الثلاثاء ١٣ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم محمود حمد

لوحةٌ على جُدرانِ غُرفَةِ التَعذيبِ!

ذاتُ صباحٍ أيقَظَني "سَيِّد مارِد" (1) بالركلاتِ..

تَكالَبَ حَوْلي جَوقُ بُغاةٍ مِن أهلي..

وَغْدٌ.. لا أعرِفُهُ من خلفِ نِباحِهُمُ يتقدمُ نَحوي..

إعْتَدْنا أن نُسْحَلَ من أقبيةِ العَزلِ الفَرديِّ بليلٍ..

.............. لجحورِ التَعذيبِ المَنْبوشَةِ خصيصاً للإستجوابِ..

لكِنْ..

هذي المرةَ ..أوقَعَني أرضاً في ذاتِ المَهْجَعِ..

وأقامَ شِجاراً قَبَلِياً فَوقَ ضُلوعي..

يسألُني عِن أسرارِ اللوحةِ..

تِتكاثَرُ فَوقَ جدارِ القَبرِ الكامِنُ فيهِ..

تَقمَعُني أعقابُ بنادقِهِم ..

تُلقيني كومةَ صَمتٍ ودماءٍ..

تَصرَخُ بي:

فُكَّ رموزَ الاستفهامِ الصاخبِ في اللوحةِ؟..

ماذا تَعني الشَمسُ العُريانَةُ تَسبحُ في بحرِ دماءٍ مُتَدَفِق؟..

مَنْ تِلْكَ المرأةِ عالقةً بين الجَنَّةِ والكلماتِ؟

ولماذا تأتي الريحُ من الشَرْقِ بعنفٍ صَوبَ فصولِ العَلفِ الغربيّةِ؟

لماذا تَتَفَطَرُ هاماتُ الناسِ بأعلى اللوحةِ وبأيديهِم حِرْزٌ يُعْصِمُهُم من نارِ التَنورِ؟

******************

شَدّوني واللوحةَ لجدارِ الاستجوابِ المُبْتَّلِ بِجُرحي..

بَحثوا عن جمرٍ مَخبوءٍ تَحتَ غُبارِ اللوحةِ..

سَمِعوا صوتَ رَضيعٍ يَنْغي..

......زمرةَ صبيانٍ تُنْشِد في وادي "أوروك"..

......سربَ عصافيرٍ يأوي لافانين السِدرَةِ في "بابل"..

.....ريحاً تَخفِقُ حقلَ سنابل..

صاحوا بالجسدِ المَيِّتِ تحتَ حطامِ الأشياءِ بأعلى اللوحةِ:

إهبِط والحلمَ الـ كنتَ تتمتم فيهِ لحفارِ القَبرِ..

إهجِرْ هذا الكَفَنَ المُشْرَعِ مُنذُ عقودٍ في ساحاتِ الرَفضِ..

إغلِقْ بابَ الشمسِ ..

فإنّا لانُدْرِكُ دَرباً إلاّ في الظلمةِ..

********************

تَهبِطُ بِنتٌ في مُقتَبلِ العُشقِ بِصَمتٍ من شرفاتِ اللوحةِ لوحولِ التعذيبِ ..

يسألُها عن اسمِ أبيها..

تُخرِجُ رُقُماً طينيةً..

يَصرخُ فيها:

..........هل تُؤمِنْ؟

تِرنو بخشوعٍ لشروقِ الشَمسِ الساطعِ في أنفاسِ اللوحةِ..

توقِفُ نَزفي بيدَيها ..

تَمسَحُها بفضاءِ اللوحةِ..

تِغدو حَقلَ "شقائق" يَغمُرُ روحي..

***************

يَتَلَمَظُ ذاكَ الوَغْدُ المُتَقَدَمُ نحوي ..

يَغمِزُ لقطيعِ المُفتَرسين..

يومئُ للطفلةِ ..

أن تَمضي لَيْلَتها في حفلٍ ماجِن..

قَبْلَ حُلولِ التَرحيلِ إلى سجنِ النِسوَةِ..

يُمسِكُها من يَدها..

كالشاحِطِ شاتاً للمَقْصَبِ..

تتألقُ غيمةُ ضوءٍ من مَوطئِها..

تَتَصاعَد كشهابٍ مُرْتَدٍ..

تَتَلاشى في شفقِ الشَمسِ المَنشورةِ في أرجاءِ اللوحةِ..

يَركِلُني مُهْتاجاً..

ويَكيلُ سُباباً لقطيعِ المَذهولينَ..

يَتراخى جَسدي ..

أهوي لِرَسيسِ الغَيبوبةِ..

.....................تأتيني كـ العادةِ بَعدَ زياراتِ المُفتَرسينَ لقبري..




20/12/2006


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى