الجمعة ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم علاء نعماني

أصوات النقد المغربي الجديد

• تحت ظلال المكناسة

داخل فضاء كلية الاداب والعلوم الإنسانية بمكناس، كان الموعد مع النقد المغربي في اللقاء الذي نظمه مختبر السرديات وجمعية الباحثين الشباب في اللغة والآداب بمكناس، وذلك يوم الخميس26 ابريل 2007، في محور: (الروية والتأويل في النقد الأدبي بالمغرب) في حلقته الأولى والتي تستحضر نصوصا لنقاد يؤسسون لوعي نقدي مغربي يدعم ما تراكم ويقويه، ويرسمون نسيجا نقديا قابلا للمساءلة الثقافية، انطلاقا من أسئلة ومقاربات تدنو من خطابه وأدواته وكيفيات التطبيقات والنتائج ومدى تأثيرها وقدرتها على تحقيق إدراك نظري بالتصورات واقتراب جمالي من النصوص.. يساهم في نقض التكرارية والحفز على تطوير أشكال الإبداع والتعبير.

وفي إطار هذا الوعي بممارسة نقد النقد على تجارب ما تزال تشتغل وتجتهد، فقد سعى هذا اللقاء إلى مقاربة الأدوات والمرجعيات وتأثير ذلك على الجملة النقدية وأبعاد التحليل والتأويل والرؤية ثم طبيعة الاختيارات النصية من القديم والحديث.

وهي قراءة محكومة بابستمولوجيا النقد أو نقد النقد، وتوخت التركيز على العناصر التالية:

 المفاهيم والمرجعيات والنظريات التي ينطلق منها الناقد أو الدارس.

 الجوانب الإجرائية في هذه الأعمال النقدية.

 الجوانب الاستدلالية.

 الصور المقدمة للأعمال الأدبية.

 الاستراتيجيات المتبعة، حضورها وغيابها.

 حضور المنهج وغيابه.

 علاقات هذه الدراسات ببعضها البعض.

• الرؤية وتفاعلاتها

افتتحت الجلسة الأولى الصباحية أشغالها برئاسة محمد أمنصور والذي أشار إلى أهمية مثل هذه اللقاءات التي ستستمر في أفق ترسيخ ثقافة حداثية.

المداخلة الأولى حول مؤلف إدريس قصوري أسلوبية الرواية،زقاق المدق نموذجا، حيث تدخل شريشي لمعاشي بموضوع (النقد واللغة النقدية) ممهدا بالحديث عن أهمية الأطاريح الجامعية في تطور النقد المغربي وعلاقاته بالمناهج وتطويعها كما علاقاته بالنصوص.

بعد ذلك عرض الباحث للمفاصل التي تتحكم في كتاب أسلوبية الرواية..قيل أن يدخل إلى مقاربة الجوانب النقدية فيه ولغاته النقدية.وقد اقتصر الباحث في تدخله على مناقشة الفصل الثاني( المقولات البيانية والأسلوبية) كاشفا عن طبيعة المزاوجة بين المنهج وعلم البلاغة والاشتغال على مقولات دون توظيف الطرح النظري.كما تم التوصل إلى أن اللغة النقدية متمكن منها ومن المرجعية البلاغية مع طغيان النظرة التجزيئية والتركيز على الجملة الواحدة والتي حجبت أسلوبية الرواية.

وختم شريشي مداخلته بالوقوف عند أشكال التحليل والرؤية

المداخلة الثانية كانت لبوشعيب الساوري بعنوان: (بناء التأويل في كتاب استراتيجيات التجريب في الرواية المغربية المعاصرة)، افتتحها بإشارة إلى انشغال محمد أمنصور بقضية التجريب سواء على مستوى الكتابة الإبداعية إذ تندرج أعماله ضمن خانة التجريب، أو على مستوى دراساته النقدية إذ يشكل كتاب استراتيجيات التجريب كتابه الثاني الذي يهتم بقضية التجريب بعد كتابه خرائط التجريب في الرواية المغربية (1999). ويحمل هذا الاهتمام أكثر من دلالة، إذ يغدو سمة مميزة لمحمد أمنصور في الأدب والنقد المغربي.

ثم انتقل بعد هذا التقديم إلى وصف الكتاب والقضايا التي عالجها عبر بابيه النظري والتطبيقي، بالإشارة إلى المرتكزات الإبستمولوجية التي يتأسس عليها. وقد رصد الساوري بعد ذلك آليات بناء التأويل في الكتاب. منها الاستشكال: بتأطير الكتاب ضمن مجموعة من الأسئلة تنتظم حول سؤال أكبر وهو كيف نؤطر مشروع الرواية المغربية؟ بالإضافة إلى التساؤلات التي تتخلل التحليل النصي والتقصي النقدي والعلمي اثناء مناقشة بعض التصورات والمواقف عبر استحضار التلقيات السابقة إما للنصوص المدروسة أو القضايا المطروحة للنقاش. وفي ارتباط بالآلية السابقة هناك آلية ثانية هي بناء المفهوم الذي يرتكز غالبا على استعارة مفاهيم تمت صياغتها سلفا لدى منظرين ونقاد غربيين أو مغاربة. الآلية الثالثة هي فعل التحقيب الذي تطلبته إثارة قضية التجريب بغية وضعها في سياقها التاريخي(وقد كان هذا التحقيب ثلاثيا: السيرة- الرواية، الرواية الواقعية، التجريب). كما أشار الساوري انفتاح الكتاب على مجموعة من الحقول المعرفية (التاريخ، تاريخ الأدب، النقد الأدبي…) بغية وضع الظاهرة في سياقها المرجعي. بالإضافة إلى حرص الكتاب على الملاءمة المنهجية في اختيار المداخل النظرية وأدوات التحليل والتأويل والاستدلال، فتعددت تبعا لذلك المنطلقات والمرجعيات النظرية (الشعرية السردية، الحوارية الباختينية، التناص، الرواية الجديدة…) مع التشبث بالحذر العلمي في الاستنتاجات والخلاصات التي ينتهي إليها التحليل في نهاية كل فصل.

وحول (أبو العلاء المعري أو متاهات القول لعبد الفتاح كيليطو) تدخل محمد عفط
حيث استحضر الباحث تلك القدرة المتميزة التي يتوفر عليها عبد الفتاح كيليطو، والتي تسمح له بإقامة الصرح القرائي للنصوص على مقاربات متنوعة الوجوه، ومتعددة المستندات دون أن تبدو القراءة نسيجا مهلهلا أو ملفقا.

كما أشار محمد عفط إلى أن هذا الأمر لا يعد عند كيليطو عداء للروح المنهجية في القراءة. ولكنها روح مبثوثة فيها ولا تعمل في الآن نفسه على خنقها. إنها الروح التي تبقى وفية، وبدراية مثيرة، للزوج غير القابل للانفصال: الحرية والأمانة.

لا يجد التأويل عند كيليطو ضفافا إلا تلك التي تضعها النصوص المقروءة من حيث النظر إليها باعتبارها ملتقيات علامات ورموز ومرجعيات واستراتيجيات.

وكتاب: أبو العلاء أو متاهات القول هو تجل آخر من تجليات هذا المسلك المتفرد، على المستوى النقدي المغربي، في مقاربة النصوص، القديمة منها، على وجه الخصوص.

إن الكتاب- يستخلص الباحث - يبرز خاصية أساسية هي ذلك التعرف على أبي العلاء المعري وجوها من خلال نصوص عديدة له، لا تجعله يبقى أسير تلك الصور المسكوكة التي رسمتها القراءة المدرسية في عقول أجيال. ومن ثم، لا تقدم القراءة أبا العلاء فقط، بل تتجاوز ذلك إلى إعادة نظر عميقة في مجموعة من التصورات والتمثلات.

وجاءت الورقة النقدية التي قدمها أحمد فرشوخ بعنوان (من النقد إلى الوعي النقدي) قراءة في كتاب "تفاعلات التأصيل والتحديث في الرواية المغربية لعبد الإله قيدي، حيث تناول بعض مظاهر الوعي النقدي في الكتاب المقارب على مستوى منظور تفاعل الناقد مع المرجعيات النظرية والفعاليات النقدية (وصف، تفسير، حكم، مقارنة) والمفاهيم النقدية الموظفة. وفرضية العمل الأساسية في التناول هي أن عبد الإله قيدي باعتباره واحدا من نقاد التجربة الجديدة يمارس نوعا من الوعي النقدي تجاه النظرية الأدبية من خلال مساءلتها وتنسيبها والدخول معها في حوار: الشيء الذي يمنح الرؤية النقدية نوعا من المرونة والابتكار ويخفف من صدمة الإدراك النظري (الانبهار) التي طبعت بعض التجارب السابقة.

ومن ثم، يضيف الباحث فرشوخ، بأن الممارسة النقدية تشتغل على النص الإبداعي كما تشتغل على النظرية من جهة إدراك حدودها وتاريخيتها ومحتواها الإيديولوجي، الشيء الذي يوجه المسار النقدي صوب الإنصات للنصوص والعودة إلى مجالها الفني والمعرفي لإغناء النظرية وتعديل بعض عناصرها و أطرها... وفي هذا ترى المداخلة اتجاها إيجابيا لمستقبل التجربة النقدية الجديدة التي يتعين بحثها وتحديد قيمتها ووضعها الاعتباري ضمن المشهد النقدي المغربي المعاصر.

المداخلة الأخيرة في هذه الجلسة الأولى لمحمد الزموري واهتمت ب (بناء الصورة في الرواية الاستعمارية، صورة المغرب في الرواية الإسبانية) حول محمد أنقار، مفتتحا مداخلته بان الإشارات إلى علاقة الشعر بالتصوير قد تعددت من خلال مستويات بلاغية تكشف عن الإمكانات الجمالية للتخييل. لكن هل يمكن الحديث عن الصورة في الرواية بغض النظر عن طبيعة الجنس الأدبي الذي قد ترد فيه؟

هل يمكن أن نعتبر الصورة النثرية هي تصوير للحياة في تفاصيلها وأشيائها؟

يعالج محمد أنقار هذه الإشكالية من خلال تنصيصه على ضرورة الاحتفاء بالصورة في مجال السرد عموما والرواية خصوصا. فالكاتب يبحث في أركيولوجية الرواية الإسبانية لتقصي صورة الآخر فيها من خلال مبحث صورة المغرب في الرواية الإسبانية خلال عهد الحماية...

• أصوات النقد

افتتح محمد عفط الجلسة الثانية الزوالية، حيث تناول الكلمة عبد المجيد الحسيب في موضوع (حياة النص رهينة بحياة التأويل) وهي قراءة في (تأويل النص الروائي: السرد بين الثقافة والنسق) لأحمد فرشوخ، حيث يسعى مؤلف هذا الكتاب النقدي إلى قراءة النص الأدبي ضمن سيرورته.. أي منذ لحظات تشكله الأولى إلى لحظة الاكتمال والاستواء التي يتخذ فيها شكله النهائي. ويميز الباحث بين نوعين من أنواع القراءة: القراءة الانفعالية التي تكتفي بالمتعة فقط والقراءة "البحثية" الواعية باعتبارها آلية للكشف والتوليد وتسمية المضمر عبر استثمار الخبرة الجمالية للباحث. وعملية التأويل هاته لابد لها من عدة شروط، أهمها استحضار السياق باعتباره عنصرا مرجعيا يضفي أبعادا تخييلية على أحداث الواقع دون السقوط في القراءات الأحادية المباشرة التي تبقى سجينة مفهوم الانعكاس. كما يدافع الباحث على ضرورة تملك الناقد لوعي قرائي استطيقي يستطيع به إدراك الرهان الخفي للعمل من خلال ملء فجواته وتحيين طاقاته وتخصيب إمكاناته لأن الكتابة في نظره ثمرة تفاعل بين عناصر متعددة الجذور والانتماءات، ترتبط بالذات واللاوعي والتأمل والتجربة.

ويعتبر مفهوم "حياة النص" من المفاهيم الأساسية في هذا الكتاب الذي يعتمد تحليلا جينيالوجيا يتتبع فيه الباحث النص مذ كان مسودة خاضعة للمحو والتغيير والتعديل، ثم تتبعه عبر طبعاته المختلفة. إنها قراءة حركية تراهن على الصيرورة وليس على الثبات، كما أنها قراءة تسعى إلى الإنصات إلى كل ما من شأنه أن يضيء جانبا من جوانب النص بما فيها العلامات الخفية واللامرئية والتي قد تكون تسللت للنص في غفلة من الكاتب؛ أي ما يسمى ب"لاوعي النص". وقد ميز الباحث في هذا الكتاب أيضا بين عدة أشكال من التأويل مبينا ومفصلا لفلسفة ومرجعية كل شكل من أشكال هذه التأويلات ملحا على ضرورة قراءة النص الأدبي في سيرته الثلاثية: بنية النص وما قبله وما بعده. وقد حاول الباحث توظيف هذا الجهاز النظري والعدة المفاهيمية التي بسطها في مدخله النظري على ثلاثة نصوص روائية للروائي العربي الكبير بهاء طاهر، وهذه النصوص هي "شرق النخيل"، "قالت ضحى"، و"خالتي صفية والدير".

محمد التهامي العماري قدم (قراءة في مسالك المعنى) للناقد سعيد بنكراد مؤكدا أن المتتبع للمسيرة النقدية للناقد بنكراد يلاحظ أنه من النقاد العرب القلائل الذين بلوروا مشروعا نقديا ظلوا يبنونه لبنة لبنة لفترة تزيد عن العقدين من الزمن. وقد اتخذ هذا المشروع شكل ورش ينمو شيئا فشيئا على واجهات متعددة، إذ ليست الكتابة والتأليف سوى مظهر من مظاهره. فمن التدريس إلى الإشراف على مجلة متخصصة في السيميائيات إلى إطلاق موقع على الإنترنيت تتنوع إسهامات هذا الباحث وتتعدد. وإذا كان الاهتمام بالمنهج السيميائي لديه قد بدأ بمحاولة التعريف بمرجعياته النظرية وإرساء مداخله الأولية، لينتقل بعد ذلك إلى تطبيقه على النصوص الأدبية المختلفة، ولاسيما السردية منها، فإنه انتقل في "مسالك المعنى" إلى توظيفه لقراءة مجموعة من الأنساق الثقافية الرمزية التي تمتد من الدين مرورا بالسياسة والرياضة وصولا إلى خطاب الوعظ والإرشاد... ساعيا في كل ذلك إلى تعرية الصدوع الخفية التي تتستر خلفها الإيديولوجيا، وفاضحا الجيوب التي تتحصن داخلها... وقد توخى الباحث في مداخلته الكشف عن الأدوات المنهجية ومختلف الإجراءات المفاهيمية التي وظفها الناقد في كتابه.

(الرهان المزدوج للنقد الروائي المغربي) هو عنوان المداخلة الأخيرة في هذا اللقاء وقدمها محمد أمنصور... قراءة في كتاب "تخييل الواقع" لخالد زكري، مقاربة تكشف كيف يعيد هذا الباحث ترتيب مرتكزات الأدب الروائي المغربي المكتوب باللغتين العربية والفرنسية، وذلك بوضع منطلقات جديدة تعيد الاعتبار للكثير من النصوص الروائية التي حالت اعتبارات غير أدبية دون الانتباه إليها.

من بين العناصر التي ركزت عليها المداخلة:

ـ موقعة الكتاب في سياق "النقد الثقافي"

ـ استثمار المنظور التأريخي في ممارسة النقد وموضعة النصوص والظواهر والتيمات.

ـ الدفاع عن الحق في الذاتية أو البحث في مظاهر تشخيص أزمة الذات في مواجهة سؤال الحداثة

ـ فك التعارض الوهمي بين طرفي ثنائية (رواية فرنكوفونية/ رواية عربوفونية) وتدمير أسطورة تفوق المركز الفرنكوفوني داخل الممارسة الروائية المغربية.

ـ اقتراح أدوات ومداخل متعددة لمقاربة النص الروائي (الحقل الأدبي/ المفهوم الموسع للأدبية / أسئلة الواقع واللغة والتجنيس/ السيرورة التذويتية...إلخ)

ـ اقتراح نمذجة لأنماط الرواية المغربية المكتوبة باللغتين الفرنسية والعربية.

تلك بعض الأسس والمنطلقات المنهجية التي تميز اشتغال الباحث خالد زكري في كتابه "تخييل الواقع"، ولعل أحد أهم أهداف هذه المقاربة يتمثل في لفت أنظار المهتمين إلى أهمية وجدة هذا المشروع النقدي الجديد في الساحة الثقافية والنقدية المغربية، خاصة وأن رسالته الضمنية تتمثل في الدعوة إلى تكريس المصالحة بين أدب المغاربة المكتوب بأكثر من لغة.

وقد اختتم هذا اللقاء بنقاش موسع في انتظار الحلقة الثانية حول النقد المغربي ومع نصوص أخرى، كما وعد بذلك مختبر السرديات... في النهاية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى