الأربعاء ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم ياسر أنور

ورقة فى بريد المتنبي

شاخـص صـوبَ ذاتـه يتنـبـا
لاهثُ الصمت قـد دعـوه فلبّـى
فى صهيل الغيم الخطـى تتشهـى
فى اشتباك الخطوط واللون دربـا
ليـس عرّافًـا صائـدًا للعـذارى
لـم يـرِدْ عنـه أنـه كـان خِبّـا
خارجٌ مـن فـم الحبيبـة ملحًـا
داخـلٌ فـى دم القصيـدة عذبـا
حامـلٌ فـى الضلـوع وردةَ نـارٍ
استحالـت خريطـةً ثــم قلـبـا
نصله فى حشـاه يمطـر شعـرًا
يقتفى خطوه إلـى الضـوء وثبـا
طائر فى الزحـام عـاش غريبًـا
ومن الصمت يلقـط الشعـر حَبّـا
اشتعـال الجـوابِ جـذوةُ حُـب
وانفجـار السـؤال كـان أحـبـا
أخطبـوط الحيـاة يدنـو سريعًـا
أين شـط النجـاة؟ أيـن يخُبّـا؟
كِلْمة السر لم تعـد تفتـح البـاب
الزمـان الطـريّ أصبـح صُلبـا
قرشـيٌ ولسـت عنـه غريـبًـا
إن بينـى وبينـه الشعـر قربـى
يا ابن أم اللغـات صرنـا يتامـى
يا جيـاد الشعـر انفلتُّـن غَربـا
عندمـا زرتـه بخيمـتـه فــي
ليلـة العيـد كـان ينـزف حُبّـا
والكمـان الشجـىُّ فـى رئتـيـه
ارتجل العزف كان فى العزف قُطبّا
سانـدًا رأسـه إلــى راحتـيـه
فـوق أرجوحـة الشـرود أكبّـا
ثَمّ فى ركن الفَرش مدفـأة رشّـت
أمامي ستائـر الصمـت غضبـى
أدفـأت لحيـةَ المسـاء رؤاهــا
حين أخفَت تحـت الخمـار الجيبـا
زيتها الزيتـون المقطـر عصـرًا
ليس عصرًا كعصرنا شاب خضبـا
وعصافير الشعر طـارت شظايـا
من فم المستهـام سربًـا فسربـا
لم يعرنـى أى انتبـاه فقـد كـان
يجـوب الجـراح يبغـى المصبـا
لـذتُ بالصمـتِ واستمعـت إلـى
الجرح فيا ليتنـى عرفـت الطبـا
جئت أشكو إليه مما اشتكـى، يـا
أيها الصَب هـل تـداوى الصبّـا؟
فجأة قـال لـى تفضـل فأبحرنـا
معًـا فـى الكـلام شّـدًا وجذبـا
يـا أبـي جئـت مثقـلاً بذنوبـي
فى زمانٍ أمسى به الشعـر ذنبـا
جئتُ لا حرف فى الشفـاه يغنـي
هاربًا جئـت مـا أطقـت الجدبـا
كسر القوم جَـرّة الشعـر حتـى
لم نجد فى البـلاد شيئًـا خصبـا
أبدلونـا بهـا زجاجـات مـلـح
عسكروا المكتبـات كـى تستَتِبّـا
حاصروا الشِّعب من ثمانين عامًـا
هجـر الصابئـون? هـذا الشِّعبـا
لا نرى فـى شيـوخ أحرفـه إلا
رفاتًـا علـى الـتـراب وشيـبـا
صبغة الشعِّر فى القصيدة تخفـى
أى صيـد علـى العجـوز تأَبّـى
شطبونا من دفتـر الشعـر حتـى
حامل الطاعون اشتهى النثر شطبا
والفقاقيع تمسك السـوط تمشـى
بيننـا تجلـد القصائـد ضـربـا
احتكمنـا فكـان قاضـى قضاتـى
من حوارىّ الشعـر كـان الذئبـا
استحالـت أوقاتنـا كـوم قــشٍ
ورماحًـا مـن الضجيـج وسبّـا
فى رحى التيه نحن يا سيدى ندمن
أن نقـتـل القصـائـد صـلـبـا
وطن الأجـداد استحـال خيوطًـا
عنكبوتـيـة تجـيـد الشجْـبـا
سيفـك النـاريّ المعبـأ جـمـرًا
يأكل الثلج فـى "الرصَافـة" رُعبـا
يركع الآن فـى معابدهـم يخلـع
ماضيـه كـل شــىء يُسـبـى
مـدن الشـرق يرتميـن عـلـى
أرصفة الغرب قد غدا الشرق غربا
بعـن أجسادهـن للـروم كــي
يصبغن لون الأثير ما صرن عُربـا
المساحيق فـى مسلسـلِ يومـى
فى طوابير الشمـع شكـلا ولُبّـا
أتـحـداك إن عـرفـت ديــارًا
كنت تأتيهـا فـى المواسـم غِِبّـا
ملصقـات علـى الجـدار تصلـي
تشتهـى تمثـال الخواجـة ربـا
تهمتي فـى السجـل أن انتمائـي
بـدوىٌّ، يُـعـد ذلــك عيـبـا
أنت فوق السطوح تسكـن جنبـى
لم يبيحوا أن يسأل الجنـب جنبـا
كنت تخشى من خلف ظهرك رومًا
عبّت الـروم مـن حفيـدك عبـا
ندفـع الجزيـة التـى دفعـوهـا
وأَعَدْنا مـا كـان منهـم يجبـى
نفطنـا مـن ثـدي البـلاد تدلـى
والفرنـج استحلـت النفـط حَلْبـا
تَمْرُك البكـر و"العلـوج" ضيـوف
يتعـرى فيصبـح الضيـف كلبـا
لم يَعُـدْ بِكـرًا والوسائـد حبلـى
من سفاحٍ تضاجع الـروم غصبـا
ليـس للسامـريّ ِظـلٌ فأمسـى
ظلـه حائطـي شريكًـا وِتـرْبـا
ودخلنـا وراءهـم كـل جـحـر
إننى قـد رأيـت بالجحـر ضَبّـا
* * *
لم يصدقني.. حملق الجـد حتـى
أمسكـت مقلتـاه بالثـوب نشبـا
قـال لـي كـاذبٌ فقلـت معـاذًا
إن شعرى دمـى أيسفـك كِذْبـا؟
قال مأجور قلـت هـاك القوافـي
أيهـا الصْيرَفـيّ يـا مـن تَنَبّـا
قال أيـن الرجـال؟ قلـت خيـوط
ودُمَـى تحسـب الزعامـة حزبـا
قال أين الشيوخ؟ قلـت سكـارى
إنهـم خلفـى يشربـون النخبـا
والنواطيـر مُـذْ رحَلْـتَ نـيـام
فتمـادى اللصـوص فينـا نهبـا
والعصا لـم تعـد "لكافـور" لكـن
للذي يعصـى أن يخـون الشعبـا
ليس فى الصندوق الزجاجي صوتي
قلت "لاءيـن" فاستحـق الشطبـا
إننـى آخِـر الصفـوف لأنــي
قلـت شعـرًا ولا أجيـد اللعْـبـا
إننـى آخـر الصفـوف لأنــي
عشـت حـرًا ولـم أقُبّـل كعبـا
أول النـاس آخـر حيـن يـأبـى
آخـر النـاس أول حيـن لـبّـى
- والرؤى أيـن أهلهـا وذووهـا
والنفوس التـى تفـض الحُجْبـا؟
أيهـا الجـد لا تسلنـى رؤانــا
هل رأى صاحب القميـص الذئبـا؟
قَصَّ من قَـصَّ والأزقـة تحكـى
لـم يـزل دلـوه يناجـى الجُبّـا
إخوة العـذر لـم يتوبـوا ولكـن
بدلـوا بالثـوب الملطـخ ثـوبـا
هـل يظـل المصفقـون نيامـا؟
فالرؤى تشتكى من النـوم نضبـا
العجـول السمـان يأكلـن لحمـا
والسنون العجاف يمطـرن كربـا
لم يطلّق قـوم "العزيـز" "زليخـا"
آثـروا حكمـة التعامـل سلـبـا
- ليس عن هذا يا حبيب سؤالـي
فالـرؤى ليسـت للمناديـل هدبـا
يا حفيدى الصغيـر أنـت طـرِىٌّ
فاسترح قبـل أن تواصـل نحبـا
إن هـذا السـؤال جـد يسـيـر
فلمـاذا جعلتـم السهـل صعبـا؟
ولـمـاذا تضيـقـون وجــودًا
نحن عشناه عندمـا كـان رحبـا؟
إنها الحـرب والحـروب سجـالٌ
فلمـاذا نواجـه الحـرب شجبـا؟
اخسر اليوم بعض شـيء ولكـن
"لا تصـالـح" إذا أردت الكسـبـا
لـم تعـد حيـة التألـق تسعـى
والعصا والتابـوت يسْكـنّ غيبـا
إن لطـم الخـدود يصنـع ثكلـى
ليس لطم الخـدود يصنـع شعبـا
وقطـار الكـلام يمضـي بطيئًـا
فمتـى تلحقـون هـذا الركـبـا؟
ألف وجه لـدى أبـى لهـب مـا
كان أغنى فـلا تسـل كيـف تبّـا
قلْبُـه خلـف بابـه حيـن يخلـو
قلـب فـأر، إن دق يقفـز رعبـا
وإذا كـان فـى النسـاء تهـادى
ينفخ الزهو يصبـح الزهـو دُبّـا
الجمـادات فـى عـروق دماكـم
لـم تـدع فيكـم للبساطـة ثقبـا
خَشَـبٌ هـذه الوجـوه وموتَـى
وقمـاش مـن الـبـلادة دَبّــا
صاحبى السيف والمداد ورمحـي
وجوادي، ما خنت يومًـا صحبـا
هـذه إصبعـي تأمـل مسـامـي
هاهنا شعري ما انطفا منـذ شبـا
هـذه صورتـي تـأمـل تـأمـل
كنت طفلاً ما زلت أهـوى الشغبـا
قلتُ زدني فقـد أجبـت سؤالـي
إننـى الآن قـد عرفـت الـدربـا
قـال لـي أيهـا الحفيـد توضـأ
بدمي لم يزل على الرمـل رطبـا
طاهرٌ شعـري مـا تلـوث يومًـا
فتوضـأ مـن الأصالـة صـبّـا
لم أبع شعري فاشتريـت خلـودي
كلمـا شابـت الليـالـي شـبـا
والحـروف التـي تمـوت غبـاءً
عاش أهلوها فى المحافـل أغبـى
سابقوا المـوت لاقتنـاص حيـاة
فاستراح الموت اشتراهـم زُغبـا
أمطِر البرق مـن شفاهـك حتـى
تنبت الأرض من قصيـدك عشبـا
هـؤلاء الذيـن أخبـرت عنـهـم
كنستهـم ريـح الأصالـة هَـبّـا
انزع الـدرع مـن ردائـك حتـى
يفـرغ الشعـر للثعالـب حـربـا
إنـه الشعـر لا سـواه سيحيـى
موت مـن ماتـوا قالبًـا أو قلبـا
إنـه الشعـر لا سـواه يـفـدّى
خنْتَـه إن تمـتْ ومـا مـت ذَبّـا
أذنب المذنبون فى الشعـر عجـزًا
ومـن العـار إن غفـرت الذنبـا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى