الأحد ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم ليلى حمدون

رســالة الى صديقي

أعجب كل العجب مما أرى من إنقلاب لموازين القيم عند من نحسبهم أصدقاء.

فالأسودُ عندهم بات أبيض، والباطل أصبح حقاً، والأنانية حلّت مكان المروءة، وإيثار النفس حلّ مكان التضحية في سبيل الغير.

فالصداقة (بمعناها الحقيقي) باتت وللأسف عملةً نادرة نتوق اليها. وقد أصبحت تجسّد معنى الأخذ وليس العطاء، وحبّ النفس أولاً وأخيراً مقابل إلغاء الآخر. فإذا بما يُسمى "صديقك" يأخذ ويأخذ منك حتى يشعر بالتخمة فرِحاً منتشياً بنصره، وعندما تدور عجلة الأيام فتأتي اليه طالباً المساعدة يفرّ بعيداً عنك وكأن الأمر لا يعنيه. عندما تحاول أن تضع رأسك على كتفه لتطمئن اليه، ينهال عليك بوابلٍ من مشاكله وهمومه الحياتية.

ما هذا العصر الذي وصلنا اليه؟ ما هذه القيم التي انحدرنا اليها؟ لقد بات الناس فعلاً كأسماكٍ وكائناتٍ بحرية، الكبير منها يأكل الصغير وهكذا دواليك.

يا ليتنا نطبّق ولو جزءاً ضئيلاً مما أوصتنا به الديانات السماوية حين قالت "لا يؤمن أحدُكم، حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه" و"أحبوا بعضكم بعضاً". تُرى هل نطبّق ما نسمع ونقرأ؟ أو أن السمكة الصغيرة بات قدرها أن تُؤكَل من السمكة الكبيرة دون أي وازعٍ أو رادع؟
فالصداقة الحقيقية باتت وهماً. أجل، باتت سراباً نجري خلفه بلهفةٍ لنروي عطشنا، إلا أنه يبقى في النهاية، "سراباً".

يا "صديقي" تذكّر أننا "أصدقاء". تذكر أن تعطي كما تأخذ، وأنك ما خُلقت لتعيش وحدك أبداً، تجري وراء أنانيتك وحبّ ذاتك، تدوس دوماً على من حولك لكي تعبر دربك. فلتعلم، أنك ستكون عندها "الخاسرُ الأكبر"، لأنك تنمو وتكبر مثل النباتات الطفيلية التي تحيا وتعتاش مما حولها دون أن يكون لها أدنى قيمة في هذه الحياة سوى أنها "طفيلية"، بغيضة. وسيأتي يومٌ تُرمى فيه بعيداً، حيث لن تجدَ ما تتغذى منه، فتنتهي وحيدةً منبوذةً، "في سراب".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى