الثلاثاء ٢٧ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم صباح الشرقي

اللباس العربي الحديث ومخلفات الانفتاح والفكر الاستعماري عليه

أصبحت المجتمعات العربية أكثر انفتاحا على العالم، إلا أن تقليد اللباس أصبح يتضح جليا وسط بلداننا خصوصا في زمن تحكمه العولمة التي اخترقته بقوة سواء في مجال الاقتصاد أو السياسة أو الفكر أو الثقافة أو القيم. وجعلت منه مجتمعات تواكب التحولات الجذرية التي طغت عليه وترعرعت لتصبح وحشا كاسرا يلتهم ما حوله من عادات وتقاليد، إذ أصبحت أغلبية شرائحه تساير هذا الغزو بدون تفكير أو اهتداء إلى العواقب الذي استشرت بسرعة، وبدأنا نعاني منها انطلاقا من أفراد أسرنا حتى الشارع، لنجد في الأخير أنفسنا نصارع تناقضات جذرية ألقت بأجيالنا إلي حضيض الأرض الدنيئة

أصبحت المجتمعات العربية أكثر انفتاحا على العالم، إلا أن تقليد اللباس أصبح يتضح جليا وسط بلداننا خصوصا في زمن تحكمه العولمة التي اخترقته بقوة سواء في مجال الاقتصاد أو السياسة أو الفكر أو الثقافة أو القيم. وجعلت منه مجتمعات تواكب التحولات الجذرية التي طغت عليه وترعرعت لتصبح وحشا كاسرا يلتهم ما حوله من عادات وتقاليد، إذ أصبحت أغلبية شرائحه تساير هذا الغزو بدون تفكير أو اهتداء إلى العواقب الذي استشرت بسرعة، وبدأنا نعاني منها انطلاقا من أفراد أسرنا حتى الشارع، لنجد في الأخير أنفسنا نصارع تناقضات جذرية ألقت بأجيالنا إلي حضيض الأرض الدنيئة.

اللباس حق وحرية شخصية لا غبار عليها، إلا أن النوع الغير لائق والغير محتشم بعيد كل البعد عن التقاليد والأعراف الإسلامية، من هذا المنطلق نقول أن فكرة فاصلة تكونت بين اللباس الصحيح والآخر الذي ترسبت وساوس تقليده إلى ذهن الشباب العربي حتى أصبح لا يتمتع إلا معه ولا يرتاح إلا به، وفرض بل روض عيون الولاة وأولياء الأمور أن ترى الأشياء والأجيال في حاضرها لا في غذها ولم يعد بإمكانهم قراءة صحيحة لمستقبل النسل من خلال سطور الحاضر.

نأخذ كمثال بلدي المغرب، الذي يعتبر فيه اللباس الغير محتشم مخلفات حقبة الاستعمار الفرنسي الذي اجتاح أراضيه، سعى ولا زال يحث بكافة الوسائل والطرق الشباب المغربي للانسلاخ عن دينه وهويته، من هنا تحول الأمر إلى قضية رأي عام احتدم حولها النقاش ليصل إلى قبة البرلمان،( للمزيد من التوضيح، توجد مذكرات إدارية رسمية أكل عليها الدهر وشرب منذ 1956 حددت نوع اللباس في المدارس والمطارات ومؤسسات الأمن، و الجيش، والحرس... الخ)، لكن حين يحتدم الخلاف وينقسم إلى رأيين يتحتم على المسئولين في الحكم أن يتحركوا بجدية من اجل العمل للخروج بقرار يجمع الرأيين المختلفين إذ لا يليق بمجتمع عربيي مسلم عريق أن يحكم بخطأ غيره، روى الإمام الدارمي في باب التو رغ عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ما رواه بسنده عن المسيب بن رافع قال " كانوا إذا نزلت بهم قضية اجتمعوا لها واجمعوا، فالحق فيما رأوا فالحق فيما رأوا " ، كذلك ما رواه بسنده عن أبي سلمة أن النبي " ص " سئل عن أمر يحدث ليس فيه كتاب فقال " ينظر فيه العابدون من المؤمنين ".

نجد الظاهرة استشرت على أكثر من دولة عربية ولا زال الجدل حول الموضوع بدون الوصول لنتيجة ايجابية، لأن المسئولين لهم اهتمامات أخرى لها الأولوية حسب اعتقادهم غير آبهين أو متفرغين لمثل هذه الأمور الثانوية إلى أن الاهتمام لأي مشكل صغير كان أم كبير يتعلق بالمجتمع ليست صدقة من احد.

إذا قمنا بجولة في أي شارع أو مركز تجاري في أي بلد عربي سوف نلاحظ ثورة الملابس المثيرة خصوصا الداخلية منها و الذي لا يتردد بائعوها من عرضها بشكل غريب ومثيرسواء على مجسمات أو على واجهة المتاجر مزينة بدقة بالمصوغات والأضواء المختلفة تجعل الذهن والخيال يجمح عند رؤيتها ويركع لاقتنائها ولو أفرغ حقيبة نقوده في ذلك بدون شعور. إن ما جعل اللباس الداخلي لامرأة ينتشر هو الغزو الصيني للأسواق العربية عموما والسوق المغربية خصوصا حيت صرح الوزير الأول المغربي إدريس جطو أن عدد الصادرات لهذا البلد ناهز 400% منذ بداية القرن الحالي، إذ بلغ رقم المعاملات إلى أكثر من مليار دولا سنويا هذا ما جعل بضاعتهم تتواجد في أي مكان وبثمن زهيد انطلاقا من 0.5 إلى 100 دولار.

يجب أن لا ننسى أن العالم العربي لا زال محافظا تقليديا متشبثا بلباسه التقليدي كالقفطان في المغرب ذلك الزى الأنيق بمظهره اللائق وزواجه المتميز بالأصالة والمعاصرة، والذي أصبح يتصدر عروض الأزياء عالميا. تلبسه المغربيات والشرقيات، الغربيات والأمريكيات، لا يوازيه لباس آخر لفخامته وإبداع يد الصانع المغربي الذي ارتقى به لقمة زمن الجمال والنخوة العربية الرفيعة، إلا أن وفرة الأزياء على ألوانها وأنواعها من فرنسا، الهند، الجزائر، السعودية، مصر، ايطاليا أسبانيا، الصين الشام، اليابان، تركيا ألمانيا بل من كل بلدان المعمور، طغت على الاختيار والطلب . إن المثير للاستغراب هو اهتمام الباعة وتركيزهم على الملابس الداخلية للنساء كأنها رسالة انتصار على زمن كان فيه الخجل يضرب طوقه حتى على النساء حين كن ينشرن تلك الملابس على أسطح منازلهن.

 انتقينا بعض آراء أصحاب المحلات التجارية حول نوعية الألبسة الأكثر رواجا وطلبا، كانت جل الإجابات على أكثر المبيعات هي سراويل الجينز الطويلة والقصيرة، وجل التصاميم العالمية المعاصرة، خصوصا تلك التي لها إيحاءات جنسية أو إثارة مكتنزة بالمقاسات المفضلة عند الشاب أو الرجل العربي. كذلك من يرغب في الملابس المحتشمة فهي موجودة بوفرة، لكن الغبار التصق بها بسبب ضعف الطلب عليها، و لو أنها أصبحت كذلك تنساق وراء الموضة.

 لنتعرف على آراء الشارع العام وما يفضله الشباب المغربي من لباس، جلها التصريحات متذمرة من نوع اللباس التي تظهر به الفتاة العربية والمغربية خصوصا كتلك الأزياء المتحررة التي طغى عليها هوس التقليد والتشبه بالزى الغربي حتى تلك الفتاة التي تحسب نفسها محتجبة بغطاء الرأس ترتدي جينز أو سروال ضيق أو زى مثير غالبا يكشف إردافها وافخادها.

 رأي الإناث مغاير تماما، صرحن أنهن يجدن أنفسهن في الموضة الرائجة حاليا التي تتوفر على أناقة وقوام جميل، لأن العالم أصبح كعلبة كبريت فرض عليهن مواكبة تقدمه المتحضر الذي ينظر للشخص من خلال لباسه ليعرف من يكون.

 رأي مصممات الأزياء، المرآة العربية تعشق الجمال والعطور والإكسسوارات وكل ماله علاقة بمظهرها وأنوثتها ودلالها، إذ هي لا تبخل على نفسها بوضع اللمسات الرقيقة الأنيقة التي تكتشف من لبسها. أما بخصوص الملابس الداخلية فهي ضرورية في حياتها لأنها هي التي تدخل السعادة والبهجة على علاقتها الزوجية الحميمة.

 رأي أصحاب الاختصاص التربويين: يجب أن تعلم النسل مند صغرهم كيفية التفكير الصحيح، لأن ذلك مبدأ لا يقبل الجدل وانه واجب أن يأخذوا حقهم في المعرفة والتمييز الذي يساعدهم في تحمل أعباء واجبا تهم، يتمتعوا بما لهم من حقوق ويبتعدوا عن التطرف سواء في اللباس أو التفكير وذلك بربط جسور صلبه للحوار بين أولياء الأمور وأطفالهم حتى يتجنبوا البحث عن الأجوبة من الشارع التي تختلف عن غيرها في التفكير والنظر، وغالبا تكون غير صحيحة تجرهم إلى الهلاك كما هو حال شباب اليوم.
 رأي علماء الدين أو الفقه: حسب علماء السنة لا يوجد أي نص قرآني ولا نص من السنة يفرض على المرآة لباس موحد أو محدد، معيار اللباس الشرعي بالنسبة للرجل أو الأنثى يوجب أن لا يكون يشف أو يضف. عن رسول الله " ص « ( يا أسماء إذا بلغت المرآة المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا... أشار إلى وجهه وكفيه )، أما الملابس السوداء أو الزرقاء أو البيضاء التي تلفها المرآة حول وجوههن و أجسادهن فذلك اختيار شخصي، هناك النهي عن التعري وعن كشف إطراف الجسد، وإسبال الثياب، وعن جرها خيلاء، وعن تشبه النساء بالرجال من خلال لباسهم، وليس القصير والرقيق والضيق من الثياب، والنهي كذلك عن التشبه بلباس الكافرات

من هذا المنطلق أصبحت علاقة السلطة والشعب بعضها البعض من حيث التكوين والاختصاص وإقرار حقوق وواجبات الأفراد نحو أنفسهم وعقيدتهم ووطنهم وتنظيم حياتهم بنتظيم علاقتهم بمجتمعاتهم وقيمعا وأخلاقها، إذ تضمنت الشريعة الإسلامية تنظيمات وأحكام شملت هذا الفرع من أفرع القانون، حيث النبي محمد "ص" بعد هجرته إلى المدينة المنورة بدأ في تكوين مجتمع إسلامي وبدأت بالتالي التشريعات اللاهية توحى إليه،و كان لزاما تأسيس دولة إسلامية تحكم بقانون القرآن الكريم، من هنا تولى شؤونها رسول الله "ص" إذ بلغ الناس ما نزل عليه من ربه ودعاهم وهداهم إلى سبيل الرشاد ولم يشأ القرآن الكريم ولا السنة النبوية أن تنظم الحكم تنظيما دستوريا معينا وإنما اكتفيا بوضع المبادئ العامة والقواعد الإجمالية التي يجب أن تكون الأساس الذي يلتزم الناس به على مر العصور والأيام وتركا طريقة اختيار الحاكم وتعيين الولاة في كل ما يتعلق بتسيير أمور الدولة وفق ما يلائم أحوال المسلمين ويتسق مع ظروفهم وأوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية حسب الزمان والمكان شريطة اتفاقها مع مبادئ الإسلام وروحه. هذا الدين كفل الحقوق والحريات، من حرية الفكر والعقيدة والرأي بقوله تعالى" لا إكراه في الدين" كذلك يقول " لكم دينكم ولي دين " ويقول رسول الله "ص" " فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر ".
لكن تلك الحريات في الإسلام لا تعني نشر الأهواء والضلالة والبدع ولا تعرية العرض وما غير ذلك، فإذا تعدت تلك الحدود فإنها تصبح اعتداء يتعين وقفه وتقيده مثل الحالة الآن، كما كفل الإسلام للأفراد حق الأمن على النفس والعرض ومن ثم كانت التشريعات في حدود القصاص والتعزيز.

إن ما وصل إليه حال امتنا الإسلامية من أضرار جسيمة وممتدة بصدد هذا اللباس الغير محتشم من بؤس يحدق بنسلنا وشقاء يخيم على أفكاره، وخوف يشمل طموحه، و معاناة مريرة تمزق النفس والأفئدة، وقيم هدمت كأنها أطلال، وأخلاق دكت كأنها آثار، ومستقبل ضائع يصرخ بكل قواه، ومجتمعات لبست السواد كأنها في حداد، كفى... حان الأوان لنشر وتفعيل الوعي وتحببيه للناس في الحق والخير والفضيلة والجمال، بالدعوة إلى الهدى وحذر الدعوة إلى الضلالة في أسلوب سهل مرن وواضح، والأمل يعترينا بأن تتأثر بهذه الدعوة أجيالنا تأثرا عظيما إلى درجة تحول مساره وتغير وجهته للقفز عن عصر الرقيق والاستبداد و الفوضى إلى عصر الحرية الصحيحة وعصر الاستقرار والإصلاح والفلاح.

الدعوة لا تقتصر على الشباب فحسب، بل حتى على الكبار و أولياء الأمور والولاة والآباء.. وان يعدوا لذلك جيدا فينموا في نسلهم اتجاهاته إلى الخير ويعدلوا ما يبدو من توجهاته إلى الضرر بالنفس والمجتمع، فتلك حلقة من حلقات التربية والتنوير، للأسف أهملت في وقتنا حتى انطلقن شرارتها من منازلنا ومدارسنا ومعاهدنا.

يا امة محمد، يا خير امة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، بادروا بالدعوة إلى الهدي باذلين في سبيلها الجهد والوقت والمال والنفس، محطمين القيود التي تعيقكم عن أداء أسمى رسالة في الوجود حتى تحققوا للبشرية أحلى أمانيها، وبذلك تنالون أعلى درجات الدعاة ويحق عليكم قوله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...) كذلك حتى تفوزوا بجزاء الرسول الأعظم ( لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت).

اعتقد أننا لسنا بحاجة إلى وصف ما يكون عليه حال امتنا ومجتمعاتها التي يشيع فيها دعاة الخير ويختفي منها دعاة الضلالة.
نفع الله به الرسوله، ووفقنا إلى إتباعه، وما التوفيق إلا من عند الله وان الله عزيز حكيl
26/3/2007


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى