الثلاثاء ٧ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم صلاح بن راشد بن عبيد الغريبي

من أجل امرأة

هكذا صارت تتحدث عيناه إلى تلك الوجوه، المتحررة ملامحها والمقيدة ملامحها أيضا، بلغة صامتة أقرب إلى أن تكون عدما، لكن الكلمات التي صنعت ذلك الحديث وأسرت في العينين تنبجس قوية نفاذة:

" أحبتي .. كم يصعب الفراق على نفسي التي أحبتكم غير أنه لا مناص عن الرحيل عنكم، ما وجدت لتحرير ذاتي طريقا سواه، لقد غطى الضباب الكثيف القاتم منافذ رؤية بصيرتي، والبعوض البشري صار يملأ سماء المكان بإزعاجه الواضح وحشرات الأرض المتطفلة تلتهم خضار القلوب وملامح الهدوء الجميلة، وصار منظر البحر المريح والذي كان (أسبرين) نفسي والمهديء لها معكرا، كأنما لم يعد يحتمل إلقائي لأحجار همي وأسراري على صدره، وما عادت الصحراء تجود علي بمعانيها الجميلة التي كانت تفوق عددا حبيبات الرمال الذهبية الناعمة بها، فما عاد يحضرني من معانيها إلى غبارها وتيهها والظمأ الذي يستل الحياة من الجسد".

كلمات صارت تتحرك في قلبه الطيب حركة تقترب من وصف الخطورة والانفجار والاحتراق، فصار لزاما عليه أن يخرجها من أسوار حبس قلبه، حتى لا تستحيل مرضا يفتك بالبقية الباقية من عقله وجسده المثقل بأعباء الحياة.

كتبها بحبر أسود على ورقة بيضاء يخططها اللون الأخضر وصار يوزعها على الوجوه الحاضرة حوله فتمازجت في ملامحها مشاعر الدهشة والاستنكار والاستغراب، وبعضها أبدى طلاسم من الشفقة التي لم يفهمها ولن يفهمها فتأويلات بعض العقول قد تصل إلى حد الاقتناع برؤى غير مقنعة لكنها العقول على أي حال كثيرا ما تتصنع الإلمام بما لا تعلم عنه شيء أساسا، فتبدأ بذرة الإشاعة لتصبح فيما بعد بحرا من القصص المنسوجة بخيوط الوهم وفخاخ صيد العثرات.

تنتقل الورقة المخضرة بسطورها وحسب إلى يد ملائكية فينتابها ما يشبه الصدمة مع تلويح خفيف بتململ.
أرأيتِ لا يزال يفكر في الرحيل؟! قالت لها إحداهن وقد أبدت شعورا بالانقباض من ذلك وما خلف الشعور يظل خفيا.
تغادر سكينة زمانها ومكانها وتفرض حضورا مهيبا على الحدث، وعلى كل الوجوه وعلى المكان الآخر فكأنما يخيل إليك من مهابة حضرتها أن العالم لحظتها أصيب بالخرس حيوانه وجماده.

تشير إليه لا بأناملها ولكن بلفتة أخذت من نفسه وأنفاسه مأخذا عميقا وكأن نفسه بئر عميقة ما وصل قرارها إلا عينيها- وهو قرار لا ينتهي إلى ماء معين بكل تأكيد!

ألقت قنبلتها عليه أولا وعلى الحاضرين ثانية: " افعل ما شئت إن كنت مقتنعا بذلك".

هنا يستقر أمره فكأنه خيمة كان يحملها أقرها وتد قولها بمكانها، وارتسمت في مخيلته صورة حياة جديدة واعدة ببداية مختلفة لحضور مغاير.
يغادر المكان بعد أن غادر الجميع زمان نهار حافل بكل شيء تقريبا، ويمتطي صهوة واقعه الجموح كما اعتاد.
يرن الهاتف ويسال نفسه من المتصل في هذا الوقت الحاد من النهار؟

كانت هي! قالت له بصوت يمتزج بمشاعر مكتومة: " لا تغادر ولا تفكر في ذلك أرجوك لم أعد أتصور مكاني وزماني من دونك".
كان فرق كبير بين النظرة في زمان مضى والصوت في زمان يحضر.

وتلاشت صورة الحياة الجديدة ليستمر في نفس المكان بأكداره وبعوضه وحشراته .. غير أن دفء مشاعرها وأحاسيسها صار يعطي حياته دفعة للبقاء والحيوية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى