الأربعاء ١٤ آذار (مارس) ٢٠٠٧
"أبو العبد الزرعيني" صاحب أقدم كشك للكتب في إربد الأردنية:
بقلم مهند عدنان صلاحات

"أنا أفشل بائع كتب وجرائد في العالم"

كواحدْ من طقوس المدينة، معالمها، يفتتح ذلك الرجل السبعيني كل يوم، صباحات مدينة إربد الأردنية، مضيفاً عليها طقساً جديداً مفعماً بالثقافة الورقية، يبحث في زوايا المدينة عن مكان يتسع لكتبه، يقيها مطر الشتاء، أو حرارة شمس الصيف، يحمل صحيفة، ويجلس قربها، ليبدأ يومه.

غير مبالْ بالتطورات التي طرأت على المدينة، وملامحها التقنية والعمرانية، ولا بتطورات الحداثة، بعكس ابنه حسين الذي يفتح كل صباح الكشك الذي يقع في وسط مدينة إربد، والذي بدأت تظهر عليه بعض ملامح الحداثة، فأدخل مبيعات جديدة مثل اسطوانات الكمبيوتر، ومجلات الستالايت.

بمناكفة يومية بين الأب والابن يبدأ اليوم، حيث يأتي أبو العبد ليأخذ الكتب والمجلات والصحف ويمضي بها في شوارع المدنية باحثاً عن القراء الذين بدأت التكنولوجيا والإنترنت والعولمة تغيبهم عن وسائل الثقافة الورقية، بينما يجلس ابنه حسين يشرب قهوته قرب برج الساعة التي تحيطها الزهور، ليستقبل زبائنه القادمين ليبحثوا لديه عن المستجدات الحديثة من سياسية وثقافية وفنية في الصحف، وكذلك للبحث عن معرفة جديدة.

يروي أحمد الزرعيني (أبو العبد) تفاصيل رحلته مع الكتب والتي بدأت منذ العام 1953، وحتى اليوم، ليبدأها بسيرة حياته التي يعتبرها جزءاً من سيرة المدينة، حيث بدأ كبائع متجول للكتب والجرائد والمجلات منذ طفولته، فبعد هجرة 1948 من فلسطين إلى الأردن: يقول أبو العبد: فكرت بدخول مدرسة، إلا أن الشاغل الأكبر في ذلك الوقت كان الهم المعيشي، فوقف عائقاً أمام دخولي المدرسة، فعملت بائعاً متجولاً للكتب على الرصيف. تعلمت القراءة والكتابة بواسطة والدي الذي علمني إياها بواسطة قراءة القرآن الكريم، وكذلك تدريسي الكتب المدرسية التي كانت مقررة في ذلك الوقت في البيت، وطورت موهبتي وثقافتي من خلال القراءة اليومية للكتب والجرائد، إلا أن استطعت فتح بسطة كتب ومجلات وجرائد خاصة بي، تطورت فيما بعد لتصبح كشكاً في العام 1979.

ويتابع أبو العبد قصته، مزهواً بحكايته مع الكتاب، وابتسامة ظاهرة على شفتيه: بدأت أسافر إلى القدس ودمشق، وأحياناً أبحث على البسطات وفي المكتبات القديمة في عمّان ونابلس لاشتري منها الكتب القديمة التي تحتوي المضمون الأدبي والثقافي.

ويضع مفارقات بين قارئ اليوم والأمس، فيعتبر أبو العبد أن الجيل القديم من القراء كان يميل إلى الكتاب الكلاسيكي والتراثي الأدبي أكثر، أما قارئ اليوم فقد اتخذ شعار "القراءة للمتعة وقضاء الوقت"، أو لكي يكون الكتاب مساعداً له على النوم، أما قارئ الأمس فكان يقرأ لأجل المعرفة.

ويشير أبو العبد إلى أن الإقبال في السابق كان ينصب على مؤلفين من أمثال: محمود تيمور، محمد حسين هيكل، توفيق الحكيم، يوسف السباعي، نجيب محفوظ، غالب هلسا، ومن الأجانب تشارلز ديكنز، فكتور هوغو، وأجاثا كريستي.

كنت أؤجر الجريدة بخمسة فلوس

ويستذكر الحاج أبو العبد ذكرياته مع الكتب، وأيامه السابقة مع الكتاب، وهو يضحك: كنت أفشل بائع كتب وجرائد في البلد لأنني كنت أمسك الجريدة أو الكتاب صباحاً وأجلس في زاوية لأقرأها كاملة: فأكتشف أن النهار قد مضى وأنا أقرأ ولم أبع شيئاً، وكان صقر السعيد (معلمي الأول) يؤنبني على ذلك، كما أني كنت أؤجر الجريدة بـ "تعريفة" وأعود آخر النهار لأكويها عند المكوجي وأعيدها على أنها لم تبع.

ويضيف حول الصحف القديمة التي كانت تباع في الأردن، ليذكر منها: أهم الصحف في ذلك الوقت كانت الدفاع، المنار، فلسطين، الجهاد، النسر، الأردن و مجلة الميثاق.

أهم رواد الكشك

وكعادة هذه الأكشاك التي تحافظ على أصالتها لارتباطها بأصالة المكان، في الأسواق الشعبية، يذكر أبو العبد أن رواد الكشك كانوا ولا يزالون من جميع الطبقات الاجتماعية دون استثناء، إلا أن الغالبية كانت ولا تزال من طبقة فقراء المدينة، تلك الطبقة المسحوقة من العمال الذين يجلسون قرب الكشك كل يوم ينتظرون فرصة عمل، هم أهم رواد الكشك.

ويفسر ذلك أبو العبد بأن هؤلاء الذين يعانون من التعب اليومي، وصعوبات العيش، يجدون بالقراءة مهرباً من مشاكلهم، وهمومهم، وخاصة الأدب الذي يحملهم لعالم التأمل، وعالم الأحلام، والأمنيات، وينفسون عن همومهم بالقراءة وعالمها، وينسجون في مخيلاتهم عوالم أخرى، ويبحثون في الأدب عن شخصيات تشبههم، وذكر مثالاً على ذلك رواية "اللامنتمي" لكولن ويلسون التي كان الكثيرون من هؤلاء يجدون في شخصية الرواية مرآة يرون وجوههم فيها.

ومن شخوص مدينة إربد البارزين الذين كانوا من رواد الكتب، ولا يزال جزء منهم من رواده، من شعراء وأدباء، وباحثين، فيستذكر منهم: د. شحادة الناطور، سليمان الأزرعي، نايف أبو عبيد، هاشم غرايبة، فضيل التل، عبد الرؤوف التل، نمر حجاب، المرحوم حسن التل، حسان أبو غنيمة، حسن ناجي، وصهيب التل.

ومن السياسيين: المرحوم بهجت التلهوني، عبد الرؤوف الروابدة، عبد الرزاق طبيشات، حسن المومني "وزير الصحة الأسبق"، حسين الضمور، شفيق إرشيدات، جودت السعد، محمود عبيدات.
أزمة الكاتب الأردني والكتاب برسم البيع.

ويؤكد ابن أبو العبد الزرعيني (حسين 37) سنة، والذي يدير الكشك منذ أكثر من ستة عشر عاماً، وهو يسكب القهوة "السادة" التي أصبحت هي الأخرى جزءا من طقوس الكشك، أن العمل في هذه المهنة أصبح متعباً بسبب مزاجية المشتري، وصعوبة التعامل معه في بعض الأحيان.

ويتحدث عن أزمة الكاتب الأردني، حيث يومياً هنالك كتب جديدة، معظمها لكتّاب مغمورين. والذي بدأ يظهر وينشر نتاجه عبر الاستفادة مما تقدمه وزارة الثقافة، وأمانة عمّان الكبرى، والمؤسسات الثقافية من دعم للكاتب المغمور، وبعد الطباعة يضطر لأن يعرض كتابه على الأكشاك والمكتبات لتعرضه برسم البيع.

غلاء الكتب جعل الكتاب للنخبة

ويبين حسين أن الكتاب الثقافي اليوم صار للقراء النخب، بسبب الغلاء الذي طرأ عليه، وهذا ما أوصل القراء من طبقة الفقراء يلجأون للحصول على الكتاب الثقافي ولو بطريق الإعارة، أو شراء الكتب المستخدمة أو القديمة والتي تباع بسعر أقل.

وفي الوقت الذي يرى فيه أصحاب مكتبات في إربد ومدن أخرى أن الإقبال على الكتاب الأدبي والعلمي تحول إلى الكتب الدينية والغيبيات، والمجلات الفنية، ومجلات الستالايت، يرى حسين بعكس ما يرى والده وكذلك الآخرون من أصحاب المكتبات والأكشاك الأخرى، فيقول: أنه لم يطرأ أي تغير على الكتاب المطلوب، فظل الكتاب الأدبي والثقافي والعلمي يتصدر أعلى المبيعات، وظلّ كتّاب مثل غالب هلسة، مؤنس الرزاز، تيسير السبول، إبراهيم نصر الله، يوسف غيشان، محمد طمليه، وآخرون يتصدرون أعلى مبيعات لكتّاب أردنيين.

بينما أصبح الكتاب الأكاديمي ثم الأدبي بكل أنواعه سواء السردي أو النقدي أو الشعري، يليه العلمي، يحتل أعلى مبيعات، وهنالك إقبال ما على الكتاب الأجنبي الذي له رواده أيضا، ليس مثل الكتاب العربي، إنما هنالك نسبة حقيقية من قرائه، وهذه النسبة مهما كانت، كافية لأن تدلل على أن الكتاب لم يزل يحتل مكاناً لدى الناس بغض النظر عن لغته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى