السبت ٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم ماجد عاطف

الثعلب!

إنهما مجنونان!

لو لم يكونا كذلك، لما تخاصما سنيناً لأمرٍ تافه وبقي أحدهما يتابع أخبار الآخر بشغف. لو لم يكونا مجنونين، لما خرجا عصراً –دون اتفاق- إلى السهل ذاته، المفروش بالثلج الأبيض، البعيد أميالاً عن المدنية، حيث الحيوانات المفترسة والبرد والأشجار المتهالكة من الأثقال، بحثاً عن وحدة مليئة.

ولو لم يكونا مجنونين لما تجمدا كالثلج صنمين صامتين عندما لمح أحدهما الآخر، تفصل بينهما وهدة نقية منخفضة وشجيرات مطمور خضارها بالبياض، بدل أن يتصافحا.

وتنبّه لهما الثعلب الصغير أحمر الذيل كان يلاحق شيئاً ما بين الشجيرات.

إنه يتذكرها بكل التفاصيل التي عبأته بالجنون والحب، وهي تتذكره بانفعالات حادة مغذية –مرفوضة!- وليس لها إلا أن تنقم عليه، لأنه مصدرها! أن يتجرأ ويفكر فيها.. أن يحبها وأن يشتهيها!

فقط حركة واحدة بدرت منها: ثبتت خصلتها المنفلتة من تحت قبعتها خلف أذنها، وسوّت معطفها.. واستغل هو الفرصة ليتأمل جذعها الذي انثنى على جانبه، وقوامها الذي قل –بارتفاع الذراع- كساؤه، ففرك راحتيه استجلاباً للدفء.. وتنبّه الثعلب المستغرب من الحركتين البعيدتين، كل في اتجاه، لا يدري من أين يحترز، فكشر عن أنيابه.

مع ذلك زال آخر ثلج من داخلهما كتب له أن يزول: إنّه ثابت إزاءها كذكر، وهي تعرف هذا، فقد اختبرته -كأنثى- بمتابعته طوال سنوات. ولا أحد منهما سأل ماذا يفعل الآخر في هذا المكان، كأن تواجده أمر بديهي. والصمت المجابه، والاعتراف ربما، هو كل ما يريده منها، وبقاؤها كان فيه قبول به من نوع ما.

وتمنى أن تظل وربما حدثته أو كلمته فاختلجت أساريره من التمني؛ وشعرت هي بسروره فثار فيها إحساسها الكامن: إنه كذكر مسؤول عن كونها أنثى وعن كل شقائها الذي تعرفه ولا تعرفه.. لن تريحه -أو تتسبب له بالراحة- للحظة واحدة قط، بل يجب أن تؤلمه بكل ما تستطيع.

وقد لا تستطيع الآن أن تعود أدراجها، ولكنها أيضاً لن تمضي نحوه.. إنها تفضّل أن يأكلها حيوان مفترس على أن تقف قبالته، هكذا، فتسرّه!

وبعزم تنتزع قدميها من الثلج الكثيف وتمضي بتثاقل نحو الثعلب الذي يرتبك.

ويدرك هو غايتها فيراقبها بنظرات ساخرة تكشف عن نابين متبسمين: الثعلب هجرس، أصغر من أن يأكلها.. وهو أيضاً رمز ذكر!

السبت 9 حزيران (يونيه) 2007


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى