مسرحية الحلال
عرض مسرحى قصير على مسرح الطليعة
قصير لكنه وجبة دسمة تشعرك بحالة من الامتلاء تجعلك تخشى رؤية أى عمل آخر فتفقد تلك الروعة التى تحتويك.
محمد إبراهيم، مخرج العرض، قابلته فى مسرح النهار يشاهد مثلى العرض المسرحى، لاحظت فى نظراته وكلماته البسيطة شخصا مختلفا، ولم أكن أعرف أنه مخرج مسرحية الحلال التى دعانى إليها بطلها الشاب محمد صلاح آدم.
شاهدت العرض مستمتعا إلى أقصى درجة، فقد فوجئت فى اللحظة الأولى بروعة الديكورالذى ينقلنا إلى مغارة فى قلب جبل الحلال، وكر الارهابيين، ثم نأتى بخفة و رشاقة كلمات العلامة الشيخ محمد متولى الشعراوى لتحذرنا من أن المستعمر قد يرحل ونحتفل بالجلاء لكننا لا ندرك أنه يترك لنا نفس الاحتلال فى صور أخرى، مَن ينشر فكره، مَ يدافع عن مصالحه، مَن يهدم كل ما لا يرضيه ..
مع خلفية موسيقية هادئة يتلاشى صوت الشيخ الشعراوى و يظهر صوت آخر أحسبه البابا شنودة و كلمات عن النسيج الوطنى المصرى الواحد.
فى ملابسهم المعبرة يظهر على المسرح أبطال العمل : مجدى رشوان و محمد صلاح آدم، لن أتحدث عن تفاصيل الدور لأن ذلك يتطلب عرض المسرحية بالكامل، لكنى أتحدث عن تلك القدرات الرهيبة التى أظهرها كل من مجدى (الذى أرى فيه فنانا عالميا) و آدم الذى مثل بمنتهى المهارة لحظة الصدق مع الذات و اكتشاف الحقيقة، ذلك الصراع المرير الذى انعكس على ارتعاشة أصابعه فى أكثر من مرة، دموعه المختلطة بآهاته و لحظات الشفافية التى ظهرت كثيرا، فهناك لحظة حلمه بحبيبته و مراقصته لها، و بجرأة يهبط علينا المخرج بصوت أم كلثوم وكلمات حب شفيفة و عشق لا ينتهى يجسمه الأبطال و تشدوه سيدة الغناء العربى. مرة أخرى يبدع آدم بوقوفه ليصلى بحركات انسيابية تحمل روحانيات جمة تُشعرك بحلاوة الصلاة عندما تخرج من القلب خاصة مع مصاحبة تلك الآهات الملائكية التى تشدو فى أرجاء المكان .
أما الرقصة المبهرة التى قام بها آدم على أنغام و صوت المنشدين حينما غردوا بكلمات (اللهم صلى و سلم على سيد الخلق....) رقصة إيقاعية و حركات معبرة تأخذك إلى عالم آخر فتجد يداك تتحرك ببساطة بلا إرادة منك.
ظهور بسيط لكنه معبر لفتاتان فى العمل ، الأولى حبيبة آدم التى تظهر له بالثوب الملائكى الأبيض فى حلمه و الثانية زهرة التى تظهر فى مشهد نكاح الجهاد فى ثوبها الأحمر مع مجدى رشوان. ثم تعود لتعترف لآدم بأنها ترفض هذا المسمى جهاد النجاح و تتمنى لو تجد من يشاركها مثله، فيساعدها على الهرب من هذا المكان فى رسالة تشير إلى أن مًن سقط فى هذا البئر يمكنه أن ينجو حيا، و ليس كما يتصور البعض بأنه الخارج هالك.
العمل ببساطة شديد يتحدث عن اثنين من الشباب ضمن الجماعات الارهابية، أحدهم متشدد (مجدى رشوان) و ينفذ ما يأمرهم به الأمير بلا نقاش و يفسر الآيات والأحاديث وفقا لهواه من ذلك جهاد النكاح و شرب المخدر و قتل الأبرياء و أطفال الأبرياء بحجة أنهم أعداء الاسلام اليوم و الغد.
واضح أن الرسالة الظاهرة للعمل هى محاربة الفكر المتطرف و تفسير الآيات و الأحاديث بما يحقق مصالح و أطماع شخصية فقط لأشخاص مرضى، لكن هناك رسالة خفية يجسدها بطل العمل مجدى رشوان حينما يشرح ظروف انضمامه إلى هذه الجماعة وهو طالب الطب المجتهد عندما تم القبض عليه بعد تصفية والده فى هجوم على الجبل ذات يوم، و هناك يتم تعذيبه و هتك عرضه فى مشهد يجسده مجدى بمنتهى الروعة و هو يقوم بدور الضحية و الجلاد ناطقاً بمنتهى القوة و العنف تارة مثل المحقق و منكسرا منهارا تارة أخرى حتى يُنهى ذلك المشهد نائما على ظهره رافعاً ساقيه فى الهواء فى إشارة إلى انتهاك رجولته الأمر الذى كسر بداخله كل شئ تاركا عنفا و رغبة فى التدمير و تلك رسالة إلى أجهزة الدولة تقول لهم و بمنتهى البساطة: قد تخلقون أعداء جدد و أنتم لا تشعرون و ذلك بسبب سوء معانلتكم ، فيجب أن يتوخى السيد المسئول الحذر و يتعامل بمنتهى الدقة مع تلك العقول المريضة التى يسهل استغلالها.
و بهذا وصل (رشوان) إلى هذا المكان و تحول إلى ذلك الكائن العنيف الذى يقتل و يدمر و ينتهك الحرمات و قد أقنع ذاته بأنه على صواب ،فهو يفعل مثل ما فُعل معه و العين بالعين .
بينما يفيق زميله (محمد صلاح آدم) ويكتشف الخدعة و الوهم الذى عاشه و يقرر عدم تنفيذ الأوامر حتى لو انتهى الأمر بقتله، وهذا ما يحدث فى نهاية العرض فتأتى الأوامر للمتشدد (رشوان) بقتل المنسحب (آدم) و فى مشهد و لا أروع يقوم بذبحه على الطريقة الداعشية ، ينتهى العرض مع صوت الشيخ الشعراوى مغردا: إنها مصر .. ستظل مصر ..
(رضا سليمان)
