الجمعة ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

خصائص القصة القصيرة جدا في " مظلة في قبر" لمصطفى لغتيري

إذا كان عز الدين الماعزي في مجموعته القصصية القصيرة جدا طفوليا في رؤيته إلى الإنسان و العالم والإبداع ، وحسن برطال كاتبا واقعيا شعبيا، وعبد الله المتقي مبدعا ماجنا، فإن مصطفى لغتيري كان في مجموعته القصصية" مظلة في قبر" كاتبا مثقفا ذهنيا موغلا في الرمزية والتجريد يصعب اقتناص معاني قصصه القصيرة جدا بسهولة وليونة، بل لابد من استخدام الجهد المنطقي والعقلي واستقطار الذاكرة الثقافية والذهنية المرجعية للإحاطة بعالم الكاتب المتميز مصطفى لغتيري الذي ينغلق بابه الفني أمام كل قارئ تعود على النصوص المباشرة السهلة التي توضح نفسها بنفسها.

هذا، وقد كان مصطفى لغتيري في مجموعته القصصية يرسم مضامين إنسانية واقعية وذهنية بطريقة فنية موحية حبلى بالإحالات التناصية والمستنسخات النصية مع تشفيرها بلغة انزياحية تجعل نصوصه القصصية دائما مفتوحة في حاجة إلى قراءات تأويلية وسياقية تختلف من قارئ إلى آخر حسب تموضعاته الظرفية والحالية. إذاً، ماهي خصائص "مظلة في قبر" لمصطفى لغتيري صياغة ودلالة ومقصدية؟ هذا ما سوف نكشف عنه القناع في هذه الدراسة المتواضعة.

أ‌- المستوى المناصي:

يعد مصطفى لغتيري من أهم الكتاب المغاربة البارزين في مجال القصة القصيرة والقصيرة جدا، و من المثقفين المعروفين بتتبعهم للمنجز الثقافي الوطني بنوع من التفاني في العمل والإخلاص في القراءة والمواكبة والتعريف والتوثيق وتحريك الفعل الثقافي والإبداعي وترجمته ميدانيا بكل صبر وصمت.

ولد مصطفى لغتيري بالدار البيضاء سنة 1965 م. تخرج من كلية الآداب والعلوم الإنسانية. وهو عضو نشيط في اتحاد كتاب المغرب، ويكفيه فخرا أنه من الحاصلين على جائزة النعمان الأدبية من لبنان. ومن أهم إصداراته مجموعته القصصية " هواجس امرأة" التي خرجت إلى حيز الوجود سنة 2001م ، و مجموعته القصصية الأخرى "شيء من الوجل" التي طبعت سنة 2004م ، وهما يندرجان ضمن القصة القصيرة، و" مظلة في القبر" وهي مجموعة قصصية قصيرة جدا ظهرت سنة 2006م عن مطبعة دار القرويين، وقد تولى الفنان المصري إبراهيم عوض تشكيل الغلاف الخارجي بأيقون بصري يتمثل في اللوحة التشكيلية التي تؤشر على انحصار المكان وانحباسه والذي بدوره يدل على موت الإنسان وضياعه واغترابه داخل شرنقة الزمن والفضاء المحدود متأرجحا بين الموت والخلاص، وبين المعاناة والأمل.

وتضم " مظلة في قبر" سبعا وخمسين قصة قصيرة جدا تتفاوت في الحجم قصرا وطولا، كما تقع المجموعة في تسع وستين صفحة من الحجم المتوسط.

ويتربع على الغلاف الخارجي اسم المؤلف مصطفى لغتيري بصورته الفوتوغرافية الجميلة التي تنقل لنا الكيفية التي بها يتأمل عالمه الداخلي والخارجي ،والطبيعة التي يكون عليها أثناء استبصاره للكون، وكيف يتحملق في الأخر بصرامة الرؤية وابتسامة العينين.

وقد ورد العنوان الخارجي في صيغة مركب اسمي محذوف" مظلة في قبر"، ويحيل هذا العنوان الرمزي على جدلية الموت والخلاص، وتجاذب الأمل وضيق المكان. وقد أرفق هذا العنوان الخارجي بتعيين نوعي يندرج ضمن نظرية الأدب وشعرية الأجناس يحدد هوية هذا العمل و الذي يعلنه الكاتب بعبارة" قصص قصيرة جدا" تأكيدا وإثباتا وتجنيسا. وبذلك يكون مصطفى لغتيري من المؤسسين الفعليين للقصة القصيرة جدا في المغرب إلى جانب حسن برطال وعز الدين الماعزي وفاطمة بوزيان وعبد الله المتقي وسعيد منتسب.
و تشير حيثيات النشر إلى أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا من منشورات القلم المغربي، وبعد ذلك يستتبع مصاحباته النصية الموازية ببطاقة تعريفية للكاتب وإهداء إخواني قائم على ميثاق المحبة والصداقة المفتوحة التي تتجاوز محدودية المكان إلى فضاءات أوسع وأرحب. كما تبنى الكاتب فهرسة أمامية بينما خصص الحيز الخلفي لإصداراته النثرية في مجال القصة القصيرة بنوعيها: الطويلة والقصيرة.

وتحتل صورة الكاتب مصطفى لغتيري زاوية الركن العلوي في الغلاف الخارجي الخلفي مع نص قصصي قصير بعنوان "الخلاص " الذي يوحي برغبة الإنسان والطير على حد سواء في التخلص من هذا العالم الكئيب المنحط في قيمه والمتناقض في أعرافه ومبادئه والذي يسوده المكر والزيف والنفاق الاجتماعي والحقد والعنف والحروب الدونكيشوتية الهوجاء والموت المحقق ببني البشر:" أحدثت الطلقة صوتا مدويا، أفزع الطيور، فانتفضت هاربة... وحدها عصفورة- كأنها تعاني من اكتئاب حاد- طارت في اتجاه الصياد، باحثة عن فرصة للخلاص.

متحسرا رفع الصياد عينيه، لمح العصفورة الضئيلة تحوم فوقه، استخسر فيها الطلقة، فتجاهلها... لكن حين لاحظ إصرارها، تأملها لحظة...وكأنها أوحت له بفكرة الانتحار، وجه فوهة البندقية نحو نفسه،...ثم ضغط على الزناد."( ص:16).

ب‌- خصائص مظلة في القبر:

تتميز مجموعة " مظلة في قبر" لمصطفى لغتيري بعدة خصائص فنية ودلالية وتداولية تجعلها تشترك فنيا مع مجموعات قصصية أخرى لرواد القصة القصيرة جدا بالمغرب أمثال: حسن برطال، و وعز الدين الماعزي، و وعبد الله المتقي، وفاطمة بوزيان، وسعيد منتسب، وفي نفس الوقت تتميز عنها بسمات ومكونات جديدة تنفرد بها المجموعة مقارنة مع المجموعات الأخرى السابقة، وإليكم الآن هذه الخصائص:

1- الحجم الكمي القصير:

تتسم قصص" مظلة في قبر" بحجمها القصير الذي لا يتجاوز نصف صفحة ماعدا نصين يستغرقان تقريبا الصفحة الكاملة وهما: "الأسير"(ص: 40)، و"كابوس"( ص:55). وهذا الحجم القصير جدا هو الميسم الحقيقي لهذا الجنس الأدبي الجديد الذي ظهر ليواكب التطورات السريعة التي عرفها العالم بصفة عامة والمجتمع المغربي والعربي بصفة خاصة. كما يستجيب هذا الحجم المحدود من حيث الأسطر والكلمات مع سرعة الإيقاع الواقعي وكثرة مشاغل الإنسان وتخبطه في أزمات يومية ومشاكل كثيرة يستوجبها الظرف الزمني المعاصر مما يجعل المتلقي أو القارئ لا يستطيع أن يقرأ الأعمال الأدبية والإبداعية الطويلة والمسترسلة، لذلك يلتجئ إلى القصة القصيرة والقصيرة جدا.

2- خاصية الحذف والإضمار:

يستعمل الكاتب تقنية الحذف والإضمار من أجل التواصل مع المتلقي قصد دفعه إلى تشغيل مخيلته وعقله لملء الفراغات البيضاء وتأويل ما يمكن تأويله، لأن توضيح دلالات المضامين ومقصدياتها لايمكن توضيحها أكثر من اللازم. ويستعين الكاتب بالإيجاز والحذف لدواع سياسية واجتماعية وأخلاقية ولعبية وفنية وأخلاقية. كما أن ذكر بعض التفاصيل الزائدة التي يعرفها القارئ تجعل من العمل الأدبي حشوا وإطنابا، لذلك يبتعد الكاتب عن الوصف ويستغني في الكثير من النصوص عن الوقفات الوصفية والمشهدية التي قد نجدها حاضرة في القصة القصيرة العادية أو النصوص الروائية.

وتتحقق ظاهرة الإضمار فنيا في المجموعة القصصية عن طريق الحذف الدلالي وتشغيل علامات الترقيم الدالة على غياب المنطوق اللغوي والإبهام البصري والفراغ اللغوي كما يظهر ذلك بوضوح في توظيف النقط الثلاث كما في قصة " برتقالة "التي يحاور فيها الكاتب قصة أحمد بوزفور التي تجسد تحول سيارة أجرة إلى برتقالة عندما عاينت الشرطي في الطريق خوفا من بطش السلطة ومضايقاتها غير المشروعة:" صباحا فتحت باب الثلاجة...مددت يدي داخلها...تناولت برتقالة....متلذذا شرعت أقشرها...فجأة أمام ذهولي، تحولت البرتقالة إلى سيارة أجرة صغيرة حمراء...شيئا فشيئا استحالت دهشتي إعجابا بالسيارة...بتؤدة فتحت بابها الخلفي...انبثق منها الكاتب متأبطا أوراقه... مددت يدي نحوه...دون تردد سلمني إحداها...متلهفا قرأتها...إنها قصة سيارة أجرة، تحولت إلى برتقالة"( ص:32).

وهذا يبين لنا مدى غلبة الطابع الذهني على قصص الكاتب؛ مما يجعل قصصه الرائعة تجمع بين المتعة والفائدة. أي إن الكاتب يصدر في قصصه عن معرفة خلفية وزاد ثقافي رمزي، وهذا ما يميز هذه المجموعة عن باقي المجموعات القصصية القصيرة الأخرى.

2- السخرية والفكـــاهة:

تطبع السخرية والفكاهة مجموعة من المقاطع القصصية التي ترصد الواقع الإنساني بنوع من السخرية والتشويه والنقد وكشف المفارقات والأخطاء المتناقضة في الفكر الإنساني كما في قصة "عولمة" التي يدين فيها الكاتب الشعارات والفكر المفارق للحقيقة الواقعية ، وفي نفس الوقت يدعو إلى الممارسة وترجمة النوايا والنظريات على أرضية الواقع الحقيقي وتجنب الجدل المتناقض مع ذاته داخل الفكر العربي الذي ينم عن مفارقة منطقية خطيرة:" صعد الزعيم إلى المنصة...

لعن العولمة،
والإمبريالية،

أحس- فجأة- بغلة تكتسح جوفه..

أومأ إلى أحدهم،

فأحضر له- دون تباطؤ-

زجاجة كوكاكولا."(ص:56)

3- الطابع الذهني:

تصدر قصص مصطفى لغتيري عن مرجعية ثقافية غنية بالمستنسخات والإحالات التناصية ومعرفة خلفية زاخرة بالحمولات المعرفية الأدبية والفنية والعلمية إذ استطاع الكاتب أن يصهرها في بوتقة سردية موحية أحسن تحبيكها قصد إيصال رسالته المقصدية . وهذه الخاصية كما قلنا سابقا هي التي تفرد مصطفى لغتيري عن باقي رواد القصة القصيرة جدا. ومن القصص التي تحمل طابعا ذهنيا وثقافيا نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر: بلقيس والمومياء وأبراهام وديانا وعولمة والخطيئة ودخان أسود.... ويمتزج في كتاب مصطفى لغتيري التاريخ بالاقتصاد، والعلم بالأدب، والفن بالفلسفة. وهذا ما يؤشر على موسوعية الكاتب وانسياقه وراء ماهو ذهني وثقافي، لذلك يستوجب إبداعه متلقيا ضمنيا مثقفا يستطيع أن يفك مستنسخات قصصه وعلاماته التناصية ورموزه اللغوية ودواله المضمرة.

4- التشكيـــل الرمزي:

تتسم قصص مصطفى لغتيري بالرمزية والتجريد في التشكيل اللغوي والدلالي؛ مما أوقع كثيرا من قصصه في الغموض الذي يثير صعوبات كبيرة على مستوى التقبل بسبب الانزياح الذهني وكثرة الإضمار الدلالي وإيحائية المستنسخات والإحالات التناصية كما يظهر ذلك في قصة "الخطيئة" التي تشير إلى خوف الطبيعة من الإنسان الذي لا يعرف سوى العنف والإجرام وارتكاب الأخطاء في حق البراءة والطفولة والطبيعة وتدمير المكان:" بخطى واثقة، توجه " نيوتن" نحو شجرة...

توقف تحتها، وطفق يتأمل ثمارها...

أحست تفاحة بوجوده فارتعبت...

ألقي في روعها أنه آدم يوشك، ثانية، أن يرتكب فعل الخطيئة...

حين طال مكوثه، انتفضت التفاحة فزعة، فانكسرت سويقها...

هوت على الأرض، واستقرت هامدة بالقرب من قدميه."(ص:14).

وتبلغ الرمزية منتهاها عندما يلتجئ الكاتب إلى التفلسف والتجريد الذهني كما في قصة "المرآة" التي تعبر عن الفراغ والخواء الإنساني وانقلاب المواضعات الزمكانية وتغير الإنسان وتعدد وجوهه في صور مفارقة متعددة ومتناقضة. ومن ثم، صارت المرآة تشكو من الإنسان الذي تغير ولم يعد على صورته الحقيقية، فبدأت ترى في وجهها البشاعة والقبح الآدمي والزيف البشري، أي إنها تعلن موت الإنسان الذي تشيأ بفعل غياب القيم الكيفية ورجحان القيم التبادلية الكمية والمادية:" حيتن تطلعت إلى المرآة، لتتأمل وجهك فيها، أذهلك فراغها. مرتبكا تقهقرت إلى الوراء، فركت عينيك جيدا. من جديد حملقت في صفحتها الصقلية. بصلف تمدد الخواء أمامك.

بعد هنيهة، تبينت حقيقة الأمر: المرآة كانت تتأمل وجهها فيك".( ص: 15)

5- التكثيف القصصي:

تستند معظم قصص مصطفى لغتيري إلى التكثيف القصصي والإيجاز في تفصيل الحبكة السردية عن طريق التركيز على استهلال وجيز وطرح للعقدة بشكل مركز وتبئير لنهاية قد تكون مغلقة أو مفتوحة تحتاج إلى التخييل القرائي والتأويل الاستنتاجي والتفاعل الضمني بين النص والمتلقي كما في قصة " بلقيس" التي يصور فيها الكاتب العطش الإنساني إلى الارتواء الشبقي والإيروسي بسبب الافتتان بغواية المرأة والإعجاب بجمالها الفينوسي الجذاب اشتهاء وحرقة .:" في قصر سليمان، حينما كشفت بلقيس عن ساقيها المرمريتين، كان هناك في مكان ما، عين تختلس النظر، وترتشف بالتذاذ تفاصيل القوام البهي.

من مكانه، في إحدى شرفات القصر، رأى الهدهد ما حدث، فاعتصر قلبه الندم.

منذ ذلك الحين، أقسم الهدهد بأن لا ينقل مطلقا الأخبار بين البشر، وأن يلزم الصمت إلى أبد الآبدين"( ص: 17).

6- الوصف الموجز:

يتميز الوصف في" مظلة في قبر" بالتكثيف والاختصار والإيجاز عن طريق إيراد الأوصاف والنعوت الموحية الخاطفة والأحوال المجسدة والصور البلاغية القائمة على التشخيص والأنسنة والمجاز لتقريب الصورة في كامل لقطاتها الموحية الرمزية في كلمات وعبارات محدودة الكلمات والحيز الخطي والكمي كما هو شأن قصة " الكلب " ذات الطابع الرمزي والتي تعبر عن استسلام الإنسان لأخيه الإنسان وتؤشر على الاستغلال والإذلال بسبب فقر الإنسان؛ مما يجعله يتنازل عن حريته وكرامته من أجل أن يحافظ على وجوده وحياته ولو في ظل الرق والعبودية البشرية التي تترجم لنا جدلية السيد والعبد في خير صورها، كما تلخص لنا القصة المثل المشهور " جوّع كلبك يتبعك". وقد استحضرنا هذه القصة كي نبين خاصية الإيجاز في استخدام النعوت والأحوال والتصوير الرمزي:" أحضر الرجل الكلب، إلى بيته، كلبا...

خوفا من هروبه، أحكم وثاقه.

ثائرا، غاضبا ظل الكلب يترنح متوترا،

وعنه تصدر زمجرة، لا تلين حدتها.

ذات صباح، تأمل الرجل الكلب، فتألم لحاله.

دون تردد عمد إلى فك وثاقه.

منتشيا بحريته، انطلق الكلب يعدو في كل الاتجاهات.

بعد لحظات احتجب عن النظر.

لم يمض زمن طويل، حتى عاد الكلب هادئا مستسلما...

وأمام ذهول صاحبه، توجه – مباشرة- نحو وثاقه."( ص: 23).

7- التركيب الشاعري:

يلاحظ على قصص مصطفى لغتيري أنها ذات تركيب قصصي شاعري على مستوى التفضية والتركيب والتعبير. إذ يلتجئ إلى استخدام الأسطر والجمل والتقديم والتأخير والصور المجازية والرمزية على غرار قصيدة التفعيلة أو الشعر المنثور، كما يقوم التكرار الصوتي واللفظي والتركيبي بموسقة المقاطع القصصية وخلق إيقاعه الفني والإنشائي وتحقيق وظيفته الشعرية الناتجة عن الخرق من خلال تقاطع المحور الدلالي مع المحور التركيبي كما في قصة " مخاتلة" التي استعار فيها الكاتب شخصية أدونيس الذي تمثل التجربة الحلاجية ليوغل في التجريد الصوفي والشعري ممتطيا أجنحة التخييل والترميز المجنح بعد أن حمل لواء المحدثين السابقين واستقطرها في تجربته الإبداعية التي تنفطر غموضا وإبهاما بسبب الإيغال في ضبابية الخيال وسرابه التائه:

" من بعيد لمح أدونيس الحلاج،

متثاقلا يمضي متكئا على عصاه...

بخطوات خرساء دلف نحوه...

حين أدركه تأمله لحظة،

ثم خاتله، وانتزع منه العكازة...

بتحبب مرر عليها راحته...فجأة انقلبت العصا فرسا مجنحة...

دون تردد امتطاها، فحلقت به في الأجواء البعيدة"(صك33).

استنتاج تركيبي :

نستنتج مما سبق، أن مصطفى لغتيري كاتب متميز بالطابع الذهني الثقافي في مجموعته القصصية" مظلة في قبر"، وأنه يتوسل بالتركيب الشاعري والمفارقة والسخرية والفكاهة والتكثيف في الوصف والإيقاع واستخدام الإضمار والإيجاز في التصوير لإدانة الإنسان العربي وإعلان غيابه وموته وانبطاحه أمام مفارقات الذات والواقع والتاريخ. كما تعكس هذه المجموعة المتميزة الرائدة جدلية الموت والخلاص، وتصور أيضا صراع الإنسان مع نفسه و الصراع مع الواقع الموضوعي الذي حوله إلى إنسان آخر يعاني من الانفصام والاغتراب الذاتي والمكاني ، وكل هذا قد أسقطه في الخطيئة والاستسلام لنزواته وغرائزه الشبقية وانفعالاته العدائية( التناتاوس)، والتأرجح بين ثنائية الألم والأمل والشقاء والسعادة.

ولكن على الرغم من هذه الملاحظات الدلالية والفنية إلا أننا نسجل أثناء قراءتنا لهذه المجموعة القصصية كثرة التجريد والغموض والإيغال في الانزياح الدلالي والذهني والسقوط في الرمزية الناتجة عن الإضمار وحذف القرائن الدلالية والمرجعية التي تعقد عملية القراءة وتصعبها ناهيك عن الإكثار من الإحالات التناصية والمؤشرات المعرفية والثقافية التي تجعل القارئ البسيط مرتبكا حائرا أمام حمولاتها ومقاصدها القريبة والبعيدة.

ملاحظة:

جميل حمداوي، صندوق البريد 5021 ، أولاد ميمون ، الناظور، المغرب.
jamilhamdaoui@yahoo.fr

www.jamilhamdaoui@net


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى