الجمعة ١٨ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم محمود الديداموني

الصفصافة

عندما اتخذت قرارك ، ساعتها فقط ، أحسست بدوار رهيب يلف رأسي وبأن سياجاً حديدياً ألقيته حول جسدي ، لم أفهم لماذا اتخذت هذا القرار ، سنوات مضت ، وكلماتك لاتفارقني .. علمتني أن الحياة ماهي إلا عاشق ومعشوق غذيتني من شهد ثغرك ، فصرت أحلق معك نحو سحب الخيال .. أدركت أن الحياة لم تعد لتعطيني ظهرها ..

كنا نسافر سوياً في ظلام الليل نبدد حلكته ونستضيف البدر ليشهد عرسنا .. تحتويني كل ليلة بين ذراعيك .. أنام على صدرك ، .. هناك .. حيث ينقطع الطريق ، .. لم أشعر بالأمن إلا في رحابك ، ولم تشعر بالسعادة إلا عندما أقبل ، .. نعم .. كنت أحس بارتعاشة جسدك النحيل وأقرأ في عينيك عبارات الوجد .
لحظاتك الساكنة فقط هي التي كانت تثير اهتمامي ، كنت تعيدني بها إلى عالمي الكئيب .. أنت تعرفه جيداً .. لم أكن لأشك فيك ، لم أشأ لأقتحم لحظاتك .. سوف تخبرني .. نعم .. فأنا لا أخف شيئاً عنك .

صفصافة نعمات كانت شاهداً على ميلادك في روحي .. أتذكر ذلك اليوم .. كنت قد قررت الهروب من طغيان زوجة أبي .. لم أستطع تحملها أكثر من ذلك .. كنت أنت هناك تصطاد في مياه الترع .. لم ألتفت إليك .. بينما خرجت تحمل بعض السمك .. القيته بين يدي .. رفعت طرف عيني إليك مستنكرة ..
ابتسمت ، ثم أطلقت كلمة كأنك تقرأ ما بداخلي : لا شيء في الدنيا يستحق الحزن هيا .. هيا .. ادع لي ..
ساعتها أدركت أنني إذا هربت سأخسرك .. فعدت أتحمل لسان زوجة أبي الذي تعودته ..

كنت مجنوناً وأنا أطيعك .. واعدتني في كل أوقات اليوم.. ساعة بساعة حتي في ساعات الليل المتأخرة وقبيل الفجر ووقت الفجر .. كنت تريد أن يكون الزمان شاهداً علينا .. لكنك تقيدت بمكان واحد .. هناك حيث ينقطع الطريق تحت صفصافة نعمات .. كنت تحبها مثلي .. كانت فروعها تتدلي خضراء تنبض بالحياة ، يسمونها صفصافة شعر البنات .. تتموج مع الريح تعزف نغمات فريدة .. كانت ألحانها تستثيرنا .. فنغني ونطلق أغنياتنا للريح ، ترددها العصافير وأسراب الحمام وفراخ الغيط .

أذهب كل يوم إلى نفس المكان .. أشعر باختلاف كبير ، لايقلل منه إلا تلك الذكريات .. تتناوب على عقلي لحظاتنا ، .. أحس بمرارة تلف حلقي .. أذويها داخلي وأعود ..
لم يعد المكان يثيرني .. يتساوى الليل والنهار في عيني كلاهما .. يمر بطيئاً ثقيلاً .. جاراتي يتناوبن على زيارتي .. يثرثرن في كل شئ .. أشعر بالحسد يمرح في عيونهن .. أبتسم رغماً مني .. وأعطيهن أذني .. أكاد لا أفهم شيئاً مما يقلن .. فقط أعطيهن أذني وأمارس شرودي ..

الآن وبعد كل تلك السنوات .. تشوهت الذكريات .. ماعادت تكفي .. كلما أرسلت لي شيكاً .. تختلط الذكريات ، وأحس بأنني مازلت في دائرتك أمضغ ألامي وتحملني قدماي إلى صفصفاتنا العتيقة .. نعم .. أصبحت عتيقة .. ضرب السوس جذعها المائل .. حاولت تثبيتها على قائم .. أعتقد أنه لن يتحمل كثيراً.. فقط .. كل ما يربطني بك منذ قرارك تلك الوريقات ..

عندما تفكر في العودة ستجدها معلقة هناك في أعلى شجرة الصفصاف عد بسرعة فقد سمعت أنها على وشك الرحيل ..
وعندما تعود لا تحاول البحث عني فهذه المرة قد صممت على قراري ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى