الأربعاء ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤
بقلم إدريس ولد القابلة

القسم الثامن ـ الحقيقة أولا ... الحقيقة دائما

أكدز أحد المعتقلات السرية بجنوب المغرب التي عاينت على الأقل 28 وفاة رهن الاعتقال القسري من 1976 إلى 1979، و هم ضحايا أسماؤهم أضحت معروفة لدى الجميع الآن، و قد وردت بدقة في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في فاتح أبريل 1993، و الآن أهاليهم مازالوا يبحثون أين دفنوا.
و أكدز كلمة أمازيغية تعني السوق الأسبوعي أو ملتقى التجار، و هي قرية تقع وسط جبال الجنوب على بعد 60 كلم عن مدينة ورززات المعروفة عالميا بالصناعة السينمائية.

و معتقل أكدز سيظل يذكر المغاربة بالخروقات و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و التي دهب ضحيتها العديد من المواطنين باختلاف مستوياتهم الثقافية و انتمائهم المجتمعي أو السياسي. لدلك لازالت عائلات الضحايا تبحث جاهدة عن الحقيقة، و لن يهدا لها بال إلا بمعرفة الحقيقة، كل الحقيقة و لاشيء إلا الحقيقة، و السعي وراء التمكن من ممارسة حقها في الإقرار بمساءلة الجناة و الجلادين الدين تسببوا في محنها و تشردها أحيانا كثيرة.

و معتقل أكدز، كباقي المعتقلات الأخرى، درب مولاي الشريف بالدار البيضاء و تازمامارت و قلعة مكونة عرف هو كذلك في غضون هده السنة وقفة ساهم فيها ضحاياه و عائلات المفقودين و مجهولي المصير، كشكل من أشكال النضال الجديد من أجل الوقوف على الأماكن التي عرفت و كرست أشكالا خطيرة من التنكيل و التعذيب و الدوس على الصفة الإنسانية و الكرامة و الإعدام خارج القانون و على هامشه و الدفن في أماكن مجهولة.

و في الحقيقة إن الوقوف على مثل هده الأماكن ليس مجرد بكاء على الأطلال، و إنما و بالأساس من أجل التذكير أنه لامناص من مساءلة الجناة بكل جرأة لأن المصاب فضيع و فضيع جدا.

و في هدا الصدد سبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن نشرت لائحة أولية عن أسماء جلادين طالبت بمساءلتهم و محاكمتهم اعتبارا لما اقترفوه من انتهاكات جسيمة في حق جملة من أبناء المغرب المخلصين.

كما أن وقفة أكدز كسابقاتها من الوقفات أمام المعتقلات السرية السابقة الأخرى أكدت مرة أخرى على ضرورة الكشف عن مصير المختطفين و تسليم رفات المتوفين و تعويض الضحايا و عائلاتهم و دوي الحقوق و التعويض العادل الرامي لحفظ الكرامة مع الأخذ بجميع الإجراءات الرامية إلى جبر الضرر و إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين المتبقين.

من أجل إعدام عقوبة الاعدام

في سنة 2001 من 3000 شخص أعدموا في 31 بلدا, 139 منهم بإيران و 79 بالسعودية و 66 بالولايات المتحدة, و في سنة 2002 تم إعدام ما لا يقل على 1526 شخصا في 31 دولة, كما حكم على ما لا يقل على 3247 شخصا بالإعدام في 66 دولة. و في 2000 تبين أنه من أصل 195 دولة ألغت 108 بلدا عقوبة الإعدام في القانون أو في التطبيق, اد ألغتها كليا 73 دولة, كما ألغيت بالنسبة للجرائم العادية في 13 دولة و ألغيت عمليا في 22 بلدا. و في سنة 2002, ألغت 74 بلدا عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم, كما ألغت 15 دولة هده العقوبة بالنسبة لجميع الجرائم ما عدا الجرائم الاستثنائية مثل تلك المرتكبة في حالة الحرب. و لم تطبق 22 دولة على الأقل عقوبة الإعدام رغم الحكم بها. و أبقت 84 دولة على تلك العقوبة القاسية. و تظل البحرين الدولة العربية الوحيدة التي تمكنت من إلغائها على امتداد الوطن العربي.
و عموما لوحظ مند 1999 تقدم في عدد البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام, و دلك بمعدل 3 دول سنويا على امتداد الفترة فيما بين 1999 و 2001.

و قد ظهرت الحركة الداعية إلى إلغاء عقوبة الإعدام لأول مرة في الولايات المتخذة في أواسط القرن التاسع عشر, و اتسع مداها إلى أوروبا ثم إلى العالم لا سيما في فترة ما بين الحربين العالميتين.

و عرفت هده الحركة في العقود القليلة الماضية نموا كبيرا بفضل انتشار نفوذ الحركات المدافعة عن حقوق المرأة و الطفل و الحفاظ على البيئة و الدعوة إلى السلام. و دلك كجزء من تطور الوعي الحضاري العالمي من أجل حياة اجتماعية أفضل. و قد ساهمت المنظمات الحقوقية عموما في إنماء هدا الوعي و تقويته مما أدى إلى ظهور حركات و منظمات داعية لإلغاء عقوبة الإعدام أو مناهضتها في العديد من دول العالم.
و من بينها جمعية معا ضد عقوبة الإعدام و هي جمعية يرأسها ميشال توب, تأسست سنة 2000 بستراسبورغ بفرنسا. و قي 12 ماي 2002 قامت هده الجمعية بتأسيس تكتل عالمي ضد عقوبة الإعدام في روما بايطاليا, و يضم منظمات و جمعيات تنشط في هدا المجال, و من ضمنها منظمة العفو الدولية و الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان و جمعيات رجال القانون و المحامين و جمعيات دينية و ثقافية.

و قد تم اعتماد يوم عالمي لمناهضة عقوبة الإعدام. و تاريخ هدا اليوم يصادف تاريخ إلغاء عقوبة الإعدام لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1786. و يحتفل بهذا اليوم العالمي في 10 أكتوبر من كل سنة.

و يهدف الاحتفال بهذا اليوم تذكير العالم بأن عقوبة الإعدام و الحكم بها من ممارسات المضي, شأنها في دلك شأن التعذيب و الرق. و يرجع فضل إعلان هدا اليوم العالمي إلى التكتل العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام. و المغزى من الإقرار به هو دفع المجتمع المدني عبر العالم إلى مبادرات محلية و تنظيم ندوات و موائد مستديرة و تظاهرات و تصريحات و أنشطة مختلفة لتوعية الناس و الدفع إلى التغيير نحو الأحسن في العالم أجمع, و دلك بهدف توقيف تنفيذ عقوبة الإعدام في أفق إلغائها نهائيا و بصفة لا رجعة فيها. و بدلك أضحى يوم 10 أكتوبر يوم مناهضة عقوبة الإعدام و النضال من أجل إعدامها.
و من بين المواقف الرائدة في هدا المجال موقف الاتحاد العالمي للبرلمانيين و الذي يجد أساسه في توصيات لجنته الخاصة بحقوق الإنسان و الداعية إلى إلغاء عقوبة الإعدام أو على الأقل التوجه نحو إلغائها تدريجيا. و في هدا الصدد يطالب الاتحاد جميع برلمانات و برلمانيي العالم بالعمل على إلغاء هده العقوبة.

و ادا كانت كل البلدان الأوروبية التي ألغت عقوبة الإعدام فعلت دلك بعد عمليات استفتاء واسعة و شاملة, فان مشروع الإلغاء هدا ظل شبه مرفوض في دول العالم الثالث, لا سيما و أن اتفاقية مناهضة الإرهاب التي رأت النور بعد أحداث 11 شتنبر 2001 وسعت نطاق تطبيق عقوبة الإعدام في العديد من الدول.

و قد أعلنت جمعية معا ضد عقوبة الإعدام, التي تسعى لإلغائها في مختلف أرجاء العالم, عن عقد المؤتمر الثاني ضد عقوبة الإعدام بواشنطن في ماي 2004 . و الهدف الأساسي من عقد هدا المؤتمر بالولايات المتحدة هو الدفع في اتجاه تشجيع المجتمع الأمريكي على المطالبة بفتح نقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام خلال الحملة الانتخابية. إلا أنه يبدو أن الجمعية لقت صعوبة جامة لتحقيق دلك الشيء الذي أدى بها إلى تقرير عقده بكندا.
و للإشارة فان المؤتمر الأول من أجل إلغاء عقوبة الإعدام كان هو كذلك من مبادرة جمعية معا ضد عقوبة الإعدام في يونيو 2001.
لكن ما هو مدلول الإعدام؟

في العراق هناك عبارة, طالما استعملت للدلالة على عقوبة الإعدام, إنها الإتلاف. فكان يقال حكم على فلان بعقوبة الإتلاف. و هي عبارة تبدو أكثر دقة من عبارة الإعدام, لأن الإعدام في اللغة هو الإحالة من الوجود إلى العدم في حين أن الإتلاف يدل على إلحاق الضرر بالجسد الحي حتى درجة إزهاق الروح مع بقاء جسد المعدوم.

يقال أن إعدام القاتل يساهم في تسكين جراح أهل الضحية و دويه لأنهم لا يمكنهم تحمل رؤية القاتل على قيد الحياة فيما يكون فقيدهم تحت التراب. و السؤال المطروح هنا هو لمادا يتم تسكين جراح أهل القتيل بقتل و إتلاف شخص آخر؟ و هل بوسع المجتمع الإنساني أن يستند إلى الانتقام؟

إن مناهضي عقوبة الإعدام يعتبرون أن هدا الأمر عدالة بمفهوم سلبي لأنها تعني تقسيم المحن و المصائب على الآخرين, في حين أن العدالة أصلا مفهوم ايجابي بامتياز و مطلب إنساني عميق. لدا يجب أن يكون هناك معيار إنساني للتعامل مع مثل هده القضايا, بيد أن الانتقام مفهوم يفتقد لأي معيار.

فجريمة القتل و عقوبة الإعدام لا يمكن النظر اليهما كأمر واحد. إن عقوبة الإعدام أبشع من جريمة القتل. ففي واقع الأمر إن عقوبة الإعدام هو قتل مع سبق الإصرار و الترصد, قتل حددت له ساعة معلومة و يوم معلوم و طريقة معينة و محددة سلفا. كما أن المحكوم عليه بالإعدام, حين تنفيذ العقوبة, يكون عاجزا تماما عن فعل أي شيء. فادا كان بوسع القاتل أن يقاوم أو يدافع عن نفسه أو يهرب أو يستنجد أو يصرخ, فان المعاقب بالإعدام عاجز كل العجز عن القيام بأي شيء حتى من الأمور البسيطة لمحاولة انقاد حياته. كما أنه, ادا كان القتيل لحين موته لديه أمل ما أن شخصا ما أو يدا ما أو صدفة ما قد تنقده, فان المحكوم بالإعدام لا يساوره مثل هدا الأمل البسيط.

كما أن عقوبة الإعدام لا تتعلق فقط بمجازاة البشر على أعمالهم, و إنما كداك لإخافة الناس و بث الرعب في أفئدتهم. فيقال أن إعدام القاتل مثلا ضرورة لكي يكون عبرة للآخرين. لكن أليس ثمة سبيل آخر أكثر إنسانية و أفضل من الإعدام لتعليم البشرية فداحة عمل القتل؟ و هل الإعدام يحل المشكل؟
فمن وجهة نظر حقوق الإنسان لا يمكن أن يكون سلب حياة إنسان سبيلا مبررا مهما كان الأمر. علاوة على أن الإحصائيات تبين أن نسبة الجريمة بالنسبة لعدد السكان هي أعلى في البلدان التي تطبق عقوبة الإعدام من تلك التي ألغتها و لا تعتمدها في قوانينها.

و مهما يكن من أمر, ليس ثمة سبيل لصيانة حياة الآخرين أنجع و أجدى من انتشار و تكريس احترام المرء و صفته الإنسانية و صيانة حقوقه و حياته على جميع الأصعدة و مهما كان الأمر. ففي مجتمع يهان فيه الإنسان يوميا و تسحق كرامته و يداس على كبريائه و عزة نفسه, و يعاني من الاستلاب الروحي و المعنوي و المادي و هو غارق في اليأس و البطالة و انعدام الأمل و القلق الشديد من الغد و المستقبل, لا يمكن أن يرجى من الأغلبية احترام مكانة الآخرين مهما كانت قسوة و شدة العقوبات المعمول بها.

هدا في الحقيقة هو سبب الجريمة و أرضيتها المادية الخصبة. فمن المعروف أنه كلما زادت مكانة الإنسان و حرمته في المجتمع, كلما تم قطع الطريق على تجاوز الفرد على الآخرين و العكس بالعكس.

قي مجتمع حر و متحرر و إنساني تكون إهانة المرء أمرا صعبا و مبعث قلق الجميع, لأن احترام الصفة الإنسانية تكون بمثابة عقلية سائدة في المجتمع و جزء من الوعي الذاتي لأفراده. هده هي الضمانة الأجدى و الأنفع لعدم تكرار الجريمة و القتل, و ليس الردع بعقوبة الإعدام. في واقع الأمر إن انتشار الجريمة أو قلتها في المجتمع ليست ذات صلة, كما يعتقد البعض, بوجود عقوبة الإعدام أو عدمها, و إنما ذات صلة مباشرة بالأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية للمجتمع. فرغم كل الإعدامات التي طبقت و نفدت على امتداد تاريخ البشرية لم تثنيها عن الجريمة. و لدلك فان عقوبة الإعدام ليست حلا مجديا و ناجعا. و الحل المجدي يوجد في مكان آخر غير الإعدام, انه يكمن في استئصال أسباب و أجواء الجوع و التهميش و الإقصاء و الحرمان و الفقر المدفع و البطالة المنتشرة و الاغتراب و الشعور بالغبن الاجتماعي.
و هدا علاوة إلى كون حق الحياة ليس مثل أي حق آخر, و ليس مثل سائر الحقوق السياسية و المدنية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. إن حق الحياة ليس حق الدولة أو أي مؤسسة أخرى, و ليس حق الجماهير أو الشعب أو الأمة. كما أن الإعدام أو الإتلاف ليس إصلاح لأنه بعد تنفيذه لا يبقى شيء نصلحه.

و رغم كل هدا يعتقد مؤيدو عقوبة الإعدام أن الدول التي ألغت هده العقوبة في دساتيرها و قوانينها هي دول تعيش في ظل الديموقراطية الصحيحة و الفعلية المطبقة على جميع المواطنين بالمساواة في الحقوق و احترام الإنسان و لا يشتكي مواطنوها من جور أو ظلم أو انتهاك لحقوقهم, أما أغلب دول العالم الثالث, و من ضمنها الدول العربية و الإسلامية, مازالت لم تبلغ بعد درجة كافية من الوعي بمفهوم الديمقراطية الحق و لا تطبقها في مجتمعاتها. كما أن الدين ألغوا عقوبة الإعدام سبقونا كثيرا في الممارسات الديموقراطية التي لازلنا نحن في طور اكتشافها و التعرف عليها. كما يستشهد هؤلاء بحالة الولايات المتحدة, اد بعض ولاياتها كانت قد ألغت عقوبة الإعدام من قوانينها ثم أعادت اعتمادها أو تحاول إعادة تطبيقها و العمل بها.

و مهما يكن من أمر فان الاتجاه العالم اليوم هو لصالح إلغاء عقوبة الإعدام. فمند 1985 ألغتها 40 دولة و تراجعت عن دلك 4 منها فقط. و أن 111 بلدا ألغتها قانونيا أو عمليا. كما أن 15 دولة حصرت تطبيقها بالنسبة للجرائم الفظيعة و 22 دولة تحكم بها لكن مع إيقاف التنفيذ.

و من دواعي المطالبة بإعدام عقوبة الإعدام أنه من أولى مقومات دولة الحق و المؤسسات الدستورية أن تكون العقوبة للإصلاح و التقويم لا للانتقام و التدمير. في حين أن عقوبة الإعدام عقوبة همجية تنتهك حقوق الإنسان و تسبب العنف عندما يريد القضاء إحلال الوئام المدني.

علاوة على أن الإعدام أمر بربري و من بقايا العصور الوحشية, في حين أن البشرية تستحق مصيرا أفضل من هده البربرية.

إن الدراسات العلمية ما زالت لحد الآن لم تثبت جدية الفرضية القائلة بأن عقوبة الإعدام تخفف من حدة الجريمة و انتشارها في المجتمع. كما أن التاريخ اثبت حتى الآن أن تنفيذ هده العقوبة لم يمنع و لم يخفف من نسبة الجرائم المقترفة في المجتمع.

إن الاعتقاد [إن الإقرار بعقوبة الإعدام يشكل رادعا مهما للمجرمين و للمجرمين المحتملين مدحوض بالأرقام و الإحصائيات. فتطبيق هده العقوبة في أمريكا و بالقسوة التي تطبق بها لم تخفض أبدا نسبة الجرائم هناك إلى مستوى الجرائم المقترفة بفرنسا مثلا و التي لا تطبق تلك العقوبة.
إن الدعوة لإعدام عقوبة الإعدام ليست دفاعا عن مرتكبي الجرائم و لكن منعا لمعالجة الجريمة بجريمة أقسى و أبشع منها.

و في هدا الصدد يقال أن الفكرة الصحيحة كالنجم البعيد يتألق و يعلن حضوره حتى و إن لم يومئ إليه أحد. و المطالبة بإعدام عقوبة الإعدام هي فكرة صحيحة يمكن أن يتألق بها الإنسان دفاعا عن الحياة و عن الحق في الحياة.

و هده الدعوة لا تتناقض مع التعاليم السماوية التي و إن كانت أقرت تلك العقوبة لكنها فضلت عقوبة أخرى غير الإعدام عليها, و هدا ما تنص عليه الآية 178 من سورة البقرة
## يا أيها الدين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف و أداء إليه بإحسان دلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد دلك فله عذاب أليم ##
و في هده الآية يتبين أن بديل الإعدام لا يصل إلى السجن المؤبد بل هو الأداء أو الدية.

كما جاء في الآية 40 من سورة الشورى

## و جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين ##

و تصب هده الآية كذلك في نفس المعنى.

فلا توجد في الشريعة الإسلامية ما يسمى بعقوبة الإعدام و إنما هناك القصاص المطبقة في جرائم القتل العمد و التي يمكن الاستغناء عنها بعقوبة أخرى لا تزهق الروح و هي الدية أي دفع التعويض ادا ما عفى دوي المجني عليه عن الفاعل. أما في الجرائم غير العمدية و غير المتعمدة فلا يجوز مطلقا إيقاع عقوبة القصاص أو إزهاق الروح, و يكون الجزاء هو دفع الدية فقط.

و لقد دعى بعض المفكرين المسلمين إلى إلغاء عقوبة الإعدام. و في هدا الصدد يدعون إلى استبدالها في القصاص بالدية. و في إيضاحهم لكيفية إلغاء حد شرعي, و هو القصاص المنصوص عليه في القرآن الكريم, يقولون أن ما يميز القصاص هو حق العفو لولي الدم, علما أنه في الفقه الجنائي الإسلامي إن حق قتل القاتل قد أعطي لولي الدم لكن بشروط بحيث لا يسرف في القتل, إضافة إلى أن العفو عن القاتل مطلوب دينا و خلقا بنص الكتاب و السنة.

و يبدو أن القارة الأوروبية هي القارة الوحيدة في العالم حاليا التي قطعت أشواطا عملاقة في مسار إعدام عقوبة الإعدام. و لعل آخر ما بلوره الأوروبيون البروتوكول 13 المرتبط بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية, و هو البروتوكول الذي يحظر عقوبة الإعدام في جميع الظروف و الأحوال. و جاء بالأساس لسد الثغرة التي تركها البروتوكول رقم 6 الذي حظر تطبيق عقوبة الإعدام إلا في حالة بعض الأفعال المرتكبة في وقت الحرب. و البروتوكول 13, الذي يعرف كذلك بروتوكول قيلنيوس نسبة للمدينة الليتوانية, يحظر عقوبة الإعدام حتى في أوقات الحروب أو تحت تهديد الحرب, و هما الوضعان اللذان كان الميثاق الأوروبي يسمح خلالهما باستخدامها. و بدلك أضحى الآن إعدام عقوبة الإعدام و إلغاؤها يعتبر من الشروط للانتساب إلى الاتحاد الأوروبي.
و قد أبانت التجربة الأوروبية في هدا الصدد أن للأعلام الدور الحيوي في التوعية الضرورية للتوصل إلى إعدام عقوبة الإعدام. و مهما يكن من أمر فالإعلام سواء كان مؤيدا أو مناهضا فهو شريك و له دور رئيسي في تكوين الرأي العام و الدهنيات و الأحاسيس.

و بالنسبة للمغرب يقدر عدد المحكوم عليهم بالإعدام ما يناهز 150 من ضمنهم 7 نساء, و أغلبهم يوجدون بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة,64 منهم تتراوح أعمارهم ما بين 30 و 40 سنة 30 منهم تتراوح أعمارهم ما بين 20 و 30 سنة. و كان آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في حق رجل الأمن ثابت المحكوم عليه في مارس 1993.

و يعتبر المغرب من بين 83 دولة في العالم التي مازالت تعمل بالإعدام كعقوبة. حيث لازالت الدعوة إلى إلغائها خجولة لكنها متبصرة, واهنة لكنها نامية بإصرار. و لقد سبق لوزير العدل المغربي أن صرح أنه من المدافعين على إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب, كما أكد أن هناك نقاش ساري بين رجال القانون المغاربة حول هده الإشكالية و يتجه في عمومه نحو تأييد الإلغاء. إلا أن قانون الإرهاب المعتمد مؤخرا بالمغرب عمل على توسيع نطاق تطبيق عقوبة الإعدام فيما يتعلق بالأعمال و الجرائم ذات ارتباط بالإرهاب, لا سيما و أن هدا القانون تبنى تعريفا واسعا و فضفاضا للإرهاب. كما أعطى حرية واسعة لتحرك مصالح الأمن و أطلق يدهم في هدا المجال أكثر من السابق.

و يبدو أن عقوبة الإعدام مازالت من المواضيع الطابوهات بالمغرب, اد هم قلائل الفعاليات و الجمعيات التي تطالب بإلغائها. و لعل موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هو الأكثر تقدما و بروزا في هدا المجال, حيث لا تدع فرصة أو مناسبة تمر إلا و نادت و طالبت بإلغاء هده العقوبة القاسية باعتبارها عقوبة تنتهك الحق في الحياة كحق أساسي ليس كباقي الحقوق.

و لقد حان الوقت بالمغرب لفتح نقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام يهدف إلى بناء استراتيجية متكاملة ضد الإعدام لتفعيل انطلاقة المسار التدريجي لإعدامها نهائيا من القوانين الجاري بها العمل ببلادنا. و دلك عبر الالتزام باحترام حقوق الإنسان وفقا لما جاء في المعاهدات الدولية دون تحفظ و الشروع فورا في تجميد تنفيذ الإعدام مرحليا لإلغائه لاحقا عبر نقاش وطني واسع المدى و تكثيف الأبحاث المتعلقة بمدى فعالية و جدوى الإعدام كعقوبة رادعة و تفعيل دور القضاء و هيئة الدفاع في اتجاه إلغائها عمليا عبر التشدد في تطبيقها

المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب

إن عقوبة الإعدام لازالت تعتبر بالمغرب من العقوبات المبررة قانونيا رغم مساسها بأحد أهم حقوق الإنسان، الحق في الحياة. فإذا كانت العقوبات السجنية بمختلف مددها عقوبات سالبة للحرية، فان الإعدام يعتبر عقوبة سالبة للحياة، علاوة على أن عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة التي تؤدي إلى فعل لا يمكن تصحيحه أو الرجوع عنه لاحقا و لو تم اكتشاف خطأ ما أو تبين أن المحكوم عليه كان بريئا.

و من جهة أخرى بينت التجربة على امتداد قرون أن عقوبة الإعدام لم تساهم بوضوح في توقيف جرائم القتل أو التقليل من الجرائم البشعة.

و إذا كان المغرب من الدول التي مازالت ترفض إلغاء عقوبة الاعدام فانه منذ سنوات عديدة نادرا جدا ما كان يتم تنفيذ هذه العقوبة رغم الحكم بها و رغم أنها تظل عقوبة مشهرة كاحتراز فيما يتعلق بجرائم القتل الشنيعة و جرائم أمن الدولة. فهل هذا العرف سيظل قائما رغم صدور عدة أحكام بالإعدام مؤخرا في حق المتورطين في الإرهاب بالمغرب؟
لقد قام مركز حقوق الناس باستطلاع للرأي بصدد عقوبة الإعدام، حيث تبين أن 96 في المائة من المستجوبين يعتبرون أن الحق في الحياة حق مقدس، في حين لم يتفق على ذلك 1 في المائة منهم و تردد 3 في المائة منهم في التعبير عن موقف واضح.

و بخصوص إلغاء عقوبة الإعدام يتفق 48 في المائة من المستجوبين على ذلك، في حين لا يتفق 38 في المائة منهم. و قد ترتبط هذه النتائج باستمرار سيادة ثقافة القصاص داخل المجتمع المغربي. إلا أنه من الواضح أن هناك اتجاه نحو ارتقاء الوعي الحقوقي في صفوف المواطنين، خصوصا إذا اعتبرنا أن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام لازالت من المواضيع الطابوهات بالمغرب.

و إذا تمحصنا في فوارق الموقف حسب الجنس، يتبين أن 53 في المائة من الذكور مقابل 45 في المائة من الإناث غير متفقين على إلغاء عقوبة الإعدام، الشيء الذي يمكن الاستنتاج منه أن ثقافة القصاص سائدة أكثر لذى الذكور. كما أن الفئات الأكثر تعلما هي الأكثر تأييدا لإلغائها و الأكثر تحررا من ثقافة القصاص. و هذا طبيعي باعتبار أن التعليم يمد الأفراد بشروط الانتماء لآفاق حقوقية أوسع و بضرورة العمل على سيادة عدالة إنسانية خالية من الانتقام.

و مهما يكن من أمر فهناك اليوم بالمغرب أرضية مادية و اجتماعية ملائمة لانطلاق حركة للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في أفق أنسنة قواعد العدالة المغربية. و للمجتمع المدني دور حيوي في هذا المجال

حـــق تـقـريــــر الـمـصـيــــــر فـي نظر الجـمعية المغربية لحقوق الإنســان

حق تقرير المصير موضوع لم تكن تليه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الأهمية التي تليق به، ولم تدارك الأمر إلا مؤخرا.
وحق تقرير المصير يعتبر من أهم الحقوق، فجميع حقوق الإنسان تنبني وتؤسس على حق المصير.
لكن كيف تتحدث المواثيق الدولية على حق تقرير المصير؟
وما هو موقف الحقوقيين المغاربة، وخاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من تطبيق حق المصير؟
قبل محاولة الإجابة على هذه الأسئلة بأمانة، لامناص من الإشارة إلى أن حق تقرير المصير منصوص عليه في عهدين دوليين: العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسي( 1966 ) والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) 1966 ( . والغريب في الأمر هو أن هذا الحق منصوص عليه في العهدين المذكورين بنفس الصياغة ودون تغيير ويتصدرهما معا. فهل هذا مجرد تكرار؟
لاشك أن التكرار لم يأت بشكل اعتباطي لأن الهدف منه هو التركيز على هذا الحق اعتبارا لأهميته وحيويته. فالمواثيق الدولية تعتبر أن حق تقرير المصير ذا أهمية بمكان، وبالتالي تم التنصيص عليه في العهدين الدوليين السالفين الذكر وبدون أذني تغيير.
وقد تصدر هذا الحق العهدين معا، إنه يقع في البند الأول منهما. ولا يخفى على أحد أنه عندما نمنح شيئا ما المرتبة الأولى ونعطيه الأولوية. يعني ذلك أننا نليه الأهمية القصوى. لكن لماذا نفس الصيغة في عهد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي عهد الحقوق ا|لاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي عهد الحقوق المدنية والسياسية وليس صيغتين مادام كل عهد من العهدين ارتبط بنوع من الحقوق؟
جوابا على هذا التساؤل يمكن القول أن التشريعات الدولية تعتبر حقوق الإنسان وحدة لا تتجزأ، أي إذا لم تتحقق حقوق الإنسان السياسية مثلا لايمكن أن تتحقق حقوقه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعكس صحيح مادام هناك وحدة وعدم قابلية للتجزأة؟
لكن ماذا نعني بحق تقرير المصير؟
ينص البند الأول كل من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ما يلي: " لكافة الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها استنادا إلى هذا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي وأن تواصل بحرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي"
إذن أولا أن الشعب عليه تقرير كيانه السياسي واختيار النظام السياسي وثانيا له الحق في اختيار النظام الاقتصادي.
ويزيد البند الأول وينص على:

" ولجميع الشعوب تحقيقا لغايتها الخاصة أن تتصرف بحرية في ثروتها ومواردها الطبيعية دون إخلال بأي من الالتزامات الناشئة عن التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبادئ المنفعة المشتركة والقانون الدولي. ولا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان شعب ما من وسائله المعيشية الخاصة.
على جميع الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بما فيها المسؤولة عن إدارة الأقاليم التي لا تحكم نفسها بنفسها أو الموضوعة تحت الوصاية أن تعمل من أجل تحقيق تقرير المصير وأن تحترم ذلك الحق تماشيا مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة".
واختزالا لمضمون هذا البند يمكن القول أنه أولا في حق الشعب أن يختار نظامه السياسي وثانيا أن الشعب عليه اختيار نظامه الاقتصادي، وفي هذا الحق يمكن التمييز بين شقين: شق داخلي متعلق بالشعب واختياراته، وشق دولي في حالة إذا كان الشعب واختياراته، وشق دولي في حالة إذا كان الشعب تحت الوصاية أو الحماية أو مازال لم ينعتق من الاستعمار.
ففي أحد تعليقاتها على هذا الحق، اعتبرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن لهذا الحق أهمية خاصة وأن تحقيق شرط أساسي لضمان واحترام حقوق الفرد، كما اعتبرته ضروريا لاتخاد التدابير لحماية مختلف حقوق الإنسان ومسؤوليته، كما اعتبرت هذه اللجنة أن حق تقرير المصير يشكل حجز الزاوية لمنظومة القانون الدولي لم يعد لها أي معنى، وقد أكدت على هذا منذ سنة 1945
وترى هذه اللجنة كذلك أن أهمية حق تقرير المصير زادت وتضاعفت خلال العقود الأخيرة، لاسيما وأن مجموعات داخل البلد الواحد أبحت تطالب بهذا الحق.
فالشعوب بدأت تطالب بحق تقرير مصيرها عندما عاينت أن خيراتها تنهب ولا تعرف أن تذهب ولفائدة من ؟ بل هناك أقليات في جملة من البلدان طالبت بهذا الحق.
وخلاصة القول في هذا المضمار أنه إذا لم يختر الشعب نظامه السياسي والاقتصادي غبر دستور وضعه بنفسه تكون السيادة له، حيث إن السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية تكون تحت مراقبة الشعب والتي بدونها لا يمكن التحدث عن دولة الحق والقانون ولا عن حقوق الإنسان.
لكن ماهو رأي الدولة المغربية في مبدأ حق تقرير المصير؟
من المعروف أن على كل الدول على رأس كل أربع سنوات أن تنجز تقرير تبعته إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ) مقرها بسويسرا( وذلك للتوضيح فيه مدى التقدم الطارئ داخلها فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، ومدى التزامها بالعهود الدولية التي وقعت عليها من عدمه.
وفي هذا الصدد، كانت الدولة المغربية قد بعثت تقريرا في 27 غشت 1999 ) في عهد حكومة التناوب(.
وهو تقرير ترصد فيه مجال تقدمها في حقوق الإنسان وقد جاء في هذا التقرير أن " حق تقرير المصير حق أساسي أولت له الدولة عبر تاريخها السياسي والدستوري أهمية بالغة" ) إذن منذ البداية كان حق تقرير المصير شغلها الشاغل(. ويضيف التقرير قائلا " وشكل ) حق تقرير المصير( ثابتا من توا بثها" ) أي أنه من التوابث ولم يسبق لها أن تزعزعت عنه(.
وأضاف " وتذكروا أن الدساتير المغربية 1962، 1970، 1972، 1996، هذه الدساتير كلها وضعت أساس النظام السياسي المغربي وفق مبدأ تقرير المصير" ) إذن كل الدساتير منذ البداية حتى الآن بنيت على حق تقرير المصير( علما أن العهود الدولية كانت سنة 1966 والدولة المغربية قد عملت بذلك منذ 1962 أي أنها سبقت تلك العهود نفسها في هذا المجال(.
ويضيف التقرير قائلا: " والدليل أن السيادة للأمة ".) وهذا فعلا منصوص عليه في الدستور وهنا لابد من الإشارة أن العهود الدولية تتحدث عن السيادة للشعب أما التقرير فيتحدث عن السيادة للأمة (ويضيف " تمارسها) أي السيادة ( مباشرة عبر الاستفتاء و بشكل غير مباشر بواسطة الهيئات الدستورية") ولدينا في المغرب برلمانين اثنين، بل ثلاثة ، إثنان للكبار وأخر للصغار، وربما يمكن التفكير في برلمان للنساء وأخر لفئة… (. ويستمر التقرير «)… (كما أن القانون نابع من إرادة الأمة «) دائما الأمة هي التي تقرر مصيرها (.
ويضيف تقرير الدولة المغربية " ثانيا أن الأعضاء البرلمانيين يستمدون سلطتهم من الأمة كما أن إنشاء الجهة تتبث الديمقراطية على الصعيد المحلي والتي ستعمق الديموقراطية على الصعيد الوطني “ وهذا فيما يخص الشق الوطني، أما فيما يتعلق بالشق الدولي، تكفي الإشارة أن المغرب التزم بكل قرارات مجلس الأمن وبدون أي تحفظ رغم حقوقه الثابتة تاريخيا، كما إن المغرب بدل مجهودا جبارا للنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأقاليم الصحراء رغم قلة موارده".
يستفاد من التقرير أنه حسب الدولة المغربية، فإن المغرب كان على الدوام منذ البداية إلى الآن ملتزما بحق تقرير المصير في شقيه الوطني و الدولي، بل كان سباقا إلى الالتزام به، فماذا نريد بعد أن هذا ؟ لا سيما و أننا وصلنا إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه ؟!!
هذا هو موقف الدولة فما هو موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحق تقرير المصير ؟.
و في هذا الصدد تجب الإشارة أنه عندما ترسل الدولة تقريرها إلى جنيف ) لجنة حقوق الإنسان (، فالجمعيات الحقوقية غير الحكومية تقوم هي كذلك بإعداد تقرير موازي في الموضوع لكي تتمكن الهيآت الدولية من المقارنة بين الموقفين و وجهتا النظر.
و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – عبر أدبياتها بياناتها و تقاريرها –تعتبر أن حق تقرير المصير ما زال الشعب المغربي لم " ينعم " به، لماذا ؟
أولا، تعتبر الجمعية أن الدستور كان دائما ممنوحا وليس نابعا من إرادة الشعب، و لم يسبق لهذا الأخير أن ساهم في بلورته أو إعداده. فحسب الجمعة أنه غالبا ما يتم إعداده. فحسب الجمعة أنه غالبا ما يتم إعداد الدستور و يطلب من الشعب التصويت مع الدفع بالتصويت بنعم.
ثنيا ترى الجمعية أن جميع الدساتير المغربية منذ 1962 إلى الآن تكرس السلط ) السلطة التشريعية و التنفيذية والقضائية ( بين أيدي المؤسسة الملكية، علما أن المؤسسة الملكية مقدسة، و بالتالي فهي فوق هذه السلط كلها.
ثالثا، تعتبر الجمعية أن الدولة بنفسها اعترفت أن الانتخابات قبل ) شتنبر 2002 ( عرفت التزوير و التلاعب.
أما فيما يخص قضية الصحراء فالجمعية تعتبر أنه لم يسبق للشعب المغربي أن أبدا برأيه.

رابعا، تعتبر الجمعية أن حكومات المغرب لم يسبق لأي واحدة منها أن خرجت من صناديق الاقتراع. علاوة إلى بجانب الحكومة هيئات خارجة عن نطاقها، و هذه الهيئات تقرر في قضايا مصيرية، و تقوم بمشاريع مهمة.
أما فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي في المغرب، فالجمعية تعتبر أنه لم يسبق أن تمت استشارة الشعب بخصوص النظام الاقتصادي المعتمدة ثم فرضها من فوق.
و بذلك تعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لم يقرر مصيره بل إن جميع الشعوب سترتاح نهائيا من هذا الحق لأن العولمة هي التي ستقرر المصير عوض الشعوب. و بالتالي فإن الجمعية تدعو إلى الانتباه إلى الخطر الذي أصبح يهدد جملة من المكتسبات في مجال حقوق الإنسان لأنه في عصر العولمة لم يعد هناك مجال للتمتع بحق تقرير المصير من الناحية الاقتصادية و السياسية مادام الإمبريالية الآن تصول و تجول كيفما يحلو لها و يمكنها أن تتدخل في أي بلد بدون حسب و لا لرقيب، إما تحت مظلة مكافحة الإرهاب أو عبر إلغاء الحدود و الحواجز الجمركية و الضغط على الدول لتغيير قوانينها الداخلية، و في هذا الصدد هناك دراسات و اقتراحات دعت إلى التخلي حتى الحد الأدنى من الأجور لترك سوق العمل على هواها.
لذلك تعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنه أضحى مطروحا الدفاع على المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال حقوق الإنسان و من أجل فرض احترام المواثيق الدولية المتعلقة بها.

قضايا العدالة

 قضايا استثنائية أمام محكمة استثنائية
 القضاء في محنة بالمغرب
 الحق في الاطلاع على المعلومات

قضايا استثنائية أمام محكمة استثنائية !

لقد سبق لمحكمة العدل الخاصة بالرباط أن بثت في جملة من القضايا، بعضها أثارت القيل والقال، وقبل التطرق إليها في حلقات، لا مندوحة من الحديث على تلك المحكمة وسيكون موضوعها حلقتنا الأولى.

محكمة العدل الخاصة، قضاء استثناء في دولة الحق والقانون قضاء محكمة العدل الخاصة قضاء خاص ينظر في الجرائم ذات الصلة بالمال العام.....إنه قضاء في ظل صيرورة وإرساء دولة الحق والقانون. ولعل أول تساؤل يتبادر إلى الذهن هو: هل مقومات دولة الحق والقانون تتماشى ووجود استثناء في العدل والعدالة ؟ من الملاحظ أن محكمة العدل الخاصة غالبا ما أدانت موظفين صغار من الدرجة الدنيا، الذين هم في الحقيقة ـ وهذا معروف لدى العادي والبادي ـ يمارسون مهامهم تحت إمرة رؤساء لا تفوتهم " شادة ولافادة " في إدارتهم، علما أن القاعدة الأساسية في الممارسة الإدارية ببلادنا قوامها عدم السماح بالمبادرة وإنما الامتثال لأوامر الرؤساء حيث المسؤول يكون على علم بكل شيء، فكيف يفوته ما يقع بها على امتداد ثلاث سنوات أو أكثر ؟....علاوة على أن إدارتنا اعتمدت على أوامر عبر الهاتف أو الطرق الشفوية في حسم والبث في جملة من القضايا، حتى الشائكة منها، وعندما " تسقط الصومعة" فإن الصغير أو المأمور عموما هو الذي غالبا ما يؤدي الثمن، ونادرا، نادرا جدا ما كان المسؤولون الحقيقيون ـ الذين هم المستفيدون الأوائل، لأن الصغير المأمور، حتى ولو كان مخطئا لا يحصد إلا الفتات ـ يساءلون وبالأحرى أن يدانوا من طرف المحكمة.

وللتأكد من هذا يمكن الرجوع إلى مختلف الملفات التي راجت أمام محكمة العدل الخاصة بالرباط منذ نشأتها، فهي ناطقة على نفسها.

المهم، إن من بين الشروط الأساسية لإقامة دولة الحق والقانون، وجود عدالة عادية، وليس عدالتين، واحدة عامة وأخرى استثنائية، والحديث هنا يقتصر على المجال المدني. فمن المعلوم والمعروف أن الديمقراطية تبدأ من العدالة التي ليست فقط مبدأ وإنما عقلية وممارسة وصيرورة ترسيخ القانون.

إن المتتبع للملفات التي عرضت على أنظار محكمة العدل الخاصة يلاحظ أن المتهمين المدانين فيما يقارب 98 %، هم من المراتب الدنيا في مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية. لا أحد حاليا يمكنه أن يعارض على أن دولة الحق والقانون لا يمكنها أن تستسيغ اتخاذ عقوبات انتقائية في حق البعض دون الآخر، وأغلبهم من المستويات الدنيا في السلم الإداري، في حين أن المسؤولين ينعمون بالطمأنينة ولا تقلقهم الإجراءات الجارية ضد مرؤوسيهم، رغم قياد عدد كبير من المتهمين المدانين بتسليط الأضواء على ملفاتهم، مما جعل هناك مخالفين للقانون ومرتكبي أخطاء جسيمة لم تطالهم العدالة. وفي هذا الصدد قال قائل: كفانا من تصرف النعامات وعلينا التحلي بالتبصر والشجاعة الكافية، فإما غض الطرف على الجميع وطي الصفحة لبداية جديدة موازاة مع انطلاق العهد الجديد وإما التصدي لأي متجاوز للقانون كيفما كان موقعه. فلا يمكن السكوت على الاقتصار والاكتفاء بأكباس الفداء وما أكثرهم، بل أكثر من هذا، من ضمنهم ضحايا شردوا وشردت عائلاتهم ـ وأكيد أن بالرجوع إلى الملفات التي راجت أمام تلك المحكمة، من شأنه تبيان ضرورة وإلزامية إعادة النظر في أوضاعهم ولو في إطار روح مبدأ " إن الوطن غفور رحيم" لأنهم بكل بساطة أدوا الثمن عوض الذين " هبروا " الهبرات ولم تستفد أكباش الفداء إلا من الفتات، والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا.
كما أنه علاوة على هذا وذاك، ألم يحن الوقت بعد للتساؤل حول دستورية أو عدم دستورية وجود محكمة اسثتناء في ظل قاعدة وحدة القانون والتشريع في إطار دولة الحق والقانون؟ فهناك عدة حالات تثير الاستغراب حقا فيما يخص بعض الاختلاسات والتجاوزات، بعضها ينظر في شأنه من طرف المحاكم الابتدائية وتكون فيها الأقسام أقل قسوة مع ملفات من نفس الأهمية من حيث درجة الخطأ المقترف، بل وأحيانا أقلها تحسم فيها محكمة العدل الخاصة بأحكام قاسية جدا. ولعل هذا ما يفسر نعثها بالماصة(اي المطرقة الكبيرة) عوض الخاصة. و " الماصة " كما هو معلوم هي تلك المطرقة الضخمة التي لا تبقي ولا تذر، وذلك لكون أحكامها تؤلم بشدة كل من تصيبه بأحكامها سواء الرئيسية أو الثانوية، لأنها في الغالب أحكام قاسية أكثر من غيرها. وهذا مثال للتوضيح ليس إلا، مختلسان اختلسا نفس المبلغ المالي، الأول من البنك الشعبي ( شبه عمومي) والثاني من بنك آخر ( قطاع خاص). فالأول يحاكم أمام " الماصة " والثاني أمام المحكمة الابتدائية.

وشتان بين الحكمين، حيث يفصل بينهما بعد السماء عن الأرض. وفي نهاية المطاف يكون الثاني قد قضى حكمه واسترجع حريته، في حين أن الأول ما زال ينتظر إنهاء الإجراءات لإعداد الملف للمحاكمة، لتقضي في حقه المحكمة الخاصة بحكم أقسى وبكثير، من حكم الثاني. وهذا مثال لفيض من غيض، أما الواقع المعيش فأدهى وأمر.

فإذا كانت محكمة العدل الخاصة، أحدثت أصلا لمحاكمة الوزراء وذوي المواقع المهمة ـ وهذا أمر يمكن استحسانه ـ لكنها في الواقع، وعلى امتداد وجودها لم تجاهد إلى في صغار الموظفين والمرؤوسين، وبعضهم كانوا أكباش فداء بامتياز.
التحقيق بمحكمة العدل الخاصة...ربما أطول تحقيق.

القاعدة، وعلى امتداد أكثر من ثلاثة عقود على الأقل، لا يمكن أن تكون مدة التحقيق بمحكمة العدل الخاصة بالرباط أقل من سنة ونيف، مهما كانت القضية حتى ولو أدت إلى عقوبة أقل، كان على المتهم، محكوما مسبقا بقضاء سنة في السجن.
وعلى امتداد هذه السنة ونيف قد لا تتعدى مدة التحقيق حصتين أو ثلاثة تدوم كل واحدة 30 أو 45 دقيقة على الأكثر، والحالات في هذا الصدد كثيرة وكثيرة جدا، بل هناك ملفات دام فيها التحقيق أكثر من 13 شهرا، ويتساءل المرء، ألم يحن الوقت لإعادة النظر في هذه الوضعية ؟ ألم يحن الوقت بعد ونحن بصدد التطبيل والتغييط حول إصلاح للقضاء، للجرأة على طرح السؤال حول عدل وإنصاف عدالة محكمة العدل الخاصة ومظالمها ؟ ألم يحن الوقت بعد للتساؤل بكل شجاعة أدبية ومسؤولية إنسانية بصدد وحدة منظومة العدل المغربية ؟ ألم يحن الوقت بعد للتقييم الموضوعي لانعكاسات انزلاقات تلك المحكمة على الواقع المعيش، لاسيما الجواب على السؤالسلبياتها، الحصيلة سلبية أم إيجابية في غالبيتها ؟ تتناسل الأسئلة في وقت بدأت عدة أصوات تطالب بإلحاح إعادة النظر في القانون المنظم لمحكمة العدل الخاصة اعتبارا لسلبياتها، وقد قال قائل أن طول مدة التحقيق قد تكون من الأسباب التي أدت إلى معاينة قلة الحكم بالبراءة من طرف محكمة العدل الخاصة على امتداد وجودها.

بعض القضايا تعري على انحراف المسار

من بين القضايا المطاعم المدرسية تعد من أضخم الملفات التي استأثرت بالرأي وهي قضية ساهمت في إسقاط الأقنعة وانجلاء الأمور لتبيان كيف يمكن أن تكون مؤسسة قضائية خاضعة للتعليمات.
وإذا كانت إشكالية استغلال النفوذ والاختلاس في حد ذاتها تعتبر من الإشكالات المطروحة بجدة على المجتمع المغربي، فإن ما استرعى الاهتمام الأكثر طبيعة الضحايا الحقيقيين في آخر المطاف...إنهم أطفال العائلات الفقيرة لاسيما منها...ويزيد المنظر تراجيدية إذا علمنا أن ضمن هؤلاء الصبيان عدد من اليتامى.

إن الاختلاس تحقق عبر تحويل المواد الغذائية عن الهدف المرصودة له أصلا، حيث كانت ممنوحة في إطارات مساعدات من طرف برنامج " بام " برنامج التغذية العالمي المخصص لتغذية الأطفال الممدرسين المنحدرين من عائلات فقيرة ومعوزة، ومما يميز هذا الملف الضخم التشابكات الداخلية والدولية التي ارتبطت به من جهة، ومن جهة أخرى سقوط المتابعة، عن وعي وإرادة، في حق شخصين من العيار الثقيل دون سابق إنذار، أحدهما اضطلع بمسؤولية الكتابة العامة لوزارة التعليم، وما ميز كذلك هذه المحاكمة أنها أول قضية قام المجلس الأعلى بنقض الحكم الصادر بخصوصها، كما تميزت كذلك باللجوء إلى تطبيق الفصل 28 من القانون المنظم لتلك المحكمة وذلك للمطالبة بإلقاء القبض على أضناء أساسيين في القضية سبق وأن تمتعوا بالسراح المؤقت أمام استغراب الجميع، وما يعز أكثر في نفس المرء كون المواد الغذائية المختلسة كانت أساسا مرصودة لأبناء العائلات الفقيرة لاسيما في البوادي لحثها على بعث فلذات أكبادها للمدرسة وعدم الاضطرار لحرمانهم من حقهم المشروع في التعليم لسبب الفاقة.

...كانت البداية مع تحقيق صحفي قامت به جريدة " الرأي " في نهاية 1994 على إثر اكتشاف أوعية زيت فارغة في إحدى مزابل ضواحي مكناس، وكانت تحمل علامة " بام" كانت تعد بالآلاف ضمنها العشرات كانت ممتلئة عن أخرها، وفي مطلع سنة 1995 نشرت نفس الجريدة مقالا حول ذات الموضوع يضع جملة من التساؤلات، هذا ما دفع السلطات المختصة للقيام بالتحريات اللازمة والتي أفضت إلى اعتقال موظفين في إطار ما اصطلح عليه بفضيحة " زيت الضعفاء" وبدأ المخفي يظهر والمستور ينكشف والغامض ينجلي...وانكشفت خيوط الفضيحة، هناك موظفون يبيعون مئات الأطنان من الزيوت الممنوحة ويختلسون الملايين، وبذلك كانوا يحرمون مئات التلاميذ من سد رمقهم...كانوا يبيعونها لشركات التي بدورها تحقق أرباحا طائلة على حساب الأطفال، حيث أن الأمر لا يكلفها إلا تغيير التلفيف بعد إفراغ الزيت من أوعيتها الأصلية وإعادة تلفيفها في قارورات تحمل اسم وشارة الشركة والماركة دون عناء البحث عن المواد الأولية وآليات تحويها وعمال وفنيين...كان يكفيها أناسا يحسنون الإفراغ والملء ليس إلا.

وكذلك الشأن بالنسبة لمادة الحليب ومواد غذائية أخرى...فهل سبب ذلك كان الجشع لاسيما إذا علمنا أن صناعتنا الفلاحية ـ الغذائية كانت دائما بخير، أم أن سبب ذلك المنافسة غير الشريفة التي تطبع هذا القطاع؟ في البداية لوحظت محاولات متكررة لإقبار الملف أو على الأقل الحد من انعكاساته وجعله في أقصى الحدود يقتصر على تحميل المسؤولية لأكباش فداء بمكناس، إلا أن مجهودات بعض الجرائد الوطنية التي لم تتوقف على تسليط المزيد من الأضواء، جعلت القضية تظل بارزة وهذا لم يكن من بد من فتح الملفات.

وقد تبين بالملموس أن هناك بعض الموظفين الساميين متورطين حتى النخاع في القضية إلا أنه تم الاكتفاء بالوقوف عند بعض المديرين ورؤساء أقسام فما دون ذلك وصلا إلى بعض الشواش والباعة المتجولين.

ومع مرور الأيام تبين أن الأمر يتجاوز مندوبية مكناس حيث هم الوزارة بامتياز لاسيما وأن الطرف المانح " بام" تدخل عندما قرر مكتب تسيير وتنسيق برنامج التغذية العالمية " بام " بروما توقيف منح المساعدات المخصصة للمغرب إلى حين الكشف عن حقيقة الأمور وجاء دور الشرطة القضائية وتم الكشف عن طريقة غريبة للتسديد وتضيخم مصاريف المهام وسحوبات من حساب الشيكات البريدية وفواتير" عذراء"...واتضح أن هناك تلاعبات واختلاسات وتزوير فيما يتعلق بتدبير السنتميات، وقيل أن هذه الأفعال بدأت منذ 1991 على الأقل، وفي الأخير كانت التهمة الموجهة إلى الأضناء هي استغلال النفوذ واختلاس أموال عمومية والإرشاء والارتشاء والتزوير واستعماله والاتجار والمتاجرة في مواد غذائية ممنوحة لغرض إنساني وعدم إشعار السلطات بوقوع جريمة، واستغرق التحقيق ما يفوق 4 سنوات وكانت آخر جلسة في غضون شهر غشت 1999 حين كان النطق بالأحكام على الساعة السادسة والنصف صباحا، وتراوحت الأحكام ما بين البراءة و 12 سنة حبسا نافذة والقضاء بإرجاع للدولة ما قدره 50 مليون درهم بالتضامن بين المتهمين المدانين، علما أن النيابة قد طالبت بأقصى العقوبات وبإرجاع ما قدره 20 مليار سنتيم ( 200 مليون درهم).

قرن ونيف من الحبس توزيعها على 40 ضنينا و 45 % منهم موظفون تابعون لوزارة التربية الوطنية و 13 % مديري ومسيري شركات ووحدات صناعية و 42 % مستخدمين في القطاع الخاص أو تجار علاوة على 3 متهمين في حالة فرار وهم: محفوظ حمامي مدير شركات حمامي إخوان ومحمد ساعود مدير شركة " سوكوبال" بمكناس وميلود الريفي.

ومن الأمور التي استرعت الاهتمام ما عبر عنه المتهم الرئيسي في القضية رئيس قسم المطاعم المدرسية بالوزارة، حيث سبق وأن هدد مرة باللجوء إلى الانتحار إذا لم يتم استدعاء المسؤولين الحقيقيين على كل ما جرى، معلنا أنه لم يكن يقوم إلا بتطبيق تعليمات وتوجيهات مرسومة من طرف رؤسائه المباشرين مضيفا أنه إذا كانت تلك السياسة أو الاستراتيجية فاسدتين فلا مناص من استدعاء المسؤولين عنها ومن ضمنهم كتاب عامون سابقون للوزارة ولعله يخص بالذكر كل من بوزبع والسبيطي.

وفعلا لقد قدم المجلس على نقض الحكم، فهل فعلا سيتم التعامل مع القضية بكل شفافية وعدل وإنصاف ؟ هذا ما ستبينه الأيام القادمة إذا عقد العزم على متابعة الإجراءات إلى منتهاها.

وقد حان الوقت للاهتمام بوضعية العديد منهم للنظر في الحالات التي تستوجب رد الاعتبار، فهل ستحضر الشجاعة السياسة والأدبية للقيام بذلك، ما دام العدل والإنصاف لا مناص منهما في دولة العدل والقانون.
قضية امحمد سرحان، رئيس مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بروما وراءها ما وراءها
امحمد سرحان، رئيس مكتب روما الدولي لوكالة المغرب العربي للأنباء (لاماب)، عين بمصلحة التوثيق بالوكالة منذ 8 دجنبر 1980، وفي سنة 1986 انتقل إلى مديرية العلاقات الخارجية إلى أن عين في نهاية سنة 1989 على رأس مكتب روما بإيطاليا.

صدر في حقه حكما ب: 4 سنوات نافذة من طرف محكمة العدل الخاصة بالرباط يوم 11 يونيو 1997 بعد أكثر من 21 شهرا من التحقيق التفصيلي في قضية غريبة: استخلاص رواتب إحدى موظفات مكتب الوكالة يروما عوضها ومكانها، مقدارها الإجمالي 400.000 درهم . في نفس الفترة انكشف أمر نائب المدير بالوكالة. وتلافيا لسقوطه وسقوط رؤوس أخرى، تم الاكتفاء بتقديم كبش فداء لتبرير اختفاء 400 ألف درهم للتستر على أصحاب الملايين وربما الملايير، حتى ولو افترضتا أن امحمد أسرحان مذنب وفي هذا رأي وتساؤل كبير يدعو إلى الشك والريبة.

لقد اتهم امحمد سرحان باستغلال النفوذ واختلاس المال العام، حيث حسب رأي النيابة العامة أنه كان يستخلص رواتب إحدى الموظفات (إيطالية الجنسية ) بمكتب روما الدولي للوكالة عوضها ومكانها بعد أن استقالت بمحض إرادتها.

والغريب في الأمر هو أن امحمد اسرحان قد أدلى بنسخ من شيكات بنكية صادرة عن بنك إيطالي توضح أن المبالغ المعنية قد سلمت إلى المعنية بالأمر التي كانت تعمل ككاتبة بمكتب وكالة روما. كما أن امحمد أسرحان طالب بإحضار المعنية بالأمر خلال المحاكمة للإدلاء بشهادتها في النازلة لأنها حية ترزق، لاسيما وأن مديرية الوكالة لا تتوفر على ما يدلي أن مسطرة الاستقالة قد تمت فعلا طبقا لما تقتضيه النصوص في هذا الصدد، إذ أنها لم تكن تتوفر إلا على ورقة مكتوبة يقال أنها موقعة من طرف المعنية بالأمر. إلا أن طلبه لم يتم أخذه بعين الاعتبار.

وعلاوة على هذا وذاك، فإن بعض الشهود، وهو موظفون سامون بالوكالة قد تراجعوا كليا أمام المحكمة، رأسا على عقب، عن صيغ وردت في شهادتهم الأولى تم الاعتماد عليها لإدانته، وتم ذلك في جلسة علنية وأمام الملأ ورغم ذلك لم يتم أخذها بعين الاعتبار وهذا أم يدعو إلى الشك.

كما أدلى م. سرحان بصور فوتوغرافية ملتقطة أثناء الفترة الزمنية موضوع النزاع ( الواقعة ضمن فترة استخلاص ام. اسرحان لأجرة الموظفة حسب ادعاء النيابة ) وشاءت الظروف أن تزامنت مع الزيارة الملكية للديار الإيطالية، وكل تلك الصور تبين بوضوح حضور الموظفة الإيطالية (المستقيلة بمحض إرادتها حسب صك الاتهام) ضمن طاقم مكتب الوكالة يروما آنذاك في إحدى المراسيم المقامة رسميا بمناسبة الزيارة الملكية...ورغم كل الحجج المدلى ها تمت الإدانة..وحوكم ب: 4 سنوات حبسا نافذة قضاها بالمركب السكني بسلا.
وهذه المعطيات أدلى بها لقاضي التحقيق وكلها مثبتة في محاضر التحقيق بمحكمة العدل الخاصة بالرباط.

وللإشارة فإنه قبل أن توجه إلى امحمد سرحان تهمة الاختلاس، فإنه تعرض لمدة أكثر من عشرة أيام إلى مساءلة من طرف أجهزة (...) فهل الأمر يتعلق بقضية أخرى وما محاكمته من طرف محكمة العدل الخاصة ربما إلا طريقة من طرق إقبار القضية ؟ وهذا ما يجب البحث بصدده عند الأطراف الذين يهمهم الأمر ومن بينهم المدير العام السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء.

ومنذ بداية المحاكمة لم يتوقف سرحان عن تعيين فنجيرو بالأصبع، بل اتهمه مباشرة وبصريح العبارة في الرسائل التي وجهها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة والمجموعة الأوروبية وإلى البابا، وكذلك الرسائل التي حاول توجيهها إلى السدة العالية بالله جلالة الملك محمد السادس، لاسيما بعد أن خرج من السجن.

فعلا منذ البداية أعلن سرحان عن الفضائح المالية وعن التلاعب بالمال العام بالوكالة، وهذا ما كشفت عنه المفتشية العامة للمالية التي قامت بعملية التفتيش بالوكالة فيما بين ما يوليوز من سنة 1998، إذ وقفت على تجاوزات وتلاعبات مالية همت الملايين في حين توبع امحمد سرحان على 400 ألف درهم لم يعترف ولا مرة واحدة بأخذها أو التصرف فيها أو تحويلها لفائدته، علما أنه كان له ولازال لحد الآن على ذمة الوكالة رواتبه ومصاريف مهام وعلاوات تفوق وبكثير المبلغ المتهم باختلاسه، وهذا فعلا يدعو للاستغراب.
محكمة العدل الخاصة ...ألا تستأهل أن يعاد فيها النظر ؟
على امتداد أكثر من ثلاثة عقود على الأقل، لم يكن من الممكن أن تكون مدة التحقيق بمحكمة العدل الخاصة بالرباط أقل من سنتين أو سنة ونيف، مهما كانت القضية حتى ولو أدت إلى عقوبة أقل من سنة، ونادرا جدا ما كانت هذه الهيئة تحكم بها، إلى حد أن المتتبعين لتاريخ هذه المحكمة الخاصة يعتقدون أن الحكم بسنتين من طرفها يكاد يقارب الحكم بإبراء الذمة بالنسبة للمحاكم الأخرى.

وعلى امتداد مدة التحقيق الطويلة هاته قد لا تتعدى مدة التحقيق حصتين أو ثلاثة لكل متهم عموما، تدوم في أحسن الأحوال على الأكثر 30 أو 45 دقيقة في كل لقاء، والحالات كثيرة وكثيرة جدا. وهناك ملفات دام فيها التحقيق أكثر من 13 شهرا والأمثلة كذلك كثيرة في هذا الصدد.

ومن حق المرء أن يتساءل حاليا، ألم يحن الوقت لإعادة النظر في هذه الوضعية ؟ ألم يحن الوقت للجرأة على طرح السؤال حول عدل وإنصاف عدالة محكمة العدل الخاصة بالرباط؟ ألم يحن بعد الوقت للتساؤل بكل شجاعة أدبية ومسؤولية إنسانية بصدد وحدة منظومة العدل المغربية ؟ ألم يحن بعد الوقت للتقييم الموضوعي الخالي من الحسابات، ومد انعكاساتها على الواقع المعيش، لاسيمالخاصة، ت الحصيلة سلبية أم إيجابية في عموميتها ؟ فالأسئلة تتناسل في وقت بدأت فيه أصوات تطالب بإلحاح إعادة النظر في القانون المنظم لمحكمة العدل الخاصة، لأنه لم يعد حاليا من المقبول بتاتا أن يظل المتهم سنتين أو سنة ونيف على الأقل خلف الأسوار العالية ووراء القضبان الحديدية السميكة ولا يستمع إليه قاضي التحقيق قد تكن من الأسباب التي ستفسر معاينة قلة الأحكام بالبراءة أو بمدة قليلة من طرف محكمة العدل الخاصة بالرباط على امتداد وجودها.

كل هذه المؤشرات تحتك تقييم جدي وموضوعي لحصيلة تلك المحكمة، لاسيما فيما تعلق بالأضرار البدنية والمادية والنفسية والاجتماعية التي تلحق بأشخاص قد لا يستحقون ذلك لا سيما وأن 95% من الذين أدينوا من طرفها هو موظفون مأمورون؟

القضاء في محنة بالمغرب

عاش القضاء المغربي مؤخرا وضعية لا يحسد عليها، و ذلك أن جملة من القضاة تعرضوا للاعتقال بتهمة الارتشاء و علاقتهم بترويج المخدرات بشمال المغرب. و لم يكن القضاة وحدهم المعنيين، فقد تم اعتقال كذلك رؤوس وازنة في الأمن الإقليمي بشمال البلاد. و لقد تابع المجتمع المغربي باهتمام كبير هذه النازلة و تساءل بصددها رجال القانون.

و لعل هذه النازلة أبانت مرة أخرى، إذا كانت هناك الحاجة للمزيد من التبيان، أن القضاء المغربي تخترقه عدة لوبيات و مصالح. و في هذا الصدد بدأت تطفو على السطح اعتراضات حول الموقف المتخذ في حق القضاة الخمسة المعتقلين. و من ضمن تلك المواقف، نائب الوكيل العام لمحكمة الاستئناف الذي رفع رسالة في الموضوع إلى الملك عن طريق وزير العدل، إلا أن هذا الكتاب لم يصل إلى مداه. و قيل أن نائب الوكيل هذا مصاب بمرض نفسي و يعيش ظروفا صحية صعبة تجعله لا يتحكم في ردود أفعاله. و قد قال البعض أن حجز رسالته في مكتب وزير العدل كان أساسا تصرفا وقائيا لطمس جملة من الحقائق لا يراد لها أن تعرف.

و لعل ما يثار حاليا حول القضاء بالمغرب يدفع المرء إلى الرجوع إلى تقرير البنك الدولي الصادر في أواخر التسعينات و الذي جاء فيه وصف غير مرض عن القضاء المغربي، حيث اتهمه بالفساد المطلق و الرشوة ضاربة أطنابها في جميع مرافقه و التحايل على القانون و تحقير مفهوم العدل و ما إلى ذلك من الأوصاف غير الحميدة. و آنذاك تم تكليف الأستاذ عمر عزيمان ( الرئيس الحالي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) بالسهر على إصلاح الجهاز القضائي المغربي، حيث عين وزيرا للعدل سنة 1997.

و يرى أغلب رجال القانون بالمغرب أن الطريقة التي طبعت التعامل مع القضاة المعتقلين في هذه النازلة لم تحترم القانون و زاغت عنه بامتياز. إذ أن المعتقلين قضاة من الدرجة الثانية، و هم ليسوا مبتدئين بل مارسوا و ظيقتهم على امتداد سنوات، و أن وزير العدل هو الذي أمر باعتقالهم و هو ينتمي للهيئة التنفيذية و ليس القضائية، علما أنه من المفروض أن يكون استقلال السلطتين التنفيذية و القضائية، و هذا ما يمثل العمود الفقري لدولة القانون، علاوة على أن استقلال القضاء هو الضامن للتعامل الديموقراطي. و بذلك فالقضاة بالمغرب يراقبون من طرف المجلس الأعلى للقضاء. و يعتبر البعض أن ما جرى في نازلة القضاة الخمسة يبين أن هناك رغبة في عدم السماح لتكون للقضاء المغربي سلطة قضائية مستقلة و وجود رغبة في التحكم في القضاء المغربي.

و الحلة هاته، بغض النظر عن طبيعة الفعل الجرمي المرتكب أو الذي من المعتقد أنه أرتكب، فقد تم اعتقال القضاة دون إحالتهم على المجلس الأعلى للقضاء و للوكيل العام به كما ينص على ذلك القانون العادي.

و في هذه النازلة لا تكمن الإشكالية في وجود أو عدم وجود الفساد داخل الجهاز القضائي المغربي أو في وجود قضاة فاسدين، و إنما تتمثل الخطورة في تجريد الجهاز القضائي المغربي قاطبة من الطمأنينة اللازمة لقيامه بمهامه في إطار الاستقلالية التامة إزاء السلطات الأخرى. و الآن و قد تم اعتقال قضاة من الدرجة الثانية مارسوا سنين متعددة مهامهم استنادا على أقوال و محضر المفتشية العامة التابعة لوزارة العدل، فان القضاة سترددون مستقبلا قبل التفكير في إصدار قرار البراءة و إن كان لابد منه، علما أن القضاة المعتقلين كلهم أصدروا أحكام براءة. و بذلك ستصبح القاعدة ليس هي أن تكون وسائل الإثبات مادية و مقنعة و احترام مبدأ استقلالية القضاء و استقلالية ضمير القاضي و إعمال قناعته الذاتية بشكل مستقل. و هكذا سيكون مستقبلا على القاضي قبل إصدار حكما بالبراءة أن يتردد و ذلك خوفا من المساءلة، باعتبار أنه حينما يحكم بالسجن سيفعل ذلك و هو مرتاح لأنه سيكون شبه متأكد من أنه لن يكون موضوع أي تفتيش أو مساءلة. و هذا يعني أن حرية المواطن ستكون في خطر، و هذه نتيجة طبيعية جدا لعدم احترام استقلالية القضاء و تكريسها فعلا و فعليا على أرض الواقع اليومي.

و قد أبانت نازلة اعتقال القضاة الخمسة، أنه تم إلقاء القبض على هؤلاء بناء على طلب من الوكيل العام لدى محكمة العدل الخاصة استنادا على تعليمات كتابية من وزير العدل. فوزير العدل بالمغرب له سلطة مباشرة على الوكلاء العامين، و الوكيل العام لدى محكمة العدل الخاصة ينفذ أمر وزير العدل بالمتابعة أو الاعتقال أو غير ذلك. فهل الوكيل في هذا الصدد لا رأي له و تنحصر مهمته في إبلاغ الأوامر؟

و قد شهد مسلسل اعتقال القضاة الخمسة المراحل التالية، حيث أحيل الملف على وزير العدل الذي أحاله على الرأي العام بواسطة الإعلام قبل إحالته على مديرية الشؤون الجنائية و قبل أن يحيله على الوكيل العام لدى محكمة العدل الخاصة.
و بالتالي تعود المسألة للطرح بإلحاح كبير، قبل النظر و التساؤل حول فساد القضاء أو وجود قضاة فاسدين، وجب التساؤل بصدد استقلالية الهيئة القضائية بالمغرب.
و مهما يكن من أمر يجب العلم أن منصب وزير العدل يعتبر منصبا سياسيا، في حين يضل القضاة مطبقون للقانون و حراسه.

و من المسائل التي تؤاخذ على وزير العدل من طرف الكثيرين أنه تسرع في القيام بحملة إعلامية في هذه النازلة بالذات قصد احتواء الرأي العام. و هذا ما لم يستسيغه الكثيرون بغض النظر عن طبيعة الأفعال المرتكبة و فحواها.

و في هذا الإطار تم طرح أكثر من تساؤل، و من ضمن ما طرح، هل يمكن انتهاك حرمة القضاء باسم التخليق؟ و تزداد أهمية التساؤل في إطار دولة الحق و القانون. و مفهوم دولة الحق و القانون يعني بالأساس أن الدولة عليها أن تعمل على جعل مواطنيها سواسية أمام القانون و أحكامه و مقتضياته، باعتبار (و من المفروض) أن هذا القانون يعتبر تجسيدا لارادة الأمة. علما أن مبدأ دولة الحق و القانون هو أحد دعامات بناء الديموقراطية الحقة. و رغم ذلك فقد منحت بعض الاستثناءات لبعض الأشخاص، و هذه الاستثناءات ليس بمعنى عدم الخضوع للقانون، و إنما هي تعتبر امتيازات يمنحها القانون لهؤلاء الأشخاص و من ضمنهم القضاة. و ذلك لتمكينهم من مزاولة مهامهم بكل اطمئنان و مسؤولية. و بخصوص القضاة منحهم القانون الجاري به العمل إلى حد الآن امتياز مسطرة خاصة لمتابعتهم في حالة ارتكابهم لجنح أو جنايات نظرا لأن طبيعة وظيفتهم من شأنها أن تعرضهم لشكايات أو مطالبات كيدية أو ناتجة عن رد فعل أو بدوافع انتقامية.

و في هذا الإطار نصت مواد قانون المسطرة الجنائية من 264 إلى 268 على مقتضيات خاصة بالقضاة، و هي ما يطلق عليها مسطرة الامتياز القضائي. فهل تم احترام هذه المقتضيات في حالة القضاة المتابعين في ملف المخدرات بشمال المغرب و هو المعروف بقضية الرماش؟

و الأمر يتعلق بإلقاء القبض على منير الرماش و هو مشتبه فيه بالاتجار في المخدرات. قيل أنه أدلى بتصريحات أدت إلى اعتقال و متابعة خمس قضاة، ثلاثة منهم رؤساء غرف جنائية و اثنان يتوليان مهام نائب للوكيل العام للملك. و ذلك إضافة إلى والي أمن و ضباط للشرطة القضائية و توقيف ضابطين من الدرك الملكي و القوات المسلحة الملكية.

و إذا كان في دولة الحق و القانون لا يجوز لأي كان التطاول على أحكام القانون، فانه لا يجوز كذلك لأية جهة مهما كانت أن تخرق مقتضيات القانون الخاصة(الاستثناءات) تحت أية ذريعة مهما كان القصد و المرمى.

فلا يخفى على أحد أن مكانة القضاة في المجتمع مكانة خاصة، اعتبارا لأن المجتمع أوكل لهم النيابة عنه لحمايته و لضمان التوازن بين السلط داخله كمجتمع يتطلع إلى الديموقراطية. لذلك فهم بالمغرب يصدرون أحكامهم باسم الملك، أي أنهم منفذون للشرع بالأحكام له نيابة عن الإمام. و لذلك فان أي إخلال بهيبة القاضي و وقاره هو بمثابة إخلال بأسس المجتمع.
و في نازلة اعتقال القضاة الخمسة، قيل أن إلقاء القبض عليهم، حسب ما هو رائج، تم بناء على تصريح منير الرماش أو غيره، و هي تصريحات قيل أنها تورط القضاة المعنيين. و بغض النظر عن فحوى تلك التصريحات فان المادة الأولى لقانون المسطرة الجنائية تنص على أن المتهم أو المشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى تثبت ادنته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقتضى به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية. علاوة على أن الاجتهاد القضائي بالغرب أقر مند سنين خلق على أنه لا تجوز شهادة متهم على متهم. و هذا في وقت أشارت جملة من الوسائل الإعلامية أن منير الرماش تراجع عن جملة من تصريحاته الواردة بمحضر الضابطة القضائية. و هذا علاوة على أنه كان من المفروض و المتعين إتباع الإجراءات المنصوص عليها في المواد 264، 265، 266، و 267 و 268 من قانون المسطرة الجنائية.

و فوق هذا و ذاك فان السياسة الجنائية المعتمدة حاليا بالمغرب تتجه نحول التقليل من ظاهرة الاعتقال الاحتياطي، إذ لا يمكن اعتقال المشتبه فيهم إلا في حالات محددة حصرا بمقتضى قانون المسطرة الجنائية كتوفر حالة التلبس أو في حالة عدم توفر ضمانات كافية للحضور.

و ما دام أن حالة التلبس لا وجود لها قطعا بالنسبة للقضاة المعتقلين( كما هي منصوص عليها في الفصل 56 من قانون المسطرة الجنائية)، فاعتقال القضاة الخمسة تم إذن بناء على انعدام ضمانات الحضور، علما أن هؤلاء لهم مواطن قارة و عائلات و وضعية اجتماعية. و من جهة أخرى، فعلا إن الفصول من 32 إلى 39 من القانون المنظم لمحكمة العدل الخاصة تنص على معاقبة القضاة و الموظفين العموميين المرتكبين لإحدى الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة. إلا أنه تظل هناك إشكالية مسطرة الامتياز القضائي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية. علما أن محكمة العدل الخاصة نفها تعتبر محكمة استثنائية، و التوجه العام هو نحو وحدة القانون لا سيما و أن تلك المحكمة لا تتحقق فيها ضمانات المحاكمة العادلة، و لعل أبرز دليل على ذلك الصلاحيات الواسعة المخولة لوزير العدل بمقتضى القانون الذي ينظمها، و هو وزير يعتبر عضوا في السلطة التنفيذية. و بذلك يكون له دور واضح للثأتير على طبيعة القرارات الصادرة عن هذه المحكمة، و لقد أبانت تجربة هذه المحكمة على امتداد سنين كيف كان ضحيتها الموظفون الصغار و كيف تمكن الموظفون الكبار من الانفلات من أحكامها، و يكفي الرجوع إلى جملة من الملفات التي راجت أمامها للتأكد من ذلك و بدون أي عناء.

و يرى بعض رجال القانون المرموقين بالمغرب أنه كان يتعين إخضاع القضاة الخمسة للمسطرة التأديبية قبل تقرير إحالتهم على أية هيئة قضائية. و بخصوص هؤلاء كان من المفروض أن يبت المجلس الأعلى للقضاء في قضيتهم، و إذا تبتت المخالفة في حقهم، كان من المفروض إيقاع عقوبة قد تصل إلى العزل، و بعد مصادقة جلالة الملك كرئيس للمجلس الأعلى للقضاء على القرارات المتخذة يتم تجريد القضاة المعنيين من حصاتهم بعد عزلهم، و آنذاك تفتح إمكانية متابعتهم أمام أي محكمة عادية كانت أو خاصة.

و هذا خصوصا , أن قانون المسطرة الجنائية بالمغرب قانون حديث العهد و لم ينص بأي شكل من الأشكال على مسطرة الامتياز القضائي لا يتم تطبيقها في حالة ارتكاب جرائم تدخل ضمن اختصاصات محكمة العدل الخاصة، و هي المحكمة التي أضحت عدة أصوات تنادي بضرورة إلغائها لأكثر من سبب.
و هذا يؤدي إلى التساؤل التالي- لماذا لم يتم تفعيل مسطرة الامتياز القضائي، احتراما للمقتضيات القانونية للوصول إلى حقيقة بدون تسرع ثم التفكير بعد ذلك في إحالة القضاة المشتبه فيهم على المحكمة المختصة، محكمة العدل الخاصة أو غيرها؟ و هل تصريحات وزير العدل لوسائل الإعلام تناقض أم لا مقتضيات المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على إجراءات البحث؟

و في هذا الإطار يعتبر الكثيرون أن الحكم بالإدانة صدر من مكاتب وزارة العدل و نشر على صفحات الجرائد حتى قبل الشروع في المحاكمة. و هده ممارسات اعتبرها البعض أنها ضربت عرض الحائط

مبدأ استقلال القضاء و الذي هو مطلب الجميع حكومة و دولة و أحزابا، أنه حق للمواطن و ليس حقا للقاضي. و هنا يتساءل البعض، فادا صرح أحد المجرمين المتورطين في المخدرات باسم وزير من الوزراء، فهل كان فعلا سيتم اعتقاله و إحالته على محكمة العدل الخاصة؟

و الحالة هاته، فان الحصيلة الإجمالية لقرار اعتقال القضاة الخمسة – كما تم إعداده و تطبيقه- كانت حصيلة سلبية على مختلف الأصعدة. فقد خلق تدمرا كبيرا وسط الجهاز القضائي المغربي برمته- قضاة و وكلاء و محامون و غيرهم _، كما زعزع الثقة في هذا الجهاز، و عندما تتزعزع الثقة بهذا الجهاز فان الأمر يتعلق بالنظام العام و بثقة المواطن قضاء بلده.

كما أن هذا القرار، و بالشكل الذي تم اتخاذه دفع مختلف وسائل الإعلام الدولية الاهتمام بالصورة السوداء للجهاز القضائي المغربي و تقديمه كجهاز فاسد الصعب إصلاحه، بل هناك كثير من الصحف الأجنبية التي شككت بقوة في مسار الإصلاح الذي تعرفه القضاء المغربي.

و سبب كله هو استعمال وسائل غير قانونية و تجاوز مقتضيات قانونية في التعامل مع هذه النازلة.

فإذا كان الجميع مع تخليق الحياة العامة بالمغرب ما دام يصب في اتجاه تعزيز دولة الحق و القانون إلا أنه لا أحد يتفق إطلاقا بإصلاح الخطأ بارتكاب خطأ أفظع.

الحـق فـي الإعـلام والـحـق فـي الاتـصال}}

في الواقع إن مهنة الصحافة ترتكز حاليا ، أكثر من أي وقت مضى على ضرورة أن الإعلام أضحى حقا من حقوق الإنسان . إلا أن هذا الحق لا يمكن أن يتمتع به الناس ويغير سلوكياتهم وعلاقاتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية إلا عن طريق الإعلام والتربية . ويقصد بهذا الحق ، حق الأفراد والجماعات والشعوب في الحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها ، أو من خلال وسائط تتمتع بالمصداقية . إلا أن هذا الحق لا يقف عند تلقي المعلومات ،ولكن يشمل استعمالها ونقلها إلى الآخرين بمختلف الوسائل ، واعتمادها لتعزيز المشاركة في توجيه الرأي العام وصناعة القرار وتحقيق التنمية .

والحق في الإعلام خاضع لقيود . لقد نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه حق كل إنسان باعتناق الآراء العالمي لحقوق الإنسان على انه حق لكل إنسان باعتناق الآراء التي يريد ولكن هذا يجوز إخضاعه لبعض القيود ، وذلك لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة ، فالحرية المطلوبة هي حرية للجميع في إطار هي حرية للجميع في إطار صيانة كرامة الجميع .
وبالتالي فإن الحق في الإعلام هو جزء لا يتجزأ من حرية الرأي والتعبير وهو يعني كذلك الحق في الإعلام هو جزء لا يتجزأ من حرية الرأي و التعبير تخضع لضوابط من المفروض تنظيمها و لا تلغيها.

أما الحق في الاتصال فقد تم الإعلان عنه لأول مرة سنة

1969 عندما فجر نقاشا واسعا استمر سنوات طويلة من أجل تحديد مفهومه و مضمونه. و كانت منظمة اليونسكو في مقدمة الفضاءات التي أشرفت على إدارة الحوار بين الخبراء و ممثلي الحكومات في هذا الصدد. لا سيما و أن اليونيسكو راهنت كثيرا على الإعلام في النهوض بالواقع الثقافي و الاقتصادي للشعوب.وقد أوضحت مفهوم الحق في الاتصال على أنه حق الفرد في ان يعلم و يعلم ، و حقه في حماية خصوصيته و الانتفاع بموارد المعلومات،و هي حقوق تتمتع بها أيضا المؤسسات الإعلامية التي من حقها النشر و حرية الحركة و كتمان سر المهنة. ويتسع هذا المفهوم ليشمل النطاق الدولي، إذ يتضمن حق الدول في ضمان التدفق الحر و المتوازن للمعلومات، وفي حماية ذاتيتها الثقافية و حق الدولية في الرد و التصريح.

و قد ساهمت الدول العربية في الجدال حول مفهوم حق الاتصال، وكانت هذه المشاركة العربية نشيطة في الدفاع عن توزيع عادل للمعلومات على الصعيد الدولي، إلا أنه لم يصاحبها ارتقاء كيفي للأداء الإعلامي العربي، و لا الحرص على تمكين الإعلام من الحرية المطلوبة التي هي ضرورية لتمكينه من القيام بدوره الإخباري و التنموي.
و رغم أن بعض الصحافيين العرب لعبوا دورا طلائعيا، إلا أن الصحافة العربية في هذا المجال لا تزال محدودة جدا مقارنة بزملائهم، في البلدان الغربية، لا سيما إذا علمنا أن غلاقة الإعلام العربي بالحقوق الإنسانية – ثقافة و حركة و سيرورة- علاقة مزدوجة، لأنه بقدر ما يساهم الإعلام أحيانا في ثقافة حقوق الإنسان و التعريف بشاطات المدافعين عنها، فإنه يمكن أن يتحول إلى أداة في وضع المزيد من العراقيل و إثارة الصراعات.

و عموما لازال مطلوبا ، على الصعيد العربي،تفعيل دور الإعلام في التعريف بثوابت المنظومة الحقوقية وتكريسها و الانخراط في نشر ودعم ثقافتها و حركتها،لأن للصحافيين و الإعلاميين عموما دورا استراتيجيا في هذا المجال الذي يعتبر ميدانا من ميادين المعركة الحضارية. فلا ينبغي للصحفي أن يستهين بما يكتب و ينشر، شريطة أن يكون جادا في عمله، دقيقا في معلومات، فكم من مقال كتب له أن يغير الكثير من الأشياء ؟ وكم من رأي التقطه شخص أو مجموعة أو هيأة فكان منطلقا لإنجازات تاريخية أو شكل انطلاقا لطفرات مهمة ؟
الحـق فـي الإطـلاع عـلى الـمـعـلـومات المجال القضائي نموذجـا
يعتبر أغلب الحقوقيين و أهل الاعلام أن الاطلاع على المعلومات القضائية من المبادئ الأساسية التي تكفل عدالة المحاكمة ، إضافة إلى مبدأي علنية المحاكمات و الأحكام . وهذا ما يخوله ، في نظرهم مبدأ حرية الرأي والحق في الإعلام.
إلا أنه يبدو أن هذه المبادئ الأساسية تتوافق أحيانا وتتنافر أحيانا أخرى ، اعتبارا لضرورة احترام مبادئ أخرى تكفل هي كذلك عدالة المحاكمة، ومن ضمنها استقلالية القضاء ومبدأ فرضية براءة المتهم والحاجة للمحافظة على حقوق وحريات الأشخاص و المؤسسات المفروض حمايتها.
ففي مرحلة التحقيق و التقصي يسود مبدأ السرية. و هذا وضع لحماية مبدأ أساسي آخر من مبادئ المحاكمة العادلة وهو فرضية البراءة التي يقضي بأن يعتبر كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة علنية عادلة تصدر حكما نهائيا. فكل الإجراءات المسطرية المرتبطة بالتحقيق و الاستقصاء تشددت حول مبدإ السرية ، إذ أن التحقيق يظل سريا ما لم تحل الدعوى على قضاء الحكم . وقد منع القانون الجاري به العمل نشر وقائع التحقيق قبل تداولها في جلسة علنية.
إلا أنه يعتقد البعض أن هناك إستتناءات يجب أخذها بعين الاعتبار، لا سيما فيما يرتبط بجرائم الفساد الإداري وحاجة وحق الرأي العام المشروع في الإطلاع على مثل هذه القضايا في مرحلة مبكرة ومتابعتها. إلا أن حاجة الرأي العام و الإعلام عموما قد لا تتفق دائما مع فرضية براءة المتهم ومبدأ استقلالية القضاء و الحاجة لإبعاده عن أي تأثير، بما في ذلك تأثير الرأي العام و التأثير الإعلامي المفرط.
وفي هذا المجال هناك جملة من الممارسات لا زالت تعتبر بمثابة نشاز، نذكر منها النشر المفرط و المخالف للقانون الجاري بها العمل لوقائع التحقيقات الأولية خاصة بالنسبة لجرائم الشرف أو المرتبطة بالأسرة، والنشر المفرط للصور قبل المحاكمة و الإدانة ، لا سيما فيما يتعلق بما يمكن تسميته بالجرائم العادية.

يعتبر حق المواطن والإعلام للإطلاع على المعلومات القضائية من المبادئ الأساسية التي تكفل عدالة المحاكمات ، وهي المرتبطة بمبدأي علنية المحاكمات والأحكام القضائية ومبدأ حرية الرأي والإعلام . لكن هذه المبادئ تتناقض أحيانا مع الحاجة إلى احترام مبادئ تكفل هي كذلك عدالة المحاكمات ، وألا وهي استقلالية القضاء وفرضية البراءة للمتهم والحاجة للمحافظة على حقوق وحريات الأفراد والمؤسسات والهيئات.
ففي مرحلة التحقيق الأولي والتفصيلي يسود مبدأ السرية وذلك لحماية مبدأ أساسي من مبادئ المحاكمة العادلة وهو فرضية البراءة القاضي باعتبار كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة علنية عادلة.

وقد شدد القانون على سرية هذه التحقيقات ، كما حظر قانون الصحافة على جميع وسائل الإعلام ، تحت طائلة المتابعة ، نشر أو بث وقائع التحقيقات قبل تلاوتها والتصريح بها من طرف الجهات المسؤولة المعنية .

طبعا هناك حاجة وحق الرأي العام في الإطلاع على الأحداث والأخبار القضائية في مرحلة مبكرة ومتابعتها ، خاصة المتابعات القضائية المرتبطة بالشأن العام ، لكن هذه الحاجة وهذا الحق لا يتفقان دائما مع فرضية براءة المتهم ومع استقلالية القضاء والحاجة لإبعاده عن أي تأثير بما فيه بأثير الرأي العام والتأثير الإعلامي المفرط.

وفي هذا الإطار يعتبر مخالفة النشر المفرط لوقائع التحقيقات الأولية و التفصيلية وكذلك نشر الصور في مرحلة الاستقصاء والتحقيق ، لاسيما و أنه من المكن أن الأشخاص الذين ثم التشهير بهم بنشر صورهم .

أما في مرحلة المحاكمة فيسود مبدأ العلنية . ويعني هذا المبدأ توفير حق و إمكانية حضور الجمهور ، بما في ذلك الصحافة ، في قاعة المحاكمة . ويعتبر هذا المبدأ من الضمانات للحفاظ على حريات المواطن الأساسية إن يبدو الجمهور و الرأي العام كشاهد ورقيب على القضاء في تأدية رسالة العدالة وتطبيق القانون. علما أن السرية في هذا المجال قد تدعو إلى التشكيك. إلاّ أنه يجوز منع الجمهور والصحافة من حضور المحاكمة كلها أو تعض جلساتها لداوعي النظام العام أو الآداب العامة أو الأمن أو لحرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى أو حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى