الاثنين ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد متبولي

عالم بلا لحم

تتحول الفرحة فى أعين أطفاله وهم يداعبون خراف الجيران فرحا بقدوم العيد الى آسى وحزن عميق داخله، فعلى مر الاعوام الماضية كان يدخر ما بوسعة ليشترى خروف العيد، لكنه يكتشف فى اللحظة الاخيرة ان اسعار الماعز قد ارتفعت وان ما معه لا يكفى للشراء، فيشترى بدلا منه لحما يوزع منه ما يوزع ويأكل ما يأكل ويحتفظ بما تبقى، ليصبح عيد الاضحى هوموسم اللحم الاول بلا منازع، اللحم الذى كانت تراه العائلة من حين الى حين، ومع كبر الاولاد وزيادة النفقات أخذ ذلك الحين يتغير من مرة فى الاسبوع الى مرة كل اسبوعين فمرة كل شهر حتى أصبح قاصرا على المواسم والاعياد، ليصبح العيد حينا من هذه الاحيان بعد أن كان موسما مستقلا لأكل اللحم.

أقترب من الجزار مترددا يعد ما معه من نقود، رأى الناس يشترون كيلوات عدة صنوفا وألوان من لحم البقر والجاموس والجمال والضأن، يفرمون هذا ويأخذون ريش هاك ويصنع لهم ورقة لحم من ذاك، وكل ما معه لا يكفى سوى لشراء كيلوواحدا، أقترب من الجزار، سأله عن السعر، تلقى الصدمة( لقد تتضاعف السعر عن آخر مرة اشترى فيها)، هم مسرعا بحركة تمثيلية مبينا أنه نسى حافظة النقود فى السيارة وأنه سيعود ليحضرها، خشى أن يرق لحاله أحد الزبائن فيشترى له كما كان يفعل مع فقراء الجزار(كما أعتاد تسميتهم) عندما كان الحال متيسرا.

ماذا سيفعل الان؟ سؤال ألح عليه، كيف سيتحمل أن يشم ابناؤه رائحة الشواء دون ان يكون بمقدورهم حتى تذوقه، وهوليس لديه أقارب أوأصدقاء أوحتى جيران يهادونه فى العيد، فأقاربه بالبلدة التى انقطع عنها منذ زمن، اما الجيران والاصدقاء فمنذ أن اصبح غير قادر على مهداتهم أقنعهم بأنه يذبح ويوزع ذبيحته مع أقاربه بالبلدة، مؤكدا أن أطفاله لا يأكلون الا مما يذبح أويشترى، ولكى يؤكد ذلك كان يخرج هووابناؤه يوم العيد منذ الصباح الباكر وحتى المساء، كيف سيتحمل نظرة الحرمان فى أعين اطفاله، كيف سيتحمل مبهاة أبناء الجيران بأزياءهم الجديدة والعيدية المرتفعة، وكيف سيتحمل سؤال ابنته عن الحذاء الجديد وابنه عن قميص العيد، ماذا سيفعل عندما يسألونه عن العيدية واللحم ونزهة العيد.

توقف عقله عن التفكير، أعياه السير، سقط مغشيا عليه، تجمهر حوله الناس، حاولوا افاقته دون جدوى، لقد فارق الحياة، الان وجد مبررا قويا ليحل الحزن محل فرحة العيد فى بيته، ويتجنب أسألة ابنائه التى فرض عليه ضيق اليد عدم الإجابة عليها، ويتحرر أخيرا من تلك الواجبات التى لم يعد قادرا على الايفاء بها، لينتقل أخيرا الى عالم الراحة الابدية، عالم بلا لحم.
تمت


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى