الأربعاء ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤
بقلم إدريس ولد القابلة

قضايا مغربية - القسم التاسع ـ الحــق في الـمــعـلــومـــــات مجـــال البــيئـة نـمـوذجـا

إن الحق في العيش في بيئة سليمة هو حق أساسي من حقوق الناس الأساسية، وهو حق كرسته وعززته مختلف الاتفاقيات والمواثيق الدولية حتى أضحى مرتبطا ارتباطا عضويا بحقوق الإنسان.

إلا الواقع المعيش بعيد كل البعد عن تكريس هذا الحق وتمكين المواطن من الاستماع به. وبذلك فلم يعد بإمكان تجاهل الحاجة إلى ضرورة التصدي الحازم لمصادر التلوث المتنوعة والتدمير المنتظم والمستديم للببيئة.

لكن لكي يكون للمجتمع القدرة على حماية البيئة يجب أن يكون حق الحصول على المعلومات ممارسا فعلا ومكوسا فعليا على كافة المستويات. وفي الحقيقة إن حماية البيئة ترتكز على مسؤولية أفراد المجتمع الواعين بيئيا وايكولوجيا. وتبقى الدولة الضامن لحصول المواطنين على الحق في المعلومات.
فعندما يتسلح المواطن بالمعرفة الكافية واللازمة لبيئته يمكن أن يتحفز للسعي للمساهمة الفعالة في تقليص التلوث و اعتماد الطرق الأنظف للتعامل مع البيئة. فمن خلال التمكين من الحصول على المعلومات و تسهيل الإطلاع عليها و تقديم التقارير و نشرها يمكن للحكومة أن تمنح المواطن القدرة على مراقبة بيئته و الحفاظ عليها .
إن غياب المعلومات حول الملوثات المستعملة لا يساعد على حماية البيئة بل على العكس من ذلك بالتمام و الكمال، تحرم المواطن من أدوات أساسية لحماية نفسه و بيئته.
و في هذا الصدد يعتبر إعلان – ريو – بمثابة إعلان عن اتفاق عالمي لحماية . و هو إعلان ركز كثيرا على الحق في الحصول على كافة المعلومات البيئية .

فمن حق المواطن التعرف على قائمة الملوثات السامة، و من يولد النفايات الملوثة ومن يرمي بها إلى الهواء و التربة و الماء، و ماهي الكميات التي تقذف إلى الطبيعة سنويا. إن مثل هذه المعرفة ستمكن المواطن من المساءلة بهدف الحفاظ على البيئة و حمايتها. لان هذه المعرفة تعتبر الوسيلة الوحيدة للمساءلة.
إن التوق لمجتمع سليم و خال من الملوثات يتطلب الاهتمام و المسائلة عبر الإقرار بحق المعرفة و التوصل إلى المعلومات.

قضايا عامة

 مفهوم وحدة المدينة
 الجهة بالمغرب كيان لخدمة التنمية أم لمجرد التأتيت؟
 أضرار اقتصاد الريع
 أمية الأمس ليست أمية اليوم
 المغرب و أوروبا في منظور الشراكة
 مقاهي الأنترنيت
 الاقتصاد و المخزن
 هل المسألة الأمنية تعد من الأولويات بالمغرب؟
 الهجرة معضلة القرن

مفهوم وحدة المدينة بالغرب و المشاركة المحلية

إن مفهوم وحدة المدينة أضحى يشكل الصيغة الجديدة للتدبير الجماعي بالمغرب. لكن ما هي كيفية تشغيل آليات فعلية لضمان الحضور الفعلي للمواطنين في كل المشاريع التي تهم جماعاتهم و على مختلف المراحل من أجل ضمان مشاركة مواطنية حقيقية بعيدة عن المكر السياسي و سياسة المكر و مبدأ الانتهازية السياسية؟ هدا هو السؤال.

في البداية لا مناص من الإشارة أن مسار التدابير التشريعية المتعلقة باللامركزية بالمغرب كانت دائما تفتقر إلى حلقة أساسية و هي الحلقة المتعلقة بمشاركة المواطنين في التدبير الجماعي. و قد أظهرت التجربة وجود بعض التناقض الصارخ بين مبدأ التمثيل الشعبي للجماعات المخلية بالمغرب و ممارسة التدبير المحلي. و لعل من نتائج هذا التناقض أنه في كثير من الجماعات بالمغرب تم تحديد بلورة و إنجاز برامج التنمية أو خطط الاستثمار غير ملائمة مع حاجيات السكان و انتظارا تهم، و هذا ما أفرغ سياسة القرب من محتواها و معناها. علما أن هذه السياسة تستهدف بالأساس تكييف البرامج المبلورة و المحددة مع الحاجات و الحاجيات الحقيقية و الملحة للسكان (المواطنين) و ليس مجرد إنجاز مشاريع فحسب، ربما للتفاخر أو البذخ، و هي غالبا ما تكون مشاريع لا يجد المواطنون ذاتهم فيها.

و لا يخفى على أحد أنه من أجل أن تنجح اللامركزية في تحقيق هدفها المتمثل في تحقيق التنمية المحلية، فلا مناص من انخراط السكان في تحديد الأهداف و مساهمتهم في بلورة برامج التنمية عبر بنيات و آليات مشاركة مواطنة (بكسر الطاء)، تكون مكملة للبنيات و الآليات التمثيلية التي تفرزها صناديق الاقتراع.

و التدبير التشاركي للشؤون المحلية لا يعني فقط انخراط مجمل الفاعلين العموميين المحليين (الجماعات المحلية، الإدارات العمومية، المؤسسات العمومية، الجامعات، القطاع الخاص) و لكن أيضا، و على وجه الخصوص، السكان و المجتمع المدني إما عن طريق الجمعيات و وداديات الأحياء أو أشكال أخرى من قنوات المشاركة. علما أن هذا النوع من المشاركة يظل التزام تطوعي تلقائي و فردي يلتزم به المواطنون للمساهمة الفعلية في تحسين محيطهم.

و المشاركة بهذا المعنى تختلف عن الشراكة التي تشير بالأساس إلى تعاقد بصدد موضوع محدد بين طرفين أو أكثر، يلتزمون بتحقيقه و إنجازه في مدة محددة، و غالبا ما يكون قائما على مؤهلات كل طرف من الأطراف. أما المشاركة، فهي فعل مدني و تطوعي، و التزام من طرف المواطنين عن طريق هيئات جمعوية أو جماعية حول برنامج تنموي أو مشروع جماعي.

و في هذا الإطار تكتسي مشاركة الجمعيات في التدبير الجماعي و في صياغة الاستراتيجية التنموية المحلية أهمية بالغة و حيوية اعتبارا لاحتكاكها المباشر بالمواطنين، هذا الاحتكاك الذي يمكنها من حمل قاعدة واسعة من الآراء و وجهات النظر و من المعلومات و المعارف تعكس الانتظارات الفعلية للسكان,
، علاوة على أنها تشكل فضاءات للنقاش الموسع المتبادل مع المواطنين حول كل الأسئلة المطروحة. و بالتالي سيكون إشراكها في تصور و بلورة و إنجاز البرامج و المشاريع المحلية وسيلة من وسائل ضمان إنتاج مشاريع مستديمة، قادرة على المساهمة في تحقيق تراكمات كفيلة بالدفع دوما في أفق الرقي الاجتماعي. لأن المشاريع القائمة على المشاركة من المفروض أن تعكس أولويات و مصالح
المجتمع المحلي و تدمج في حسبانها مختلف العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و التاريخية و البيئية الملائمة، كما أنها ترفع من قدرة مختلف الأطراف المشاركة على العمل في إطار الجماعة و اتخاذ القرارات المناسبة الخاصة بالمشاريع المنتجة للشغل و الموفرة للمداخل و المنتجة للثروات المضافة، و هذا ما تحتاجه جهات و أقاليم المغرب حاليا أكثر من أي وقت مضى.

و هذا علاوة على أن المشاركة الفعلية في عالم اليوم أضحت تمثل نمطا من التخطيط و التدبير لم يعد من الممكن تجاهله، لأنه ليس من الممكن تصور التنمية الاجتماعية دون إشراك فعلي للسكان أولا و أخيرا بالأمر.

إلا أنه لازالت هناك معوقات تحول دون تحقيق مثل هذه المشاركة بالمغرب. فإذا كان الميثاق الجماعي الجديد يحيل إلى جانب من المشاركة في المادتين 38 و 41 اللتين تحثان المجلس على تشجيع خلق جمعيات الأحياء في مجال التعمير، و أيضا تشجيع و مساندة المنظمات و الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي و الثقافي و الرياضي، إلا أنه لم يضع الإطار القانوني لخلق أشكال و بنيات و آليات مؤسساتية للمشاركة الشعبية الموسعة، إما عن طريق تمكين الجمعيات و مكونات المجتمع المدني من طرق مراقبة الجماعات أو غيرها من الطرق.

و في واقع الأمر إن أغلب الجمعيات التنموية المحلية بالمغرب تعتبر حلبة أو ركحا للتنافس السياسي لحسابات انتخابية و بقصد احتلال المواقع، و لذلك يحاول أي طامع في موقع من المواقع احتواءها أو وضع نفسه على رأسها أو باختزالها لمجرد توابع للهيئة السياسية التي ينتمي إليها.
و رغم أن المغرب يمتلك قاعدة قانونية قوية في مجال الجمعيات، فان استغلال هذه القاعدة لازال في خبر كان اعتبارا لغياب الإطار المؤسساتي للمشاركة في التدبير الجماعي المحلي لتكون فعلا مشاركة الجمعيات أداة فعلية من أجل مواصلة هدف التنمية الاجتماعية المحلية لاسيما و أن هذه الخطوة ستكون كفيلة بخلق ديناميكية اجتماعية يكون المستفيد منها الأول الساكنة المحلية. و لا يمكن تحقيق هذا المبتغى دون وضع هيئات للمشاركة تمكن المنتخبين و ممثلي الجمعيات و فعاليات المجتمع المدني المحلي من تصور و بلورة مختلف المشاريع عبر إنشاء هيئة أو إطار للتوجيه و التنسيق تعمل على تقريب رؤى مختلف الأطراف بهدف التخطيط و تسهيل الانخراط في التنمية الجماعية و تنسيق التدخلات مع باقي الجماعات المكونة للإقليم أو الجهة. لأن هذا ما يعطي لمفهوم المشاركة مدلوله الفعلي و الحقيقي للتمكن من تشخيص المشاكل عن قرب و تحديد الأولويات عند اتخاذ القرار الجماعي.
و في انتظار الإقرار الرسمي و الفعلي بآليات هذه المشاركة بمدلولها الفعلي يمكن تفعيل ما هو موجود في هذا الصدد، لاسيما الدوريتين الأخيرتين الصادرتين عن وزارة الداخلية، الأولى موجهة إلى الجماعات المحلية و الثانية موجهة للولاة و عمال الأقاليم، و اللتان تحثان على تشجيع الحركة الجمعوية و على دمجها في استراتيجية التنمية عن قرب. و ذلك كخطوة أولى لتمكين الجمعيات و المجتمع المدني من مساءلة المنتخبين و السلطات الوصية على الجماعات المحلية.

الجهة بالمغرب كيان لخدمة التنمية أم لمجرد التأثيث؟

في غضون شهر أكتوبر جرت انتخابات الجهات بالمغرب، و هي انتخابات لاختيار أعضاء مجالس الجهات 16. و المجلس الجهوي له اختصاصات مهمة خاصة به كمجلس و اختصاصات أخرى تنقلها إليه الدولة. علما أن سياسة القرب التي ينادي بها الجميع تتطلب لامركزية واسعة تقوي دور الجماعات المحلية و من ضمنها الجهة، و ذلك على حساب دور الوزارات و الإدارات المركزية التي عليها أن تحيل كثيرا من صلاحيتها إلى الجهات. و لعل من بين اختصاصات المجلس الجهوي الأساسية مخطط التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و هو موضوع حيوي يؤكد الأهمية القصوى لدور مجلس الجهة.
إلا أنه حسب الفصل 101 من الدستور المغربي فان تنفيذ قرارات مجلس الجهة موكول للعامل و ليس إلى رئيس المجلس، و هذا يحد من سلطة المجلس الجهوي.
و عموما إن بظافر الجهود لإرساء دعائم الديموقراطية المحلية و إشراك المواطن في تدبير الشأن المحلي و تخليق طرق و أساليب التدبير و تدعيم مرتكزات المواطنة النشيطة و تقديم خدمات ذات جودة عالية للمواطن، كل ذلك يعتبر المدخل الرئيسي لتعزيز سيرورة النهوض التنموي الشامل الكفيل بحل المعضلات الاجتماعية و توفير شروط الكرامة الإنسانية و الحياة الكريمة للمواطن.

و تظل المهمة الرئيسية لمجلس الجهة هي النهوض بالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية للجهة، و ذلك عبر المساهمة في إعداد مخطط التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و اتخاذ التدابير الضرورية للرفع من قدرات الجهة و تحسين شروط الاستثمار عبر القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش الاستثمارات الخاصة و لا سيما بإقامة و تنظيم مناطق صناعية و بلورة تصور فاعل حول مساهمة الجهة في مقاولات الاقتصاد المختلط و ذلك بتطوير الشراكة مع كل الفرقاء من دولة و خواص.
علما أن كل هذه المهام تتطلب أن تكون كل دواليب العملية في يد الجهة و ليس في يد غيرها، لأنه لا يعقل الآن اعتبار الجهة كيان قاصر في حاجة لوصاية تخنقها أكثر ما تمكنها من القيام بمهامها على أحسن وجه.

أضرار النشاط الريوعي على البلاد و الاقتصاد و العباد

منذ العهود الأولى للرأسمالية تصدى الرأسماليون لمختلف الأنشطة الطفيلية. و لقد وجد آدم سميث و ريكاردو, مفكرا الرأسمالية بامتياز, أنه بمقدار ما يتحول الفائض الاقتصادي إلى رأسمال مستثمر بمقدار ما تزداد ثروة الأمة و رفاه المجتمع, ليكشفا وجود صراع ليس بين الطبقة العاملة و البرجوازية, بل و بين هذه الأخيرة و الفئات التي تعيش على الريع معتبرين مصدر عيشها(الريع) انتقاصا من الربح الرأسمالي و بالتالي من التراكم أي من طاقة المجتمع على التقدم.

و اعتبارا لطبيعة النظام الاقتصادي الذي ساد ببلادنا على امتداد عقود و طبيعة العلاقات السياسية و الاجتماعية التي طبعت المجتمع المغربي, فان النشاط الريوعي عرف انتشارا ساهم بشكل كبير في خنق الاقتصاد الوطني كما ساهم في إهدار قدرات المجتمع على تجميع الشروط لتحقيق تراكم لتأسيس انطلاقة تنموية فعلية. و قد سادت هذه الوضعية أكثر من أربعة عقود. و ها نحن الآن نجني النتائج الوخيمة لهذا المسار, و رغم ذلك مازال النشاط الريوعي ضاربا إطنابه في المنظومة الاقتصادية و الاجتماعية و مازال يخنقها خنقا لدرجة الاغتيال أحيانا.

و النشاط الريوعي ببلادنا يشمل, إضافة إلى التصريف الاقتصادي لحق الملكية(وهو الريع بالمفهوم الاقتصادي) أشكال المداخيل الطفيلية المستحدثة غير الناجمة عن استثمار رأسمالي منتج أو عن عمل منتج, أو غير الربح النجم عن استثمار حقيقي منتج أو عن أجر العمل المنتج. علما أن القدرة على تحصيل المداخيل الطفيلية مرتبطة بالأساس ببلادنا بطبيعة النظام الاقتصادي و الاجتماعي و طبيعة العلاقات بين الدولة و الأحزاب و الفعاليات السياسية و بطبيعة العلاقات بين الدولة كمؤسسة و القائمين على الأمور ببلادنا. و من بين أشكال مداخيل النشاط الريوعي التي خنقت و لازالت تخنق الاقتصاد الوطني عوائد الاحتكارات المفتعلة و عوائد القرار السياسي- المفضوحة منها و الملتوية- و عوائد القرار التنفيذي –رشوة و مصاريف تحفيزية و غيرها-. و كل هذا أصبح له ببلادنا, ومنذ عقود, تصريف اقتصادي يقدر ماليا سواء في العلاقات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأخلاقية. و كل هذه الأنشطة ذات منشأ غير اقتصادي, و بالتالي يمكن إدراج أغلبها في خانة الفساد.
إن انتشار الطابع الريوعي للدولة وللاقتصاد و المجتمع ساهم في ارتفاع نسبة هذا الشكل من المداخيل ضمن الدخل الإجمالي. و هذا ما انعكس سلبا و بشكل مباشر و سريع على قدرة المجتمع المغربي على النمو و التقدم. إضافة إلى أنه أضفى صفات سلبية على الحياة العامة و قوى بدرجة كبيرة عوامل الانحلال و التفسخ, كما ساهم في اغتيال الصفات الايجابية و قبر روح الخلق و المبادرة.

و هكذا فان معدل التراكم الرأسمالي تلقى ضربات على امتداد عقود الشيء الذي لم يمكن البلاد و العباد حتى من الاستفادة النسبية من ثمرات فترات الازدهار الاقتصادي التي عرفها المغرب. و هذا ما رفع أسوارا علية بين أغلب المواطنين و بين المشاركة في الثروات الوطنية التي أصبحت حكرا على أقلية تعيش في جزر فردوسية في قاع محيط من الفقر و الحرمان.

ولقد تصاعدت حصيلة النشاط الريوعي و حصيلة الفساد بشكل مخيف بفعل اتساع دوائره و إحكام قبضتها على البلاد و الاقتصاد و العباد, و هذا ما حرم و عرقل آليات التراكم الإنتاجي سواء على صعيد تراكم الرأسمال المنتج أو على صعيد التنمية البشرية, و ذلك لفائدة فئات طفيلية متسلطة على ميزانية الدولة و القطاع العام و القطاع الخاص و على المواطنين سواء كمنجين أو كمستهلكين أو كمستثمرين أو كأصحاب قوة عمل. و هكذا تعاظمت التكاليف المباشرة و غير المباشرة للفساد و النشاط الريوعي. و يمكن تثمين هذه التكاليف الفادحة عبر الاهتمام بالفرص الضائعة و الانحلال و التفسخ و تهميش القانون و الدوس عليه و اغتيال الأخلاق المهنية, و تقييم انعكاساتها على الأجيال على امتداد أكثر من 4 عقود. و زاد من تعميق الأزمة ما قام به الإعلام المضلل و الأرقام و الإحصائيات المخدومة المعلن عنه لطمس الواقع الحقيقي, لاسيما الواقع الاجتماعي الذي سار نحو التقهقر عاما بعد عام إلى أن وصلت الحالة إلى ما هي غليه الآن من ازدراء.

و في هذا الصدد لازال سؤال مركزي ينتظر الجواب الفصيح, رغم كل ما قيل, و هو التالي : ما هي طبيعة العلاقة بين تدني الأوضاع و الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية من جهة و بين السياسات المعتمدة من جهة أخرى؟
فمتى تحضر الجرأة و الشجاعة "التاريخية" للإجابة عليه بدون لف و لا دوران؟ و هذا سؤال مركزي آخر لعله يعتبر كمدخل لسلسلة من التساؤلات المركزية الأخرى.

أمية الأمس ليست هي أمية اليوم

لازالت الأمية تعتبر من مكونات المجتمع المغربي.

إنها ظاهرة لايمكن محاربتها كليا و ‘نما المطلوب هو التقليل من تأثيراتها الوخيمة على المسار التنموي للبلاد. فالأمية تعد حاليا من أقوى و أعظم العراقيل للصيرورة التنموية المستديمة على صعيد مختلف المجالات: السياسية و الاقتصادية و الإجتماعية و البيئية و الحقوقية .

حسب الخبراء في ميدان التنمية ، إن نسبة الأمية لا يمكنها أن تعرقل مسار التنمية هي : 10% في حين أنها تصل ببلادنا إلى 55% فسنكون طوباويين إذا أردنا محو الأمية بمجتمعنا لأننا سوف لن نقو على ذلك حتى و لو قضينا أربعين سنة أخرى في محاربتها . لذا فسيكون من الواقع استهداف تقابلها وحبسها بنسبة 10% لاسيما بالنسبة للأجيال القادمة،وهذا في حد ذاته مسعى صعب جدا لأن مفهوم الأمية ذاته عرف تطورا، فلم تعد القراءة والكتابة كافية لمحو الأمية، لأن الذي يعرف القراءة والكتابة ولايستطيع مواكبة روح العصر هو كذلك يعتبر عرقلة للمسيرة التنموية مثله مثل الأمي في هذا المجال لقد كانت ولازالت الأمية إحدى أكبر المعوقات التي تعرفها بلادنا. ولم تستطع المنظومة التعليمية التقليل من هذه الأمية، بل إنها كانت تساهم أحيانا في تضخيم جيوش الأميين إما عبر الطرد المبكر وإما بعدم قدرتها على استيعاب الأطفال البالغين سن التمدرس، وهذه الأمية التي تهدد بلادنا وليست أمية المسنيين.
هذا في وقت ظلت فيه جهود محاربة الأمية محدودة وارتجالية وبدائية وأحيانا كثيرة عشوائية على مستوى الممارسة والتطبيق، رغم كل ما قيل على مستوى التنظيم والجدالات الأكاديمية العقيمة.

وزادت هذه الوضعية تفاقما مع تشتيت الاختصاص في هذا المجال في عدة جهات مما سبب في ضياع الوقت والمجهود والمال.

فلا يكفي لمحاربة الأمية والتصدي لها إحداث جهة أو جهاز خاص بها لأنه لابد من استراتيجية مجدية وفعالة. ولحد الآن مازالت بلادنا لا تتوفر على مثل هذه الإستراتيجية، وما هو موجود لحد الآن مجرد خطوط عامة فضفاضة استمر اجترارها على امتداد عقود من الزمن، تسطر محاربة الأمية الأولوية قوة دون تجسيد ذلك ممارسة وفعلا باستمرار وعلى الدوام حيث أنه في أقصى الأحوال تتضمن حملات عشوائية مشينة لا تكاد تظهر نتائجها.

هذا في وقت أصبحنا أمام أشكال جديدة للأمية الوظيفية وهي المرتبطة بالمقاولات والوحدات المنتجة وأمية الثقافة وهي المرتبطة بعدم القدرة على الإحاطة على التكنولوجية الحديثة واستيعابها.

عصر التصارع التاريخي لم تعد الأمية هي عدم القدرة على تجديد المعارف وتطوير المعلومات المكتسبة والعجز عن مسايرة ومواكبة التغيير الطارئة على الحياة المجتمعية، لاسيما في المجال العلمي والتقني والتكنولوجي.

المغرب و أوروبا في اطار منظور الشراكة الأورومتوسطية

ان الشراكة الأورومتوسطية عليها أن تمر بالضرورة عبر شراكة أورومغاربية لأنه هو السبيل لجعل منطقة شمال افريقيا و المغرب العربي عموما يحتلان مكانا مريحا بين الدول. كما أنه كفيل بحل المشاكل العالقة التي ظلت تنخر العلاقات بين الدول الخمسة.

و الشراكة الأورومتوسطية تحتاج الى ارساء قواعد السلام بين دول البحر الأبيض المتوسط, انها مرتبطة أساسا بانهاء الصراع العربي الاسرائيلي. فلا يمكن تحقيقها بدون سلام في الشرق الأوسط.

و من المعلوم أن ديناميكية هده الشراكة مند انطلاقتها تجاوز اطارها الأبعاد التجارية و الاقتصادية في أفق دعم شراكة سياسية.

و من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحفظ من هدا المشروع الدي يتطلب من الاتحاد الأوروبي لعب الدور الأساسي, لدا فانها تعارض أية مبادرة سياسية أوروبية في هدا المجال, خيث أنه تعتبر أن الحل مرتبط بها قبل ارتباطه بأية جهة دونها.

و يراهن الاتحاد الأوروبي على انشاء سوق تبادل تجاري حر بين أعضائه و دول حوض البحر الأبيض المتوسط, علما أن معظم الدول العربية لازالت تقاطع اسرائيل اقتصاديا و مثل هده الشراكة لا يمكن اقامتها دون تطبيع العلاقات مع اسرائيل, و هدا من شأنه أن يفسر اجتهاد فرنسا في محاولة تسوية النزاع العربي الاسرائيلي في وقت عليها مراعاة موقف أمريكا في دلك. لدا لم تظل تحركات الاتحاد الأوروبي في هدا المجال متناغمة مع مصالح و نظرة الولايات المتحة الأمريكية في المنطقة. فالأوروبيين مقتنعين أكثر من أي وقت مضى أن أي تعاون أورومتوسطي لابد و أن يمر عبر تعاون دول المغرب العربي. لكن الدول المغاربية لازالت تتنافس في احتلال مكان الصدارة ما دام أي تعون مع أوروبا لن يكون مجديا الا في اطار تكتل جهوي لبلدان المغرب العربي الدي بواسطته ستتضاعف ايجابيات و فعالية و جدوى العلاقات الثنائية مهما تقدمت و اتسعت.

و تزداد المنافسة بين الدول المغاربية في ظل استمرار سيادة معوقات التكتل الجهوي المغاربي. و بدلك تعمل كل دولة مغاربية على الاعلان عن رغبتها في دعم علاقتها مع الدول الأوروبية لتجاوز دائرة العلاقات الثنائي حيث تطمح في تعامل دي بعد استراتيجي.

و هدا في وقت تبدو فيه علاقات الدول الأوروبية متقدمة أكثر مع تونس و الجزائر و المغرب يطمح حاليا في علاقة تضمن شراكة مبادرة و مبدعة و تضامن فاعل و فعال. و هي علاقة تقع في منزلة ما بين علاقة التعاون و علاقة الاندماج تفوق الأولى و لا ترقى الى الثانية.

مقاهي الانترنيت استطلاع للرأي}}

إن المطلع على شبكة الانترنيت يلاحظ بسهولة أن فيها الغث والسمين، وأنها سلاح ذو حدين يمكن الاستفادة منه في الخير كما يمكن تسخيره للشر والفساد.

ومن أهم المصاعب المطروحة في هذا المجال استحالة السيطرة على هذه الشبكة ومتابعتها وضبطها، فهناك آلاف المواقع تنشأ يوميا.

ومن الملاحظ أن فئات الشباب هي التي تتعاطى أكثر من غيرها لاستعمال شبكة الانترنيت وع دخول الانترنيت بدأت مقاهي الانترنيت تتناسل في مختلف مدن البلاد.

وبذلك وفرت هذه المقاهي على مرتاديها شراء الجهاز والاشتراك في خدمة الانترنيت، وهي تعتبر خطوة اقتصادية تمكن أوسع الفئات في المجتمع من استعمال الانترنيت بأثمنة في المتناول.

وقبل محاولة رصد التأثيرات الممكنة لاستعمال شبكة الانترنيت من طرف الشباب ببلادنا، يستحسن الإشارة إلى بعض المعطيات في هذا الصدد. لقد أكدت الإحصائيات أن 85 % من مستخدمي الانترنيت في الولايات المتحدة يستخدمونها لأغراض جنسية. عندما اطلعت على هذه الإحصائيات خطرت ببالي فكرة زيارة بعض مقاهي الانترنيت المتواجدة بالمدينة التي أقطن بها.

وهذا ما قمت به حيث زرت 10 مقاهي في أوقات متباينة وجلست أمام أكثر من جهاز وتصفحت مجلد (Historique) وهو المكان الذي تختزن فيه مختلف المواد والمواقع المجلوبة من الانترنيت فوجدت أن جميع الأجهزة التي استعملتها، وبدون استثناء، تحتوي على مواقع مرتبطة سواء بالجنس أو بالصور الخليعة.

ومن جهة أخرى قمت بإحصاء مختلف المواقع المستعملة في مقاهي الانترنيت العشرة التي شكلت عينة دراستي. وبعد التمحيص والجرد تبين لي أن مواقع الترفيه والجنس تأتي في المرتبة الأولى وتليها في المرتبة الثانية مواقع الدردشة (chat)، أما مواقع البحث العلمي والمواقع التقنية والعلمية تأتي في المرتبة الأخيرة بعد المواقع الإعلامية والإخبارية، وذلك من حيث الزيارة وفيما يلي جدول يبين المواقع المستعملة مرتبة حسب كثرة زوارها:

1 ـ المواقع الترفيهية والجنسية.

2 ـ مواقع الدردشة ( chat).

3 ـ المواقع الرياضية.

4 ـ المواقع الإعلامية.

5 ـ المواقع الإسلامية.

6 ـ المواقع العلمية.

7 ـ مواقع خدمات البحث.

8 ـ المواقع التقنية .

10 ـ مواقع الأبراج.

ومن خلال استطلاع رأي رواد تلك المقاهي حول المبلغ المالي التقريبي الذي يصرف أسبوعيا أفادت النتائج، المستقاة من عينة شملت 350 شخص ( إناث وذكور )، أن 25 % من الرواد يصرفون ما يناهز 70 درهما أسبوعيا وأن 36 % يصرفون 110 درهما وأن 21 % يصرفون بين 120 و 160 درهما و 10 % ينفقون أكثر من 200 درهما أسبوعيا.
وحسب آراء بعض الآباء المتنورون المستجوبون، صرح بعضهم أن صرف الأموال من أجل الإطلاع على المواقع الترفيهية والجنسية ومواقع الدردشة تعتبر غير مفيد وهو في الحقيقة مجرد استنزاف للأموال.

وحول سبل القضاء على السلبيات المرتبطة بالانترنيت صرح 49 % من المستجوبين أنه لابد من طريقة لحجب المواقع السيئة، وقال 35 % منهم أن أحسن السبل هو توعية مستخدمي الانترنيت بأضرارها الممكنة، لاسيما فيما يخص انتشار الفساد والرذيلة في المجتمع ومخالفة بعض المواقع للوازع الديني والأخلاقي للمجتمع المغربي، أما 16 % منهم فيعتبرون أنه من الضروري قبول الانترنيت بإيجابياتها وسلبيتها.

الاقتصاد و المخزن بالمغرب

سابقا كان مصطلح المخزن يرتبط بالأساس بمحور الحكم الشخصي و محيطه المباشر، أي نمط من أنماط الحكم الفردي. و باعتباره كذلك فقد كانت له وظائف اقتصادية، إلا أنها ظلت على امتداد التاريخ وظائف سلبية.

و قد اقتصرت هذه الوظائف من القرن التاسع عشر إلى حدود سنة 1912 على انتزاع الضرائب مع اللجوء أحيانا كثيرة إلى القوة التي كانت بيده، و هذا ما يفسر التمييز بين بلاد المخزن و بلاد السيبة آنذاك. فالسلطان مولاي الحسن كان عرشه على صهوة جواده، باعتبار كان كثير الترحال بقصد "الحركة" (أي الحملات التأديبية) لإخماد ثورات القبائل التي رفضت أداء الضرائب المخزنية، و قد وافته المنية على صهوة جواده.
و قد كانت هذه السياسة وخيمة على المخزن إذ لم يقو على فرز و إفراز بديل لسياسته المبنية على انتزاع الضرائب من القبائل. و هكذا تعمقت أزمته التي أدت إلى اتفاقية فاس سنة 1912 التي كانت بداية استعمار البلاد و احتلالها.
و مع حلول الاستقلال احتكر المخزن مختلف المبادرات السياسية و الاقتصادية و وزع حسب احتياجاته مجالات الأنشطة الاقتصادية بالبلاد و وهب أصول الثروات إلى فئات قليلة جدا و انفرد ببلورة و طرح الأهداف و تحديد وسائل و آليات تحقيقها.

لقد كان هاجسه هو الضبط و استبعاد أي وضع يتعذر عليه ضبطه. و ذلك سعيا إلى التحكم في أي تغيير لاستبعاد – و لو بالقوة و القمع – كل ما من شأنه تهديد قوامه السياسي. إلا أنه مع فعل جملة من الظروف الضاغطة طرحت بعض الإصلاحات على الصعيد الاقتصادي و كانت رغم محدوديتها تنم عن بروز بوادر عقلية ليبرالية لا سيما في التسيير الحكومي المخزني, إلا أن بروز هذه البوادر الأولى سرعان ما فقدن مدلولها بفعل اقتصاد الريع و الاكرامات و الانعامات التي يمنحها المخزن عبر شبكة من الزبونية تخلق علاقات ولاء إلزامية أثثت لفرض الهيمنة.

و قد تمكن المخزن من تقوية هذا النمط في التدبير لأنه عمل على المراقبة و التحكم عن قرب في العالم القروي بالمغرب كوسيلة ناجعة لضمان الاستمرارية السياسية للمجتمع المغربي. و من الأساليب المتبعة لتحقيق هذا المبتغى، اعتماد سياسة دعم و تدعيم فئة من الملاكين العقاريين الكبار لجعلهم كحصن حصين و عتيد لسياسة المخزن بالبادية. و قد استفاد هؤلاء من جملة من سياسات الدولة نذكر منها المغربة و السياسة السقوية و سياسة القروض و سياسة تقليص دورصندوق المقاصة سنة 1980 و سياسة إلغاء الضرائب. و كانت نتيجة هذا التوجه هو تمركز الرأسمال الفلاحي و توسيع نشاطاته الشيء الذي أدى إلى عدم بروز برجوازية رأسمالية مقاولتية مستقلة بالمغرب و هذا بدوره يفسر إلى حد كبير ضعف القطاع الخاص المغربي.

و الآن و بعد مرور ما يناهز 5 عقود على استقلال المغرب نجد أنفسنا في حيص بيص عندما نريد تحديد طبيعة الاقتصاد المغربي، فهو ليس يإقتصاد الدولة و لا بإقتصاد ليبرالي محض و لا بإقتصاد إجتماعي تتحكم الدولة في دواليبه الأساسية و لا باقتصاد السوق بالمفهوم الليبرالي. و منذ سنوات كان المغاربة ينتظرون حدوث انفتاح على السوق و اعتماد الليبرالية كما تم الترويج لذلك كثيرا و بكثرة، إلا أن حكومة التناوب جاءت و روجت لفكرة إعادة النظر في تدخل الدولة و خلق اقتصاد اجتماعي. أما اليوم أضحينا نعاين و بقوة تواجد سلطة المخزن، ليس كإطار أمني و تسييري فقط، و لكن كإطار اقتصادي و هذا وضع قل نظيره في العالم و في الاقتصاديات المعاصرة. فإلى نحن سائرون؟

هل المسألة الأمنية تعد من الأولويات بالمغرب؟

بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء قام المغرب بجملة من الإصلاحات و التغييرات قي أجهزنه الأمنية. و قد أتت هذه التغييرات بغد الضربات الإرهابية التي عرفتها جملة من الدول، التي صنفها تنظيم القاعدة و التنظيمات المتطرفة العاملة بتعاليم أسامة بن لادن، أنها تطبق سياسة و استراتيجية الولايات المتحدة الخاصتين بمكافحة الإرهاب.

إلا أن رجال الأمن لازالوا يعتبرون أن حالتهم مزرية و أنهم يعيشون في حالة من الفقر رغم تضخم العمل الذي يضطلعون به، علاوة على ضعف التعويضات و التغطية الصحية. كما أن البعض يعتبر أن هناك ضعف في التكوين و عدم انتظاميته قصد مسايرة واقع الجريمة و تطوراته.

و رغم هذه الوضعية فان ميزانية التسيير المخصصة للأمن الوطني بالمغرب مازالت ضعيقة لم تتجاوز مليارين و 300 مليون درهم (أقل مما رصد سنة 2002، مليارين و 400 مليون درهم)، و دلك في وقت تقرر فيه الزيادة في تعويضات البرلمانيين، و في وقت تم تخصيص لكل وزير سيارة من نوع "بي ايم دوبل يو" التي تفوق كلفتها 165 مليون درهم و التي تطلبت من الدولة غلافا ماليا وصل إلى 6 ملايين من الدراهم. و نفس الشيء فيما يخص مناصب الشغل المخصصة للأمن الوطني المحدثة برسم السنة المالية 2004 و التي لم تتعد 100 منصب (و كانت أكثر من 1700 سنة 2001 و 500 سنة 2002). و هذا علما أنه سيتم إحالة 1200 رجل أمن على المعاش. و هذا وحده يدعو إلى التساؤل.

و من القضايا الأخرى التي تدعو إلى التساؤل كذلك إحداث صندوق لتعويضات رجال الأمن استنادا على مداخيل المخالفات، علما أن الكثيرين يتخوفون من هذا النهج اعتبارا لهشاشته و اعتماده على الطارئ، و اعتبارا لكونه قد يفسح المجال للعمل على ضمان تزويد ذلك الصندوق بأية وسيلة لضمان استمرارية التعويض و انتظامه. علاوة إلى أن هذا النهج يخالف أحد مبادئ المالية العامة المعمول بها و هو مبدأ عدم التخصيص. و تأتي هذه المعطيات في ظل واقع يتميز بخصاص كبير في الموارد البشرية في الأجهزة الأمنية المغربية، إذ يبلغ عدد رجال الأمن ما يناهز 38 ألف شخص، و هو عدد لا يستجيب لا لنسبة التطور الديمغرافي و لا للتحديات المطروحة على الصعيد الأمني. علما أن الأغلبية الساحقة لهؤلاء لم تخضع لتداريب و دورات تكوينية و تكوين مستمر منذ ولوجها أسلاك الأمن الوطني.

و الغريب في الأمر هو أنه رغم كل هذه المعطيات الواضحة للعيان لم تحظ ميزانية الأمن بأية مناقشة في البرلمان و تم التصديق عليها كأن الشأن الأمني لا يهم ممثلي الأمة و ليس أولوية من الأولويات حاليا. علما أن هذه المسألة ذات علاقة وثيقة بالضبط الاجتماعي.

و يعتبر البعض أن مسألة الأمن لا يجب ربطها بأحداث 16 مايو بالدار البيضاء و إنما هي مسألة ظلت مطروحة منذ نشأة الأمن الوطني بالمغرب.

فإذا كانت الوسائل الأمنية على صعيد الموارد البشرية و المالية و التجهيزية و التكوينية كافية في ستينات و سبعينات القرن الماضي، فاليوم أضحت غير ذلك بفعل النمو الديمغراقي الحضري و ظهور مشاكل أمنية ناتجة عن البطالة و استفحال المعضلات الاجتماعية. و قد تراكم العجز بفعل عدم تطورعددي و نوعي لمواكبة تطور المشاكل و اتساعها التي يعرفها المجتمع المغربي. لقد ظلت وسائل الأمن الوطني ضعيفة مقارنة للمتطلبات، الشيء الذي جعل الحل لا يكمن فقط في رفع عدد رجال الأمن و إنما كذلك في البحث في نوعية الحل المعتمد.

و رغم هذا فان البعض يعتبرون أن عدم الاهتمام بزيادة عدد رجال الأمن حلا ذكيا، اعتبارا لكونه يظهر أن الدولة لم تختر سياسة قمعية علما أن حلول المشاكل مرتبط بالأساس بتحسين ظروف العيش، لاسيما بالنسبة للفئات المهمشة و إدماج الشباب في المجتمع و خلق فرص الشغل للحد من اليأس الاجتماعي و إعادة إحياء الأمل.

و فيما يخص إحداث الصندوق الممول من الغرامات الناتجة عن مخالفات قانون السير، يرى البعض أنه مبادرة ايجابية من شأنها المساهمة في تحسين وضعية عمل رجال الأمن. علما أن مبالغ تلك الغرامات مهمة و تتجاوز مليارين من السنتيمات سنويا، و تخصيصها لهذا الغرض سيكون له انعكاسات ايجابية. إلا أن هؤلاء يعتبرون أن قضية الأمن بالمغرب هي بالأساس قضية أمن اقتصادي و أمن اجتماعي و أمن تربوي قبل أن يكون أمنا مرتبطا بالشرطة.

و مما يزيد الطين بلة أن الدولة حاليا في وضعية أمنية متجاوزة بفعل الهجرة نحو المدن و بفعل فشل التنمية القروية. علما أن التنمية الفلاحية استفاد منها كبار الملاكين و الفلاحين. و بذلك غدت قوات الأمن بالمدن المغربية غير كافية لاحتواء نموها، لاسيما و أن الهجرة ساهمت في إحداث أحياء هامشية أضحت تساهم بشكل ملحوظ في تهديد الاستقرار الأمني للمدن، خصوصا الكبرى منها.

و بذلك رغم الجهود المبذولة من أجل ملء الفراغ الحاصل ظل المشكل قائما، بل تفاقم مع مرور الوقت لاسيما و أن الميزانية المرصودة ظلت محدودة لا تفي حتى بالضروريات. و اعتبارا لمحدودية هذه الميزانية، في الغالب لم تكن هناك برمجة للتجهيزات الأمنية لغياب الاعتمادات من أجل إنجازها. و لعل أكبر دليل على ذلك أن جل البنايات التي تأوي المقاطعات هي بنايات أو عمارات مكتراة في جل المدن المغربية.

و مهما يكن من أمر، إن التعاطي لمسألة الأمن بالمغرب لا ينبغي أن يسير في اتجاه تقوية المؤسسة بغاية إعادة إنتاج ممارسات السنوات الرصاصية التي عرفها المغرب و إنما في اتجاه محوها و بناء جسور الثقة و التعاون لتجسيد عبارة "الأمن الوطني و الشرطة في خدمة الشعب". و هذا يتطلب شروطا، لاسيما و أن إجرام اليوم ليس هو إجرام الأمس. كما أنه لابد أن يعامل رجال الأمن بالمستوى الذي يرقى إلى روح المسؤولية التي يتحملونها و الأخطار التي يواجهونها. و على الأقل تمكينهم من أسباب مواجهة أعباء الحياة الضرورية ليتفرغوا للقيام بمهامهم و هم مطمئنين.

الهجرة السرية معضلة القرن

لقد كان المغرب دائما يمثل الجسر بين إفريقيا و أوروبا، و قد تأكد هذا مع استفحال ظاهرة الهجرة السرية. و هذا ما دفع السلطات المغربية الىإحداث هيئات مكلفة بهذا المشكل الذي اتسع مداه بشكل لم يسبق له مثيل. و قد أصبح الوضع يتطلب مكافحة شبكات الهجرة السرية و تهريب البشر، بل دفعهم الى الموت المحقق، هي شبكات أضحت تحصد أرباحا طائلة تفوق 12 مليار دولار سنويا. و هي تعتمد على "وكلاء" محليين يعملون على استقطاب الراغبين في الهجرة بأي ثمن.
و من الهيئات المستحدثة بالمغرب للتصدي لهذا المشكل مديرية الهجرة و حراسة الحدود و مرصد الهجرة. تكلفت الهيئة الأولى بتطبيق الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بمكافحة شبكات الهجرة السرية و حراسة الحدود المغربية، أما الهيئة الثانية فتكمن مهمتها في تجميع مختلف المعلومات و القيام بالدراسات بصدد هذه الظاهرة و ذلك بهدف تفعيل الانسجام بين الفعل على أرض و اتخاذ الإجراءات الوقائية بغرض بلورة حلول مجدية للتصدي لمعضلة الهجرة السرية.

و حسب الإحصائيات المتوفرة هناك 5 عمليات للهجرة السرية يوميا و ما يناهز 170 شهريا و ذلك منذ 1992. و رغم الجهود المبذولة فلازالت هناك صعوبات للوصول إلى الرؤوس المنظمة و المخططة لشبكات الهجرة السرية.

و يبدو أن أكبر مستفيد عمليا من الهجرة السرية اسبانيا التي أضحت تتوفر على يد عاملة زهيدة الثمن و بدون مطالب حتى في حدها الإنساني الأدنى.
و مهما يكن من أمر فان حصيلة الهجرة السرية ثقيلة و ثقيلة جدا، فعلى امتداد عقد و نصف تقريبا تجاوز عدد الضحايا 40 ألف فقدوا حياتهم في مياه مضيق جبل طارق، و أكثر من 200 ألف مهاجر في وضعية غير شرعية يستغلون أبشع استغلال في سوق العمل باسبانيا، و هذا في وقت تدعي فيه أوروبا التعامل مع إشكالية الهجرة السرية بطريقة إنسانية.

الصحفي و القانون

يمكن أن نفرض على الصحفيين احترام القانون, و فعلا عليهم احترام القانون و لو أن القانون في نهاية المطاف يعبر عن موازن القوة داخل المجتمع بين الحكام و المحكومين. فإذا كان للحاكم السلطة فسوف يبلور القانون الذي يرتاح إليه و الذي يريده و يمكنه- حسب تعبير خالد الجامعي- أن "يطحنك" كما أراد و "يطحنك" باسم القانون, و هذا ما وقع بالنسبة للقانون الجديد للصحافة الذي يعطي القوة كلها للدولة, لاسيما و أن هذا القانون لم يقع حوله إجماع أو اتفاق, لأن الدولة وضعته كما أرادت و أحبت. و أضاف خالد الجامعي قائلا, و لنفرض أن الصحفيين عليهم احترام القانون, فهل الدولة ببلادنا تحترم القانون؟ و إذا كانت هي لا تحترم القانون "أين سأمسك أنا في بولة التسعين؟". هذه هي الإشكالية, لأن الواقع حاليا هو أن القانون مفروض فرضا على الصحفيين ومفروض عليهم احترامه, لكن الدولة يمكنها أن لا تحترمه.

و في هذا الإطار أورد خالد الجامعي مثالا على ذلك, حيث قال أن جطو يوقع بالعطف على ظهير 6 أيام قبل تعيينه من طرف الملك لتأسيس الحكومة و في وقت لم يعرف فيه بعد أنه سيؤسس الحكومة, فمن يخترق القانون في هذه الحالة؟ لذلك أكد خالد الجامعي على أنه لا يجب المطالبة باحترام القانون من طرف واحد.

الخطوط الحمراء

لقد صرح خالد الجامعي أنه لا يعترف بالخطوط الحمراء. لقد قيل لا يجب الحديث عن الجيش و لا يجب الحديث عن الفساد و لا يجب الحديث عن هذا الشيء أو ذاك, ففيما ستتحدث الصحافة إذن؟ كما أكد كان على المسؤولين أن يوضحوا, بجلاء و بدون لبس, و دون لف و لا دوران, ما هو المقدس في هذه البلاد, و كلما استعملوا عبارة "مقدس" في أي نص من النصوص عليهم بيان بالضبط ماذا يعنون بالمقدس مادام كل شيء أضحى مقدسا و من الممكن أن يكون مقدسا حتى الحجر. فعلي المرابط, مدير جريدة "لو دومان" حوكم بسبب حجر قيل لنا أنه مقدس. و في الحقيقة أصبحوا يدخلون مفهوم المقدس في أي مجال و مضمار حتى أصبح كل شيء من المقدسات. و هنا و من حيث لا يدرون ارتكبوا خطأ فادحا لأنه عندما يصبح كل سيء مقدسا فلا سيء يعتبر كذلك. و يعتقد خالد الجامعي أنه ليس من المعقول قطعا استعمال مفهوم المقدس كسيف دي يزن على أعناق البشر "لطحنهم". فهل الجيش مقدس؟ لا يقول الجامعي و الدليل أنه نشر رسالة موجهة إلى الملك حول الرشوة في صفوف الجيش. و مهما يكن من أمر يقول الجامعي, فجيشنا مثل جميع الجيوش في العالم له كذلك مشاكله, فلماذا نريد أن نكون دولة خارجة عن القاعدة في العالم, إذن الجيش غير مقدس و الأجهزة الأمنية غير مقدسة و رجال السلطة غير مقدسين...

و في آخر التحليل يقول خالد الجامعي إن كل هؤلاء يتقاضون أجورهم من الضريبة التي نؤديها كمواطنين و بمال الشعب يعيشون, و لذلك لكل مواطن الحق في مساءلتهم و محاسبتهم مادام الأمر كذلك.

و الغريب في الأمر يقول خالد الجامعي, أن مفهوم الخطوط الحمراء- و قد عشنا التجربة منذ سنتين أو 3 سنوات- و ضعها المثقفون ببلادنا و ليس المخزن. فعندما أخذت جريدتي "لوجورنال" و الصحيفة تتطرقان لمواضيع مرتبطة بالجيش و الأجهزة الأمنية و الفساد, قام المثقفون من أمثال "البديل" و غيره و أخذوا يفتون الفتاوى قائلين أنه لا حق لأحد التكلم عن الجيش و جملة من القضايا الأخرى لأنها خطوطا حمراء لا يجب تعديها. و هكذا خلقوا مناخا انقضت عليه السلطة للتصدي للصحيفتين المذكورتين و جريدة "لودومان". و الهجمة التي تعرضت لها هذه الجرائد جاءت مباشرة بعد الموقف الذي اتخذه أغلب المثقفين ببلادنا عندما شرعوا في الحديث عن المقدس و عن الإقرار بالخطوط الحمراء, و لاسيما عندما قالوا أن من يخوض في مثل تلك الأشياء يرغب في إحداث الفوضى بالبلاد. و ها هو الجميع عاين بأم عينه أنه رغم أن "لوجورنال" و الصحيفة و "لودومان" تكلمت عن الجيش و الفساد و أفقير و الأجهزة الأمنية و غيرها مما كان يعتبر من المحرمات, بل تكلمت حتى في إمارة المؤمنين و مفهوم الخلافة و لم يقع أي شيء. و لولا جرأة كمشة من الصحفيين الذين كانت لهم الشجاعة لطرح تلك القضايا لما طرحت, إذ أن الأحزاب لم يستطع أي واحد منها التطرق إليها.

يقول خالد الجامعي « أصبحنا اليوم كمشة من الصحفيين نلعب دورا- الذي هو مبدئيا ليس بدورنا- و إنما هو دور الأحزاب. و لكن نظرا لأن بلادنا لم تعد تعرف أحزابا بالمفهوم الحقيقي للحزب, لذلك أصبحنا رغما عن أنفنا نقوم بدور المعارضة رغم أنها ليست مهمتنا و لا وظيفتنا.

الصحافة الحزبية

يقول خالد الجامعي, فيما يخص الجرائد الحزبية, أردنا أم كرهنا, فهناك أحزاب لها جرائد تصدر يوميا و لا يمكن نفيها, كما أنه لا يمكن أن نمحي التاريخ. فالجرائد الحزبية مثل الاتحاد الاشتراكي و العلم و غيراهما صمدت "وقت العصا", و مهما كان الأمر خدمت هذه البلاد و عبرت عن مواقف و عن آراء, و سجن من سجن من صحفيها و مسؤوليها, و منع ما منع منها, فلا يجب نسيان كل هذا. إلا أنه يمكن التساؤل, هل مازالت تلعب دورها؟ و هل مازالت سائرة بتوافق مع ما يفع اليوم ببلادنا؟

الرشوة و الصحافة

لا يمكن نكران و جود صحفيين مرتشين, كما أنه لا يمكن البحث عن ظروف التخفيف و التبرير, لكن عندما نرى الصحفي يتقاضى 2000 درهما شهريا لكي يعيش بها و يحيا, فان الأمر يصبح مرتبطا بمعاشه اليومي و باكرا هات توفير الشروط الحيوية و الأساسية للبقاء و التي لا يمكن بأي وجه من الوجوه الاستغناء عليها (كراء, دواء, تعليم...). و جرائد أحزابنا تعتبر من أكبر مستغلي الصحفيين, إذ تمارس عليهم استغلالا بشعا قل نظيره. إضافة إلى كون مشكل الرشوة هي إشكالية كبيرة بمجتمعنا و يجب طرحها في شموليتها. فكيف يعقل أن من اختلس الملايير لا أحد يجرؤ على محاسبته في حين يتم التشهير بذالك الشرطي أو الدر كي الذي "يدبر على ميلة", طبعا لا يمكن تبرير الرشوة كيفما كانت, و إنما ادا كنا نريد طرح إشكالية الرشوة علينا طرحها في شموليتها و على حقيقتها الكاملة غير المنقوصة ببلادنا.

و بالرجوع إلى الصحفيين, إن وضعية أغلبهم تجعلهم في وضع من الصعب أن لا يرتشوا إلا من رحم ربي. فإذا كان صحفيو الجرائد الحزبية يستغلون بأبشع الصور من طرف القائمين عليها و هم الذين يريدون أن يحكموا البلاد. فهل يمكن انتظار من هؤلاء أن يكرسوا الديموقراطية و التعادلية و حقوق الناس على الصعيد الوطني, و هم يضربون عرض الحائط بكل ذلك في صفوفهم و مع أقرب الناس إليهم فكيف تريد إن يطبقوا ذلك و هم لا يطبقونه حتى في عقر دارهم ؟

الكبت الجنسي

بصدد جملة من الأسئلة حول جريدة "الأحداث المغربية", قال خلد الجامعي, هناك عدة أوصاف نعتت بها هذه الجريدة, لا سيما صفحات « من القلب إلى القلب" إلا أنها مازالت توزع 80 ألف نسخة, أي هناك الكثيرون يقتنونها- سواء علانية أو خلسة- و هي غير مفروضة عليهم و إنما يؤدون ثمنها عن طيب خاطر. إذن الإشكالية الواجب طرحها هي لماذا المغاربة يقرؤون ذلك و يريدون قراءته و ليس لماذا تتطرق "الأحداث" لتلك المواضيع؟

في واقع الأمر إن ما هو واقع بمجتمعنا هو الذي يؤدي إلى قراءة مثل تلك المواضيع. فهل هناك كبت في المجتمع المغربي؟

يجيب الجامعي نعم لذينا كبت واضح المعالم ببلادنا و لا نتوفر على فضاءات للتعبير على تلك المسائل و ليس لدينا عادة التوجه إلى الأخصائيين لنفرغ عليهم "كبتنا" كوسيلة من وسائل العلاج. فكيف يمكن اتهام "الأحداث" بالبوربول و أي فرد يمكنه أن يضغط على زر البارابول الرقمية و يلتقط XXL, فهل يمكن منعه من ذالك؟ علما أنه لو كان مجتمعنا مجتمعا متزنا لما طرحت مثل هذه الإشكالية, و مادام الحال على عكس ذلك فعلينا إذن طرح الإشكالية بكل وضوح للتفكير في الحلول المناسبة لها لاسيما و أن ما يقع في المجتمع من أخطر ما يمكن أن يقع. و يكفي النظر إلى القضايا المعروضة على أنظار المحاكم من فساد بين الأب و بنته و الأخ و أخته و مختلف قضايا زنى المحارم, و هذا مرده الكبت و عدم قدرة المواطن و المواطنة على التعرف على حقيقة المشاكل التي نعيشها يوميا.

و ختم خالد الجامعي بقوله, اعتقد إذا قرر الحكام ببلادنا تغيير العقلية يمكن تحقيق ذلك خلال 5 سنوات بفضل و بواسطة التلفزة و الإذاعة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى