السبت ٧ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
قصة قصيرة
بقلم محمد عطية محمود عطية

وســـط الأمواج

يستبد بي كل ما حولي . تعيث في صدري آلام الاختناق …
تدفعني دوامات .. تعبث بي .. تطوي صدري على تلافيف أحشائي المعتصرة بألم حارق .
عبر الأزقة والشوارع المفضية إلى الكورنيش ، تتلاطم خطواتي .. تتدافع .. تتخاذل .. تتراشق مع خفقات القلب المخلوع ، وضربات تقصم الظهر .
ينطلق الصوت الهادر من جوف مظلم .. يتردد صداه
 " أخرج … "
يضرب بأناتي ، ونظراتي المصعوقة عرض الحائط .
تطمس حروفه الباطشة عقداً من الزمن ، التفعت فيه أيامي بشمس حارقة .. تدثرت بزمهرير قارس ، وغرقت نفسي في شقائها العنيد.
يحطم أغلالا عاشت جزءا من كيان يسكنه التمرد .. تعجزه مرارة العيش والارتزاق .
يوغل الصوت .. يتمادي في لفظ حممه الهادرة .
 " لم يعد لك لدينا مكان … "
ينفث بها مع دخان سيجار غليظ ، محملا بأثير التأنق ، ووهج التكبر ، وسط نسمات تنبعث من تكييف مكتبه الفخيم .. تقشعر لها نفسي .
الخطوات المضطربة تدفعني .. تزج بي وسط أمواج السيارات المارقة ، الطاحنة لإسفلت طريق الكورنيش .. يتدحرج معها قلبي مذعورا .. يستجدى معها جزيرة الطريق المتباعدة ؛ حتى تدركها .. ترسو بها .

يعاود الصوت اختراقي . تنهب موجاته أوتار ساقيّ المجهدتين المشدودتين إلى الأرض في وهن .
على وجه الأسفلت الناعم ببحر الطريق أمامي ، تتوازى خطوط بيضاء عريضة متآكلة الحواف .. تلازمها إشارات فسفورية معدنية مثبتة .. لا يتجلي ضوءها الخافت لعينييّ المغبشتين مع دفقات السيارات المتسارعة .
يلفظ الصوت بقاياه ، ويتراجع .
 " لم يعد لك لدينا .. "
تسعي قدماي بخطوات ملسوعة تارة إلى اليمين ، وأخري إلى الشمال .. تتحين الانفلات في خضم التتابع ؛ فتقابل عينيّ أسهم دائرية غليظة .. تنسحب إلى الخلف بخطوط عريضة أخري بمحاذاة الجزيرة ، التى تغطيها آثار زخات مطر قد جفت ممتزجة بغبار الأرض .

على الجانب المقابل .. يبدو وجه مشدود على قالب معوج .. يتناثر حوله رذاذ البحر . تسفر شفتاه الغليظتان المطبقتان على لفافة تبغ عن ابتسامة صفراء مذمومة . تسعي سحيبات زفراته المتطايرة حول صقيع عينيه ، وصلعته الباردة المجدبة . تتشكل قسماته ، وتتحور .. تجرني في ذعر إلى سراديب وجه تثقب نظراته المتحجرة خاطري . يفصله عن ناظريّ على البعد خط أثيري متماوج .

تتخاطف عيناي نظرات إلى الخلف .. تلتقطان المساحات الخالية عن اليمين ، وعن الشمال . تناوشني نظرة ذعر متوثب ، تحفر لها مكانا في قاع رأسي المعترك .. ثم تتقاطر نظراتي تائهة في خضم بحر الطريق .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى