضاع المواطنين.

والشفافية تعني أن تكون كل الهيئات والمؤسسات والمرافق التي تدير وتدبر الشأن العام شفافة أي أنها تعس ما يجري ويدور داخلها، وكذلك الأمر حتى بالنسبة للأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، بحيث تكون كل الحقائق معروضة ومتاحة للبحث والمساءلة.

ومن أجل ممارسة الشفافية وتكريسها ومن أجل توفير مناخ مناسب للمساءلة والمحاسبة كحق من حقوق المواطنين لابد من توفير جملة من الأسس. ومن أهمها سيادة القانون، الفصل بين السلط، احترام حقوق الإنسان والمواطن، حق وحرية الحصول على المعلومات، ممارسة وتكريس الشفافية في إدارة وتدبير الحياة العامة.

وسيادة القانون تعني بالأساس تطبيق القانون على الجميع، بغض النظر عن الانتماء السياسي والموقع أو المرتبة الاجتماعية. أي أن القانون لا يطبق فقط إلا على المواطنين ولا ينطبق على أصحاب القوة والنفوذ وذوي المناصب والسلطة. لأن عدم سيادة القانون تؤدي لا محالة إلى الظلم والاستبداد في المجتمع، ويصبح أصحاب المواقع والنفوذ والمناصب العليا في الدولة هم وحدهم صانعي القرار، وبالتالي لا يحق للمواطنين المشاركة في ذلك أو حتى الإطلاع على الكيفية التي يتم بها وعلى أساسها صناعة القرار. ومن الطبيعي أن يفتح هذا الوضع الأبواب على مصراعيها لتفشي الفساد والتعسف والاعتداء على حقوق المواطنين لصالح ولمصلحة فئة قليلة، وتكرس كل القرارات والقوانين من أجل خدمتها وتعزيز قوتها ونفوذها.

أما الفصل بين السلط فهو يكفل توزيع مصادر القوة في المجتمع لخلق التوازن بين مصادر القوة الثلاث: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. كما أن هذا الفصل يؤسس رقابة متبادلة.

وفيما يخص احترام حقوق الإنسان والمواطن على اختلافها فإنه يؤدي إلى تكريس التفاعل بين المواطن والمجتمع ويدفع المواطن إلى المشاركة الفعالة والمستمرة في الحياة لمجتمعه بواسطة وعبر المعلومات التي تمكنه من ذلك، ويرفع درجة قدرة المواطنين في التأثير في صنع القرارات وقدرتهم على المساءلة والمحاسبة.

ويعتبر حق وحرية الحصول على المعلومات من أهم الأدوات بالنسبة للمواطنين من أجل ممارسة كافة حقوقهم. ولا يخفى على أحد أنه بدون توفر معلومات لا يستطيع المواطن ممارسة أي دور فاعل ومجدي في المجتمع، كما أن حقوقه تظل عرضة للاستلاب أو الانتقاص منها. وفي هذا الصدد تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا وحيويا، ولذلك أطلق على الصحافة لقب " السلطة الرابعة" إشارة إلى أهمية الدور الذي تقوم به.

أما ممارسة الشفافية في إدارة الحياة العامة، فهو أمر يقع بالتمام والكمال في نطاق حقوق المواطن، وفي ذات الوقت يعتبر من الواجبات الأساسية للحكومة تجاه المواطنين. وهذا يعني أن تكون سياسات الدولة في مختلف المجالات واضحة ومحددة ومكشوفة دون غموض أو لبس، وهذا يمكن المراقبة والمتابعة والمحاسبة على تلك السياسات، إلا طبعا فيما يتعلق بالأسرار الأمنية والعسكرية المتعلقة بأمن الدولة والمجتمع والتي تحدد بناءا على القانون وليس بصورة اعتباطية.

والمساءلة تستوجب جملة من الشروط، من أهمها درجة معينة لوعي وتنظيم المواطنين، وقيام وسائل الإعلام بدورها. إنه كلما زادت درجة وعي المواطنين زاد حجم التأثير الذي من الممكن إحداثه من خلال المساءلة. كما أن هناك علاقة واضحة بين درجة الوعي وبين تنظيم المواطنين في الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات وجماعات الضغط والمصالح. وبالتالي كلما ارتفعت درجة تنظيم المواطنين كلما زادت قوتهم وبالتالي تأثيرهم في عملية المساءلة والمحاسبة.

أما فيما يخص دور وسائل الإعلام في هذا الصدد، فقد تكون بعض الصحف في ملكية أحزاب أو فئة معينة، وبالتالي تعمد إلى نشر ما يتوافق مع مصلحتها، كما أنها قد تكون ذات طبيعة تجارية وربحية بحتة، وكل ما يهمها هو تحقيق ربح على حساب نقل الحقائق والمعلومات.

فالشفافية إذن تعتبر ركنا أساسيا وعنصرا هاما في ترسيخ وتكريس الديمقراطية في المجتمع، سواء على مستوى الأفراد والجماعات. والشفافية تهم الهيئات الرسمية كما تهم كذلك مؤسسات المجتمع المدني.

الإصلاح الدستوري شرط أساسي للتحديث الفعلي

الحداثة...قضية شغلت و لازالت تشغل بال العديدين بالمغرب، إلا أن الحداثة تقتضي أولا تحديث الدولة عبر تبني جملة من التغييرات السياسية، لا سيما الإصلاح الدستوري لكونه يعتبر حجر زاوية التحديث السياسي و الاقتصادي الفعليين.

و حسب البعض أن أول خطوة لامناص من تحقيقها في هذا المضمار، هو التخلص من الطبيعة المخزنية للنظام السياسي، باعتبار أن الدولة ليست فوق الطبقات، و لا يمكنها مهما كان الأمر أن تكون متعالية على إرادة الأفراد و المجتمع برمته. و هذا هو السبيل الأنجع و الأجدى للدمقرطة الداخلية و التحديث الذاتي لمختلف مكونات المجتمع المغربي.

و في هذا الإطار لابد من القول أن دور الأحزاب السياسية المغربية ليس هو مجرد التصارع على الكراسي و الاستوزار و المواقع في فترة الانتخابات فقط على رأس كل 6 سنوات، و خارج ذلك تظل تنتظر هذا الموعد متفرجة على المجتمع الذي لا يحيا إلا بالحفاظ على المكتسبات و تحقيق مكتسبات جديدة و تجديد الفكر و الإبداع السياسي.

و هذا المسار جعل الأحزاب السياسية المغربية أضعف بكثير مما كانت عليه في السابق، بل أغلبها أضحى مجرد وكالات انتخابية ليس إلا. و هذا لن يجر على مستقبل المغرب إلا المزيد من الضبابية الكثيفة. و ذلك لأن الحداثة الفعلية تقتضي بالأساس تحديث الدولة نفسها بنفسها عن طريق تبني التغييرات السياسية التي أضحت ضرورية. و أهم خطوة في هذا المسار هي التي تكمن في اعتماد إصلاح دستوري و الذي أضحى يكتسب حاليا بالمغرب راهنية و ضرورة خاصتين باعتبار ارتباطه الوثيق بالتحديث السياسي و الاقتصادي. علما أنه لا يمكن الحديث عن التحديث الفعلي بدون رد الاعتبار لدولة المجتمع و دولة المؤسسات.

الحوار نهج يفتح الأبواب و لا يصدها

عمدت بعض الصحف الوطنية المغربية المحسوبة على الصحافة المستقلة للهجوم على عبد حريف قائد النهج الديموقراطي الذي أسسه جملة من مناضلي المنظمة الماركسية اللينينية "إلى الأمام". و سبب هذا الهجوم موقفه من قضية الصحراء.

و لقد تعرفت على عبد اله حريف في درب مولاي الشريف )المعتقل السري) و هو المهندس الشاب خريج المدارس العليا بفرنسا، كما عايشته عن قرب بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة، و عرفت فيه الرجل الهادئ على الدوام و المحلل المتأني الذي يعرض أفكاره طوبة طوبة كأنه بصدد تشييد بناء، يبدأ بالأساس ثم يشرع في طرح فكرته تدريجيا إلى أن يكتمل البنيان ليعيد طرحها مركزة مختزلة مصاغة كما تصاغ قواعد العلوم الحقة.

لقد اطلعت على جملة من كتاباته داخل السجن، لاسيما دراساته و تحاليله حول الوضعية الاقتصادية و الطبقية بالمغرب، و على وجه الخصوص إسهاماته قي اغناء أطروحة إشكالية تكون المخرن و الطبقات السائدة بالمغرب و طبيعة البرجوازية المغربية بمختلف مكوناتها الكومبرادورية و التقليدية و العصرية. و قد شدتني كثيرا جملة من تحاليله حول مسار هيمنة النمط الرأسمالي المبتور بالمغرب و انحرافات سيرورة تطوره.

لقد كان عبد الله حريف بمعية ثلة من مناضلي "إلى الأمام" يدافعون و بشدة على ضرورة الاستمرارية باعتبار أن الحركة الماركسية اللينينية المغربية نتاج لصيرورة تطور أفره المجتمع المغربي من داخله و تفاعلت كحركة مع هذا المجتمع للتمكن من تحديد مهام تاريخية ظلت و ستظل قائمة على امتداد أجيال.

و إذا كان موقف عبد الله حريف من قضية الصحراء له خصوصياته و منطلقاته و أسسه الفكرية و الإيديولوجية و التاريخية و النفسية، فانه ليس الموقف الوحيد الذي يدعو إلى البحث عن الحل الحاسم و النهائي للقضية في إطار التصور المغاربي الشامل. فقد كانت هناك مواقف دعت إلى هذا التوجه مند زمن، و يمكن ذكر على سبيل المثال لا الحصر موقف محمد الفقيه البصري في هذا المجال.
و مهما يكن من أمر إن النقاش حول هذه القضية بالذات هو في حد ذاته دليل على أن التواصل و الحوار أضحى من الأمور العادية حول كل القضايا و لم يعد يخيف أحدا و هذا، بغض النظر عن فحوى و مضمون الأفكار المعبر عنها و الطريقة التي يدار بها، يعتبر أمرا ايجابيا. لأن بالأمس القريب لم يكن لأحد الحق في النقاش حول هذه القضية، و إلا عرض نفسه للخطر الأكيد و هذا فعلا ما حصل للعديدين.

و الجميل في الأمر حاليا، هو أننا بدأنا نعاين بروز نوع من التفهم، باعتبار أننا بدأ،ا نسمع للآخر و نفهم أن لكل قناعاته و أن السجال و الحوار كفيل بتبيان كل شيء و أن ترك الفرصة للتعبير الحر عن الرأي تكبل الجميع، حتى أصحاب الآراء المخالفة و تلك التي تبدو غريبة على الأفكار السائدة. فمادام لأصحابها حق التعبير عنها فلا خوف منها حتى وان كنا نعارضها لأن كشف الأفكار و عدم التضييق عن التعبير عنها يؤدي إلى تحليلها و انتقادها و لغنائها و تمحيصها و الباقي منها يكون للأصلح و الأصوب. و هذا النهج يؤسس لعدم الخوف من الأفكار لأن الأفكار المجانبة للصواب و المخالفة للصيرورة التاريخية للبنية المجتمعية و قوانين تطورها من السهل دحضها و هنا فليتنافس المتنافسون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى