الأحد ٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم أحمد محمود القاسم

قصة أصغر أرملة

كان يعيش في دولة الكويت مع والديه وإخوانه وأخته الوحيدة، حيث كان أكبرهم سنا، لم يكن ناجحا في حياته الدراسية، حتى انه لم يكمل دراسة الثانوية العامة، ولذلك، فضل والديه ان يعمل في أي مهنة صناعية مناسبة، يمكن أن تدر عليه دخلا ماليا مناسبا أيضا، يمكن به أن يساعد والده في الصرف على البيت و على تربية بقية إخوانه، والبالغ عددهم خمسة (أربعة من الأخوة وأختا واحدة، وأحد إخوانه، أصيب بمرض شلل الأطفال في صغر سنه، فهو معوق نسبيا ويحتاج للمساعدة)، لذلك لم يهتم والديه بتعليمه لقناعتهم، بأنه لم يكن ناجحا دراسيا، ولا يرغب هو حتى في مواصلة تعليمه الثانوي، فكيف إذن سيصل الى التعليم الجامعي؟ طالما انه لم يتمكن من إنهاء مرحلة الدراسة الثانوية، لذلك كان والده فاقدا الأمل في أن ينجح ابنه، فشجعه على امتهان مهنة مناسبة، تدر عليه دخلا جيدا، فامتهن مهنة (التنجيد وعمل ألبرادي) عند أحد معارف والديه، حيث عمل بطرفه بضعة أشهر مجانا، كي يتعلم المهنة، ثم ما لبث أن أصبح يتقاضى منه راتبا جيدا، وقد نجح نجاحا كبيرا في هذه المهنة، لأنها مهنة فنية وعملية، لا تحتاج الى كثير من التفكير والإبداع، فهي تعتمد على العمل اليدوي، والجهد المنظم والمتواصل، مع مراعاة نوعية الزبائن، وفهم احتياجاتهم، وأن يكون صادقا وأمينا عند تعامله معهم .

والده أيضا، كان رجل مهنيا، لم يكن يرغب في التعليم والدراسة، وجد نفسه يعمل في مهنة حدادة وصباغة السيارات، منذ صغره، أسوة ببقية إخوانه، الذين امتهنوا هذه المهنة، منذ صغرهم، لقناعتهم بأن العمل المهني أفضل، من حيث الدخل المالي والارتباطات الزمنية، من العمل الوظيفي أو المرتبط بوظيفة رسمية، فالشخص الذي ينهي دراسته الجامعية، و يتوظف في مهنة حكومية، تدر عليه راتبا شهريا، بسيطا لا يغطي مصروفه الشهري، ولا يزيد راتبه سنويا، إلا بضع دولارات، وكونه هو يعرف قيمة العمل المهني، الذي كان يدر عليه دخلا كبيرا نسبيا، ويعتمد أساسا على الجهد الذي يبذله في عمله، خاصة لعدم وجود فترة عمل محددة لديه، فهو يعمل حسب وقته وراحته، ولا يوجد أحد مسئولا عنه، ليضغط عليه، فهو مسئول عن عمله، ويذهب إليه ويعود منه، حسب ضرورات العمل التي يقتنع بها، فلهذا فضل لأبنه، بأن يمتهن العمل المهني الحر، وكان ما كان له.

في أحداث العام 1990م التي وقعت بين دولتي الكويت والعراق، حيث احتل الجيش العراقي دولة الكويت، وأنهى النظام القائم آنذاك لفترة زمنية، خرجت الأسرة جميعها كبقية الأسر العربية والفلسطينية التي خرجت، واتجهوا الى المملكة الأردنية الهاشمية- بلدهم الثاني بعد فلسطين، حيث مكان استقرارهم، بعد نكبة العام 1948م، التي ألمت في الشعب الفلسطيني، واستقروا في العاصمة الأردنية/عمان، حيث كان لهم بيتا متواضعا، اعتادوا على استخدامه، منذ كانوا يعيشوا في دولة الكويت، فعندما كانوا يحضروا الى عمان، كانوا يستعملوه للإقامة فيه مدة إجازتهم الصيفية، لكن رب الأسرة ما لبث أن اشترى مسكنا مناسبا له في عمان، حيث كان في حوزته مبلغا من المال، وفره من عمله، أثناء مدة إقامته في الكويت، والتي تقارب العشرين عاما، حيث انتقل إليه، وبنى فوقه شقتين أيضا، لم يكمل تشطيبهما بالكامل، على أمل ان يزوج فيهما، بعضا من أولاده.

أما ولده البكر والأكبر والمدعو (مزيون)، والذي امتهن، مهنة التنجيد، فقد قرر الزواج من ابنة عمه والتي تدعى (رازان)، تلك الفتاة الجميلة، بل الرائعة الجمال، الدلوعة والأنيقة، والتي تقاربه نفس العمر تقريبا، فلم يمانع والده ووالدته زواجه منها، خاصة لأن ابنه هذا بعد عودته من الكويت، كان يملك مبلغا جيدا من المال، كان يمكن لهذا المبلغ، ان يضيع من ولده في أمور كثيرة، وغير مفيدة، إذا لم يستغله في مشروع مناسب، فكان رأي الوالد، أن يزوج ابنه من ابنة عمه، كي يعمل على استقراره أولا، وأيضا، لأن ابنه، كان على علاقة حب جيدة مع ابنة عمه هذه، منذ كانوا يحضروا الى الأردن في أجازاتهم السنوية، وازداد هذا الحب، منذ إقامتهم إقامة دائمة في عمان، كما انه هو (ابن عمها)، أولى بالزواج بها، من غيره، كونه ابن عمها، كما أنهم ليسوا غرباء على بعضهم البعض، فلن يكون هناك مشاكل في علاقاتهم الزوجية، كونهم يفهما كل منهم الآخر، ويعلما أحوال بعضهما بعضا، وانه فيما لو حصل أية مشكلة بينهما، فانه كفيل بحلها، كما انه عمل له، وبمساعدته، على فتح محل مستقلا لعمل ألبرادي، وتنجيد الكنبات والكراسي وخلافه.

تزوج الابن (مزيون) من ابنة عمه (رازان)، حسب الإجراءات المتبعة في مثل هذه المناسبات، وتم إقامة حفل زفاف رائع له، واستحوذ الابن (مزيون) على إحدى الشقتين التي بناهما والده، والتي تقع فوق مسكنه مباشرة، بعد أن استكملا تشطيب إحداها، وأثثاها بالكامل كي يسكن بها مع زوجته.

أما الزوجة، سعيدة الحظ، فقد كانت مسرورة جدا من ابن عمها (مزيون) وزواجها منه، فقد كان غنيا نسبيا، وبعده في ريعان شبابه، وبكامل صحته وقوته، وكما يقول المثل المصري (جسمه مالي هدومه)، كما أنها قريبة جدا من سكن حماها وحماتها، فهم يسكنون فوق منزلهم مباشرة، فلا فرق بين سكنها وسكن حماتها، فالحواجز ستكون مرفوعة، وستكون الأمور كلها على خير ما يرام، وإذا ما احتاج زوجها زيارة أهلة، فالمسافة قصيرة جدا بينه وبينهم، وإذا ما تأخرا ليلا عند زيارتهما، فليس هناك مشكلة، وإذا ما احتاجت الى أي نوع من الطعام أو الشراب، فبيت حماتها قريب منها، وإذا ما مرضت أو حملت ووضعت، واحتاجت مساعدة حماتها، فحماتها لن تتوانى عن التقصير معها، وسوف تكون الى جانبها فور احتياجها لها، خاصة أن أهلها بعيدين عنها، فوالدتها لا تستطيع الحضور إليها متى شاءت، كونها كبيرة في السن نسبيا، كما ان والدها قد توفي منذ مدة طويلة، وإخوانها مشغولون بزوجاتهم واحتياجات بيوتهم، وأيضا يتطلعون الى هموم أبنائهم ومشاكلهم، إذن فهي محظوظة، لأن سكنها قريبا لسكن حماتها وأهل زوجها.

أما الحماة، فكانت مبسوطة وسعيدة، كون ابنها البكر، قد تزوج وفرحت به، وسيقيم قريبا منها على بعد خطوات من إقامتها، فمتى أرادته، لن تتوانى عن استدعائه فورا كي يقدم خدماته لها، أو يمكنها أن تذهب إليه، وقتما شاءت، كي تكلمه أو تستدعيه على انفراد، وحتى إذا ما طبخت طبخة مميزة، ومحبوبة لأبنها، فمن السهل عليها دعوته ليتناول منها، عند حضوره في فترة الغذاء، وهو في طريقه الى بيته، بعد انتهاء عمله، كما أنه يمكنها تكلفة ابنها بتقديم كافة الخدمات لها ولبيتها، فيما إذا كان والده مشغولا، او مريضا، كذلك تستطيع ان تراقب ابنها أثناء دخلاته وطلعاته مع زوجته، وما يحمله في يده من الأغراض او الأشياء الثمينة، وحتى غير الثمينة، وإذا ما حضر إليه أحد من الضيوف أو الزوار، بهدف زيارتهم، خاصة حماة ابنها، كي تتمكن بالإلمام بكل ما يدور حوله وحولها، من أحداث وأمور تافهة أو مهمة، فهي تريد معرفة كل صغيرة وكبيرة، وتود أن لا يفوتها أي شيء.

كذلك بالنسبة لها، هناك شيئا هاما جدا، وهو أنها تتوقع من كنتها (رازان) (زوجة ابنها) ان تحضر إليها في الصباح الباكر، بعد ذهاب زوجها الى عمله، كي تتسلى معها وتشرب معها فنجانا من القهوة، أو كي تساعدها في أمور البيت، خاصة أعمال الطبيخ والمطبخ، وغسل الصحون وغسل الملابس، وتنظيف البيت مما يلعق به من الغبار وخلافه، وغيرها من الأعمال الروتينية المعروفة كثيرا لكافة ربات البيوت، كما انه لا مانع لديها من أن يشترك ابنها وكنتها بالحضور إليهم صباحا أو ظهرا وحتى بفترة المساء، كي يتناولوا طعام الإفطار أو الغذاء، وحتى طعام العشاء، لأنه لن يتغير على أمور البيت شيئا يذكر، بعد زواج ابنها (مزيون)، سوى زيادة عدد أفراد الأسرة شخصا واحدا، وهو كنتها (رازان)، وهذا لن يؤثر على وضع بيتها بشيء، سوى زيادة وجبات الطعام، وجبة أخرى إضافية، بل على العكس من ذلك، فبدل أن يكون هناك عمليات طبخ ونفخ في بيتها وبيت كنتها، فسيتم توفير عمليات الطبخ في بيت كنتها، وستكتفي في الطبخ في بيتها فقط.

أما الكنه، فكان رأيها يختلف كلية عن تفكير حماتها وطموحاتها وأحلامها، فهي كانت تنتظر اللحظة التي سوف تتزوج فيها، حتى تتخلص من أهلها ووصايتهم عليها، وتحديد حركاتها وتنقلاتها، وما يجب عليها لبسه أو عدم لبسه من الملابس، وحتى تكون مستقلة ولها بيتا يضمها مع زوجها لوحدهم، لا ثالث بينهما، مهما كان هذا الشخص، فكانت تنتظر لحظة زواجها على أحر من الجمر، حتى يكون لها هذا البيت المستقل، والمطبخ المستقل أيضا، وزوجا لها لوحدها، لا يشاركها فيه أحد ثالث، كي تربيه على يديها، دون تدخل من أحد أيضا، سواء كان هذا الأحد، حماتها أو والده، فهي تريده زوجا خالصا لها لوحدها، ولا تريد ان يستغله أحد غيرها، فبعد زواجها منه، عليه أن ينسى أهله بشكل كبير جدا، وعليه ان يهتم بمنزله وزوجته واحتياجاتهم المستقبلية، خاصة عندما تحمل وتخلف ولدا أو بنتا.

كيف يمكن للحماة ان تحقق رغبتها وطموحاتها، وتنفذ سياستها التي سوف تفرضها على ابنها وعلى كنتها؟ فهي حتى لا تكون ظالمة لأحد، لن تفرض سياستها على كنتها وابنها منذ الأسبوع الأول أو الشهر الأول لزواجهما، لكنها ستتركهما يقضيان شهر العسل، كما هو الحال في العادات والتقاليد المتبعة والمألوفة عند الناس، في مثل هذه الحالات، ولكن خلال مدة الشهر هذا سوف تدعيهما باستمرار الى طعام الغذاء، ما أمكنها ذلك، والى طعام العشاء كذلك، وإلى شرب قهوة الصباح، وشرب شاي المساء، حسب رغبتها هي، وأن يحضروا إليها فيما إذا حضر لها بعض الضيوف، كي يروا كنتها، كذلك ستأخذها معها الى السوق، كي تغير الجو أحيانا، أو إذا أرادت أن تشتري بعضا من احتياجاتها فهي سوف تساعدها على ذلك، وغيرها من المناسبات التي يمكن أن تحدث لهما، سواء عيد ميلاد سعيد، او حفلة زواج أو زيارة خاصة، لبعض الأهل والمعارف، وعلى هذا الأساس، سارت الأمور بين الحماة وكنتها خلال الشهور الأولى من زواجها، فلم تكن ألكنة لتغضب كثيرا من هذا الوضع الطاريء، فما هي إلا أسابيع أو شهور، حتى تصبح في حل من هذه الأمور، وتنفك من هذه الالتزامات والتي ليست على مزاجها، فليس مطلوبا منها أن تحضر كل دعوة للغذاء، فقد ترفض هذه الدعوة على أنها ليست جائعة الآن، أو لأنها لا تحب هذا النوع من الطعام، أو أنها وعدت زوجها أن تطبخ له طعاما خاصا تم اتفاقهم علية قبل ان يعلما بدعوتهم هذه ---وهكذا في غيرها من الأمور كافة.

ما أزعج ألكنة (رازان) كثيرا، هو مرور الشهور تلو الشهور، ولم تشعر بأية آثار للحمل عليها، وما زاد الطين بلة أيضا، هو سؤال حماتها لأبنها دوما، عن السبب الذي وراء عدم حمل زوجته بعد، خاصة بعد مرور هذه الأشهر الطويلة على زواجهما، وطالبت ابنها من التأكد من زوجته فيما إذا هي لا تود أو لا ترغب في أن تحمل منه لسبب أو لآخر، أو أنها تعاني من مرض ما حال دون حملها، وعليه أخذها زوجها فورا الى طبيب النساء، كي يعطيها العلاج المناسب وغيرها من الأمور الكثيرة التي لها أول وليس لها آخر.

لم تقبل ألكنة، ان يكون السبب وراء عدم حملها ناتج منها، فقد يكون العيب من الزوج، وليس منها، لذلك فهي تفضل ان يجري زوجها أولا كافة الفحوصات والتحاليل اللازمة له، كي تطمئن على أن السبب، ليس زوجها أولا، وعلى ضوء ذلك، قام الزوج بإجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة، وانتظروا نتائج التحاليل الى ان ظهرت، والني أثبتت بان زوجها لا موانع لديه تحول دون أن تحمل زوجته منه، لذا فعليها هي إجراء كافة التحاليل اللازمة، كي يتم التخلص من أية موانع لديها تحول دون حملها، وهكذا عمل زوجها، فأخذها الى طبيب اختصاص نساء وولادة وأعطاها العلاج المناسب بعد أن أجرى لها التحاليل الإكلينيكية اللازمة، في بداية العلاج التي تعاطته لعدة اشهر لم يكن العلاج مفيدا لها ولكنها بعد مواصلتها على مراجعة الطبيب تحسنت حالتها تماما وما لبثت أن حملت وأنجبت عروسة جميلة أسمتها (زريفة)، وبهذا انحلت عقدة كبيرة من أمامها كنت تقلق نفسيتها كثيرا وتستحوذ على تفكيرها وتنغص عليها حياتها.

بعد خلفتها هذه، وحتى قبل ان تخلف ابنتها (زريفة)، اعتادت (رازان) ان تنزل من منزلها باستمرار عند حماتها سواء بالفترة الصباحية أو في الفترة المسائية، وفي أحيان كثيرة، في فترة تناول طعام الغذاء أو تناول طعام العشاء، وإذا ما كان يحضر زوجها بع الانتهاء من عمله، تأخذه الى بيتها بسرعة، ولا تدع له مجالا للبقاء عند أهله أكثر من اللازم، وهذا ما كان يقلق أهل زوجها، خاصة حماتها، فحماتها، كانت تعتقد وحسب فهمها بأن (رازان) خطفت ابنها (مزيون) من بين يديها، ولا تريدها أن تراه أو تتحدث إليه، كما كان عندها قبل زواجه، فصارت تطلب من ابنها البقاء لديها مدة كافية، ولا يجوز له ترك والديه فورا، عندما تطلب منه زوجته ذلك، فيجب ان لا يسمع كلامها دوما، وبهذا الشكل، وكأنه بلا شخصية، أو إرادة، حتى يسمع كلام زوجته بهذا الشكل، ويخاف من أن يقول لها كلمة (لا). وفي أحيان كثيرة كانت (رازان) تترك زوجها عند والديه، وتذهب الى بيتها، وتطلب من زوجها اللحاق بها، ولكن زوجها كان يتأخر كثيرا عندما كان يلحق بزوجته، والسبب يقال بأن وراء ذلك والدته، مما كان يؤدي هذا الى خلق مشاكل بينها و بين زوجها، وأيضا بين زوجها ووالديه وفي أحيانا أخرى كثيرة، بين الحماة وكنتها.

ما كان يقلق ويزعج الحماة أيضا، عندما كانت تحضر كنتها عندها أثناء النهار أو الليل، كونها كانت تحضر بأجمل ملابسها وماكياجها، وأناقتها وتلبس الملابس شبه العارية، على أساس أن ألكنة، كانت تحضر الى بيت أهل زوجها، وليس هناك أحد غريب عليها كي تتحفظ في لبسها وخلافه, وأيضا ما كان يثير الحماة ضد كنتها، هو عندما تحضر كنتها في كامل أناقتها وماكياجها، فانه لا تستطيع الذهاب الى المطبخ كي تساعد حماتها في الطبخ وغسل الصحون والملابس وخلافه، فالكنة، جاءت لترتاح وتقضي وقتا ممتعا وهي تشاهد التلفزيون وتستمع الى الأغاني وغيره من البرامج الترفيهية، حتى يحضر زوجها، ومن ثم تعود الى بيتها كالعادة، وهذا ما كان يزعج الحماة كثيرا، وتظهر غضبها وتتشكى منه لزوجها وابنها، كي يضعا حدا لتصرفات زوجته (كنتها) وهذا كان يفجر المشاكل بينهما كثيرا.

وحيث أن الحماة أيضا، لديها شباب كبارا وبالغين، فلم تكن راضية أن تحضر (كنتها) بكامل أناقتها وماكياجها، فهذا قد يثير أولادها، ويحد من تحركاتهم في بيتهم، فهم لا يرغبون أن ينظروا الى زوجة أخاهم وهي في ملابسها المثيرة هذه. كذلك كانت ترغب من كنتها أن تساعدها في أمور البيت واحتياجاته العملية.

عندما احتدمت المشاكل بين ألكنة والحماة، لم تعد ألكنة تنزل الى بيت حماتها كثيرا، كما اعتادت ذلك من قبل، وإذا ما حضرت ووجدت بعض الأطباق هنا أو هناك فكانت تأخذهم وتضعهم في المطبخ، وتقوم بأي من الحركات في البيت وكأنها قامت بترتيبه وهندسته، كي يكون طبيعيا و مألوفا.... وهكذا، ومع ذلك لم تكن الحماة لتكتفي بهذه الأعمال البسيطة التي تقوم به كنتها، وما كان يثير الحماة كثيرا، عندما تكون مريضة ولا تستطيع عمل شيء في بيتها، فلا تأتي كنتها عندها لتقوم بواجبات البيت من طبخ وغسل وخلافه.

ساءت العلاقات كثيرا بين (مزيون) ووالديه، وبينه وبين زوجته (رازان)، فأصبح في حيرة من أمره، ولم يعد قادرا على فعل أي شيء نحوهما، كذلك فان المشاكل بين زوجته ووالدته لا تقل كثيرا عن ذي قبل، بل تزداد تفاقما يوما بعد يوم، حتى أن والده أصبح يعاتبه ويقول له بأنه يحضر عندهما هو وزوجته، ولا يكلف نفسه مساعدة والديه، في مصروفات المنزل، من طعام وشراب، كذلك فانه يقيم في بيته دون ان يدفع أجرة البيت الذي يقيم فيه، فهو صحيح بأنه ابنهن ولا يريد منه شيئا ولكن لديه أولاد مثله وهم يحتاجون الى مصاريف كثيرة، ومنهم من سيتزوج خاصة أخاه المعاق، لذلك فنه يتطلب منه ان يكون كشخص غريب، ويدفع كل مستحقات البيت الذي يقيم فيه إضافة الى مصروفات الماء والكهرباء وغيرها من المصاريف البيتية الأخرى، وأن زوجته (رازان) بدل من أن تساعد حماتها في أعمالها المنزلية، أصبحت عبئا عليها، فحضورها، لا يفيدها في أي شيء يذكر، وعليها أن تشرب القهوة والشاي وتناول الطعام، وتجلس ساعات طويلة أمام شاشة التلفزيون وترى المسلسلات والأغاني وخلافه، وغيرها من الأمور الكثيرة المزعجة. وعلى ضوء ما تقدم صار (مزيون) يحضر الطعام الى أهله في مناسبات كثيرة، وفي أحيانا أخرى، يدفع لوالده مبلغا من النقود مقابل ما يتكلفه من مصاريف هو وزوجته وأجرة البيت وأثمان الماء والكهرباء.

هذه الأوضاع المستجدة على (مزيون)، جعله في وضع صعب من النواحي المالية، وأيضا ما جعله في وضع أصعب جدا، كونه أصبح في ضائقة مالية كبيرة نسبيا فيما يتعلق بعمله في المحل، فالزبائن الذين كانوا يأتونه الى المحل، كي يقوم بعمل ألبرادي والكنبايات لهم، لم يكونوا يدفعوا له أجور خدماته لهم نقدا وعدا، وفي أحوال كثيرة، كانوا يعطونه شيكات بلا رصيد، ومنهم من كان لا يدفع له شيئاّ، وقد يعود هذا الى سوء في إدارته للمحل، وبذلك كانت هذه أهم مشاكله والتي جعلته يتورط كثيرا في الديون والهموم، ولم يعد حتى يستطيع النوم بهدوء.

على الرغم مما قام به (مزيون) اتجاه أسرته، من دفعه للنقود لهم، مقابل مصاريفهم وسكنه الى جانبهم، لم تكن كل هذه الحلول كافية لتضع حدا لمشاكل زوجته مع أهله، فالمشاكل كانت تزداد وتتصاعد لدرجة أن أهل زوجته بدؤا يتدخلوا في الأمر، وإنهم يودون أن يحفظوا لأبنتهم حقوقها، وانه ليس من واجب ابنتهم خدمة أهل زوجها ومساعدتهم في كل شيء، فأسرة زوجها كلهم شباب، واحتياجاتهم كثيرة، ومشاكلهم معقدة، وان ابنتهم لا تستطيع العيش معهم والتدخل في مشاكلهم واحتياجاتهم هذه كلها، وابنتهم شابة صغيرة بعد، ومن يوم زواجها لم تكن لتشعر بيوم واحد من الراحة، وهناك أمورا أخرى كثيرة، كانت تنعكس على حياتها غما وهما، فطلبوا من زوج ابنتهم وضع حد لكل هذه الأمور والمشاكل.

فهم مزيون المشكلة بشكل واضح، واعتبر بأن كل ما يحدث من مشاكل بينه وبين زوجته، هو كونهم قريبين من بعضهم، فإذا ما ترك سكنه هذا، واستأجر سكنا بعيدا، فلن يلتقي مع أهله ولن تلتقي زوجته مع حماتها وأهله، إلا في مرات محدودة جدا، ولأقصر وقت ممكن، فهو لذلك قرر ترك البيت، وأن يستأجر بيتا آخر، والسكن فيه مع زوجته، بعيدا عن بيت والديه.

صحيح أن إقدامه على هذه الخطوة الجريئة والشجاعة والمكلفة، قلل كثيرا من المشاكل والهموم التي كانت تحدث بين زوجته وأهله، وبينه وبين زوجته، وأيضا بينه وبين والديه، على الرغم من ان سكنه أصبح بعيدا عن مكان عمله، لكنه اعتبره حلا مناسبا جدا، طالما خلصه من المشاكل، بينه وبين زوجته وأهله وخلافه.

كون مشاكل عمله ومحله كانت تتفاقم باستمرار، وهو غير قادر على تسديد ما عليه من الديون، وحلها ماليا، فكان لا بد له من أن يستعين بوالديه لإنقاذه مما هو فيه، وعلى الرغم من ان أهله ساعدوه كثيرا من النواحي المالية، وقدموا له كثيرا من الأموال، ولكن دون جدوى، فالأمور تحتاج الى مبالغ كبيرة من المال لحلها، كي يوفي بديونه للآخرين، فعاش في قلق دائم، وكان معرض للحبس في كل لحظة، لإعطاء زبائنه بعض من الشيكات التي كانت في معظمها بدون رصيد.

أما زوجته، فكانت تفكر بان تنجب طفلا آخر، بعدما أنجبت بنتا، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل، فهي في المرة الأول أخذت العلاج المناسب، وشفيت من مرضها، وقضت على مشاكل حملها، ولكنها الآن، تريد ولدا إضافيا، لكنها لم تحصل على رغبتها هذه، فما السبب يا ترى؟
بعد مناقشات طويلة ومكثفة بينها وبين أهلها وبعض من إخوانها وأخواتها ومعارفها، اقتنعت بأن هناك أناس حاقدين عليها من أهلها البعيدين عنها نسيا، فهم يغارون منها ويحسدونها على زواجها من ابن عمها، ومن الحفلة التي أقيمت لها يوم زفافها، لهذا، فهي مقتنعة تماما أن عملا ما، معمولا لها كي تبقى مشاكلها مع زوجها، وكي لا تحمل مرة أخرى بطفل آخر، لهذا عليها مراجعة بعض الشيوخ الذين يعملون (الأحجبة) كي يزيلوا الحسد والغيرة والحقد الذي وقع عليها من هؤلاء، فدفعت الكثير من النقود، مقابل ما عملته من الأحجية الكثيرة، وبعد عشرات من الجلسات والذهاب الى كافة الشيوخ بأنواعهم المختلفة، ولكن دون جدوى من هذه الأعمال والتي لا أساس لها من الصحة، مما اضطرها لمعاودة مراجعة الطبيب مرة أخرى، وبعد جهود مضنية أيضا، تمكنت من ولادة طفل آخر وحققت رغبتها بطفل ثان.

مرت الأيام والسنين وخفت مشاكلها مع حماتها وأهل زوجها كثيرا عن ذي قبل، ولكن في نفس اللحظة، فان مشاكل زوجها المالية، التي طغت على كل المشاكل، أثرت عليها كثيرا، فلم تعد لتستطيع ان تشتري الثياب الحديثة، وتضع على وجهها المكياج الفاخر، وتعطر جسمها بالبخور والعطور المرتفعة الثمن، وتذهب هنا وهناك كما كانت تفعل هذا من قبل.

دالت الأيام وتغيرت، وفي يوم من الأيام، طلب شاب، الزواج من أخت زوجها، فوافق أهل زوجها على ذلك، وتم التفاهم على كافة الأمور المتعلقة بالمهر والمقدم والمؤخر والحفلة وخلافه، وحددوا يوما لزواج ابنتهم في أحد فنادق مدينة عمان، ودعوا كافة الأهل والأقرباء والمعارف لحضور هذا الحفل الرائع، وفرح الجميع ورقصوا الى ما قبل بزوغ الفجر، خاصة زوجها (مزيون) الذي رقص رقصا كثيرا وغير مألوفا منه كعادته، الى ان أنتهي الحفل، وذهب كلهم لتوصيل العريس وعروسه الى عش الزوجية, ولكن مفاجأة كبيرة حصلت في الطريق مع زوجها (مزيون)، حيث كان يسوق سيارته والى جانبه احد إخوانه، إذ شعر بتعرق شديد، ودوخة كبيرة، وتشنج في كافة جسمه، مما اضطره الى إيقاف سيارته جانبا، وطلب من أخيه قيادة السيارة ونقله الى الطبيب فورا، وعليه قام أخاه بقيادة السيارة فورا، وحاول نقله الى عيادة أحد الأطباء في المنطقة المتواجدين فيها، من يعرفهم ومن لا يعرفهم، فلم يجد أحدا في عيادته، حيث كان معظمهم قد أغلق عيادته منذ فترة طويلة، لانتهاء دوامهم الرسمي، فنقل أخاه الى عيادة الطواريء في احد مستشفيات عمان، البعيدة عن أماكن تواجدهم، ولكنه ما أن وصلهم كان (مزيون) زوج (رازان) قد فارق الحياة، والأسباب وراء ذلك، هو إصابته بجلطة قلبية أودت بحياته والى الأبد.

تمت إجراءات دفنه صباح نفس اليوم، وعلمت العروس أخته بما حل بأخاها (مزيون)، ففقدت وعيها، وتركت زوجها الذي كان ينتظر أخذها على أحر من الجمر، وكذلك حدث لكافة إخوته ووالديه وأهله، وعندما راجعوا الطبيب الذي وقع على حالة الوفاة، وناقشوه بأسباب الوفاة الحقيقية، قال لهم بأن أسبابها هو جلطة قلبية، نتيجة لانفعالات حادة منذ مدة طويلة، وجهد مبذول من طرفه، فوق العادة، وقد تكون مدة رقصه الطويلة في حفل زفاف أخته، هو السبب المباشر والسريع لوفاته، وكأنه كان يرقص رقصة الموت.

أما زوجته، فقد تأثرت كثيرا لما حدث لزوجها، فمكثت عند أهل زوجها، وأكملت عدتها الطبيعية معهم، ولكنها لخلافاتها السابقة مع أهل زوجها، طلبت تركهم والذهاب الى بيت أهلها، فلم يمانعوا أهل زوجها طلبها هذا، بشرط أن تتخلى عن أبنائها، فوافقت على طلبهم هذا على مضض، وقالت لهم بأنها تريد أن تستكمل حياتها، فحياتها لم تنته بموت زوجها، وان كان يعز عليها فقدانه، وأنها كانت تحبه بكل شدة، ولم تكرهه في يوم من الأيام، او كانت قد ندمت على زواجها منه، لكنها، ما زالت صغيرة العمر، وصبية، لم تفقد حيويتها ونشاطها وجمالها، فهي بعد لم يتجاوز الثلاثين عاما بعد من عمرها، فهي أرملة صغيرة جدا، وستواصل حياتها وتنظر الى مستقبلها، بكل أمل وابتسامة عريضة، وسوف تعيش مع قدرها، لكن بعيدا عن أهل زوجها.
لم تمض اشهر معدودات على تركها بيت أهل زوجها، حتى اقبل شاب وسيم على الزواج منها، حيث طلب يدها من أخاها، كون والدها متوفي منذ فترة طويلة، وبدوره وافق أخاها على زواجها بسرعة، شرحت لزوجها الجديد ظروفها كاملة، تأثر الزوج لظروفها، وشعر برغبة شديدة نحوها كنوع من العطف والمساعدة خاصة انها امرأة جذابة وجميلة، وما زالت تحتفظ بنضارتها وجمالها، وبدأت حياتها مع زوجها الجديد من نقطة الصفر، لكنها أخذت بعين الاعتبار مشاكلها مع أهل زوجها السابق، كي لا تقع مرة اخرى في مشاكل جدية، على ضوء قولها، انه على الإنسان ان يستفيد من تجاربه السابقة، مهما كانت صغيرة.

وسطت بعض الناس والأقارب، مع أهل زوجها المتوفى كي تعيد الى حضانتها أطفالها التي تركتهم معهم، خاصة أن زوجها الجديد، لم يمانع ان يستضيف أولادها، لكن أهل زوجها، رفضوا طلبها هذا، وأصروا على زيارة أولادها لها أو زيارتها لهم، حسب الحقوق الشرعية المنصوص عليها و حسب ادعاءات القاضي والمحكمة، وهكذا انتهت حياتها مع أهل زوجها ولكنها تتواصل مع أبنائها كلما اشتاقت إليهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى