الأحد ١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
سايكو
بقلم رانية عقلة حداد

مور يلامس بإصبعه موضع الالم

ماذا يعني أن تكون مواطنا أمريكيا، لربما بالنسبة لعدد كبير من العرب، يعني أن تعيش في كنف دولة تمنح الإنسان الحرية بنظامها الذي يخيل اليهم أنه ديمقراطي، وأن تشعر بإنسانيتك ككائن محترم تحتل أعلى درجة في سلم أولويات الدولة، لكن المخرج الأمريكي مايكل مور يساهم في فيلمه الوثائقي الأخير (سايكو) انتاج 2007، بازالة هالة القداسة التي تحيط بالنظام الامريكي.

كمن يلامس بأصبعه موضع الألم، هكذا هو مشروع مور كما تظهره مختلف أفلامه الوثائقية "منذ روجر وأنا" حتى "فهرنهايت 9/11" الذي فضح فيه الأسباب الحقيقية خلف ما يدعي بوش الابن وإدراته أنها حرب على الإرهاب، والآن في "سايكو" يسلط الضوء على جشع شركات التأمين الصحي والأدوية المسيطرة على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويفضح سياسة الإدارة الإمريكية المتواطئة معها على امتداد عقود، ففسحت المجال لهذه الشركات الربحية أن تتعامل مع واحدة من أهم احتياجات الإنسان الأساسية، وهي الرعاية الصحية كمشروع تجاري استثماري يجب ان ينجح ويجني الأرباح حتى لو كان على حساب المواطن الأمريكي وإنسانيته، لذا تطول قائمة الأمراض التي لا تشملها التغطية، وإن شملتها فهي تحاول التملص من الكثير منها، لتصبح صحة المواطن في مهب الريح.

خلفية مور الصحفية صبغت الفيلم بأسلوب التحقيق الصحفي، فعلى امتداد الفيلم يجري المقابلات مع عدد كبير من المتضررين من هذا النظام فاودت بحياة بعضهم، ويضع هذه الشهادات في الجزء الاول من الفيلم جنبا إلى جنب مع وثائق بالصوت والصورة لبعض رؤساء أمريكا وأفراد في الحكومة، تؤكد الدور السيء الذي لعبوه في هذا الموضوع.

في الجزء الثاني من الفيلم يعرض لانظمة تأمين صحي ناجحة في دول تحترم الإنسان وتضع رعاية صحته على رأس الأولويات، حتى يكاد يكون العلاج مجاني ومتوفر للجميع دون استثناء، من هذه الدول: كندا، بريطانيا، فرنسا، كوبا، يجري مقابلات مع مواطنين عاديين، اطباء، وصيادلة،... في كل هذه الدول، ليضع هذا النموذج الناجح إزاء النموذج الأمريكي الفاشل.

ويمعن مور في التهكم والسخرية من نظام التأمين الصحي الأمريكي، باستخدام أسلوب المقارنات حين يضع النماذج المتباينة (السيء والجيد) بجوار بعضها، كذلك يجاور شهادات بعض الناس بمقاطع من افلام كلاسيكية كوميدية تعمق الاحساس بالمواطن المسحوق، أو يجاورها مع حديث السياسيين فيؤكد على نفاقهم، وأحيانا ما يقوله صوت المعلق يؤدي هذا الدور، وغيرها من الامثلة الكثير، وتجلت سخرية مور واستفزازه للادارة الامريكية، عندما وضع نظام الرعاية الصحية فيها (التي هي من دول العالم الاول)، بالمقارنة مع نظام الرعاية الصحية المجانية لكل المواطنين في دولة عدوة لها، الا وهي كوبا (التي هي من دول العالم الثالث)، لتكون نموذجا تحتذي به امريكا التي ما يقارب خمس سكانها خارج التغطية الصحية، ويعرض زيف وتناقض امريكا التي تحتفي بالمتطوعين لازالة انقاض برجي احداث ايلول وتهلل لهم كابطال، لكنها من ناحية اخرى تتنصل من علاج امراضهم التي نجمت عن تطوعهم، في مشهد تهكمي يأخذ مور عددا من هؤلاء المتطوعين في رحلة الى معتقل غوانتانامو الذي يقول مور انه يتوفر فيه مركز صحي متكامل باحدث التقنيات، ويطالبهم عبر مكبر الصوت ان يعالجوا المتضررين الذين برفقته ... فهم رعايا امريكيون لكن دون اي استجابة، ولابد الاشارة هنا انه مهما كانت رغبة مور في التهكم على النظام الأمريكي، الا ان هذا ليس مبررا كي يحرف الحقائق موحيا -عن قصد او غير قصد- بان اسرى غوانتانامو يُعاملون بطريقة لائقة، وينعمون برعاية صحية غير متوفرة للمواطن الامريكي، وكأن المعتقل ليس احد الفظاعات الامريكية التي يجب فضحها.

يؤْثِر مايكل مور أن يشعرنا بتواجده كاحد أبطال الحكاية في مختلف أفلامه، فان لم يظهر في مقابلته للناس، صوته القادم من خارج الكادر معلقا على الاحداث يذكرنا بوجوده، حتى احيانا يشعرنا انه يستعرض بتحديه.

رغم جرأة مور في نقد النظام الأمريكي، ومن ناحية آخرى أهمية الموضوع الذي يتناوله، الإ أنه ينتاب المشاهد الملل جراء التكرار والإطالة في الفيلم حيث من الممكن اختصار نصف ساعة أواكثر منه دون أن يؤثر على جودته.

يختم مور الفيلم بتساؤل... لماذا نهتم أن نستورد من دول آخرى كثير من الأشياء غير الجوهرية، ويأتي الأمر عند الأمورالمهمة والأساسية كنظام التأمين الصحي فنمتنع عن استيراد وتقليد ما هو أحسن، لماذا؟ أين تكمن المشكلة؟

فأمريكا بما لديها من مال تصرفه على الحروب، ولكن ليس على صحة ابنائها؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى