الأحد ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧

خيال وخيال

بقلم صابرين عبد الرحمن

الشارع الضيق يغطّ في نوم عميق، وشخيره يصل إلى تلك الشرفة المحيطة بخاصرة قصر ينتصب هناك وحيدا على قمة الجبل.

بيديها المرتعشتين تحتسي المرأة قهوتها الباردة على تلك الشرفة، فقد نسيتها في غمرة مراقبتها للمرأة النحيلة والتي اعتادت أن تراقبها منذ سنين.

تتذوق حوافُّ الفنجان طعمَ القهوة المر، فاليدان المرتعشتان وهبتا للحواف فرصة تذوق كل رشفة قبل أن تتذوقاها شفتا المرأة.

يزداد الشارع الضيق ظلاماً، فالأضواء الباهتة أُطفئت بالكامل، والمرأة على شرفتها تنتظر أن تُضاء الشمعة في بيت المرأة النحيلة، وأن تأتي المرأة بالدفتر الأسود والذي _حتماً_ يحمل بين صفحاته ديونها المتراكمة.
تمسك منظارها، توسّد عينيها به، إنها المرة الأولى منذ سنين التي تتأخر فيها المرأة النحيلة عن إضاءة شمعتها. تحاول أن تتصور السيناريو الأكثر احتمالاً لهذا التأخر: لا بدّ أنه ضيق الشارع الذي تسكنه قد وهب لها شيئا من ضيقه فخلدت للنوم، أو أن شمعتها التي انطفأت البارحة كانت آخر ما لديها، وضيق ذات اليد جعل شراء الشموع أمنية صعبة المنال، هكذا حدثت نفسها وابتسمت بغرور.

لكنها تشعر بالضيق، ماذا ستفعل بليلها الطويل إن لم تراقب مكوث المرأة النحيلة لساعات محاولة حساب ديونها المتراكمة يوما بعد يوم، تزداد ضيقا، وتبدو كمن ينتظر عزيزاً فقده.

تفكر بذلك الثالوث: الشارع الضيق الذي تسكنه المرأة، والظلام الذي يحيطها، ودفتر الديون رفيقها الدائم، هو الثالوث الذي ربما يؤرق حياة تلك المرأة المسكينة.

ضوء باهت يشق ظلام الليل، تشعر المرأة بالارتياح، فمنظارها يخبرها أن المرأة النحيلة قد أضاءت شمعتها، وأمسكت دفترها الأسود، وها هي قد بدأت بالكتابة، تساءلت عمّا خطته الآن على صفحاته.

أسفل الجبل، هناك في شارع ضيق، تسكن امرأة نحيلة، أضاءت شمعتها كالمعتاد، أمسكت قلمها ودفترها الأسودين، وخطّت العبارة الأولى من روايتها الجديدة: يا لبؤس تلك المرأة الوحيدة التي تقطن القصر المنيف، إنّها هناك في علوّها لا تنظر إلا إلى الأسفل، فلا يصطدم بصرها إلا بظلمة الشارع الضيق.

بقلم صابرين عبد الرحمن

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى