الاثنين ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم عناق مواسي

مجرورة إليه في محل رفع فاعل

أنا لا اعرف الفعل من الفاعل!!!
كم عانيت من هذه المشكلة. ولا أفقه في فنِ الإعرابٍ شيئاً، أو حتى لم أتمكن من فهم أداء المفردات اللغوية ووظائفها النحوية استبدادية الأدوار. وهذا ما أرقني في دراستي. تارةً ألومُ الفعل وتارةً ألومُ الفاعل، وبصراحة تدوخني قوانين الإعراب الصارمة لدرجةِ أني أكرهُ الرفعَ والنصبَ والجر. وكنت أقضي دروس النحو أرسمُ أحلامي برصاصٍ مصّوبٍ نحو صمتٍ مطلق..

أوكلت إلي مهمة إعراب فقرة من نص الحياة عقاباً على تقصيري في دروس الإعراب، فألزمني معلم اللغة العربية حدود عبثي، وسكّن انغماسي في هواجسي ليضمني إلى مسيرة زملائي. فقررتُ هذه المرة أن أعرب كيفما يحلو لي، تغلغلت بين السطور، فتوهجت الكلمات رغبةً بالانتصار، فازدادت دافعيّتي رأفةً بالحروف المتراقصة خوفاً من المعلم. وصرتُ أتعدى حدودي وسمحت للحروف والكلمات أن تتحرر من سجون الممنوع من الصرف، فوجدت نفسي أرفض وبشدة أن يرفع الفاعل شانًا، وأن تجّر إليه الفاعلة خانعة. حاولت أن انصّب الفاعلة ملكة، لكني اكتشفت أنها ستكون في خبر كان.

ماذا سأفعل؟؟

لا أعرف كيف سأتدبر أمري.... تاهت ظروف الزمان والمكان، واختلطت وراء أشياء مستترة فقط تحلل ظهور الأفعال ليستتر وراءها فاعل مذكر، ومؤنثة في محل رفع حضرته. وبدأتُ بمخاطبة الإسم المذكر معللةً انغماسه في نرجسيته إلى مواريث الضمائر الغائبة.

أما آن الأوان أن نقول كفاكَ رفعةً ونصباً أيها الفاعل!

إلى متى سينصاع في النحو أن تكون المؤنثة مفعوله ؟ ألا يمكن لها أن تغدو مرة بدلاً أو تميزاً في ذكورية النحو والصرف؟

سئمت أن تكون العلاقة فقط همزة وصل النص، في حين عندما تدخلُ أنتَ مساحات النص تتذكر الكلمات والمضامين ، وعندما تدخل هي مستترة توجب الحذف ، ثم يرفع إليها الفاعل من جديد ليظهر في أحسن حال.

خطابي لم يجدِ نفعاً، لأن الفعل مجردًا من الأحاسيس، ومزيدًا من البرودة، متعديًا على كل شيء منطلق حر، وكانت هي ضميراً لازمًا ملتزمًا مقيدًا مجرورًا ..

أحسست أن النص يضيق الخناق علي، ويضغط على أفكاري، واجتهدت لأبتعد عن هذه الفقرة المجردة لاكتشف حجم المهمة.

يا ربي ماذا سأفعل، فهذه المرة أقسم المعلم أنه سيعاقبني؟

الغريب أن الفعل على شكله منذ ماضيه وحاضره وسيبقى لمستقبله ولا يحاول لمسامات اللغة أن تتنفس ملئ شدقيها وتفتح أذرعها لتفض عذرية النحو أصابع الإعراب التنويرية.

هو لا يتغير، ربما الفاعل لا يتغير أداءً بأصله ولا يخرج بحلة إعرابية ثائرة مجددة، بل هو خاضع للنص، ويخضعُ معه سائر الكلمات والأسماء والأفعال والحروف.

في هذا النص الغريب تحاول المؤنثة أن تكون فاعلةًً وان تنصبه إليها تابعاً، ليقابلها هو بجرها إليه إنسانا مجرورًا .

تحاول أن تكون ضميرًا منفصلاً، لكن حتمية النحو تؤول إليها أن تكون مضافة إليه شريكةً، أو معطوفة عليه عاطفيا،ً أو مجرورة إليه كياناً.

ثم تحاول من جديد أن تكون ضميرًا منفصلاً، فتجد نفسها من جديد ضميرًا متصلاً لأبوية الانتساب ولأخوية الكلمات وذكورية اللغة. تابعة في الإسم والنعت واللون والبيت والسقف والجسد، ووووو...

تغلغلت بين السطور بحثت عن ضميرين مفردين فلم أجد سوى هو.. هي

أحداثٌ تتسلسل متساوقة أدبياً إذ هو كان فاعلاً، آمرًا، ناهيًا وهي كانت مفعولة به ومفعولة له ومفعولة لأجله. ولما كانت تستدرك في محاولاتٍ لاهثة لرفع صوتها في الآفاق، النتيجة مفعولة مطّلقة....

رجعت إلى كتب النحو علني أجد منفذاً لهذه المفعولة بأن تحظى بإعرابِ فاعل ولو لمرة واحدة لكن حتى كتب النحو تعطي الفاعل ما لا يحق لغيره، أما هي فيسمح لها فقط في حالة أن تكون مبنية للمجهول.

ثارت السطور على هذا الاستبداد، وحاولت الكلمات أن تتأنث ، لكنها جوبهت بردٍ قاسٍ بأن هذا الإعراب ممنوع من الصرف.

وفي اليوم التالي سلّمت الوظيفة للمعلم، وكم كانت دهشته كبيرة عندما عرف أنني حللتها لوحدي.

لكني بيني وبين نفسي قلت: "يا رب.. يا رب، استر علي"..... وبلعت أنفاسي بعمق..
وطلب مني المعلم الوقوف وإعراب "السيدة" في الجملة التالية:

خضعت السيدةُ لرغبة زوجها في الانتقال إلى البيت الجديد.

فأجبتُ باندفاع وثقة....

السيدة: مجرورة إليه في محل رفع فاعل.

صّفق لي التلاميذ بحرارة لإجابتي في درس القواعد لأول مرة،

وهوى المعلم على الأرض....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى