الأربعاء ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
مفتون برحلاته إلى الصحراء التي تثري سرده
بقلم عناية جابر

محمد العشري: نريد نقاداً شباناً يستوعبون قفزات التكنولوجيا

محمد العشري، روائي وكاتب مصري، يعمل جيولوجياً في مجال البحث والتنقيب عن البترول. صدر له عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة» رواية «غادة الأساطير الحالمة»، وعن «الهيئة العامة للكتاب» رواية «نبع الذهب»، وعن «مركز الحضارة العربية» رواية «تفاحة الصحراء»، ثم «هالة النور» عن الدار نفسها، وهي موضوع حوارنا، مع مواضيع ثقافية أخرى.

 أخبرني بداية عن آخر إصدار لك، موضوع ومبرر مقابلتنا هنا، كيف تختصر أحداثها؟
 «هالة النور» روايتي الأخيرة، تدور أحداثها الرئيسة في الصحراء الغربية المصرية، من خلال تجمع عمالي حول حفارة آبار البترول. من هذه النقطة يبدأ الحكي، حيث ينهي «حسام» مهمة عمل، وعليه أن ينتظر حتى الصباح، للعودة إلى المدينة، لكنه يستجيب لنداء قلبه وعشقه، ويقرر العودة ليلاً في عربة الإمدادات الغذائية، مسافة أكثر من 400 كيلومتر، الجزء الأكبر من تلك المسافة طرق وممرات وعرة غير ممهدة. تتعطل العربة في الطريق، لتبدأ مرحلة أخرى في السرد، ترتبط باكتشاف الفضاء الخارجي، حين تسقط هالة نور من السماء، تضيء منطقة رملية، وهنا يفعّل دور الخيال لاكتشاف كوكب جديد.

 كروائي شاب، حصلت حتى اللحظة على عدة جوائز عن رواياتك، جائزة «نادي القصة» عن «الهيئة العامّة لقصور الثقافة»، وسواها.. إلى أيّ حد تشغلك الجوائز أو تعني لك؟
 الجائزة حين تأتي في وقت مبكر مع البدايات، تكون مشجعة، ومحفزة لمزيد من الكتابة، لكنها تستلزم الكثير من الوعي للنجاة من تأثيرها، لأنه أخطر ما فيها أن توجه الكتابة إلى اتجاه يُرضي ذائقة المحكّمين، وهو فخّ يقضي على الكثير من المواهب، ويبعدها عن الصدق الفني، يجعلها تدور في نفس الحلقة، وربما يدفعها بعيداً عن معايشة ذاتها الحقيقية. ما أنجاني منها تجربتي الذاتية، والخروج إلى فضاء الصحراء الشاسع، فمهما كتبت عنه يمكنني أن ألتقط أشياء جديدة في كل مرة. أذكر أنه صارت بيني وبين أحد المبدعين الكبار صداقة إنسانية، ولم أكن أعرفه معرفة شخصية وقت كان محكّماً في إحدى اللجان، وأعطى مخطوط روايتي «تفاحة الصحراء» الجائزة الأولى، بعدها عرض عليَّ أن أتقدم للحصول على منحة «التفرغ» من المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وهو عضو مؤثر في لجنة المنح، لكنني رفضت من منطلق أنني أحب ما أعيشه، ومفتون برحلات عملي إلى الصحراء من وقت لآخر، ذلك ما توفره لي وظيفتي، ثراء سردي يحتاج إلى أعوام كثيرة للتنقيب فيه، وأحمد الله أنني رفضت، لأنني كنت سأخسر الكثير من الروايات والمشاريع المستقبلية في الكتابة لو استجبت له. من وقتها أصبحت الجائزة في ذاتها ما هي إلا كسب لقراءات جديدة لرواياتي، فإن أتت كان بها، وإن لم تأت لا أبالي.

أصابع العصر

 بدأت شاعراً وناثراً وفناناً تشكيلياً ثم قاصّاً وروائياً. هل تتداخل الفنون برأيك وتُغني المبدع، ولماذا الوقوف والاهتداء إلى نوع منها للتعبير، ما دامت كلها تعبيرية؟ ما الذي جذبك أكثر إلى الرواية؟
 التجريب مرحلة هامة في حياة كل مبدع وفنان، فالخبرات التي تُكتسب من الفنون الأخرى توسّع الرؤية، بصرياً وذهنياً، ما يجعل نسيج العمل الإبداعي أكثر متانة وتكاملاً، وتُسرب فيه أرواح كثيرة برمزياتها ودلالاتها، لأنه يعتمد على الحواس كلها في التكوين، مما يغني المبدع، ويجعل خاماته طيعة التشكيل، منسابة الأحرف. ربما يعود الوقوف والاهتداء إلى نوع منها إلى الانسجام، ما يوفره ذلك الجنس الأدبي من جاذبية، وكشف لأسرار الذات، أو لمسها عن قُرب، وربما يعود إلى قدرة المبدع على الإمساك باللحظة الإبداعية وشغفه. تلك مهارة خاصة تستوجب الانتباه لها. في ظني أن هناك الكثير ممن يضلّون طريقهم، بالإمكان التعرف بسهوله إلى شاعر كل نتاجه شعري، وهو في داخله سارد، لو أخلص له لحقق الكثير، تلك غواية الشعر وفتنته. وأيضاً في السرد تجد ذلك بوضوح. وهناك حالات أخرى يمسك فيها المبدع بأكثر من جنس، يراوح بينها من وقت لآخر. الأمر في النهاية مرهون برغبة المبدع، في سعيه لِما يود أن يكون. بالنسبة إلي خلصت إلى أنني روائي، وجرابي مثل جراب الحاوي، لكن ما به ينصهر ويخرج في رواياتي. كتابة الرواية صارت حلمي وشغفي، لذّة ما بعدها لذّة، المرأة الحنون التي تستوعب كل صوفيتي وإيماني، شطحاتي ونزواتي، تناقضاتي، فالكاتب هو أكثر الكائنات تناقضاً، وجمعاً لأضداد كثيرة في داخله، ذلك ما جعلني لا أسعى لإصدار كتابة أخرى غيرها، رغم توفر الكثير من القصص القصيرة والشعر، على قرص جهاز الكمبيوتر وفي درجي.

 تخوض في التاريخ في بعض رواياتك، وفي الأسطورة في بعضها الآخر. هل تبحث عن عالم يوفّر مادة لرواياتك؟ هل فرغ الحاضر الذي نعيشه ممّا يُكتب فعلاً؟
 من قال ذلك؟! أنا مغرم بالتقصي وراء البداية وكيفية النشوء، وتخليص الحدث من شبكة ما يدور حوله، أو يدفعه للحركة والحدوث، أجرّب في رواياتي أن ألمس روح التراث بأصابع العصر الميكانيكية والإلكترونية، بمعنى أن خوضي في التاريخ ونسجي للأسطورة، ما هما إلا نافذتان أطلّ منهما على الحاضر، واندماجي في الواقع المعيش، وإعادة تشكيله روائياً من جديد، برؤية عصرية تتوافق مع ما نعيشه الآن، بما يتيح للقارئ أن يرى الصورة الحالية، وفي ظلها الصورة المختزنة في الماضي، لمكان ما أو لشخصية، ربما استفدت من دراستي العلمية في هذا المنحى، لأن ما نقف عليه الآن من واقع، تحته أرض مرّت بملايين السنين حتى أصبحت هكذا، رغم أنه حاضر حي تحت أرجلنا إلا أنه تاريخ ماض في القدم، فكيف يتسنى للحاضر أن يعيش بغير تاريخه، وكيف للآني أن يتخلص من أساطيره المبطنة لجدرانه الداخلية، وما تشكل في اللاوعي. اللحظة الراهنة هي في الأصل تاريخ نعيش فيه، وأساطير متعددة الدلالة ومختلفة التلقي أو ستصبح هكذا لدى أجيال قادمة.

 ألا يحتاج الجيل الروائي الشاب، أو المبدعون الشبان، برأيك، إلى جيل نقدي شاب، بما يعني جدة المعالجة واللغة وليس العمر؟
 تلك هي أزمة الجيل الروائي الشاب الآن، النقاد انصرفوا لمتابعة بعض أعمال الكتاب القدامى، ربما لتقارب مستوى التفكير والكتابة، وربما للمعرفة الزمانية المسبقة، يشاركهم في ذلك بعض النقاد الشبان ممن لا يملكون نافذة للنشر، بمعنى أن اهتمامهم ينصب على الجيل الأكبر من الكتاب حتى يضمن نشر ما يكتبه، وهو ما تدعمه أو تفرضه الهيئات العلمية والبحثية كالجامعات مثلاً في برامجها الأكاديمية، وما تفضله الصحف والمجلات، لضمان ثقة بعض القراء بما يقدمه من أسماء راسخة، ليجد القارئ أن نفس الأسماء تحتل المشهد كاملاً. هؤلاء النقاد انصرفوا عن الجيل الشاب لعدة أسباب، أهمها: اختلاف الرؤية، حسب متطلبات العصر، وقانون التطور الطبيعي، فقد قفزت التكنولوجيا قفزات هائلة في غضون سنوات قليلة، مما غيّر في أسلوب ونمط الحياة، وهو ما يعيشه ويفهمه أكثر الشبان المبدعون، واستطاعوا هضمه وبلورته في كتاباتهم، ولغتهم، ويحتاج النقاد إلى بذل مجهود كبير لاستيعابه. في رأيي أنه إذا لم يواكب الرواية نقاد شبان ستصير أزمة، ربما تُميت الكثيرين إبداعياً وتغّيبهم في الظل، على الرغم من توفر وسائل كثيرة للانتشار، إلا أن ظهور جيل نقدي شاب، يعيش ما يعيشه هؤلاء الكتاب، ويعرف لغته وتقنياته، ويوضحها ربما للأجيال الأكبر بشكل نقدي منهجي سليم أمر ضروري يحتاج إلى التكاتف والالتفاف والإصرار على فرض وجوده، وهو ما لا ينقص الجرأة الشابة في التصدي لكل ما هو سائد. أتمنى أن يحدث ذلك، وأن نسعى إليه بقوة، وهو ما حاولت صنعه في روايتي الجديدة «خيال ساخن»، التي ستصدر أول العام 2008 عن «الدار العربية للعلوم» في بيروت، ومكتبة «مدبولي» في مصر، و«منشورات الاختلاف» في الجزائر، فكتب كلمة ظهر الغلاف ناقد شاب هو عادل ضرغام، من نفس المرحلة العمرية، وآمل أن نبدأ في فرض ذلك النهج عن قناعة.

الذوق العام تغير

 هل ما زلت تقرأ الشعر وتتابع إصداراته؟ ثم من يلفتك في جيلك من الروائيين، وايضاً الروّاد؟
 أقرأ الشعر وأتسلى به من أجل المتعة، الشعر لا يزال في مقدمة قراءاتي، واهتمامي بإصداراته يحتل المرتبة الأولى، وأكتب عنه من وقت لآخر، بعده تتساوى الرواية والقصة والكتب العلمية. الشعر ليس في محنة كما يدعي كثيرون، بالعكس الشعر وإصداراته أفضل حالاً من الرواية في البلاد العربية، على الأقل معظم الشعراء متصالحون مع أنفسهم، وعلى قناعة بما يكتبون، وهو ما يفسر رغبتهم في الاستمرار، وخلق تربة جديدة لقصيدة النثر، وفرضها على الذائقة العامة، ما ينقصه هو الاهتمام اللائق به، إعلامياً ونقدياً وتسويقياً، نحن في حاجة إلى تعلم فن الإعلان الثقافي، ويجب أن نستفيد من تجربة الغرب في ذلك، وتدريب القارئ على التعامل مع القصيدة الحديثة بمنطق العصر، دون الارتداد إلى عصور الجاهلية. وهناك الكثير من التجارب المضيئة خصوصاً في لبنان. وأيضاً تجارب هامة في مصر لم تأخذ حقها من التقييم مثل علي منصور. ما يروّج للرواية الآن أن الذوق العام تغير لما تبثه الفضائيات من تفاهات وسطحية، أثرت في السالب على الثقافة والكتاب، ونزعت من المتلقي أشياءً تربى عليها، مما «عشوأ» في القيم المجتمعية، أصبح بعض القراء يفتشون في الرواية عن النميمة والثرثرة، ما افتقدوه في لهاثهم الدائم واليومي وراء لقمة العيش، وازدحام الوقت في أشياء استهلاكية متعددة. من جيلي في مصر أشعر بألفة مع روايات سعد القرش، ياسر شعبان، منصورة عز الدين، نجلاء محرم، هشام علون، مي خالد، أحمد أبو خنيجر، بهاء عبد المجيد، وإبراهيم فرغلي. وسأجور على المساحة المخصصة لذكر الروّاد، وأذكر أسماء شبان في الشعر والقصة، في حاجة إلى ما ذكرتِ.. جيل نقدي شاب يكبر ومهم، مثل: عبد الوهاب الشيخ، محمد الكفراوي، جيهان عمر، محمد أبو زيد، الطاهر شرقاوي، محمد العزب، نائل الطوخي، وغيرهم كثيرون

عن السفير اللبنانية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى