الثلاثاء ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم نجاح سراج

اقصر دورة

كل ما في هذه الدنيا ظلال وسـتار
جوفها روحٌ تخلّي خلفها فخراً وعار
وبها الأيامُ تحيا ثم يكسوها الدثار
مالها غيرُ وجوه خلف وجه مُستعار
فإذا ما راح ليلٌ صاحَ صبحٌ :
 
ما لهذا العمرُ يخبو بين أنَفاس السكوت ؟
ألأنّّ العمرَ أضحى كنسيج العنكبوت ؟
أمْ لأنّ الخوفَ سيفٌ ، هوله كف الثبوت ؟
أم هما روحٌ لجسم وبقاء دون قوت ؟
فإذا كشَّفتَ عنه سوف تقرأ :
 
مُضغة الرحمِ تُغذّى ، سرّها عند السماء
بيتها ظل وكل الظل يمحوه الضياء
فإذا ما فات يومٌ ، شوقها نحو البقاء
من وراء الحجب كف ، قسرُها سكبُ الوعاء
من صدى المأوى تغنتْ للجديد :
 
هو طفلٌ لايرى للعُري خزياً ومعيب
همّه يلعقُ من ثدي على صدر حبيب
يُقمطُ الجسمُ ولا يرضى إذا أضحى يجيب
فطرة الفيض اشرأبت ، بدؤها بدء الوجيب
فإذا العرى إلى الستر تراءى :
 
أي ظلم للورى عيناي قامــت ويداي ؟
أيُّ مكر سادَ من فعلي ومن طيف مناي ؟
لا أرى في العيش رأياً وكذا رجعُ صداي
فإذا مارحتُ أشكو صاحَ ظلي :
 
فطريقُ الشر والخير ابتداء نظرات
وعلى الدربين سيفٌ شاطرٌ هذى الحياة
وعلى البدء كتابٌ عدَّ حتى الهمسات
كائناً يرمقُ للجمع وهم فاتوا حفاة
فكلا الدربين عنوانٌ عليه :
 
سرتُ والدرب أنيسٌ للخطـى نحو المسيــر
فرأيتُ القبـرَ فغّاراً ولحـدي ونكيـــر
وسمعتُ الأرضَ تبكى ، أين قبرى ياضرير ؟
أنت في حضني ستأوي أين آوى وأصيرْ ؟
فإذا وُوريتُ صار القبرُ جيبي :
 
كل شيء هانَ من كفي إلى كف الصديق
فرضِيتُ الفجرَ ليلاً كي يُغذّي بالرحيق
وسكبتُ العمرَ كأساً فطوى ودّي الوثيق
كان ظنّي أن يرى خيري فيهدي للطريق
فإذا ما ضقت يوماً قال فعله :
 
ولد الفقرُ شعوباً ، همُّها ملك الرغيــف
فبها الشحاذ للشحاذ بالغدر يحيف
فهما روحان في فقر بلا حرف حصيف
فإذا ساءلتَ يأتيكَ الجواب :
 
فهما في الدرب ثوبان وفى الشحذ قضية
ومن الترب بساطٌ وكذا نفسُ الهويّة
وهما ضدان في خفي وان كانا سويّة
هكذا الغيظ سيبقى عندما :
 
كل كوخ حوله أكبادُ حزن كالرمال
نضبتْ دمعاً ، أحيلت مثل سور لاينال
أيُّ خير يستطيعُ الخرقَ يكسوه المحال
ليس عُجباً فأنا منذ الصبا :
 
قد رأيتُ الأفق عُجباً بين كفّيه طِباق
ورأيتُ البحرَ جيشاً بين فرِّ ولحاق ؟
فسألتُ البحر قبلَ الأفق ، هل تُخفي وثاقْ ؟
فأتاني كلُّ ما أحمل يعرف :
 
نظرة العين إلى العين سؤالٌ وجواب
نظرة القلب إلى القلبِ دروبٌ دونَ باب
نظرة أخرى تُغنّي تحت أكوامِ الضباب
قد تراءتْ تنهشُ الإنسان حتى :
 
وقفَ السجان خلف الباب في ليل مهين
يقرع الأجراس كي يذبحَ أطيافَ السجين
خوفه منه ومن آخر يرمي بالظنين
فغدا السجانُ للسجان يخفي :
 
ما لهذا بين متر شربَ الليلُ نهاره
لايرى للضوء خيطاً بلْ يداً تهوى احتضاره ؟
كان بالأمس على الأرض فأضحى القيدُ داره
من بناها لحظة البدءِ تناسى :
أيّها الإنسان لاتأكلْ جلوداً مـن أخيك
فَيَدُ الأقدار قد صاغتْ قبوراً من بنيــك
انت ياجلاد هل تهوى صراخاً في يديك ؟
كيف لا ؟ والموتُ للعيش يقول :
 
كل يوم قلما فيــه كبـودٌ تستنير
تحسب النارَ ظلالاً ودمَ القلب مطيـــر
دربُها يشقى فتشقى بالصدى دون الخرير
خطها الدهرُ أنيناً فتعالت :
 
ضحك القيد انتشاءً في دماء المعصمين
ضُيِّقَ القلب وذا الصدر غدا دمعاً لعين
كسر القيدُ فماج الغيظ بين المشرقين
وهوى الصرحُ بكف الناهضات :
 
مسك الفأسَ فضجت فيه أشباحُ الظلام
عند باب الكوخ يدعو ، عينُه صوبَ الغمام
يئس البذُر مراراً ؛ أين حقي يالئام ؟
لاتلمني وارتضي فالرزق وعدُ :
 
كيف أرضى وأنا سيفٌ وهذي الأرضُ غمْدُ ؟
أينَ كف الخير ؟ ماذنبي ؟ فبيتي اليوم لحْدُ
ليت شعري ، ليتني أسمعُ صوتَ الماء يعْدو
قبل أن اشرب كأسَ الاحتضار :
 
سمعَ البذرُ دعاء العظم فـي بطن الخفيــر
أنتَ قد تعلو ، وهذا صار مثوايَ الأخيــر
إن علوتَ الأرضَ فاحملني اعترافاً وضميـر
قد سقاني الذنبُ أهوالاً كثار :
ربما يعلو بطلع عبقريّ بالزهور
يستشفُّ الريحَ عَبقاً يمتطيها للصدور
طرباً يحنو لأعراش , لأصداح الطيور
فإذا أغدقَ للثغر يقول :
 
مالهذا الثغر يُخفي بين شدقيه بلاه ؟
مرة يسمو وأخرى ناسفاً خيراً بناه ؟
وإذا حادَ , فسقم طاحنٌ عودَ حشاه
كلما حس بسقم ٍ , صارَ يشكو :
 
مالهذا إن مشى فالتربُ رمقاً تزدريه ؟
مالهذا إن غفا فالنوم أهوالا ً يريــه ؟
مالهذا إن بدا فالعيشُ يشكو من يديه ؟
هل ترى السقم دواء الكبرياء :
 
طفح السقم فهز الدوح ، والريحُ عواه
لجمَ الثغرَ فجاء الطبُ يعطيه دواه
فتهاوى السقمُ لو يدري لما مد خطاه
فغدا الثغرُ يُغذّى خُيَلاء :
 
بينما كان يكد العيشَ مضّاغاً بريق
يحبسُ الأنفاسَ كي يبحثَ عن ثقب الحريق
قد رأى أفعى استطالتْ قبل أن تذوي الطريق
فعلى عينيه خطّتْ ورآها :
 
قد نضتْ ثوباً وفحّتْ ، عُريها يُغري السراب
نزلتْ نُذراً تخطّ الموتَ في سم وناب
فأتى الصقرُ فعجّتْ لاترى للجحر باب
هي صَدّتْ ثم صُدّت ثم صاحت :
انّه صـياد مكر مايحـاكيه الخريـف
يقنصُ المخبوء والليل لعينيهِ سـيوف
فإذا ماطال دهرٌ صار صيداً للحتوف
فغدا الانسانُ صياداً وصيد :
 
هذه الدنيا صراخٌ وضياء وسكوت
وقبورٌ وحياة , كل مَنْ فيها يموت
أمنُها مكرٌ ، وحزنٌ ضحكها، تجثو تفوت
كل ما فيها لثغر الموت قوت !

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى