الاثنين ٢٥ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم ديما سحويل

الوردة المغرورة

في صباح يوم جميل غزلت السماء خيوط الصباح الاولى وكانت زهرة النرجس البيضاء اولى الازهار المستيقظة في حديقة احد المنازل .

كانت الحديقة مليئة بكل انواع الازهار والورود الزنبق و الجوري و القرنفل و الياسمين والريحان والبنفسج جميع هذه الازهار كانت ترفع راسها وتفتح اكمامها عند رؤية زهرة النرجس البيضاء .

حتى صاحبة الحديقة نفسها كانت توليها عناية خاصة لدرجة انها قامت بفصلها عن بقية الازهار فغرستها بحوض صغير منفصل ...
وقيل ان سر اهتمام صاحبة الحديقة بالنرجسة هو ان حبيبها اهداها اياها قبل سفره ....

كانت "النرجسة البيضاء " مغرورة جدا لا تختلط باي من الورود
ولا تتحدث معهم ...
ولهذا تجنبت كل الورود والازهار التعامل معها لقساوتها بالتعامل معهم .
الا "زهرة عباد الشمس" اطول تلك الازهار واكبرهن عمرا كانت تأبى ان تخاصم النرجسة البيضاء وكانت تحث الجميع على عدم مقاطعتها وان كانت قاسية ومتعجرفة وتقول لهن : انها صغيرة ومغترة بجمالها لذا يجب ان نساعدها على التخلص من غرورها لا ان نساهم في نموه .

حاولت زهرة عباد الشمس مرارا وتكرارا التقرب والتودد من النرجسة البيضاء وكانت تسدي لها النصح والارشاد بعدم الابتعاد والانعزال عن الازهار .

الا ان غرور النرجسة البيضاء حال دون سماعها لنصائح زهرة عباد الشمس وردت عليها بوقاحة : لو ان غيرك يسدي لي نصائح يمكن ان استمع اليه ولكن انت ايتها القبيحة الفاهية الالوان ، من سابع المستحيلات .

امتعضت زهرة عباد الشمس من وقاحة النرجسة ولكنها صبرت عليها وسألتها : ولم انا بالذات لن تقبلي مني النصيحة ....
ردت النرجسة : انت زهرة بلا فائدة عديمة الرائحة واللون كبيرة الحجم منظرك يشوه جمال الحدائق ، كان من المفروض ان يزرعوك مع الاعشاب الضارة بالقرب من مصارف المياه بالشارع .

صعقت زهرة عباد الشمس من كلام النرجسة القاسي وانزوت في مكان ما بالحديقة وراحت تبكي دون ان يلحظها احد وايقنت انها فشلت في محاولاتها مع النرجسة .
علمت كل الازهار في الحديقة بما دار بينها وبين النرجسة البيضاء من حديث من البلبل الصغير الذي نقل لهن ما جرى ....

وتضامنت كل الورود مع زهرة عباد الشمس وتجمعن حولها ورحن يؤازرنها ويبكين معها تارة ويضحكنها تارة اخرى وينسينها كلام النرجسة القاسي ويؤكدن لها انها اهم الازهار في كل حديقة ....

كانت النرجسة تنظر الى الورود المتجمعة حول زهرة عباد الشمس بكل اشمئزاز وتحدث نفسها : كم هن مسكينات ياكلهن الغيظ من جمالي ويتآمرن علي مع زعيمتهن القبيحة ...

كانت النرجسة يزداد غرورها في فترة الظهيرة بالذات عندما تنقلها صاحبة الحديقة الى غرفتها المكيفة وتدير المسجلة على اعذب الالحان والاغاني

تتالت الايام ..

وظلت النرجسة البيضاء على حالها تستقبح كل الورود وتتجنب التحدث اليهن وبالذات زهرة عباد الشمس .
جاء شهر اب اللهاب وجاء الحر معه ...

ارتفعت درجات الحرارة وبدا الجفاف يخيم على كل الحدائق لان اشعة الشمس كانت تبخر كل قطرة ماء ...
بدأت الازهار تعاني من الحر وراحت كلها تحتمي وتنحني تحت ظل زهرة عباد الشمس ...
النجرسة البيضاء كانت تنظر اليهن منحنيات من خلف نافذة الغرفة المكيفة وتتشمت بهن .

كانت كل الورود تنظر اليها والى رونقها بفضل الهواء البارد الذي تتمتع به .
وفي يوم وبينما الشمس في عز قيظها والورود مختبئة تحت ظل زهرة عباد الشمس ذبلت وردة القرنفل وتعبت بدأت تضمر وشعرت بالجفاف كادت تموت ، صاحت كل الورود يطلبن النجدة وطلبن من البلبل الصغير ان ينقلها الى حيث النرجسة البيضاء ....

طار البلبل الى النافذة وبفمه يحمل القرنفلة المريضة وطلب من النرجسة المغرورة ان تفتح له النافذة لينقل القرنفلة للداخل لانها تعاني الجفاف .
رفضت النرجسة المغرورة بشدة وقالت له : ابتعد ايها الاحمق وهل تظن اني اقبل ان يشاركني بالحوض اي من تلك القبيحات ..

اخذ يترجاها بشدة وكانت كل انظار الازهار متجهة حيث البلبل والقرنفلة .
ازاحت النرجسة وجهها عنه وقالت له ارجع من حيث كنت لن ادخل احدا هنا ...
عاد البلبل وبين يديه القرنفلة الذابلة ولكنه ابى ان تموت بين يديه فطار بها بعيدا الى الى ان وصل الى بركة ماء سقاها وظل معها الى ان تعافت وارجعها الى صديقاتها اللاتي شكرنه على انقاذ حياتها ....

وفي اليوم التالي وكان اشد الايام حرارة ...
ضمت زهرة عباد الشمس كل الازهار تحت ظلها حتى لا تتعرض اي منهن للذبول والاضمحلال وكان صديقهن البلبل يزودهن بقليل من الماء الذي يخبئه في فمه الصغير وتكيفين مع وضع الجفاف ...

سمعت الازهار صوت بكاء ينبع من غرفة صاحبة الحديقة كانت تصيح وتصرخ : الخائن تزوج وخدعني كل تلك الايام والاشهر وانا انتظره احتفظت له بكل الحب والمشاعر الجميلة حتى الزهرة التي اهداني اياها اعتنيت بها دونا عن كل الازهار هئ هئ هؤهؤ ام ام ام ايتها الزهرة البغيضة ألست من رائحته وذكراه سألقي بك خارج غرفتي ...
وفجاة فتحت النافذة وألقت منها حوض النرجسة البيضاء ...
تحطم الحوض الى عدة قطع وتناثر الرمل الموجود بداخله وكسر ساق النرجسة المغرورة وصارت تتأوه من الوجع وتستنجد ان ينقذها احد ، ولكن
دون جدوى لان احدا لم ينجدها عقابا على افعالها القبيحة ...

ازدادت حمأة الشمس وراحت اطراف اوراق النرجسة البيضاء تحترق ...

مر عامل القمامة بالقرب من المكان فوجد الحوض المكسور لملمه خوفا من ان يتاذى احد من قطعه المكسورة ووجد النرجسة المكسورة ساقها حزن عليه وقام بلف ساقها بقطعة من القماش وغرسها بالقرب من احد المصارف الموجودة على ناصية الشارع مقابل الحديقة ....
استطاعت النرجسه مع مر الايام المقاومة والبقاء على قيد الحياة الا انها لم تعد جميلة كالسابق لانها اضمحلت وذبلت وفقدت بريقها واصبحت باهتة ...

انتهى شهر اب ...
وعادت كل الورود والازهار بالحديقة تتفتح من جديد وتضحك وتتمايل .
كانت النرجسة تراقبهن من بعيد حيث زرعها عامل القمامة بالقرب من مصرف المياه وحولها الكثير من الاعشاب الضارة ذات الرائحة النتنة .

صار البكاء رفيقا دائما للنرجسة كانت تتونس به ، خاصة وان الاعشاب المحيطة بها كرهتها ولم تتقبلها لانها غريبة ودخيلة عليهم فصاروا يؤذوها ويضربوها ....

كان البلبل صديق الازهار في الحديقة يراقبها حتى رق قلبه عليها وطار الى زهرة عباد الشمس وحدثها بالحال التي اصبحت عليه النرجسة ....
حزنت زهرة عباد الشمس وكل الازهار كذلك ، ورفضن ان تكون واحدة منهن وان كانت مغرورة تتعرض للاذى ، فاجتمعن وقررن ان يسامحنها وطلبن من البلبل ان ينقلها اليهن ..

طار البلبل سعيدا بقرار الورود والازهار لينقله الى النرجسة ، وما ان وصل المكان حيث النرجسة الا ووجد الاعشاب الضارة قد التفت عليها وخنقتها

بكى البلبل على النرجسة واقتلعها ورجع بها الى الورود واخبرهم ما حدث حزنوا جميعهم وبكوا عليها ...
ودفنت اسفل النافذة التي طالما احبت الجلوس خلفها ...

ومرت ايام واسابيع
ونبتت من جديد نرجستين صغيرتين أولتهم كل الازهار والورود العناية والرعاية ....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى