الأحد ٢٠ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

خطاب الصورة وجماليات الخطاب البصري

إن الصمت من حيث هو دلالة وبلاغة وثقافة ولغة تتجسد فيها كل لغات العالم، يتوضح مفهومه في خطاب الصورة الذي يترك بدوره ذلك الانطباع وتلك المؤثرات ومجموع المشاعر والأحاسيس التي إن جاز تسميتها بثقافة الصمت تغدو رافداً معرفياً مهماً ومحركاً لدينامية المفهوم الثقافي العام ، فالناظر إلى المونا ليزا يقرأها بعبقريته الخاصة ويجد فيها انطباعه ومشاعره وأحاسيسه الذاتية وربما تفجر فيه طاقات وتنقله إلى عوالم مجهولة وهي صامتة تبوح بما تعجز عنه لغات العالم بسرّ بسمتها وسحر نظرتها ، فهذا يقرؤها متعطشة للدماء ،وذاك يجد فيها رمز الأنوثة والشهوانية ، وآخر تسخر منه لكنها تحتفظ بسره لنفسها وليس وحدها الموناليزا تبوح بصمتها فكل صورة معلقة في الجدار لها بوحها ولغتها ، فهي تحمل ذكرى وتولد انطباعاً يختص بها لا بسواها ، فلكل لوحة عوالمها ومن مظاهر ثقافة الصمت في خطاب الصورة فن الكاريكاتير ، إنه يغنيك عن كلام كثير ويدغدغ فيك أحاسيس ومشاعر طالما حلمت بالتعبير عنها والإفضاء بها أو عالج مشكلات كنت تبحث عن حل لها ، والفنون التشكيلية بمدارسها المختلفة هي لغات تتحدث بكل لغات العالم .
يقول نيتشه

إن الفن يثبت لنا مظاهر الحياة المتغيرة والذاتية رغبة في السمو لكنه الفن الذي يعبر عن الحياة الحقيقية ، إنه يحقق ما حاولت الطبيعة فعله ، فهو يكمل البدايات الناقصة والعالم ليس مبرراً إلا بفضل ظواهر الجمال ، لكي يتحقق الفن تحدث التأملات الجمالية أياً كان الهدف حضور جسدي مبدئي ضروري منتشي .

الفن يجعلنا نفكر في حالات الصلابة الإنسانية ، إنه سمو الشعور بالحياة ، إنه استشعار بالحياة وحقيقة العمل الفني إنه يحضر حالة السكون لخلق عمل فني ، إنه كمال الوجود رغبة في القوة .

إن القرن العشرين هو قرن الفن بامتياز حيث أحدث ثورة في نشوء المدارس الفنية فقد استمر تأثير المدارس التي نشأت في القرن السابق له كالتأثيرية التي ساعدت على تغيير الذائقة الجمالية ، وفي ألمانيا ولدت التعبيرية في مطلع القرن تزامناً مع الوحشية وذلك عام 1905 ، وفي عام 1908 عرفت التكعيبية على يد بيكاسو فحطمت صرامة الماضي وتماسكه عبر التأسيس للنسبية وانطلق المشوار إلى التجريدية 1910 والدادا 1918 والسوريالية 1924 والكويرا 1948 والواقعية الجديدة 1960 ، والفن الفقير 1967 : يقول بيكاسو ( 1881 – 1973 ) أرسم الأشياء كما أتصورها وليس كما أراها ، فالتصور هو الذي يتحدث عنه بيكاسو دائماً هو الصمت ، هو التأمل والذهنية والجوانية الإنسانية العميقة التي قد يستحضرها عنوة كالذكريات القريبة أو أنها تقفز إلى الوعي المدرك عند استثارتها وتحريضها من قبل لوحة الفن التشكيلي أو الكلمة المعبرة التي تقع على الآذان بوقع هادف عبر الرمز أو المثل أو الشعر والموسيقى المعبرة ، وهكذا
.
والذي يتجول في معرض للفنون التشكيلية يتبادل الصمت مع مجموع اللوحات ، ينتقل من واحدة إلى أخرى وهو يتحدث بلغة الصمت ويمارس ثقافة الصمت مع اللوحات ينتقل حين تدعوه اللوحة ليدخل عالمها فيمنحها انطباعه وتمنحه على قدر ما يحتمل وعيه من أسرارها ويدخل بذلك في صراع مع اللوحة هو صراع صامت ويبدو ضجيجه صامتاً لكنه معبر عنه بكل ما هو لا إرادي يرتسم على ملامحه ومحياه من انطباعات . إن لذة العين أكثر خطورة من لذة الأذن لهذا جاء الأثر البنيوي الشريف يعد من فقد عينيه ثم صبر بدخول الجنة .

يدفعنا هذا الواقع إلى توسيع دلالة الصورة ليشمل النشاط الذهني أي الصورة العقلية والفكرية والنشاط النفسي ( الخيال والإدراك ) والنشاط اللغوي ( الصورة السمعية ) والمجال الفني ( النحت والرسم ) وتلك الأنشطة من مظاهر حضارة الصورة التي تتجلى في الأبعاد المكانية الملموسة والمجردة وتعمل في المقابل على خلق عالم متطابق مع الواقع كخطاب الصورة الفوتوغرافية أو عالم بديل للواقع أكثر صدقاً أو أكثر سحراً كلوحة الفن التشكيلي ، وهذا النمط يحظى في الغالب بامتلاك المتلقي والاستحواذ على بصره وبصيرته ، وتقوم وسائل الإعلام المرئية بهذا الدور .

لقد كان الفيلسوف الألماني فيورباخ قد أعلن في القرن التاسع عشر ( بأن العالم المعاصر يفضل الصورة على الشيء والنسخة على الأصل ، ويقدس الوهم على الواقع ) وهذه الحقيقة النبوءة لفيورباخ تدعونا إلى التفكير في خلق متصورات جديدة لبلاغة الصورة أو جماليات الخطاب البصري في ضوء مستحدثات تكنولوجية الصورة التي تستطيع أن تتشكل في خطاب الحقيقة التي تقدمها الصورة وأن تخدع المتلقي وتزيف الواقع أمام عينيه فهي تراهن على البعد الأيقوني للواقع فتستدعي الموضوعات المجردة واللامعقولة لتحولها إلى علامات ايقونية يتجلى فيها الواقع مع الصورة الخيالية التي أضفت عليها القوى الخلاقة للإنسان سمات أسطورية وسحرية وهنا حكمت خطورة خطاب الصورة المرئية في تكوين قيم الشر وتشجيع القبح الثقافي ونمو هرمونات العدوانية والانحراف .

ولقد كان للدكتور محمد جابر الأنصاري ليس فقط السبق الفكري بل أعمق من ذلك وهو التهديد بتدهور هذا العقل نتيجة سيطرة الصورة الحسية لتحل محل التصور الذهني اللاحسي في ظل التلفزيون ، ففي كتابه الموسوم بـ ( انتحار المثقفين العرب ) حيث درس التأثير الأبستمولوجي للتلفزيون على الأجيال الجديدة التي اعتمدت على تلقي المعلومة المعرفية بالصورة بدل تلقيها بالكلمة والقصور الذهني والتجريدي ، وعالج الفارق الكبير بين هذين النمطين من التلقي المعرفي حيث حل التلفزيون محل الأبوين في المنزل في توجيه الطفل وتكوين عقليته في جوانب التأسيس البيداغوجي ( التربوي ) والابستمولوجي ( التعليمي ) وتكوين العادات والسلوكيات الحياتية الأساسية والتوجيهات الشعورية والعاطفية مما يخلق نمطاً مغايراً لما تأسست عليه البشرية في نمط التلقي المكتوب والرمزي حيث هنا يقوم التلفزيون بتزويد البصر بكل إمكانات التزويد الحسي الدقيق والنافذ في خفايا الطبيعة والمادة ، فإنه ينزع من البصيرة التجريد الرياضي والديني والفلسفي والجمالي واللغوي مما يفسر التدهور الحاصل في المستوى الفكري المعاصر ، ويعيد البشرية إلى القصور الحسي قبل اختراع الأبجدية عندما كان التعبير بالصورة المجردة لا يتضمن أي معنى مجازي وعندما صارت الكلمات والحروف رموزاً لأصوات ومعان غير مرتبطة حسياً ومادياً بالصورة ، تحرر التعبير لينطلق إلى المعاني المجازية والتجريدية الخصبة للفكر والخيال وتجاوز الحسية الطفولية لينطلق في رحاب الفلسفة بمجرداتها الذهنية الرحبة ويبلغ سن الرشد العقلي بتأسيس الرياضيات ويتلقى الديانات الروحية حيث لم يكن يستطيع محاربة التفكير الديني إلا من خلال الأدوات المحسوسة .

لكن في ظل التلفزيون عاد الإنسان إلى التفكير بالصورة الحسية وأخذت تتقلص لديه ملكة الإمكانات الذهنية والمجازية واستسهل المشاهد الحسية بقدر ما استصعب القراءة الفكرية والمعاني الروحية التي بدورها تهب الإنسان قيمة من حيث هو كائن عقلي وروحي ، فقد فقدت أجيال التلفزيون الإمكانات اللغوية الراقية والتحاور الاجتماعي لطول تعاطيها مع التلفزيون حتى أصبحت أقرب إلى الصمت والعي منها إلى النطق والإفصاح ، والنتيجة فإن استمرار وترسيخ التلقي المعرفي والمعلوماتي والإعلامي العام بالصورة التلفزيونية الحسية سيؤدي إلى تدهور عقلي للجنس البشري في ذروة التقدم العلمي المعاصر .

في خطاب الأنصاري هذا لهاث دؤوب وراء التهديد من خطر الصورة الحسية على العقل البشري ، فالتلقي المعرفي بالصورة – بتحليلنا المتواضع – نزعم أنه بوسعه أن يفعل هذا التأثير لأنه يحل محل التأمل والخيال التصوري الذي تحدثنا عنه في فصل سابق وهذا من سمات زمن السرعة وزمن الاستسهال الذي يغزو حياتنا في كل مفاصلها ، ونحن بدورنا كبشر ندفع ضريبة التقدم العلمي من عقولنا فندعم رأي الأنصاري بأن التلفزيون قد انحرف عن وظيفته الأساسية في نقل ما لا يمكن مشاهدته أو تصوره ذهنياً أو نقله كتابياً لولا الانقلاب الذي حدث في وظيفته المعرفية وتغلب جانب الإيصال بالصورة على مختلف جوانب الحياة فلم يعد ممكناً نقل الأحاسيس البشرية والمشاعر الإنسانية مما قتل التأمل والتصور والذهنية .

إن التلفزيون عبر نقل القصص والروايات لم يستطع أداء دور الجدات اللواتي كن يتحدثن بالقصة والأحفاد يسرحون في خيالاتهم ، استطاع فيما بعد ووصل إلى درجة من الغنى والنضج من إنتاج الفلسفة والشعر والأساطير والروايات العالمية والمدينة الفاضلة وألف ليلة وليلة . إن المسلسلة التلفزيونية لم تعد تعني للمشاهد أكثر من المتعة الحسية الآنية التي تهمل بعد انتهاء العمل بقليل .

إن الإنتاج الفني نوع من الإنتاج العقلي الممتاز وهو من التعبير التلقائي عن النفس ومحتوياتها ومشاعرها ، وهو موهبة مرتبطة بالقدرة على تقدير الجمال والاستمتاع به والشخص الذي يقدر الفن مرهف الحس وعنده حاسة جمالية وتتميز عموماً الخبرات الفنية بالجو الوجداني الذي يثير الانفعالات عند إدراكها سواء كانت هذه الانفعالات سارة أم محزنة ، وللفن إضافة إلى الجانب الحسي في مشاهدة الألوان وجانب آخر معنوي يرتبط بإثارة التفكير والخيال وإدراك العلاقات الابتكارية ، فالطفل يبدأ رسومه بمرحلة عدم ترابط الأجزاء نظراً لضيق نظرته إلى العالم واهتمامه بالدرجة الأولى بنفسه وتصور الأشكال ذات البعدين ثم ينتقل إلى البعد الثالث ومن استعمال الصور الحسية الواقعية إلى التعبير الرمزي ويرتبط الإنتاج الفني بإنتاج العقل الباطن واللاشعور وقسم علماء النفس الفنانين إلى نوعين نوع يتعلق بالنواحي الشخصية ، ونوع يتعلق بالنواحي الموضوعية ، فالأول هو الطابع المزاجي الذي يؤثر في نظرته لتقدير الجمال ، فالشخص الهادئ يفضل الإنتاج الفني الذي يبعث على الهدوء ، بينما الشخص الثائر يفضل الإنتاج المثير ، فاللون الأحمر عند بعضهم منعش ، والأخضر هادئ أما العوامل الموضوعية فمرتبطة بالإدراك كالعلاقة بين الأجزاء وبين الكل ، والخبرة الفنية تتضمن عدداً من المراحل تبدأ بالإدراك الحسي البسيط – عند الطفل – وتنتهي بالاندماج الكلي الانفعالي في الموقف بحيث تصبح الشخصية جزءاً منه فتلامس الشعور الوجداني الملامس للإنتاج الفني وبهذا يتم الاستمتاع بالجمال بشكل طبيعي واضح .

إن الأطفال يملكون خيالاً تصورياً هم بحاجة إلى تنميته وتوجيهه واستثماره بدلاً من تحطيمه عن طريق تقديم بيانات جاهزة لعقل الطفل تجعل تفكيره التصوري الناشئ يتراجع ويضمر أو يقف مؤجلاً لحين الفراغ من فلم الكرتون الذي يقرر الشخصيات بدلاً منه .

لقد كان إلحاح الأطفال على الجدات لسرد الحكايات والاستفسار عن بعض التفاصيل أو حتى إعادة الحكاية عدة مرات له أهميته العقلية واللغوية والحوارية تلك ، اليوم هي مهددة بالضياع بسبب السلبية في التعامل مع الأطفال . والصمت الذي يفرضه التلفزيون ويؤازره التأسيس البيداغوجي التلفزيوني لأطفال التأسيس المنزلي والمدرسي حيث يفرض الصمت بشكل قسري والتسكيت بمناسبة وبلا مناسبة مما يجعل هذا الطفل المسكين في حيرة من أمره وفي مفترق طرق وتشتت دائم ويقع بين الحذر من التسكيت وإلحاح الحاجات المعرفية الدائم التي تتطلب الكلام واللعب والحركة وغيرها ما يوقعه في مفترق طرق وتشتت وحذر من الكلام – حتى الضروري – وحذر من اللعب الذي هو أكثر ضرورة واعتبار كل كلمة تخرج من فمه من المحذورات التي قد يؤنب عليها من قبل المعلم أو الوالدين فيضمرها أو ينساها فيدفنها ، هذا التناسي في خزانة اللاوعي لديه ، أما الكلمة التي يؤنب أو يعاقب عليها فعلاً فستكون له محذوراً من نوع آخر ، إنها لعنة تلاحقه ترتجف أوصاله منها حتى لو لفظها الآخرون على مسامعه ، وهكذا تتراكم مجموعة من المحذورات في وعيه وفي لا وعيه لتكون لديه ثقافة لا يعرفها سواه ، إنها ثقافة صامتة ناهيك عن التصرفات المنهي عنها التي ستشكل لديه محطات تاريخية مخزونة في ثقافته الصامتة كأيام المشاجرات العائلية التي حدثت أمامه أو الأخطاء التي ارتكبها أبواه أو المشاهدات التي اختلسها نظره فاكتنزها لتظهر في مناسبات معينة حتى في شيخوخته عندما يواجه ظروفاً مماثلة ، فهو يجعل الحادثات تقفز على شكل صور ذهنية كانت مخزونة في اللاشعور العلوي لتتحول إلى عقد نفسية ناتجة عن تثبيت نفسي صامت في لاوعيه .

يتوصل علماء النفس ونقاد الفنون التشكيلية المتخصصون إلى اكتشاف تلك المكبوتات من خلال رسومات الأطفال .
عندما يطلب من مجموعة من الأطفال رسم آبائهم فستكتشف أمام مرأى الناقد تلك المكبوتات بشكل أو بآخر فإذا كانت أعمارهم بين السادسة والتاسعة وهي مرحلة الخيال الحر كأخصب مرحلة للتعبير العفوي غير المقصود فلا بد من وجود بعض الرسومات تصور الأب على حقيقته وتطبع بعض الإثارات هذه الحقيقة كطول اليد وكبر حجم الكف إذا كان والده يصفعه باستمرار وكبر حجم الفم هو انعكاس للتأنيب المستمر . إن إمكانات الطفل الخيالية غير محدودة على نقيض إمكاناته العقلية ، لذا ستكون رسومه معبرة عن حاجات نفسية وأماني لحظية فيرسم والده أو معلمه كما يريد فيبرز في الرسم أسنانه عندما يكون عابساً في حياته وقاسياً ولأن إحساس الطفل المكاني يفوق إحساسه الزماني وجد لديه هذا التعبير اللحظي ويؤخذ تعبيره هذا على أنه صادق جداً .

قال الفيلسوف الفرنسي بيير تيفيه في مؤتمر نيس العالمي للكتاب :

( لقد أصاب الكبار خيال الأطفال بالمرض بسبب الإعلانات وحلقات الإذاعة والتلفزيون ومغامرات السوبرمان وبسبب تزييف الكبار للخيال وتحويله إلى ضرب من الإثارة غير الهادفة ) .

إن ملكة الخيال تتخذ أشكالا شتى لعوامل مختلفة منها الخبرات والتكوين العقلي والبيئة وهذا القدر من الخيال الذي يحتفظ به الإنسان هو الذي يوجد الفروق الفردية بين الناس والمبدعين من فنانين تشكيليين وشعراء وموسيقيين …

وغالباً ما يختلط الخيال بالتصور أما ما يسمى ( بأحلام اليقظة ) فمع تراكم الخبرات تضمر مناطق الخيال ويحل محلها نوع تفكير متصل يضع صورة متخيلة لما يمكن أن يكون حل مشكلة من المشاكل ويستعمل في هذا التصور حيلته العملية والمعرفية ويسمى هذا التصور بأحلام اليقظة فالتصميم الهندسي المبتكر الذي يضعه المهندس هو من أحلام اليقظة ، والخطة الحربية أيضاً من أحلام اليقظة وكل الأفعال تبدأ أحلاماً ثم تتحول إلى واقع أو أنه سيغدو واقعاً فيما بعد . فلوحة الفن التشكيلي ليست بالضرورة تعبير عن واقع ولو أنها نتجت عن أحلام الفنان فهي قد تتحول إلى أحلام أخرى ، وهنا ينقلنا مفهوم الصمت إلى محاور أخرى واتجاهات جديدة من الحلم في رأي الفنان إلى الحلم في رأس مشاهد الصورة ، إنه انتقال صامت من حلم فردي إلى أحلام جماعية من صمت فردي إلى صمت جماعي ، وهنا تكمن جمالية الخطاب البصري ، وما المدارس التي استعضرنا نشأتها ومسمياتها إلا وسائل لهذا الانتقال ، فالتكعيبية تنقل الصورة بأسلوب يختلف عن التجريدية أو التعبيرية ، وكلها طرق مواصلات للصمت بين أحلام الفنان وخيال المشاهد .

وفي الخيال يقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في كتابه ( عنقاء مغرب ) شعراً :

عجبت لوجود حوى كل صورة

من الملأ العلوي والجن والبشر

ويبدو إلى الأبصار من حيث ذاته

ويخفي عن الألباب ذاك ويستتر

فتجهله الألباب من حكم فكرها

وتظهر الأوهام للسمع والبصر

هو الحي لكن لا حياة بذاته

تقوم كما قامت بها سائر الصور

فالصورة إذاً – وعبر هذا المفهوم هي حياة لكونها تحرض الخيال وترحك صمته بصمتها ، فلكل صورة لغتها وخطابها بل لغاتها وخطبها ، نقول هذا استناداً لما يرتسم في مخيلتنا من انطباعات وأحاسيس متفرقة لقاء مشاهدة صورة ما لكل منا على حدة

الهوامش :

1 - نيتشه ( فريدريش ) 1844 – 1900 فيلسوف ألماني أخذ بمذهب التطور وقال بالبقاء للأصلح – كان من مؤسسي العرقية الجرمانية – يتلخص مذهبه بما يدعى إرادة القوة من كتبه المسافر وظله – وهكذا تكلم زرادشت

2- بيكاسو ( بابلو ) 1881- 1973 ، من أشهر مصوري العالم المعاصرين ، ولد في إسبانيا وعاش في فرنسا ، اعتمد في فنه على التكعيب ، من أشهر لوحاته : آنسات أذينون غرينكا .

3- فيورباخ : 1804 – 1872 م فيلسوف ألماني ، انفصل عن مثالية هيغل ، ووضع نظرية المادية انطلاقاً من انتقاد فكرة الله والدين ، له ( روح المسيحية ) .

4- محمد جابر الأنصاري – ولد في البحرين 1939 – كاتب ومفكر – أستاذ وعميد كلية الدراسات العليا في جامعة الخليج العربي – من مؤلفاته : تكون العقل السياسي ومغزى الدولة القطرية – التأزم السياسي عند العرب

المراجع

1-مجلة العربي – العدد 420 – آذار 2000 – ص 145

2مجلة العربي – الكويت – العدد 491 – ت1 – 1999 – الدكتور أحمد يوسف ( عالم الصورة وثقافة العين .

3-انتحار المثقفين العرب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – ط2

4-مجلة العالم – عن المركز الوطني للدراسات الاسترتيجية – السعودية – العدد 23 –نيسان 2001 ص57

5- مدخل علم النفس – د . محمد خليفة بركات – مكتبة مصر – ط2 – 1928 – ص59


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى