السبت ١٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
حكايات ابن آدم.
بقلم ظافر مقدادي

الحكاية الأولى: الخطيئة

حياتُكَ؟!.. وما حياتك سوى عجزكَ عن الموت؟. حياتُكَ مِدادُ الروايةِ حين يكتبها غيرُكَ عنك. فلا تَسَل الراوي لماذا بنى ذلك الفعل للمجهول حينَ فاضَ الخَلق، ولماذا بناهُ للمعلومِ في سطرٍ آخرٍ من سطور فَشلِكَ في إمتطاء صهوة الحياة. أنتَ المُتّهمُ منذ ولادتكَ بالقتل.. لقد قتلتَ آخاكَ ولمّا تتعلم الدفن.. لقد سبقَ شرُّكَ خيرَك. فلم تعُد حياتُكَ مُذ ذاك مُلكاً لك. فلا تَسَل الراوي، أيها الجاهلُ المتسكعُ في دروب تيهِك، بل مُدّهُ بتفاصيل الرواية كما يريدها هو ليكتبها نيابةً عنك. أنتَ القاتلُ والمقتولُ، وأنتَ إبنُ الخطيئةِ الاولى: أبوكَ ساذجٌ وأمكَ غاوية. هذا حُكمُ الآلهة عليكَ.. فلا تسأل لماذا.. بل آمِن ونفّذ.

ونَم الآن مُلتحفاً شظفَ أطرافِك. ولا تُحملق في النجومِ الشاهدةِ أبداً على التُهمِ المنسوبة إليك. ونَفّذ.. فالراوي محتاجٌ إليكَ ليكتبَ سيرةَ بقائِكَ على قيدِ عدمِ الموت.. فأنتَ الموجودُ خارجَ حياتِك وخارجَ موتِك، حَملتَ ذنبَكَ مذ قتلتَ أخاكَ، حين لم ينتبه والداك لشقاوة صباك، بل إنصرفا لتدبّرِ البقاءِ خارجَ عَدن.. ساذَجٌ يُطيعُ غاويةً، وغاويةٌ تتقمصُ أفعى تزحفُ على بطنها. فإمضِ زاحفاً على بطنك مُشبعاً بخطيئةِ أمّك. وها أنت الآن تدفعُ ثمنَ تفاحةٍ لم تذقها.. بل تتذوق يومياً مرارةَ صلفِ الآلهة القُساة.

ونَم الآن نوماً عسيلاً يليقُ بجهلِك. لا تَدعُ النجومَ البعيدة إمرأةَ ليلٍ لعجزِكَ المفتول.. لا تتأملها.. فأين الثرى من الثريا؟!.. وأنتَ الآن مِزَقُ معاركِ الآلهةِ في تحديد دورِكَ وقدرِك. وسبّح بحمدِ ربّكَ الذي أنجاكَ من سكينِ جدّك على جبلٍ كان يوماً مُنتهى طموح إخوةٍ لك.. تساءَلَ أحدُهم يوماً: وأين القربان يا جدّي؟. أنتَ الآن القربانُ أيها الأبله، فذبحُكَ ولادةٌ وحياتُكَ عدمُ موت.

والنجومُ بعيدةٌ، وأنتَ ترى في مُجاورتها حقاً لك. ولكن للراوي حقٌ عليك في ألّا تختار، فهو يختارُ عنك ولك. قاوم موتَكَ في عدنٍ ليست لك، ودع الراوي ينسجُ من خطاياكَ رسالةَ غفرانٍ له، ليلجَ بها وطناً كان لأبوَيك. ونجمةُ ليلتِكَ الباردةِ هي شمسُ نهارِكَ الحارّ غداً، ككلّ غدٍ في عدمِ موتك. ولا تَسَل كيف تكونُ شمسُ نهاركَ الحار نجمةَ ليلك البارد، فهذا ليس في حدود معرفتِكَ يا إبنَ مَن تعلّمَ الأسماءَ كلّها ثمّ أخطأ.. وأنتَ كأبيكَ خطّاء.
ونَم الليلة كما تعوّدت، فغداً ينتظرُكَ غد. وما غدُكَ سوى أمسُكَ يجترّ ذاتَه. وما معناكَ أصلاً؟ أنتَ بلا معنى سوى ما وَهَبكَ الراوي. فنَم قريرَ العينِ أنّ العينَ تحرُسُك.. كثيرةٌ هي العيونُ وقليلةٌ ساعات نومِك. بل لا تحلُم هذه الليلة.. وما الجديدُ في حلمِك؟ قطوفٌ دانيةٌ وحورٌ عين؟ حسناً، ستحلمُ بها وتحتلمُ ليلةَ الغد.. إسترِح الليلة إذاً، فقد أعياكَ عملُكَ اللامُجدي هذا اليوم.

ومتى كانَ عملُكَ مُجدياً؟! لا نفعَ فيكَ وفي عملِكَ سوى ما تقدّمُهُ للراوي عن طيب خاطر. فاستمع للهاتِفِ يهتفُ فيكَ بُصاقاً يغمُركَ حتى أذنيك. ونَم الآن إذاً، فاللزوجةُ هي اللزوجة. تنتظرُكَ صخرتُكَ غداً يا (سيزيف) الملعون بلعنةِ الآلهة.

 صباحَ الخيرِ يا ابنَ آدم

 صباحَ الخيرِ أيها الراوي، وما عملي لهذا اليوم؟

 كالعادة.. إدفع صخرَتَكَ أمامك حتى تصلَ قمة الجبل

 لقد فعلتُ ذلك بالإمس، ولكنها أثناء نومي تدحرجت وعادت الى السفح.

لا تُناقش يا ابنَ الخطيئة.. أيها القاتل، أليسَ الحُكم عليك بلاجدواك أفضل من عقوبة الموت؟! فاشكُر الآلهة التي غمرَتكَ بعنايتها ورحمتها، ودَع الراوي ينسجُ الحكاية. سيأتونكَ بقهوة الصباح بعد سويعات، ويُسعفونكَ ببعض الطعامِ حينَ تنهارُ قواك، ويمنحوكَ بضعَ نقودٍ تُقيمُ أودَك في المساء. فلا تكن جشعاً لجوجاً، وتأبّط كنزَ القناعةِ الذي لا يفنى، ولا تَسَل أين تذهب طاقتُكَ اليومية التي تهبها لصخرةٍ تخونكَ، وفي أي طاقاتٍ تُستعمل، فهذا خارج حدود معرفتك ايها الضّحل كمعنى عدمِ موتِك.

هيا يا ابنَ آدم.. إدفع صخرتَكَ الى الأعلى.. لا تتكاسل.. هل تعبتَ؟.. إستجمع قواكَ لتبقى على قيدِ عدم الموت. ولا تنظر الى الشمس، فهي ليست نجمةٌ من نجوم ليلك الحبيبة.. لم يبقَ لك سوى القليل وتصل قمة الجبلِ بصخرتك.. وستنتشي مُكللاً بغار الفوز.. وستستحق حينها أن تنالَ قسطاً من النومِ في ليلك الجاف الخشن المنجومِ بأضواء أحلامك البعيدة. شمسُ نهاركَ شيء، ونجوم ليلك شيءٌ آخر. هل تدورُ في أفلاكها كواكبٌ كأرضنا؟ هل يقطن تلكَ الأراضي مُعذبونَ مثلنا؟ هل شموسهم نجومٌ لنا، وشمسنا نجمٌ لهم؟ لا تَسَل يا ابن آدم.. لا تكفر.. واستمتع في ليلكَ بزينةِ النجومِ والكواكب.. ولا تسمح للشيطان أن يزيّنَ لك الخطيئةَ معرفةً.. كما زيّنَ لأبويك.

لم ينَم ابنُ آدم تلك الليلة. أخذته النجوم البعيدة الى عالمٍ يجهله. كان الأملُ بحياةٍ هناك أفضل من عدم الموت هنا، رغم رهبة المجهول. ورأى فيما رأى.. رأى بشراً مثله في جنةِ أبويه.. على الأرائكِ مُتكئين.. يأكلون من قطوفٍ دانية.. يشربون من عيونٍ كواثر.. يفترشونَ حوراً عين: هذه سمراء وتلك شقراء، هذه غيداء وتلك هيفاء وبينهما لمياء وحوراء وفخذاء.. يعيشون ولا يعملون.. ولا صخور هناك ولا جبال.. وبحياته يحلفون.. ولأجل هنائه يخططون.. ويَعِدون يَعِدون.. ويُقسمون بالآلهة بأنه إن كفّرَ عن خطيئةِ أبوَيه وخطيئةِ قتلِه لأخيه ليُدخِلُنه جنة النعيم.

استيقظَ ابنُ آدمَ من حُلُمه وأنشَد:

أُخلُد يا هذا للنومِ لا تخلد لأثيمِ الحُكمِ
ما صَدقَت رؤياكَ وكانت كعبادةِ شمسٍ أو نجمِ
فالواقعُ تَحياهُ مُعاشٌ يَحياهُ غيرُكَ كالحُلمِ
تاريخُ الناسِ إستغلالٌ آلهةٌ تشهدُ مِن قِدَمِ
وذَر الراوي يَنسجْ قِصصاً ويُفصّلْ بمقصِّ القلمِ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى