الخميس ١٥ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
الوعي المصطلحي في النقد العربي
بقلم محمد بنلحسن

مصطلح التلقي لدى حازم القرطاجني أنموذجا

إن أبرز ما يسترعي انتباه قارئ منهاج البلغاء وسراج الأدباء، إصرار حازم القرطاجني البين، على استعمال ألفاظ ومصطلحات خاصة بأثر الكلام في نفس المتلقي. لذا، يعسر الحديث عن التلقي عند هذا الناقد من خلال مصنفه أعلاه، بالاقتصار على مكنونات نقده وحدها، ويتأبى القفز على تلك الثروة اللفظية المصطلحية التي تقف بارزة مسفرة، عن امتلاء روح صاحبها بأثر الكلام في النفس. بمقتضى هذه الحقيقة البادية للعيان، ارتأيت التريث عند الحقل المعجمي في المنهاج، لرصد ألفاظه ومصطلحاته الدالة على تلقي الشعر.

وليس هذا الحشد اللافت لتلك الألفاظ والمصطلحات من لدن ناقدنا، سوى مظهر من مظاهر عناية حازم القرطاجني بالمصطلحات أثناء صياغته مشروعه التنظيري، لا سيما وسط تلك الظروف القاتمة التي طمست حقيقة الشعر، مما انعكس سلبا على ذوق المتلقي، لأن "الطباع قد تداخلها من الاختلال والفساد أضعاف ما تداخل الألسنة من اللحن، فهي تستجيد الغث وتستغث الجيد من الكلام ما لم تقمع بردها إلى اعتبار الكلام بالقوانين البلاغية"( ).
وأظن أن هذا التكثيف للمصطلحات والألفاظ المثيرة للنفس، والمستفزة لانفعالها، المدخل الرئيس واللبنة الأولى في تلك القوانين.

وقد انتبه لهذا الوعي المصطلحي الحازمي عدد من دارسي نقده، فهذا الدكتور إحسان عباس، يقول: "وهو لذلك يدل على أنه لم يترك مصطلحا يمكن الإفادة منه في منهجه النقدي إلا حشده لهذه الغاية"( ).
ولاحظ الأمر نفسه الدكتور علي لغزيوي، وعبر عنه بقوله: "وقد أدرك حازم أهمية المصطلح فاعتنى به عناية زائدة، سواء أتم ذلك على صعيد التصور النظري، أم على صعيد التعريف وتحديد المفاهيم، أو على صعيد الاستعمال المجرد"( ).

وإذا عدنا إلى كلام حازم القرطاجني في المنهاج، وجدنا إحساسا قويا من لدن ناقدنا بقضية الاصطلاح، يقول وهو بصدد الحديث عن ضروب التركيبات في أوزان الشعر العربي: "لا تشاح في الألفاظ كما أنه لا حرج على من عدل عما تقتضيه تلك الأسامي في المسميات إذا أراد الإفصاح عن جهات مشابهاتها لما نقلت إليها منه التسمية والتمثيل الصحيح في ذلك"( ).

وإلى الحكم نفسه خلص عند حديثه عن المطابقة بقوله: "يسمى تضاد المعنيين تكافؤا، ولا تشاح في الاصطلاح"( ).
وذكر في باب حديثه عن الأوزان أيضا: "مما بني على أربعة أركان الوزن الذي قدمت أن المحدثين هم الذين علم من أقوالهم، ولا يبعد أن يكون من وضع العرب فإنه متناسب الوضع، فيجب أن يلحق بما يستعمل من الأوزان ولنصطلح على تسميته باللاحق لهذا المعنى"6
لاحظ كيف أن حازما القرطاجني لا يقتصر على إيراد المصطلحات الدقيقة المناسبة، بل يهتم في نقده بضبطها وذلك بالنص على تسميتها بما حدده لها من معنى.

إن الاصطلاح يجب -حسب حازم القرطاجني- أن يكون محل اتفاق موجب للانقياد له عند الاستعمال، يقول في معرض بيانه مواقع المعاني من النفوس: "البصراء بهذه الصناعة، كأبي الفرج قدامة وأضرابه، قد نص جميعهم على قبح إيراد المعاني العلمية والصناعية والعبارات المصطلح عليها في جميع ذلك، ونهوا عن إيراد جميع ذلك في الشعر"7
وقد نبه على الأمر عينه في باب حديثه عن اجتلاب المعاني وتأليفها بقوله إن "المعاني التي ليس لها وجود خارج الذهن أصلا، إنما هي أمور ذهنية تقع في الكلام بتنوع طرق التأليف في المعاني والألفاظ، والتقاذف بها إلى جهات من الترتيب والإسناد، وذلك مثل أن تنسب الشيء إلى الشيء على جهة وصفه به أو الإخبار به عنه أو تقديمه عليه في الصورة المصطلح على تسميتها فعلا أو نحو ذلك"8

هذا الإلحاح على وضع اللفظ حسب المصطلح عليه، دفع حازما القرطاجني، إلى تنبيه الشعراء في كثير من أبواب كتابه على خطورة الانحراف باللفظ عن معناه المتعارف عليه، فنجده يقول لهم، على سبيل المثال، "إذا كان في اللفظة عرف في طريق من الطرق الشعرية فالواجب ألا تستعمل في مضاد ذلك الطريق"9
وقوله كذلك: "إنمـا وجب أن يستعمل في كل طريق الألفاظ المستعملة فيه عرفا لأن ما كثر استعماله في غرض ما واختص به أو صار كالمختص لا يحسن إيراده في غرض مناقض... ولأنه غير لائق به لكونه مألوفا في ضده وغير مألوف فيه"10

لقد ساقنا لهذا التمثيل، البرهنة على موقع المصطلح في نظرية حازم القرطاجني النقدية، وهو ولا شك كما يكشف عن نفسه، موقع بارز ومصيري يرتهن فهم النص به، وليس للباحث منه مهرب، من هنا يتحتم استكناه ألفاظ المنهاج ومصطلحاته القوية الدلالة على التلقي، تمهيدا للعبور نحو نقده الذي ينغلق أمامك ولاشك، قبل أن تلوذ بألفاظه ومصطلحاته، هاتكا عنها القناع، لاسيما أن لغة حازم القرطاجني – كما أكد محقق المنهاج في المدخل الذي مهد به- "مستعصية لا يمكن لمن يجهل الاصطلاحات المنطقية النفوذ إلى ما وراءها. كما لا يتسنى لمن لم يألف الاستعمالات الحكمية أن يدرك غرضه منها بسهولة، فطالما ركن القرطاجني مثل ابن سينا إلى استعمال ألفاظ فلسفية... واتخذ لنفسه مصطلحات جديدة... وربما استمد من اليونانية بعض تلك الاصطلاحات"11
بناء على ما ذكر، ألفينا الباحثين يلحون على أن يتم البدء بدراسة المصطلحات قبل كل شيء، فهذا الدكتور، إبراهيم أنيس يرى أن، "التعاسة بين بني الإنسان في هذه الدنيا تعزى أولا وقبل كل شيء إلى تباين الناس في دلالة الألفاظ واختلاف فهمهم لها، وافتقاد الأسس والمقاييس المشتركة في أذهانهم نحو تلك الدلالة"12
هذا الإحساس بقيمة المصطلحات، دفع الدكتور الشاهد البوشيخي للقول إن "دراسة المصطلحات من أوجب الواجبات وأسبقها وآكدها على كل باحث في أي فن من فنون التراث، لا يقدم – ولا ينبغي أن يقدم- عليها تاريخ ولا مقارنة، ولا حكم عام ولا موازنة، لأنها الخطوة الأولى للفهم السليم الذي عليه يبنى التقويم السليم "13

فإذا كانت دراسة المصطلحات من أوجب الواجبات عند الاقتراب من عوالم التراث بغض النظر عن خصوصياته ولغته، فما بالك بخطاب نقدي يبوئ المصطلح مكانة سامية كما هو الأمر بالنسبة لحازم القرطاجني؟ وهذا ما تفطن له الدكتور علي لغزيوي عند دراسته مناهج النقد الأدبي في الأندلس بين النظرية والتطبيق خلال القرنين السابع والثامن للهجرة، يقول "لم يفتني الوقوف عند المصطلحات النقدية الكبرى تعريفا ودراسة، في سياقها العام، باعتبار أن المصطلح هو عمدة الخطاب النقدي والبلاغي، ومفتاح النص، ولاسيما بعد أن تبين لي أن هناك وعيا كبيرا وعميقا بأهمية المصطلح عند النقاد والبلاغيين الأندلسيين"14
ويكشف لنا الباحث نفسه في معرض آخر أهمية تلك الدراسة المصطلحية عند حازم القرطاجني خاصة، بقوله إن "مصطلح حازم يتميز بخصوصيته، لكونه مرتبطا ببنية كتابه ومنهجه، مما يجعل دراسته ضرورة ملحة لفهم نظريته"15
إن المصطلح ذاته يساهم في عملية التواصل بين المتكلم والمخاطب وبين المبدع والمتلقي، لذا، يرى الدكتور مصلوح أن "المصطلح هو عقد اتفاق بين الكاتب والقارئ وشفرة مشتركة يتمكنان من إقامة اتصال بينهما لا يكتنفه غموض أو لبس، ولعل فوضى المصطلح هو الداء العضال الذي يتهدد دراسة الأدب"16

واحتلال المصطلح لهذه المنزلة السامية في فهم الخطاب النقدي، هو الذي حجب عنا التوصل إلى كثير من أحكام الأسلاف حول قضايا بارزة في النقد والبلاغة، كل ذلك بسبب سوء الفهم والسقوط في الإبهام المصطلحي، لذا، حسب الدكتور حسن طبل، "لا يزال كثير من المصطلحات النقدية في موروثنا القديم يرزح تحت ضباب كثيف من الغموض يحول دون الرؤية الواضحة لمدلوله في نظر نقادنا القدماء، الأمر الذي يمثل حجر عثرة في سبيل التفهم الحقيقي لطبيعة القضايا والمواقف النقدية التي تتردد فيها تلك المصطلحات"17

وتزداد ضرورة ضبط المصطلحات عند حازم خاصة، لأن الملاحظ حسب الدكتورة فاطمة عبد الله الوهيبي "أن كثيرا من مصطلحات حازم ثنائية مزدوجة أو مركبة، كما أن مصطلحاته النقدية إما مبتكرة أو معدلة فليس ثمة موروث بقي كما هو. والتعليل غالبا ما يأتي معمقا، ويضيف إضافاته بمزيد من التحديد للمفهوم بتعميقه وإغناء أبعاده في نسق مفهومي وشبكة علاقات مع مصطلحات أخرى"18

هذه الخصائص التي يتميز بها المصطلح الحازمي، تجعلنا نركز كثيرا على ضبطه جيدا، واعتبار ذلك المدخل الذي لا غنى عنه من أجل الغوص في أعماق الخطاب النقدي وإدراك أسراره.
ويتأكد هذا العمل بالنظر إلى خصوصية التلقي نفسه، وهو موضوع متصل بالفهم الجيد الذي من شأن غيابه أو انعدامه التشويش على عملية التلقي والإخفاق في التواصل.
بناء على هذا الحكم "كانت الحاجة ماسة إلى ضبط المصطلح النقدي في ذلك الموروث، وتحديد مدلوله تحديدا دقيقا يقوم على استقـراء النصوص والتفهـم الواعي لأنماط السياق وطبيعة المواقف التي يتردد فيها، فهذا التحديد يمثل الخطوة الأولى في دراسة النقد"19
كما أن نقد حازم الغني بالمصطلحات يتيح إمكانية خصبه لدراستها، تقول الدكتورة الوهيبي: "أما مهمة الابتكار عند حازم فتتمثل في طريقة تشغيله للمصطلحات مجتمعة متناغمة، أي تكمن في إعطاء المصطلح حيويته الوظيفية لا لينصب كمصطلح منفردا، بل ليشكل مع مجموعته أو منظومته من المصطلحات آليات فاعلة في إنتاج نظريته النقدية"20

وليس يهمنا في منهاج البلغاء وسراج الأدباء رصد مصطلحاته وألفاظه كلها، لأن ذلك لا يخدم الموضوع الذي سيركز على التلقي عند حازم القرطاجني.
وبناء عليه، فلن أحتفل في هذه الدراسة باللفظ والمصطلح عند حازم القرطاجني إلا إذا كان دالا على التلقي ومنتميا إليه.

والانطلاق من دراسة ألفاظ الخطاب النقدي ومصطلحـاته عند حازم، مسعـف لا محالة في كشف ظلال التلقي في ذلك الخطاب، حيث إن اللغة هي وسيلة النقاد والشعراء المثلى للتعبير عن أغراضهم، وهذا ما فطن له عدد مـن الباحثين، يقول الباحـث شكري المبخـوت: "إن دراسة دقيقة للمصطلح الخاص بأثر الكلام في النفس تساعد لا محالة على فهم المظهر الجمالي من المتقبل... نذكر على سبيل التمثيل.. مصطلحات من قبيل السرور والطربة والبهجة والأريحة والاستظراف والارتياح والمسرة والتعجب والروعة والشغف والروح والإيناس والبهجة. كما نجد عند حازم القرطاجني في هذا الباب الإيناس والاستجمام والاستلذاذ والتأنيس والابتهاج"21

وإذا كانت ألفاظ التلقي ومصطلحاته غزيرة في منهاج البلغاء، فإنها مع ذلك تتميز بعدة خصائص، مثل التنوع والتفاوت والكثرة والقلة.

فبعض تلك الألفاظ والمصطلحات هيمن على المصنف وتكرر وروده بشكل لافت للنظر، ينم عن إصرار الناقد على الإكثار منه لصلاته الوثيقة بالتلقي، وبعضها الآخر، وإن قل وروده أو تراوح بين الكثرة والقلة، فإن مجيئه على تلك الصيغة لم يخل من دلالات التلقي، لا سيما عند اقترانه بسياقات خاصة، أكسبته قوة الانتساب إلى موضوع البحث.
كما أن بعض تلك الألفاظ والمصطلحات يدل صراحة على التلقي باستعمال مادة لقي ومشتقاتها، وبالانتقال من المجرد نحو المزيد، وما يترتب عن ذلك من تعدد في المعاني، وتوسيع في الدلالات.
ومن هذه المادة ذات الأصل الثلاثي نجد حازما القرطاجني يتحدث عن الإلقاء والتلقي بصيغة المفرد والجمع.
وفي أحيان أخرى نرى حازما ينتقل من استعمال اللفظ أو المصطلح إلى توظيف مرادفه، أو أحد معانيه الاصطلاحية المأخوذة من المعنى اللغوي.

وفي مناسبات أخرى يجنح الناقد إلى استعمال ألفاظ ومصطلحات هي مظاهر للتلقي أو نتيجة من نتائجه.
وعموما، يكتشف قارئ نقد حازم في المنهاج، أن الرجل قد ركز على أثر الكلام أو القول في المتلقي، وجعل النفس هي المستقبل الأول لهذا الأثر، والمعبرة عن هذا الانفعال والحركة. لقد اعتبر حازم القرطاجني الكلام الجيد صادرا من نفس المبدع مرسلا لنفس المتلقي، من أجل خدمة غرض أساسي، ألا وهو إحداث الأثر في تلك النفس، ودفعها للتفاعل مع مضمون ذلك الكلام/القول والانقياد لمقتضاه.

من هنا ألفينا لفظ النفس ينتشر بشكل لافت في المنهاج، ويغطي على سائر الألفاظ والمصطلحات الأخرى.
ولا يخفى ما لهذا اللفظ من قوة انتساب لحقل التلقي، وهذا ما لاحظه بعض الدارسين المحدثين، يقول الدكتور محمد المبارك: "ألفاظ مثل النفس، النفوس التي تتردد في كتابات النقاد ذات صلة واضحة بالتلقي.. ويوحي هذا اللفظ بدلالات كثيرة ربما كانت سببا في الإلحاح عليه في مصنفاتهم، إذ إن النفس تشير إلى الإنسان ومشاعره الداخلية وأعماقه"22
إن لفظ النفس لا ينتشر في المنهاج بكثافة وحسب، بل إنه يدخل مع سائر ألفاظ التلقي ومصطلحاته التي أحصيناها في علاقات قوية، حيث يختبر دلالة اللفظ والمصطلح على التلقي من خلال صدوره عن النفس أو مدى تأثيره فيها، وإجمالا، لا يحظى اللفظ أو المصطلح بالانتماء إلى الحقل الدلالي للتلقي، إلا إذا كان من النفس أو متوجها نحوها، أو مرتبطا مع قواها بسبب.

وقد عزز إحصاء ألفاظ التلقي ومصطلحاته في المنهاج هذا الرأي، فألفاظ ومصطلحات مثل، الأثر، الألم، الإلف، البسط، الإبداع، البلاغة، الحسن، التخييل، التحريك، المحاكاة، الارتياح، الإذعان، التزين، السرور، الطبع، القبض، القبح، العذوبة، التعجيب، الافتنان، الفصاحة، الميل، الاكتراث، الكراهية، اللطافة، الهزة،...23 إلخ. كما نرى، لا يمكن أن تكون إلا أفعالا للنفس وأوصافا لها، أو ردودا منها عند التلقي فالأثر مثلا، شيء في النفس والتحريك فعل يشملها، والميل كذلك من ردود فعلها، وقس على ذلك ما سرد أعلاه من سلوكات تنتاب هذه النفس زمن استقبالها الكلام الجيد والقول الجميل.

بناء على ما سلف، وجب الانطلاق من تلك المصطلحات المفاتيح، والألفاظ الغزيرة الورود، المنتمية فعلا لحقل التلقي انتماء قويا، لا لبس فيه ولا شك يرقى إليه، و "قد أعتبر مصطلحا كل لفظ يتبين من قرائن استعماله أنه أتى به في المجال اللغوي العام ليعبر به عن معنى ما في مجال لغوي خاص"24 وأي مجال لغوي؟ إنه مجال الدراسة الأدبية حسب واقعها في منهاج البلغاء وسراج الأدباء. لكن لماذا ألفاظ التلقي ومصطلحاته؟
إن دارس مصطلحات حازم القرطاجني، سيلاحظ ولا شك أنها تتفرد بطبيعة خاصة، لأنها تجمع بين ثناياها مصطلحات تامة الاصطلاحية، ومصطلحات أخرى مرشحة للاصطلاحية التامة، وأن
هناك ألفاظا يمتنع سلكها مع المصطلحات.

وهذا ما انتبه له أحد الباحثين تصدى لإحصاء مصطلحات المنهاج ودراستها بقوله:"يمكن القول بأن طبيعة المصطلحات في المنهاج تنحو إلى الانشعاب في المناحي التالية.. مصطلحات تامة الاصطلاحية وهي كثيرة، وقد أدرك حازم أهميتها، فاعتنى بها عناية زائدة... ومصطلحات مرشحة للاصطلاحية التامة وهي بعض الألفاظ التي استعملها حازم في منهاجه وكان يطبعها التجديد أو الإضافة، ثم تطورت واتسعت دائرتها على يد العلماء اللاحقين"25.
من هنا يفضل تسميتها: "ألفاظ التلقي ومصطلحاته في المنهاج" حتى لا أجعل من لفظ ما، مصطلحا دون أن تتوافر له المؤهلات الضرورية لذلك.

وإذا جرت العادة في نظير هذه الأعمال، إحصاء المصطلحات بترتيبها "كلها ترتيبا هجائيا حسب أوائل فثواني فتوالث لأصول"26. فالمنهاج يستجيب للمنهج ذاته، مع إصرار على جعل معجم التلقي المنجز، يتوقف عند مادة "لقي" ومادة "نفس" وهما حجر زاوية هذا البحث، وعماده، حيث ينطلق منهما موضوع البحث، ويقف عندهما، وإن هو نظر أو رصد غيرهما من الألفاظ أو المصطلحات فلأجل شرحهما والتوسع في دلالاتها وسبر أغوارها. إن مدار البحث في هذا الموضوع هو التلقي، ولا يتمظهر هذا التلقي، إلا في حركة النفس وانفعالها وحركيتها، فهي في البدء مصدره وعلته ونتيجته ومآل الكلام أو القول في نهاية تلقيه عائد إليها.

فمادة – لقي- ومشتقاتها أولى بالاهتمام من غيرها، لأن فهم معانيها وحصر دلالاتها اللغوية والاصطلاحية كفيل بإزاحة النقاب عن حقيقة التلقي وماهيته، وتمهيد لما يأتي بعدها من ألفاظ ومصطلحات.

ولما كانت النفس تالية للتلقي معبرة عنه، جنح البحث لاستكناه معانيها ابتداء من تحديدها لغويا واصطلاحيا.
إن بحث التلقي ينطلق من هتين الكلمتين ويركز عليهما، نظرا لكونهما مفتاحين يستعان بهما لفك معضلات الخطاب الحازمي ودراسة أشكال التلقي ومظاهره وآثاره، فإذا تم له ذلك، غدا بوسعه ملامسة كنه هذا الخطاب النقدي وفقه أسراره.

الإحــــــــالات

1- منهاج البلغاء، 26.

2- تاريخ النقد الأدبي عند العرب للدكتور إحسان عباس، 562، دار الثقافة، بيروت، ط: 4/ 1992.

3-مناهج النقد الأدبي في الأندلس بين النظرية والتطبيق خلال القرنين السابع والثامن، 386.

4- المنهاج، 252.

5- المنهاج 48

6- نفسه،256

7-نفسه،25

8-نفسه، 15.

9-نفسه 152

10-نفسه 364

11- مدخل المنهاج لمحمد الحبيب بن الخوجة، 114.

12- دلالة الألفاظ للدكتور إبراهيم أنيس، 9-10، مكتبة الأنجلوالمصرية، ط.2/ 1963

13- مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبيين للجاحظ، للدكتور الشاهد البوشيخي، 13، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط.1/ 1402هـ- 1982م

.14- تقرير عن رسالة "مناهج النقد الأدبي في الأندلس" للدكتور علي لغزيوي،135

15- مناهج النقد الادبي في الأندلس بين النظرية والتطبيق ،388

16- مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبيين، 16.

17- الأسلوب، د. سعد مصلوح، 30، عالم الكتب القاهرة، ط. 3/1992.

18- المعنى الشعري في التراث النقدي، د. حسن طبل، 3، دار الفكر العربي، ط 3/1998.

19-نظرية المعنى عند حازم القرطاجني، للدكتورة فاطمة ع.الله الوهيبي، 259،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1/2003

20-المعنى الشعري، 3.

21- نظرية المعنى، 259.

22-جمالية الألفة ،40

23-استقبال النص عند العرب ،33

24-أنظر المنهاج ،11،19 ،23 ،24، 25،26 ،28،30،31،39 ،41 ،42 ،61 ،85 ،86 ،90 ،118
.
25-مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين ،16 .

26-المصطلحات النقدية في كتاب منهاج البلغاء وسراج الادباء لأبي الحسن حازم القرطاجني ،لأحمد الادريسي ،25 ،26 ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ،كلية الاداب ،ظهر المهراز ،فاس،91/1992 .

27-مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان ،19.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى