الثلاثاء ١١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
قصة الضفة الغربية
بقلم رانية عقلة حداد

دعوة للتطبيع وتزيف الحقائق

تخرج جوليت الى الشرفة بينما روميو من اسفل يغني لها اغنية حب، ويصعد السلم اليها فيلتقيان متحديان بذلك كل العقبات التي تعيق حبهما وتمنعه من ان يرى النور، بالنهاية الحب والتعايش هما ما يجب ان ينتصرا، وهنا تكمن خطورة الطرح عندما توضع هذه العلاقة في سياق اخر، فمن هما روميو وجوليت فيلم "قصة الضفة الغربية" المنتج عام 2005، انهما ديفيد (بن نيومارك) الجندي الاسرائيلي، وفاطمة (نورين دي ولف) الفلسطينية امينة الصندوق في مطعم العائلة، الذين هم في منافسة وصراع دائم مع المطعم الاسرائيلي المقابل لهم، فينسج كاتب السيناريو والمخرج الامريكي الاسرائيلي(آري سانديل) قصة الحب هذه، بالتوازي مع قصة الصراع بين المطعمين، او بالاحرى الفريقين الفلسطيني والاسرائيلي، ويطرح قصة الحب والتعايش كحل بديل يجب ان تؤول اليه الامور ما ان اردنا السلام، فعلينا ان نغني غزلا مع فاطمة ببدلة ديفيد العسكرية الاسرائيلية ... هذا يعطينا مفتاحا لفهم لماذا حاز هذا الفيلم تحديدا على جائزة الاوسكار لاحسن فيلم حركة قصير في مطلع 2007.

يبسط سانديل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ويختزله بصراع بين مطعمين؛ الاول (حمص هت) الفلسطيني، والثاني (كوشر كنج) الاسرائيلي، ويتخذ ديكور وزي عمال كل منهما الوان العلم الخاصة بكل طرف، يقع محل كل منهما مقابل الاخر، ويتنافسان على عمل وبيع الحمص والفلافل، يتعدى اصحاب المطعم الاسرائيلي على جزء من ارض المطعم الفلسطيني، ويضعون الالة الجديدة عليها، فيقوم احد افراد الطرف الفلسطيني حسدا برمي حجرا في هذه الالة لتتعطل، يغضب اصحاب المطعم الاسرائيلي، فيقرروا بناء جدار عازل يفصلهم عن الفلسطينيين، فيقوم عندها اصحاب المطعم الفلسطيني بالتحضير لحرق المطعم الاسرائيلي وتفجير الجدار، لكن بالخطأ عندما حاول احد افرادهم طرد ديفيد القادم مع فاطمة ليعلنا حبهما يسقِط الكاز على النار ويشتعل المحل، وما ان يُسر اصحاب المطعم الاسرائيلي لذلك حتى ينتقل جزء من النار ويحرق محلهم، فيتأزم الفريقان ويتحفزان للاشتباك الا ان فاطمة تثني الفريق الفلسطيني، وكذلك ديفيد يفعل مع فريقه الاسرئيلي ثم يمسك بالمطرقة، ويضرب الجدار العازل، لينهار دفعة واحدة ما كان يفصل الحبيبين، فيصبحان وجها لوجه معا دون حواجز ومعيقات، ويتابعان ترسيخ رسالتهما (الحب والتعايش)، عندما يقنع كل منهما طرفه بالسلام والتعايش مع الاخر، عندها يشترك الفريقان بطاولة اعداد طعام واحدة، يمتزج امامها في الطابور كل من الزبائن الفلسطينيبن والاسرائيليين في حالة توحد وتناغم.

بقبلة بين روميو وجوليت ينتهي الفيلم، ولكن ايضا بقلق من قبل فاطمة، فماذا لو لم يستمر هذا السلام، عندها يأتيها ديفيد بالحل " نرحل الى مكان حيث يمكن ان يعيش فيه المسلمون واليهود بتناغم ...الى بفرلي هلز"، وهل هناك غير الحضن الامريكي يستطيع ان يقدم هذه الوصفة؟!
على مدار الفيلم يتخذ سانديل من الرقص والغناء اسلوبا لتقديم القضية، حيث انه الاسلوب الاقرب الى القلب، ويسهل من خلاله الاندماج بفكرة الفيلم على حد تعبير المخرج، وكما ان هناك تبسيطا للصراع، كذلك تم تسخيفه من خلال تقديمه بقالب كوميدي، بالاضافة - وهذا الاهم- الى تحريف المعطيات، فيزهو سانديل بانه قدم لنا كل من طرفي الصراع بشكل متوازن، كما حرص على تقديم الشخصية العربية بطريقة لائقة وعلى التساوي مع الاسرائيلي؛ فاذا سخر الاسرئيلي مثلا من العربي يجعل العربي ايضا يسخر منه في المقابل، وكأن سانديل يستخف بعقولنا حين يضعهما في حالة تساوي؛ اسرائيل بقوتها ماديا وعسكريا على التساوي مع الحجر الفلسطيني، تحريف واستخفاف اخر حين يجعل سبب الصراع بينهما التنافس، وليس بدافع الاحتلال الطرف الاسرئيلي لاراضي الطرف الفلسطيني كما هو واقع الحال، كذلك يطرح سانديل الاسرئيلي كصاحب حق في الارض كما الفلسطيني، وعليه ما يقف خلف الصراع هي امور تافه ناتجة عن ضيق افق وغيرة ابناء الكار.

يقول سانديل انه يوازن بين الاطراف لكنه في الواقع ينحاز؛ فالمشهد الاول يفتتح على الطرف الفلسطيني وهو يتأهب لمنازلة الطرف الاسرائيلي، الذي يستعد بدوره للدفاع عن نفسه، فيقدم الفلسطيني على انه المبادر بالهجوم والاذى، في حين التصرف الاسرائيلي هو دائما ردة فعل دفاعية، فيعاود الطرف الفلسطيني الهجوم عندما يلقي بالحجر في الالة، فلا يرد الاسرائيلي بالمثل انما يكتفي باتقاء شرهم ببناء جدار عازل يفصله عن الفلسطيني، وعندها نرى الطرف الاسرائيلي يحتفي بفكرة البناء، بينما الفلسطيني يحتفي بفكرة الهدم، وعندما يُحضِر الطرف الفلسطيني لتفجير الجدار فيعود بالاذى على نفسه، يكتفي الاسرائيلي بالضحك عليه، كذلك ينحاز حين يختار التاج كرمز للفريق الاسرائيلي ويرصده في احدى اللقطات بزاوية منخفضة تظهره مهيمن، بينما في احدى اللقطات يجعل فاطمة تزغرد وتطلق رصاص من البارودة، كجزء من ثقافتها عندما يتقدم احد الزبائن بطلب الطعام ...
لا يتجاوز فيلم " قصة الضفة الغربية " العشرون دقيقة، لكنها حافلة بالرسائل والاشارات والرموز التي تدعو للتطبيع والتعايش بدءا من عنوان الفيلم المكتوب على البوستر باللغة الانجليزية؛ حيث الكلمة الاولى تتخذ لون العلم الاسرائيلي واحد احرفها عبري، والكلمة الثانية تتخذ لون العلم الفلسطيني واحد احرفها عربي لكنهما ملتصقتان الاولى فوق الثانية.

واذا ما علمنا ان عدد المهرجانات التي شارك فيها الفيلم تتجاوز المئة، منها مهرجان دبي الثالث، وعدد الجوائز التي حاز عليها اكثر من عشرين جائزة، يقودنا هذا الى عدد المؤيدين والمحتفيين برسالة الفيلم، كذلك القوة التي من الممكن لفيلم ان يؤثر فيها بالرأي العام العالمي، حتى وان كان قصيرا.

واذ يتساءل سانديل ان كان ديفيد وفاطمة سيستطيعان بحبهما ان يتجاوزا صراعا طويلا عمره الفي عام، أتساءل هل يمكن لعلاقة حب ان تجمع المغتصِب بالمغتصَبة؟ ام انه النموذج المرسوم للجيل الجديد كي يُحتذى به؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى