الخميس ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم حسن المير أحمد

الحلم يمزق عباءة الخوف

الحيرة عادت تلف روحه عندما عاوده الحلم من جديد؛ ذلك الحلم القديم المسافر على أمواج محيط لاحدود لهن الذي لايكاد يغيب حتى يعيده الشوق إلى مرفأ أدمن اللجوء إليه كلما اشتدت عواصف الأيام، واستشرست الرياح محاولة تحطيم الصواري وتمزيق الأشرعة لتغرقه في الأعماق المظلمة تحت ملايين الأطنان من المياه الباردة الموحشة!

يفتح الرجل ذراعيه ما إن تداهمه الإغفاءة الأولى، ويحتضنه بقوة حتى لايغادر منارته مرة أخرى، فقد كان بحاجة إليه بقدر مايحتاج الحلم جسده، فيستسلم الطرفان على ذلك التمازج الذي يفتح بوابات الاطمئنان والأمل، ويستكشف فسحات الجمال في الحياة الراكدة.

يمزق الحلم عباءة الخوف بعد رحلته الأخيرة الزاخرة بالأخطار الكبيرة، ويخرج من تحتها مفاجآته المتنوعة كما يخرج "بابا نويل" هداياه الملونة من كيسه القماشي ليرسم البسمة على وجوه الأطفال الناطرين على حافة الفرح.. المتوثبين للنمو والوصول إلى فترة الشباب بسرعة المفاجأة!

الفراشات تحلق في فضاء المكان تدغدغ بأجنحتها الناعمة قامة الحلم .. تدور حولها متحررة من سجن الرهبة الذي فرضته مخاطر الرحيل الدائم والصراع مع العواصف والأعاصير وأمواج المحيط الغاضبة.

انعكاسات ضوء الشمس عن الأجنحة المزركشة بالفرح تمنح روح الرجل الغافي نشوة عارمة كان ينتظرها منذ زمن لايعرف من أين بدأ وإلى أين ينتهي، فترتسم ابتسامة عجلى على شفتيه، وتلتقط أنفاسه الرتيبة شذى عطر زهور ندية تضمخت بها تلك الفراشات وهي تعبر حقول الربيع في الطرف الآخر من العالم!.. وعندما يسترخي جسد الرجل، ويستسلم لراحة مسكرة لم يذق طعمها منذ حين.. فراشة واحدة تدنو بجرأة من الجسد المستلقي على سرير الوقت، فيعبق الهواء يرائحة يعشقها.. رائحة امرأة ساحرة تفوق في جمالها خيال رسام مبدع مجنون؛ عيناها ذابلتان تغسلهما قطرات ندى الصباح، ووحنتاها وردتان خفورتان، وبشرتها كأس من الحليب الطازج، وشفتاها حبتا كرز حان قطافهما، وقدها الممشوق قصيدة جاهزة للغناء الأبدي ..

يفتح الرجل عينيه بسرعة مدهشة لعله يحظى برؤية تلك الفراشة ـ المرأة قبل أن يطويها الحلم نحت عباءته، فلا يجد سوى العتمة تلف المكان؛ فقد غرقت الشمس وراء الأفق تاركة له رسالة تقول: نلتقي غداً في حلم آخر جميل، يبعدك عن كوابيسك التي كادت أن تدمرك وتفتت روحك المتعبة !!

نقرات خفيفة على باب البيت الخشبي العتيق تتناهى إلى مسامع الرجل فيتوثب والسعادة تجتاحه، ويتمتم متلعثماً: لعلها امرأة الحلم قد حضرت!! يهرع إلى الباب .. يفتحه فلا يجد سوى عباءة الحلم مرمية أمام العتبة يفوح منها شذى عطر عتقته رائحة جسد امرأة أتعبها الرحيل!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى