السبت ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد يحيى ذهني

1-2-3

أنا الآن مصارع قد كسته العضلات والعروق، واكتسى وجهي بالقسوة المطلة من عيني الزرقاوين. أهز شعري الأشقر متوعداً خصمي الشاب الأبيض الضئيل بالنسبة لي. طويل وله عضلات ولكنها مجرد زينة لجسده وليست أسلحته، يده التي أعتصرها في يدي الآن ليست مطرقة تهشم رؤوس الخصوم. تؤلمني ضربته في معدتي ولكن ضربة مثلها مني تكوره. أدفعه على الحبال فيرتد لي، ينحني متفادياً ضربتي فأترنح. يهوي على ظهري فأقع. الجمهور الذي أتى في الأصل ليشجعني وأنا ألتهمه بدأ يهيج لرؤيتي أقع.

من يستسلم لي ينتهي بسهولة. لكن من يحارب فالأسلحة كثيرة والشر لا نهاية له كالزمن. أقوم وأضربه في رقبته. يظهر على وجهه الألم وتجحظ عيناه ويتنفس بشدة مقاوماً الاختناق. ألقيه خارج الحلبة وأقفز خلفه. أسحب كرسياً وأضربه به فيقع مرة أخرى. ضربات قدمي في وجهه تهز جسده كله. لكنه مازال واعياً. الحكم الذي لا قيمة له دائماً يحاول إثنائي وإعادتي للحلبة الشرعية. أدفعه فيقع ولا يعود. أحمل خصمي الأبيض وأضعه على ركن الحبال. أصعد إلى الحلبة وأحيي جمهوري الذي عاد إلى صفي. أتسلق الحبال وأحمله. أستعد لإنهائه بالصورة الفنية التي يستحقها. سألمس كتفيه بالأرض وأسبب له عذاباً لا يحتمله في عموده الفقري فيستسلم. أقفز إلى الخلف وأهبط على ظهري وهو فوقي. ألف به على الأرض كالكرة فيصبح تحتي وهو مشتبك بجسدي لكي لا يحرك أطرافه. لكن هناك شيء خطأ. اللفة لم تتوقف. ندور مرة أخرى وأنقلب أنا تحته. وأطرافي مشتبكة بأطرافه فلا أتحرك. كتفي يلامسان الأرض، والحكم اللعين يظهر ملقياً بنفسه على الأرض. لا سبيل للمقاومة. الخير ينتصر وهو لا يعي شيئاً. ترتفع كف الحكم لتهبط وتطرق الأرض بالعدة رقم 1. وأنا أحمس نفسي لأقوم. ليس هناك أكثر من الانتصارات في حياتي المديدة. فلأتذكر أيها لأقوم. نعم هناك واحدة كانت ماحقة. سأحيكها لنفسي فعدة الحكم الواحدة ستستمر كثيراً في زمني اللانهائي.

1- ملك وكتابة

كنت حاكم دولة. أنهيت رسالتي مع الشعب وصعدت روحي. أربعون عاماً أعيش منتصراً ضارباً قاتلاً ناهباً. تعج السجون بالمشاغبين ومدافن الصدقة بالخصوم. لكن كل هذا الانتصار لم يكن بقدر نصري الذي أنتظره. ميت؟ ولكنني لا أموت. وانتصاري يتشكل الآن. فالشعب، وقد أفاق فوجد نفسه حراً، قد نزل إلى الشوارع. تعتريه شهوة للتحطيم والتخريب، تلك الشهوة هي آخر ما تركته فيهم من لعنات. سيخربون وينهبون. سيقتلون ويروعون الآمنين. أتباعي مرتعبون فالجيش والشرطة خضعوا لسلطاني بقوة سحرية لن يقدر عليها غيري. الآن لا شيء يحميهم من الانتقام. والشعب قادم ولا شيء يخلفه في تقدمه سوى النار والدم. لكن هذا ليس كل شيء. فالملايين يتجهون الآن للسجن حيث كبار أعدائي وخصومي. اليوم سيتحررون على يد الشعب. وسيضعونهم على العرش مكاني ليقيموا دولة العدل التي نادوا بها من خلف الأسوار. الشعب يتقدم ولا شيء في طريقه. يبحثون في الزنازين عن أبطالهم. لم يجدوا سوى المجرمين. لكن مهلاً أكيد كبار الخصوم ليسوا مع المجرمين. يدلهم مجرم عتيد بلساني:

 إنهم في البرج الشرقي.

كالموج ينحسرون ليتجهوا للبرج الشرقي. دخلوا أول زنزانة. كانت خالية. وفيها وجدوا شيئين يمثلان علامة نصري. قناع مطاطي لأحد كبار خصومي، وبقايا سيجاري الذي كنت أشربه وأنا أمثل شخصيته أمام الإعلام. وفي كل زنزانة وجدوا قناعاً، ومع كل قناع وجدوا دليلاً دامغاً على وجودي. الأمل مدفون في مقابر الصدقة. ألم أقل عن مقابر الصدقة؟ إن أرادوا الخروج من السجن بحاكم جديد، فالزنازين الممتلئة أمامهم. وبعد ذلك فالفوضى والخراب. أما أنا. فأعود للحكم المنافق.

تلك هي أول طرقة. هناك قصة انتصار أخرى ريثما تهبط يد بالطرقة الثانية. انتصار ساحق.

2- اللص

كنت هذا اللص. لا أسرق محفظة أو جهاز فيديو. لست موظف حكومة ولا طبيباً مشهوراً ولا مدرس رياضيات أو فيزياء. كنت أسرق شيئاً آخر. بدأ المقلب قبل دخولي جسد الحاكم. الذي اخترته كمستقر في النهاية. قال لي بعلزبول أنه وجد سلسلة مفاتيح البشر. أنا أدخل إلى عقل كل إنسان لأفسده. دوري مثل جهاز التلفاز. أداه تقدم له ما يفسد وتحرضه. لكن لو ظهر قاتل في التلفاز لن تخاف، لأنه لن يؤذيك. لكن لو كان مع القاتل مفتاح بيتك فأنت هالك. حبيبي بعلزبول قال إنني أستطيع الدخول لكيان أي إنسان وسرقة كل ما أستطيعه. قلت أجرب. اخترت مواطناً يسير منهكاً. سرت خلفه أصلصل بالمفاتيح وأنا أبحث عن اسمه. يبدو أنه انتبه للصوت لكن قبل أن يلتفت كنت وجدت مفتاحه. بمجرد أن أمسكت فيه بيدي وجدتني داخل جسده. أستطيع رؤية كل شيء. ماذا أسرق؟ ذكريات جميلة؟ ليس لديه. ضمير؟ مات غير مأسوف عليه. أمله، سعادته، روحه؟ لا شيء لا شيء. أنا داخل تمثال يتحرك. مددت يدي وأنا هو داخل الجيب. حتى جيوبه خالية. عليك اللعنة يا مفسد المتعة سأسرق ذاكرتك فتهيم على وجهك كالأبله.

صرت بعد ذلك أنتقي ضحاياي، من النوادي والحفلات، ومن المطربين ولاعبي الكرة، أبناء الأغنياء من الشباب الغض والشابات المثيرات. من هذا أسرق قدرته على النصب فيفلس، ومن هذا موهبته أو صوته فينتهي. وهذا أسبب له حالة خمول فتفضحه الفتاة التي رافقته من النادي لبيته. ومن هذه أسرق ذوقها الرفيع فتقبل يد الشحاذ ليركبها. متعة متعة. وتكثر الشكاوى وتبدأ التحقيقات. الناس تجن أو تنتهي لليأس والانتحار. والكل أمام المحقق أو الطبيب أو في خطاب انتحاره، يقول أنه سمع صوت صلصلة مفاتيح. لم يحد من انتصاراتي شيء، وإن بدأت في مشروع جديد لسرقة الأطفال والشباب. هناك أحلام وطموح وذكريات لم تشبها شائبة لديهم. متعة. لكن أحدهم بدأ يضايقني. كاتب لا أعرف كيف خمن موضوع المفاتيح. طلب من الناس إن سمعوا صوت صلصلة أن يستديروا ويضربوا. وأخذ ينشر ذلك في الجرائد بعدما ظهرت حالات انتحار الشباب والأطفال. حتى نفذ أحدهم الأمر وضرب، ويا للعجب انقلبت على قفاي. لكن بسيطة، فلا شي سيعكر انتصاراتي. كل ما فعلته أنني اخترته كضحيتي. أعرف، الأذكياء سيقولون يا حمار هو من دعا للمقاومة ألن يقاوم بنفسه؟. لكن يا أصدقائي لكل مقام مقال. هؤلاء لهم معاملة خاصة. لا صلصلة هنا. انتظرته على باب بيته وأنا أدلي بمفتاحه من السلسلة. بمجرد أن وصل وتخطاني، أمسكت بالمفتاح. كان ثرياً بكل شيء. أخذت الكثير منه. صار الآن بكرش كبير ويقضي أيامه ولياليه على الفضائيات باعتباره كاتب ومؤرخ وصبي عالمة هئ هئ. صارح الناس وقتها بأن الصلصلة هي علامة السعد الرخاء المنتظر للبلاد. فصار كل من يسمع صلصلة يصلصل.

لم تكن الحكايتان كافيتين لأقوم من عثرتي. لماذا؟ لأن الثانية انتهت بهزيمة تسببت في الأولى. عند نهاية الطرقة الثانية. تذكرت أنني لحادثة ما قررت أن أعلو بمستواي فدخلت جسد أحد كبار الدولة. الشهادة لله أن الظلام داخله أفزعني أنا شخصياً. تخبطت وأنا لا أجد نوراً. أردت الطلوع فلم أجد إلى ذلك سبيلاً. أدركت أنني عالق حتى حين. لذا قررت الإعلاء من شأنه وقدراته بخبراتي الجهنمية. حتى وصل لمنصب الحاكم. ذلك الذي مات. موته في حد ذاته هزيمة ثانية. لأن الشعب بعد الفوضى ظهر فيه عقلاء ينادون بالحكمة وتقدير معنى التحرر من الحكم. وأصبح هناك أمل بعد أن ظننت أنني دفنته. لكن لا وقت لهذا. يجب أن أدفعه من فوقي قبل العدة الثالثة. تذكر أي شيء. نعم نعم هي الحادثة. أيضاً بالسلسلة لكن نصرها مؤكد. ها هي أحكيها لنفسي:

3- المطهر

دخلت داخل شخص اكتشفت أنه عالم دين. ياله من كنز. لم أفعل الكثير فيه، فقط جعلته يتهور قليلاً. الاجتماع النوراني الذي كان سيحضره مع نخبة من سيدات المجتمع، واللاتي رأيتهن عرايا في مخيلته. لماذا لا نجعل هذا الرجل الصالح يحصل على قليل من المرح؟. استقبلنه في قصر إحداهن، وكل واحدة على شعرها الأصفر وذراعيها العاريين طرحة. وهو يخطب فيهن جعلته يخرج من جيبه سره الدفين. عزم على كل واحدة منهن بسيجارة محشية. قبلنها دون سؤال. وارتفع الدخان الأزرق منه ومنهن. وعادت مخيلته بصورة أشد. وقف على الكرسي وخطب بصوت جهوري:

 أيتها السيدات المحترمات. اعلمن أن الله يراكن.

صرخ سيدة انبهاراً بتلك المعلومة فاستطرد:

 و هو معكن أينما كنتن. في البيت والنادي.

بكت نفس السيدة في حماس.

 و في الحمام.

كان هو من يتخيلهن في الحمام. واستطرد.

 ومع أزواجكن.

سرت عدوى البكاء وهن يتمايلن نشوة فقال:

 وغير أزواجكن.

شعر بالحر فخلع جاكيت بزته وفك أزرار قميصه وقال:

 تطهرن من تلك الدنيوية.

صار البكاء صراخاً.

 أهل الجنة عراة. والله لا يخفى عليه شيء. وما أنا إلا خادمه. فلنتطهر جميعاً.
قفز من على الكرسي وخلع قميصه، وبدأن باكيات يفعلن بالمثل. بدأ التقارب والتلامس. وهو يصرخ في نشوة بين القبلات والنشوة.

 غفر الله لنا. غفر الله لنا.

كثرت الاجتماعات التطهرية بعد ذلك. وبدأ صيتها يصل سراً لبقية سيدات المجتمع. وانضم لها بعض الرجال من العشاق والحاملين لبركة الشيخ. وصارت ندوات النوادي والروتاري تقام في قاعات مخصصة بدون كاميرات ولا دخلاء.

انتصار أليس كذلك؟ ولكنني لم أستطع القيام وهبط الحكم بالعدة الثالثة. نسيت أن أحد المنضمين للحفلات كان رجل أعمال سقطت ورقته. روقب وهوجم وسط نشوة الاجتماع وهو مع آخر لم يتبينه من سطله. كان الشيخ وقتها داخل إحدى شهيرات البلاد. فلم يورطه البوليس في الموضوع. وأيضاً بقية الكبار نجوا. لم يبق سوى رجل الأعمال ورفيقه وبواب القصر لأنه سمح بدخول أغراب لممارسة الرذيلة. أخذ الرجل يقسم أن سيدته كانت بالداخل ومعها العشرات. لكن من يصدقه؟. خرجت من الشيخ مرغماً بعد علامة ترحيب أخذها من عسكري ريفي ثار دمه من المشهد ساعة الضبط، ولم يكن يعرف من الرجل المنبطح على ظهر والأنثى فوقه. هوى على قفا الشيخ فأخرجني. حلفت بعدها أن أتوقف عن تلك الألعاب المؤذية لي. وكانت تلك هي الحادثة التي جعلتني أدخل داخل الحاكم.

والآن أنا مهزوم والجمهور يشجع الفتى الأبيض الذي انتصر. ذاكرتي خانتني وأتت بانتصارات لم تكتمل. لكن لا يهم. فالفتى الأبيض مازال على الحلبة، وبمجرد أن يفكني سأوسعه ضرباً هو والحكم والجمهور. أنا أقدم وأقوى من أن أهزم للأبد. أليس كذلك؟.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى