الاثنين ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم عمر حمَّش

خيط القمر

بيتنا في المخيم تحت القمر، والقمر تفاحة محروقة معلّقة ، خيط رفيع يربطنا به ، نهتزّ نهتزّ، القمر جميل ، لكن لو انقطع بنا الخيط سنهوى في الفراغ السحيق.

جاورتني على الفراش ، مشدودة معي إلى القمر ، أراها يغادرها الشحوب ، تغدو وردية ، تفاحة يغزوها الاحتراق ، أراها بنتا للقمر ، عروسا جاءتني من عالم الفضاء ، محرابا يغريني أن أعبره.

مشحون أنا في تلك الليلة ، تتقدمني روحي نحو المحراب ، اقترب ، أرى القمر يبتهج ، يربطه وتر رفيع يجذبنا ، وأنا رحى تدور، الدوران فن ياقمر ، يوحدني مع المحراب يجعلنا نصول ونجول ، فارس أنا يحرث بحصانه الصحراء ، عازف يعامل آلته مثل ساحر ، وخيط القمر يزداد توترا ، يصبح وترا يشدو ، نعزف عليه دوراننا ، دوراننا نشيد ، نشيد يا قمر.

الليلة غافلناهم ودرنا ، كأننا لسنا هنا ، كأن المخيم بستان , وهم؟ , زالوا أوماتوا , نحن في بستان , ويكفى ، ندور مع القمر ، أنا والمحراب ندور ، نذوب ونمتزج ، ننصهر ونختلط ، نصدح بلحن البستان ، أنا العابر صحن المحراب ، فيه أذوب ، أنا الصادح بنشيد البستان المفقود.

في لحظة انشد الخيط بعنف ، وصرنا كمن يهوى ، داست أقدام على السماء ، والأرض والجدران ، والهواء ، والماء ، واليابسة ، والسائلة ، أقدام انتشرت فوق رأسي ، وصدري ، وقدميّ ، قبضت على نشيدي ، وصوتي ، ولهاثي ، وأنفاسي ، عضّت على شهيقي ، وزفيري ، ونبضي ، وضغط دمي .

الدنيا صارت أقدام .

أقدام تدق باب البيت بجنون ، كانت تهوى على الخيط المشدود ،أقدام تهرس تحتها القرميد وفى معدتي تجوس .

صرت مشدودا من عنق رأسي ، معلّقا ، عارياكنت، كما عملني الله .

حملقوا عجبين في عريي ، فأنا كنت أفعل ما يفعله الرجال .. أنا اكتشاف .

ضبطونا في أوج اللّحن ، قبل أن يكتمل اللحن ، ويصل ذروته ، آه ، لم يصل اللحن لذروته .

ساقوني ، وتركوا محرابي يبكى داخل اللحاف الملفوف ، صفدوا قبضتيّ ، وعقلي ، وقلبي ، ورئتيّ ، دفعوني إلى العربة ، وقبل أن يقفلوا نصفىّ العلويّ بكيس الخيش سرقت نظرة إلى السماء ، كان القمر يهوي مذبوحا ، والخيط خلفه يجري.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى