الاثنين ١٤ أيار (مايو) ٢٠٠٧

الجسد .. الروح... لدى فاتحة مرشيد

د . عدنان الظاهر / المانيا

رواية جديدة للطبيبة السيدة فاتحة مرشيد . ما الجديد فيها ؟ سؤال سهل ٌ / ممتنع ... مبسّط / معقّد . .. كانت الطبيبة النفسانية ( أسماء ) محور ومركز الرواية ... كانت واضحة جداً وصريحة جداً حتى في كشف مكنوناتها الخاصة جداً جدا ً . كانت واضحة وجريئة فيما يخص حياتها الرومانسية والجنسية المعقدة . لا أتكلم عن مهارتها كطبيبة ومحللة نفسانية فذلكم أمر مفروغ ٌ منه ، لأنَّ مجمل الأحداث المتسلسلة قد شيدت على نجاح الطبيبة أسماء في معالجة مريضها المصاب بالكآبة التي أوشكت أن تنهي حياته منتحراً . نجحت الطبيبة في إنقاذ حياة مريضها وترتب على ذلك علاقات ملتبسة معقدة تجاذبت وتنافرت وتعاقب عليها المد والجزر حتى إنتهت أخيراً إلى وقوع الطبيبة المعالجة في حب مريضها الذي عالجت ووقوع هذا في حب مَن أنقذت حياته من علته فإستأنف حياة جديدة شاعراً مرموقاً وأستاذاً جامعياً .

" لحظات لا غير " رواية للدكتورة فاتحة مرشيد / الناشر : المركز الثقافي العربي / الدار البيضاء / المغرب . الطبعة الأولى 2007 .

مقدمة :

أسماء المرأة

الطبيبة ( أسماء ) أنموذج فريد بين النساء العربيات المسلمات ... ونساء الشرق الأوسط عامةً . هل سقطت أسماء في حب مريضها عفوياً أو أن ظروفها غير الطبيعية لعبت أدواراً هامة خفية تارةً وعلنية تارات أُخر ؟

فلنلقِ نظرة متفحصة على ماضي أسماء الطبيبة قبل أن تعالج المريض المكتئب ( وحيد الكامل ) . كانت متزوجة من طبيب مختص بجراحة القلب حين أُصيبت بمرض سرطان الثدي فأُجريت لها في باريس عملية جراحية لإستئصال الثدي المصاب . وعملية ثانية تجميلية فأصبح صدرها عامراً وقال لها الطبيب الذي أجرى لها العملية التجميلية بنجاح (( ستكونين فخورة بصدرك )) . لم تطقْ الحياة مع زوجها الطبيب الجرّاح ، جرّاح القلوب لأنه لا يفهم المرآة ولا يعير إحتياجاتها الإنسانية وحقوقها الجنسية ومتطلبات الحياة الزوجية أي إهتمام ... فلماذا وما تفسير ذلك ؟ قالت أسماء عنه (( لم يكن لديه وقت للوقوف عند عتبات جسدي ليتأملني أو يعرّيني بعينيه . حتى خلال ممارستنا للجنس كان يتعمد إطفاء النور قبل أن يقوم َ بحركات دقيقة شبه آلية ، يستلقي بعدها مباشرة ً ليقرأ مقالاً في جراحة القلب أو ليحرر مُداخلة أحد المؤتمرات العالمية . بينما أتكوّر أنا تحت اللحاف كرضيع يبحث عن رائحة أمه )) . قررت الطلاق من هذا الزوج فإنفصلت عنه رغم إعتراضه على قرارها . طبيبة نفسانية مطلّقة بصدر يحمل نصفه ثدياً من مادة السيليكون . طبيبة لكنها أديبة تهوى قراءة الشعر الجيد وتكتب بين حين وأخر قصصاً أو ربما أشعاراً . تشاء الصدف أن يراجعها شاعر مريض بالكآبة حاول أن ينتحر خلاصاً من دائه . كيف كانت بداية علاقة هذه الطبيبة بمريضها خارج حدود مرضه ؟ بعد بضعة جلسات تحليل نفسي بدأت تقرأ أشعار هذا المريض . قالت / الصفحة 14 :

 [1] .

هكذا كانت أوليات وقوع الطبيبة المعالجة في حب مريضها الذي تعالج : السوداوية المشتركة ... قوة شعر وسحر كلمات هذا المريض . ضربت كلماته وتراً حساساً في عصب وحياة الطبيبة أسماء ومشكلتها مع داء السرطان ثم الزوج السابق الذي لفظته ظهرياً ( أجبرها على إجهاض طفلها البكر الأول ) . عمق أحاسيس الشاعر وعمق معايشته لمأساته الوجودية وإنحراف صحته ومزاجه ثم كونه شاعراً بطبعه وسليقته ... كلها عوامل أثّرت عميقاً في طبيبته التي كانت هى الأخرى تعاني من أزمتها الوجودية إمرأة ً وطبيبة ً ساعدها في ذلك كونها هي الأخرى مثقفة وكاتبة وربما شاعرة تتحسس أعصاب وأزمات الشعراء الحقيقيين الموهوبين المطبوعين على قول الشعر . الشعر وأزمة الوجود عامة ثم أزماتها الخاصة نتيجة مرضها وفشل زواجها الأول دون إنجاب ( مُنعت منه ) . إلتقى فيها ، في أعماق أعماق روحها العاملان الخارجي ( وحيد كامل ) والداخلي ( الطبيبة أسماء ) . إكتشفت بينهما عناصر مشتركة ليست قليلة لكنها كافية لأن تصرح بما صرحت قائلة ً : [2] .

سوداوية أشعار وحيد الكامل // تجلب لها الدمار الذي تعشق // دمار جميل لا يستقيم إلاّ بالحرف . الطبيبة مريضة بالسوداوية ومريضة بعشق الدمار الجميل وبالحرف ... الكلمة ... الشعر

الذي يجلب لها هذا الدمار . سوداوية ... حرف ... دمار جميل . تدمير الذات إنحراف نفساني تعرفه لا ريب الطبيبة أسماء . سببه على الأغلب اليأس من الحياة والإستهانة بالوجود قاطبة ً . حين يعجز الإنسان عن تحمل أعباء مشاكله التي ينوء بها كاهله فإنه يحاول التخلص منها بالتخلص من نفسه إنتحاراً بهذه الطريقة أو تلك . ولقد رأينا بعض مشكلات الطبيبة أسماء . إنه فقدان التوازن بين متطلبات الحياة البايولوجية والإجتماعية وشروطها من جهة ، وقدرة الإنسان على التكيّف أو تقبل هذه المتطلبات والشروط أو التغلب عليها أو حتى نسيانها . هذا التوازن خيط دقيق مثل السراط المستقيم ... إذا إنحرف قليلاً عابره ُ تردّى في قرار الجحيم .

لقد أدمنت طبيبة وحيد الكامل على قراءة أشعاره فكانت تختار منها ما يلائم حالاتها النفسية وأزماتها هي مع نفسها ومع مريضها ومع العالم أجمع . إختارت مثلاً :

 [3]
 
ثم أخذت أشعاراً منه فقالت :
 
 [4]

فعلّقت قائلة ً (( أقرأ ... وأقرأ ...أتذوق كل كلمة بلذة شبه شهوانية ، كمن صام الدهر ، آه من متعة القراءة ... كيف إستطعتُ أن أستغني عنها ؟ تُراني نسيتها ... كما نسيتني )) . قراءة الشعر لها لذة شبه شهوانية .

(( لذة شبه شهوانية )) . قالت هذا الكلام بعد طلاقها من زوجها الأول وقبل أن تمارس الجنس مع ( وحيد الكامل ) الذي كان متزوجاً من السيدة الفرنسية ( سوزان ) . كانت تعاني وهي الثائرة والمتفجرة من حرمان الممارسات الجنسية . كان جسدها معطّلا وهو في الأوج من ثورته وغليانه . إقتربت / هكذا أوحت لها طبيعتها الأنثوية / من الجسد خلال بوابات الروح : الشعر . الروح أولاً ثم يأتي الجسد . لعبة تاكتيكية ذكية تمارسها الطبيعة مع أبنائها محذرة ً : مارسوا الجنس لكي تتواصل الحياة من خلالكم وتدوم ... تمضون أنتم الآباء وأبقى أنا ... الأم / الطبيعة . الطبيعة تتخفى ... تراوغ ... تلف وتدور لكنها تعرف أهدافها وتعرف سبل الوصول إلى هذه الأهداف وتحقيق الغايات . الطبيعة ذكية وخبيثة لا تنام ، وإذا نامت فبعين واحدة . عين سابتة وعين ثابتة تراقب البشر .

 [5] . أية كلمات هذه ؟ كلمات الرجل الذي تشرف على علاجه مريضاً بالكآبة ... تختلي في عيادتها معه مرةً في الأسبوع وربما أكثر . تسأله وتستجوبه فتثير شخصيته وأجوبته فيها الكثير من الفضول . ومع الفضول ينمو حب تُخفيه عنه وتتعجب كيف لم يُحس به ؟ كتبت :

 [6] . .... [7] .... [8] .

سنرى لاحقاً كيف أن الطبيبة أسماء وجدت حلمها الذي تريد في شخص مريضها وحيد الكامل ، فتزوجته ثم فقدته بعد فترة وجيزة من الزواج ضحية سرطان الرئة . نجحت بطلة الرواية أيما نجاح في تخطيط وتنفيذ عناصر وأحداث روايتها والسيطرة الكاملة على مراقبة عواطفها ومشاعرها الداخلية وكيف شخّصت بدايات إعجابها بوحيد الكامل فتعلقها التدريجي به من خلال عنصري الشعر ، شعره ، ومواهبه الشخصية الأخرى . أعجبت بيديه وطريقته في التدخين ولف السجائر وأساليبه في الإجابة عن أسئلتها لكنها لم تقل حتى الآن ما كان ملبسه أو ملامح وجهه ، هل كان ملتحياً أو حليق الوجه ؟ طويل القامة أو كان قصيراً ؟ ... مثلاً .

يبدو لي أنَّ شعر هذا الرجل هو الذي أسر قلب طبيبته وأوقعها في شباكه أولاً وقبل كل شئ . فأي دور يلعب الشعر في مصائر بعض الناس ؟ الشعر هو الجسر الذي ربط وسيربط الروح بالجسد . الروح ( الشعر ) هو الطريق لبلوغ الجسد لدى الطبيبة أسماء . لكن َّ هذا الجسر الرابط لا يفعل فعله المؤثر إلاّ من خلال عامل مساعد ييسر عمليتي الإنتقال ثم الربط المحكم ... الربط الإلتحامي أو الحلولي (( روحان حلاّ بدنا ... كما قال المتصوف الحلاّج )) . الحب هو هذا العامل الكيميائي المساعد

نستمع لما قالت الطبيبة طبيب ٌ يُداوي الناس َ وهو عليلُ :

 [9].

لم تقل ْ كم هو هذا الوقت المحدد للحصة ... نصف ساعة ؟ ساعة واحدة أو أكثر ؟ المهم هو إعترافها بأنها رومانسية تؤمن بالحب الكبير والوحيد بل الأوحد . إيمانها هذا بالحب الكبير مفروض عليها ، هو في نهاية الأمر تحصيل حاصل ونهاية عملية معروفة خاتمتها ومحسوبة . المطر يتساقط بفعل قوة الجاذبية نحو الأرض . نتيجة محسومة ومعروفة . ما دامت تسعى بفطرتها وطبعها وغريزتها الأنثوية نحو الجسد من خلال الروح فلا بد َّ أن يكون وسيطها لذلك هو الحب . الوسيط والعامل المساعد لإنجاز عملية الربط الكيميائي بتأسيس آصرة كيميائية متينة يشارك في إقامتها العنصران الأساسان كلاهما بالتناصف .

فللحب مهمات مرسومة يوظف نفسه لخدمة عملية غاية في الجدية والخطورة . إنه ليس غاية بحد ذاته ، إنما هو وساطة ووسيلة لبلوغ تلكم الغاية . نحن نخدع أنفسنا بالحب وقد يُفضي التوله بالحب ببعض المحبين إلى الجنون أو الوقوع بداء الوساوس والإضطرابات العصبية والجنسية المنحرفة . الحب شيطان ماكر يخدعنا ويوقعنا في حبائله وسيطاً يؤدي دوراً خطيراً بالمجّان . وسيط سري أو عميل تمتطيه الروح حصاناً أو واسطة نقل للوصول بها إلى الجسد . هذه هي المعادلة التي تبنتها الطبيبة أسماء في تعاملها مع نفسها ومع الشاعر ( وحيد الكامل ) . لم تختلقها إختلاقا ً من عدم ، إنما إكتشفتها بإحساساتها المرهفة وتجاربها الشخصية وتجارب سواها من النساء . بالإضافة إلى فكرها المنظم وثقافتها العالية ودراساتها الجامعية وإتقانها للغة الفرنسية طباً وأدباً وشعراً فضلاً عن اللغة العربية . إمرأة لا تفهم الحياة دون حب . هذه مقدمة تؤدي بها إلى أن هذا الحب هو وسيط خير يؤدي دوراً محدداً لبلوغ غاية خطيرة الشأن : ذوبان أو إحلال الجسد بالروح والروح بالجسد . تحليل هذا الكلام بسيط : تحل الروح بالجسد والجسد بالروح بممارسة الجنس وهو أعلى أشكال الإرتباط بين ذكر وأنثى . يذوب ويحل هذان ببعضهما ليكون الناتج النهائي ولادة إنسان جديد نصفه من هذا ونصفه من ذاك ، أي ديمومة عمل الطبيعة وإستمراريتها الأزلية !! الحب يعرف نفسه ويعرف حقيقة دوره لكنه لا يُفصح علناً عنه . يجعلنا نعتقد جازمين أننا نروم الحب أولاَ وآخراً لوجه الحب خالصاً من أية نوايا وأغراض أخرى . الحب للحب !! الحب العذري والحب الأفلاطوني !! هذا وهم كبير لازم البشر منذ أقدم العصور وإسألوا المرحوم فريد الأطرش فقد غنى مرّة ً : الحب من غير أملْ أسمى معاني الغرام (( من أغنية بنادي عليك ِ / فيلم لحن الخلود )) !! مسكين فريد ... كانت إرادة الحياة وأدواتها فيه معطّلة .

أبراج الروح // رقصة الأطلس

أكمل " وحيد الكامل " علاجه وتشافى على يد الطبيبة أسماء في حين سافرت هي إلى باريس لإجراء عملية إستئصال ثديها المصاب بداء السرطان . عادت من باريس بصدر عامر يرتفع فوقه نهدان لا واحد ... واحد طبيعي وآخر سيليكوني . لم ترَ الطبيبة مريضها السابق بعد أن أتم علاجه فإفترقا كل ٌ لسبيل حاله . لم تلتقيه لفترة يمكن تخمينها إذا أردنا ذلك . هي لم تستطع نسيانه لكأنما وضع بذرة سرية في تربة قلبها كانت أو ظلت كامنة في حيويتها ولم تمتْ بمرور السنين . تحتاج إلى ظروف موآتية لإيقاظها لا أكثر . جاءت الصدفة المحضة وجاء معها الظرف المناسب لثورة هذه البذرة ويقظتها من حالة السبات لا الموت . مثل سبات الدببة القطبية شتاءً وباقي الحيوانات ذوات الدم البارد . يقولون : الصدفة هي طريق تجلّي الضرورة . كتبت ( ص. 84 ) :

 [10] .
 [11] .
ما زالت هي متعلقة بالمريض الذي عالجت وأنقذت حياته بعد أن حاول الإنتحار . البذرة لم تزل حية ً تنتظر الظرف المناسب وها قد جاء . ستلتقيه في الأمسية التي سيقرأ فيها شعر ديوانه الجديد .
حان الموعد فإتخذت مكانها في الصف الأخير من القاعة وكانت ترتعش وهي تسمع صوته كعزف كمان شجي :

 [12] .

شعر جميل بالفعل لم أسمع بإسم صاحبه قبلاً . ما هي " رقصة الأطلس " ؟ هي مقطوعة للموسيقار الراحل عبد القادر الراشدي ... كما أفادت أسماء ، ثم عقّبت قائلة ً :
 [13] .

هل هذا هوى حقيقي جارف أم لا ؟
ماذا حدث بعد أن أنهى وحيد الكامل قراءاته الشعرية ؟ نستمع إلى أسماء

 [14] ... [15] .
هنا حصلت الشرارة الأولى ... البرق الكهربائي الذي سيأتي صوت الرعود بعده ومن ثم يأتي المطر . في ماء المطر تستفيق البذرة النائمة في سبات .
ظلت تنتظرأن يتصل كما وعد بها . إتصل بها عَبر الهاتف المحمول وسألها أيمكن أن يلتقيا ؟ قالت أجل ، ثم أضافت : متى وأين ؟
بمقهى الشروق على الكورنيش ولتكن ساعة الغروب ، موافقة ؟ سألها . أجل ، قالت ، إلى اللقاء .

لماذا جمع وحيد الكامل الشروق والغروب معاً ؟ إقترح أن يلتقيا في مقهى الشروق في ساعة الغروب . الشروق + الغروب . المكان شروق واللقاء غروب . ما دلالة هذا النفسية والتنبئية ؟ مَن منهما سيمثل الشروق ومن سيمثل الغروب ؟ هما إثنان ، رجل وإمرأة ، ذكر وأنثى ، لكنَّ الشمس لغوياً مؤنثة والشمس تبقى شمساً في حالتي شروقها وغروبها . الشمس واحدة وهما إثنان . هنا ، كما إخال ، يتمنى وحيد الكامل في لا وعيه أن يكون العاشقان / مثل الشمس / واحداً متحداً جسداً وروحاً لا إنفصال ولا إنفصام . جمع الرجل في لاوعيه طرفين لا يلتقيان ، طرف في الشرق الجغرافي وطرف ٌ في الغرب الجغرافي المقابل . أو إنه يشعر عميقاً وبشكل غامض أنَّ عمره قصير وإنه سائرٌ صوب قبره حتى أسرع مما يتوقع . لقاؤهما شروق رمزي أي إرتقاء في درجة العلاقة التي ستربط بينهما . الشمس ترتقي الأفق وهي تشرق . في حركتها صعود جغرافي فضائي يترجمه لا وعي الشاعر أو يحسّه كأنه صعوده هو وإرتقاؤه هو لا في الفضاء الخالي ولكن ْ في عالم الروح حباً خالصاً من النوع الذي تحلم به وتبتغيه طبيبته أسماء . هو الآن وقد قبلت أن تلتقيه يدرك إنها تتجاوب معه في مشاعره وتبادله حبه ربما بحب أقوى وأعنف وهذا ما حصل لاحقا ً . صعود في العلاقات نوعاً وعمقا ً وتسام ٍ في المشاعر .

لم تقل لنا الطبيبة النفسانية أسماء دواعي وقوع الشاعر في حب طبيبته لكنه هو قال ذلك [16] .
أحب وحيد في طبيبته إنسانيتها ، كانت مخلصة في علاجه وتحملت مشاكساته وغرائب سلوكه وأصرت على أن تشفيه وأن تبقى معه حتى نهاية حصص العلاج . وأحب فيها الأنثى ... وهو كشف جرئ عار ٍ من أيما غطاء أو ستر ٍ يستره . يحب فيها الأنثى . ثم أحب فيها الروح الشفافة والإحساس الراقي . تدرّج وحيد تدرجاً ذكياً مبتدئاً بالمجرد (( الإنسانية )) ثم المحسوس جداً (( الأنوثة أي الجسد المغري ، نداء حواء لآدم )) حتى إنتهى بمجرد آخر هو (( الروح الشفافة )) . ثلاث إنتقالات عبرها برشاقة وصراحة ودقة كما تفعل خيول قفز الموانع الأصيلة . إنسانية + أُنوثة + روح . ماذا يريد الرجال في طول وعرض حيواتهم أكثر من هذا ؟ ربما تتوفر الإنسانية في الكثير من الطبيبات ولكن ، ماذا عن عنصر الأنوثة فيهن ؟ فيهن َّ الباردة جداً وفيهن ( المسترجلة ) جداً جداً وفيهنَّ المتعجرفة والسخيفة والمتعالية وفيهن َّ وفيهن َّ ....، هنا تفقد الطبيبة شفافية روحها وراقي حسّها إذا فقدت أُنوثتها . هل روح المرأة في أُنوثتها ؟ أجل ْ ، وأنوثتها في روحها . المرأة أنثى ومهمتها الأولى ورسالتها الطبيعية والبدهية والإجتماعية تتركز في خدمة الطبيعة بأن تتعهد أمر ديمومتها وإستمراريتها بإنجاب الأطفال ... سكك حديد يجري عليها قطارالكون الجبّار أعمى لا هدفَ له ولا غاية .

الغرفة الزرقاء // الجنس المكشوف / ص . 122

 [17] .
أقتبس ُ مقتطفات أخرى مبعثرة من الغرفة الزرقاء لأهمية دلالاتها وما فيها من إغراء جنسي وكلام رومانسي مكشوف يُضاف إلى ما سبقه ... يجعل الإنسان السوي يثور ... يتهيج ... و ...

 [18] .
أحسب ُ أنَّ الكلام الذي طوّقته بين أقواس مستقيمة مزدوجة عن الغرفة الزرقاء لُب َّ وخلاصة ما في قصة أسماء مع وحيد الكامل . إكتشفت في هذه الغرفة أنها لم تزل عذراء ... كأنها لم تمارس الجنس قبل تلك الليلة . في هذه الغرفة وفي هذه الليلة الزرقاء (( يشعل الإنجليز ضوءاً خافتاً أحمر في مثل هذه المناسبا ت)) ...إلتحم جسد أسماء بروحها عَبر ممارستها الجنس مع الرجل الذي تحب . الإلتحام بالجنس هو أعلى وأقصى درجات الذوبان بين حبيبين . حين يلتحم الجسدان تلتحم الروحان.

روحان حلاّ بدنا . معها كل الحق . هذه هي الحقيقة ... حسية ، صوفية ، علمية ، وهي قبل ذلك وبعد ذلك من صنع الطبيعة .
كانت [19]] رائعة وراقية وشاعرة وهي تصف الوقت الذي قضّته مع وحيد الكامل قي هذه الغرفة الزرقاء . كانت شاعرة كأفصح ما يكون الشعراء من غير عتههم وجنونهم . سلّمت جسدها كاملاً وبمحض حريتها لتمارس الجنس مع من أحبت . كان الحب هو الوسيط والعامل المساعد لإتمام كيمياء الجنس بالجسد . أسماء المرأة هنا في الأوج من تألقها الإنساني الحقيقي وفي بؤرة التجلي الصوفي أمام حضرة العشق الذي يعرف هدفه ويسعى إليه واعيا ً مفتّح العينين . لا مكان في هذه الغرفة الزرقاء وفي هذه الليلة الليلاء لخزعبلات ما يُسمى بالحب العذري أو الأفلاطوني وما شابه ذلك . أسماء هنا أمام جسدها عارياً على الآخر وأمام " طلقات " الحبيب بعد أن ْ تساقطت ملابسها من على جسدها قطعة إثرَ قطعة على سجادة مفروشة على أرضية غرفتها الزرقاء .

زواج / طلاق / سرطان الرئة

 [20]
عذراء كنتُ قبل اليوم ]]

 [21] .
بلغت الطبيبة العاشقة (( أسماء )) السمت الأعلى وواصلت ممارسة الجنس ( إلتحام الروح بالجسد ) سرّا ً في الغرفة الزرقاء إياها مع عشيق شاعر في عصمته زوج فرنسية إسمها سوزان الكامل . غدت أقفال جسدها جميعا ً في قبضة هذا العاشق الفاتح الذي تمكن بشعره وحبه وكآبته السابقة من فض عذريتها حيث [22] .
بلغت في هذه الفترة من الزمن أوج سعادتها وحققت أمانيها الحرة الكاملة في ممارسة كيانها جسدا ً وروحا ً مع رجل خبير في إقتحام قلاع أجساد النساء وتحريك الأوتار السرية الغامضة في الدواخل لتنطلق الألحان وتغرد الأناشيد من كل المقامات والتخوت واللحون . تحقق ذلك ولكن [23] . كلام بليغ قاله قبلها بعقود شاعر لبنان الأخطل الصغير بشارة الخوري في قصيدة " المسلول " :

سُلماي َ إنك ِ أنتَ قاتلتي
وجميلُ جسمكِ مدفني الأبدي
 
وطويلُ شعركِ صارَ لي كَفنا ً
كفن َ الشباب ِ ذوى وكان ندي
 
لكنما العشّاق عادتهم
ذكرُ المنايا ذكرَ مفتئدِ
 
يخشونَ من جزع ٍ للذتهم ْ
أن لا تكونَ طويلة َ الأمدِ

قال الشاعر الخوري هذا الكلام بلسان شاب مصاب بداء السُل . بطلة الرواية العاشقة حتى أقصى حدود السكر الصوفي والجسدي كانت هي الأخرى ضحية سرطان الثدي الأصعب والأكثر تعقيدا ً من سل الرئتين .

عليلان عاشقان ينطقان القول نفسه في ظرفين متشابهين تماماً تقريبا ً . هناك شاب وهنا إمرأة ناضجة جرّبت زواجاً فاشلا ً مع رجل قضّت معه عشر سنوات من غير أن ينجح َ في إقتحام قلعة جسدها فقالت من باب المجاز إنها كانت عذراء أو ظلت عذراء مع ذاك الزوج رغم الأعوام العشرة التي جمعهما فيها سرير نوم واحد . كانا طبيبين لكن كان المسلول شاباً فقيرا ً فيه (( لطف الغزال وقوّة الأسد ِ )) وكانت عاشقته إمرأة ثرية أرملة أو مطلقة أو كانت عانسا ً والله أعلم . ثم َّ ، كان لدى الطبيبة أسماء شك في أن َّ فارسها ومقتحم قلاع جسدها يعاني من خلل في صحته وقد لاحظته يسعل بشكل غير طبيعي . نصحته أن يراجع طبيباً مختصاً بأمراض الصدر لكنه رفض الفكرة . هل كان يعرف حقيقة ما به من مرض خطير في صدره وسكت عليه وأخفاه عن عشيقته من باب تدمير الذات والموت دون اللجوء ثانية ً إلى عملية إنتحار كالمرة السابقة ؟ هل كان قراره أن يموت وقد حقق أعلى أمانيه بالزواج من طبيبته أسماء ؟

إكتشفت زوج وحيد الكامل العلاقة السرية بينه وبين أسماء . زارتها في عيادتها وصارحتها وهددتها . شكتها لهيئة الأطباء فإستدعتها لحضور جلسة مساءلة أمام المجلس التأديبي . سُحبت منها إجازة ممارسة الطب ففقدت مهنتها التي أفنت فيها زهرة عمرها . طلّق وحيد زوجه الفرنسية وتزوج أسماء . هل إنتهى كل شئ بسلام وحسب مرام أسماء ووحيد وإستقرت الأمور كما يحبان أم أنَّ في الخفاء أسرارا ً وقضايا ومحاكمات ترتبها أقدار وإرادات غامضة لا يعرف أحد ٌ مكانها ولا يعرف أحد ٌ آليات فعلها وكيف ومن أين ومتى تأتي ضرباتها القاضية . قال الأخطل الصغير في نفس قصيدة المسلول :

سُلمى إطفئي الأنوارَ وإفتتحي
هذي الكوى لنسائم ٍ جُددِ
 
ودعي شعاعَ الشمس يضحكُ لي
فشعاعها برد ٌ على كبدي

هذا هو حال وحيد الكامل في هذه الفترة الزمنية القصيرة المتبقية من عمره . جنس وعشق وشعر وسجائر كثيرة وربما نبيذ فرنسي أو مغربي .
إمرأة طلقت زوجها الأول وكان مثلها طبيباً لأنه أهمل حاجاتها الأساسية وحقوقها الجسدية والجنسية . ورجل طلّق زوجه سوزان بسبب علاقته مع المرأة المطلقة أسماء . كان يبدو وضعهما نعيماً وسط كل هذا الخراب المذهل . إلتحما جسداً وروحاً ولكن ما كان الثمن ؟ أصيب وحيد بعد فترة قصيرة من زواجه الثاني من أسماء بسرطان الرئة الذي قتله بعد حين . سرطان سابق في صدر أسماء لم يقتلها لكنَّ سرطانا ً آخر في صدر حبيبها وزوجها وشاعرها كان كافيا ً لقتله . أي حب هذا ؟ أي نعيم هذا ؟ أية نهاية هذه ؟ أخلصت أسماء الود إلى زوجها وحيد حتى آخر لحظة من حياته . كرّست له كل وقتها تداريه في بيتهما على سفح جبل ٍ . فارق وحيد الكامل الحياة تاركاً زوجه وعاشقته وصديقة شعره وحيدة ً لا نعرف مصيرها بعد وفاة وحيد . هل ستتزوج رجلاً آخرَ شاعراً أو طبيباً من زملائها القدامى دون حب ؟ هل في هؤلاء من يعوّضها عن وحيد الكامل ؟ هل ستستعيد إجازتها في ممارسة الطب ثانية ً ؟

ملاحظات ختامية

نجحت السيدة فاتحة مرشيد ، كاتبة رواية " لحظات لا غير " ، في إيصال رسالتها للعالم الذي يقرأ المكتوب باللغة العربية : الدفاع عن حقوق المرأة وعلى رأسها حقها في أن تحب وأن تمارس الجنس مع من تحب . نجحت في الغوص في أعماق النفس البشرية ومتابعة حالات هذه النفس فرحاً وحزناً ، أملاً ويأساً ، خوفاً وطمأنينة ً . نجحت في إدانة قيم مجتمعها وفضح قمم مثقفي هذا المجتمع وخاصة ً بعض أطبائه الذين إجتمعوا بليل حالك السواد ليجردوا زميلتهم في المهنة الطبيبة أسماء من حقها في ممارسة مهنة الطب لأنها أحبت شاعراً كان يوماً أحد مرضاها ومارست الجنس معه لأنها وجدت فيه الرجل والمثال الذي تريد . فيه إلتحمت روحاً وجسداً من خلال عشقها لأشعاره فضلاً عن خلال أخرى إكتشفتها فيه .
نعم ، حالوا بقرار إرتجالي تعسفي من لدن المجلس التأديبي بهيئة الأطباء المغاربة بين أسماء وحقها في مزاولة مهنة الطب التي أفنت فيها زهرة عمرها . أية إمرأة هذه أسماء ؟ فقدت نصف صدرها الذي أُصيب بداء السرطان وظلت ( فخورة بنهديها ) كما قال لها الطبيب الذي أجرى لها عملية تجميل الصدر بنهد سيليكوني . رفضت زوجها الطبيب الجراح الذي أهملها كإنسان وكإمرأة لها طبيعتها الخاصة وحقوقها في تطمين حاجات الجسد الفطرية من خلال ممارسة طقوس الجنس بالأساليب التي تفهم ولها تستجيب . بقيت محرومة بعد الطلاق من الجنس لفترة ليست قصيرة . وكان هذا كما أرى عاملاً حيوياً في قصة سقوطها في حب مريضها الشاعر . عشقها لشعره وغرابة تصرفاته وحبه للموسيقى والغناء بالفرنسية لا تكفي أبداً . بل وحتى عطفها الأمومي عليه كشخص مريض يستحق الرأفة وشفقة الأم لا يكفي هو الأخر . ظلت دونما جنس يطمئن ويستجيب لنداءات جسدها الشديد النضوج الذي أوقفته بإرادة صُلبة عجيبة على مَن يستحقه من بين الرجال . رجل واحد تعشقه دون حدود وتحفظات. وجدت هذا الرجل في ( وحيد الكامل ) فمنحته هذين الإسمين الرمزيين المتناغمين مع رغبتها الخالصة في الرجل الذي تريد . هو وحيد بين الرجال ، وهو الكامل بين أنداده . لم تكتف ِ بتسميته ( كامل ) إنما أضافت له أداة التعريف ( أل ) زيادة في التخصيص . ركزت الكاتبة على هذا الأمر بشكل فني راقٍ يلفت النظر . كتابة بلغة مترفة هي أقرب لعالم الشعر الذي لعب دورَ العامل المساعد في تقريب أسماء من شخص مريضها وحيد . للشعر الحقيقي تأثير كذاك الذي لسحر الموسيقى . وللموسيقى قصة ذاك الرجل الذي سحر وأغوى أطفال المدينة بعزفه فجرّهم وراءه إلى البحر مهدداً أهاليهم بإغراقهم في اليم إذا لم ينصاعوا وينفذوا شرط إنقاذهم من الجرذان التي هددتهم ومزارعهم وغلتهم وما خزّنوا من أطعمة وحبوب . شعرُ رجل مريض قبل وبعد شفائه من علته أغرق أسماء في يم عميق مماثل : الحب ، الحب الذي تريده إمرأة طبيبة مثقفة تكتب بعض القصص وربما بعض الأشعار وتقرأها باللغة الفرنسية وتجري عمليات خطرة في باريس . في باريس تزور متحف النحات الشهير ( رودان ) وتصف منحوتاته أبدع وصف لا سيّما تمثال اليدين والقبلة وغيرهما . أسماء مغرمة بشكل خاص بالقبل وهندسة اليدين في الرجال . أعجبتها يدا أو كفا وحيد وطريقة تدخينه ولفه سجائره . هذه هي أسماء ... إمرأة في قمة النضج العقلي والجنسي . طفلة في براءتها وعفوية ردود أفعالها ورؤيتها للحياة وما فيها من ظواهر . لا تخفي شيئاً إلاّ علاقتها بالشاعر وحيد الكامل . وحين إكتشفت ( سوزان ) زوج وحيد الفرنسية هذه العلاقة رفعت ضدها شكوى أمام مجلس هيئة الأطباء التأديبي ثم زارتها في عيادتها مهددةً متوعدة . إثر ذلك طلّق وحيد زوجه وتزوج أسماء ، فهل يدوم النعيم وتستمر سعادة العشاق المعاميد ؟ تقول الحياة كلاّ !! خسرت أسماء حقها في مزاولة مهنتها . أصيب زوجها الثاني ( وحيد الكامل ) بسرطان الرئة ثم فارق الحياة . الآن ... أسماء الطبيبة المجردة من حقها في ممارسة المهنة تواجه الحياة وحيدةً حزينة لا زوج ولا عشيق . تواجه مرة ً أخرى معضلة الحرمان الجنسي الذي ساهم في إيقاعها أصلاً في حبائل عشق مدمر غير محسوب العواقب .

هل في هذا ثأر أخذته القدرة الكبرى الخفية للعدالة منها لأنها تسببت في طلاق إمرأة أخرى ستعاني من الحرمان الجنسي وتعطل طاقات الجسد ؟ لماذا إذاً دافعت عن حقوق النساء الطبيعية وهي تحرمهنَّ من هذه الحقوق؟

ما كان يجب ، في نظري ، أن تتزوج أسماء من وحيد الكامل . تبقي المعاناة لها ويظل وحيد زوجاً للفرنسية سوزان . كل ٌّ يمارس حقه الطبيعي المشروع وكل يواجه مصيره المقسوم . ولكن أين ستكون آنذاك المأساة التي هزتني أحداثها لو أنها لم تقدم على ذلك ؟ أين سيكون الطعم المر الذي خالط دمي وحرك إنسانيتي وأثار في تفكيري ألف ألف بركان لم تزل مدويةً فيَّ ليلاً ونهارا ً ؟ نتقبل مرارات الحياة كما يستطيب مرارة الكحول مدمنهُ . وكما يستسلم مدخن السجائر لمصير كارثي محتمل بإصابته بسرطان الرئة أو الشفتين وغير ذلك . أو كما يُدمن متعاطو المخدرات طعومها ومفاعيلها المدمرة وهم غير مبالين.

خلاصة مأساة أسماء : سرطان في صدرها + طلاق أول + خسران المهنة + زواج من رجل طلّق بسببها زوجه الأجنبية + سرطان رئة في صدر زوجها الثاني وحيد + موت وحيد + وحدة قاتلة ومصير غير معلوم !!؟؟

د . عدنان الظاهر / المانيا

[1بأنامل رعشى فتحت ديوانه الأول بعد أن أستوقفني العنوان طويلاً :
" شظايا الشمس " . عن أية شمس يا تُرى يتحدث ؟ وكيف تتشظى الشمس ؟ ...
تصفحت أوراقه واحدة ً واحدة وأنا أبحث بين السطور عمّأ يُساعدني على سبر أغوار ذاته . كلماته قطرات عطر مُعتّق ... تتسرب عَبر المسام ... تستفز الحواس ... لا تدع لك حيّزاً للهروب منها ...تلبسك ، تضمّك ، تؤلمك ، تبكيك ، تلقيك أرضاً عند قدميها ... وتطلب أنت المزيد . وكمن يُزيح غشاوة ً عن عينيه ويُبصر ُ لأول مرة ... تُحدّق بملء عينيك ، بجوارحك ، تتحسس كثافة هذا السواد الذي يخرج من النص ليتسربَ إلى نفسك أنتَ القارئ المتشبث بدفء سرير مُريح حيث تُداري أزماتك الوجودية بعيداً عن البؤس الحقيقي للوجود . وتتساءل ماذا لو كانت كلماته بحجم أحاسيسه ؟

" رويدكِ يا إمرأة
ما كنتِ
ولن تكوني البديل
فبعد رحيل الشمس
لا يُرهبني رحيل "

أكاد أراه خلف السطور يُضمّد بالقلم ما ينبض حيّا ً بداخله ، تماماً كما تُضمّد ُ الجراح ُ بقطع الشاش الطبي.
تحمل أشعاره من السوداوية ما يشدّني ... نجحت في تدميري ... ذاك الدمار الجميل الذي أعشقه والذي يغذي القارئ ويرمم دواخل لا تستقيم إلا بالحرف

[2تحملُ أشعاره من السوداوية ما يشدّني ...نجحت في تدميري ... ذاك الدمار الجميل الذي أعشقه والذي يغذي القارئ ويرمم دواخل لا تستقيم إلا بالحرف

[3تريّثي قليلاً
يا إمرأة العَتمةْ
إني لأسمع الزمن
حصاناً جامحاً
يركض خلفنا

[4أين لي بكأس
تصرع هذا الدوار
وأنا أتأرجحُ
بيني وبيني
صحو ُ نهديك ِ
لا يُغريني

[5أتذوق كل كلمة بلذة شهوانية

[6مكثتُ بمكتبي وبحركة آلية أخذت جهاز التسجيل وبدأت أُعيد سماع الحصة الماضية . أتى صوته خافتاً يصم ُّ آذان الغياب . ما عرف مكتبي غياباً بهذاالحضور

[7في الطريق إلى بيتي أحسستُ برهبة تنتابني وأسئلة تلح ُّ علي َّ : كيف أعادتني حصص علاجه إلى نفسي ؟ أتُراني أحلله أم إنه يحللني

[8لا زلتُ رغم إنكساراتي أحلم كما الصبايا برجل يختزل كل رجال العالم . أُراني في عينيه إمرأة تختزل كل نساء العالم . في لحظة تختزل العمر ... تختزل الزمن

[9إنتهى الوقت المحدد للحصة ومكثتُ لبعض الوقت ألم ُّ أفكاري بعد أن زعزع قناعاتي ... أنا أنا الرومانسية التي أؤمن بالحب الكبير ، بالحب الوحيد والأوحد // ص . 39

[10... فتحتُ الصفحة الثقافية وإذا بخبر يقفز إلى بصري : بمناسبة صدور ديوانه الجديد : " أبراج الروح " يُحيي الشاعر وحيد الكامل أُمسية شعرية مع توقيع الديوان بالمركز الثقافي الفرنسي وذلك يوم السبت على الساعة السابعة مساء ً ، والدعوة عامة

[11... سيسعده حضوري لا مَحالة ، خاصة ً وإنه لا يعلم بحقيقة شعوري نحوه . لكني أعلم وهذا يكفي . لقد صمدتُ لشهور أمام رغبتي في لقائه من جديد والتحدث إليه . ولولا وجود الخبر بالجريدة لما كنتُ الآن أتأرجح بين الطبيبة والإنسانة

[12أفتقدُ " رقصة الأطلس " على سطح التيه ، غفوة الرعشات عند الغسق وصحوة ٌ ... كصباحاتنا نائمة . لا تدع ْ المسافات تطوى بالصمت قصّتنا .
سُفني إشتهاء ٌ ومرفأُك قِبلة ً للصلاة .

[13كلما سمعتها إشتعل في َّ الحنين . لكن ْ أن يفتقدها هو في " أبراج الروح " فهذا ما إستقبلته كإشارة من القدر . كان يقرأ ويقرأ وأنا أسمع ترتيلاً كإسراء الروح إلى أقرب مقام إلى الله

[14ها أنا أمامه وقد إنصرف الجميع تقريباً ، وهو ينظر إليَّ بإبتسامة عريضة ويكتب : " إلى من أعادت روحي إلى أبراجها ... بعضا ً من روحي ... مع إمتناني ومحبتي . وحيد الكامل "

[15قلت مبروك . قال : شكراً على حضورك ، يسعدني أن أراكِ ثانية ً فأنا مدين لك بأشياء كثيرة ... سوف أتصل بك قريباً

[16لا ... لن أسمح لأحد بإسم أي علم أو نظرية جوفاء أن يمنعني من أن أحبكِ . أنا لم أحب الطبيبة فيكِ ، أنا أحببت ُ فيك ِ الإنسانة ، أحببت ُ فيك الأنثى ، أحببت ُ روحك الشفافة وإحساسك الراقي بكل ما هو جميل

[17غرفة زرقاء ، كل شئ فيها مُهيأ للحب : ستائر شفّافة كروح عذراء ، سرير مُخملي لحجم رَقصة ثنائية ، أريكة حالمة ، طاولة تضم ُّ قارورة نبيذ فرنسي ، شموع متناثرة الأحلام وسجادة تصلّي إحتفاء ً بملابس تتساقط ُ تِباعا ًعلى إيقاع الهمس .
يد ٌ تحط ُّ على خصر ...فتنفتح كل أقفال الجسد ...
بدأت رَقصتنا واقفة ً كتانغو يهيم بين دنو ٍّ وإبتعاد لتستمر َ على إيقاع
" التبوريدة ْ " وتنتهي بطلقة واحدة مدوية يُصبح ُ فيها الفارس ُ والحصان والسلاح واحداً ... كل ٌّ طريح المعركة ، فارغ ٌ إلاّ من إفرازات الحياة الحقيقية .

لملمت ُ أعضائي صوب الحمّام . قال " عودي ، كيف تغتسلين من حب طهّرك ِ ؟ " .
عدت ُ لا تحملني قدماي لأستلقي على حنان قال عنه إنه أحلى مرحلة من مراحل فعل الحب .
لم أكن ْ قد إعتدت ُ على مرحلة ما بعد الجنس ، كانت مرحلة أقضيها في الحمام أغتسل ُ من آخر آثار الجريمة لأنام بعدها تاركة ً مسافة من السرير بيني وبين زوجي السابق ، الذي كان يعود مباشرة ً بعد أن يغتسل َ مني كذلك إلى أوراقه وجرائده .
لم أدر ِ كم دامت فترة ما بعد الحب ...إستيقظت ُ بين أحضانه على منبّه الجسد وعضوه منتصب ٌ خلفي يقول : " صباح الخير ، ها هي ذي الساعة التي تستيقظ فيها الورود لتستقبل َ الندى ... تفتّحي يا وردة لقد هيأت ُ الرحيق َ لك "

[18للجسد لغة خاصة // ما خبرت ُ من قبل ُ سمفونية الفجر هاته // قال كمن يهذي من النشوة : ستشهد الغرفة الزرقاء يوم َ نخبو على ليلة العمر ... وكأنني إختزنت ُ ما إختزنت ُ من فيض العشق كي أسيل على أنهارك // ما كنت ُ أدري أن َّ لي أنهاراً بهذا العطاء ... تفيض على جنبات الروح فتنعشها ... تورق البراري ويستحيل ُ الكون ُ جنّة ً وأستحيل ُ عروسا ً // عذراء كنت ُ قبل اليوم

[19[ أسماء

[20للجسد أقفال تنتظر فاتحها

[21كلما بلغنا قمة السعادة ينتابنا إحساس غريب ... قلق مَشوب بالأسف والخوف

[22ما نجح زوجي السابق ، خلال عشر سنوات على فراش واحد ، في فتح قلعة الجسد ... / ص . 124

[23كلما بلغنا قمة السعادة ينتابنا إحساس غريب ... قلق مَشوب ٌ بالأسف والخوف


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى