الأحد ٢ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بنات وسط البلد
بقلم رانية عقلة حداد

الصداقة والاحلام البسيطة

ووعد بفرح قد لا يأتي

يتدفق إلى قلب الحياة كل يوم وكل حين... يتدفق كما الزمن بلا كلل، حاملا بين حناياه أحلام البسطاء كما خيباتهم... فرحهم كما حزنهم، على مقاعده قصص تبدأ واخرى تنتهي، وخلف نوافذه حكايا لا يسعها كتاب، فتأخذنا معها إحدى حكاياه... وأبطالها جُمانا (هند صبري)، وياسمين (منه شلبي)... أنها حكاية "بنات وسط البلد" في رحلتهم اليومية بالمتروالذي يبدأ الفيلم وينتهي به.

جُمانا وياسمين صديقتان في العشرين من العمر تعارفتا في المتروالذي ينقلهما من محطة حلوان إلى وسط البلد وبالعكس حيث تعملان كي تعيلا اسرتيهما، انهما جزء من نسيج قلب البلد الذي يمنحه فرادته؛ جُمانا تعمل في محل بيع ملابس نسائية، تحب الموسيقى والرقص وقراءة الروايات العاطفية الخفيفة. بينما ياسمين تعمل في صالون حلاقة، وتحب اشياء كثيرة كما تقول "بموت في وسط البلد، واحب الصياعة على الاقل بنتعاكس، اما قلة الادب ماطيقهاش".

( تبادل المرايا )

إن كانت وجوهنا اقنعة تتوارى ذواتنا خلفها... فما الحال ان بادلنا اقنعتنا هذه مع الاخرين، فمن نحن بعد؟
هل نكذب ام نتوضح امام انفسنا حين نرى ملامحنا بمرآة الاخرين؟
كل يوم يحمل معه شهوة مغامرة جديدة، واحلام بالحب والزواج... ووعد بفرح قد لا يأتي.

وهناك في المتروواروقته تبدأ مغامرة جديدة، اذ يعجب (سمير) (خالد ابوالنجا) الذي يعمل طباخا، و(عثمان) (محمد نجاتي) الذي يعمل في محل اجهزة خلوية بجمانا وياسمين يتقدما للتعرف عليهما، فتسارع ياسمين لتقدم نفسها على انها جمانا وتدعي انها مطربة كورال خلف كبار النجوم، فتضطر جمانا ان تكذب بدورها وتقدم نفسها على انها ياسمين وتدعي انها مصممة ازياء، ولا تتوقف اللعبة عند تبادل الاسماء ولكن ارقام التلفونات والحياة الشخصية ايضا، وتستمر اللعبة للحد الذي تسأل فيه كل منهما نفسها من هي... أانا ياسمين ام جمانا؟ اخذتهما اللعبة ولا تعرفان متى ستنتهي؟ وكيف سيستقبل الشابان الكذبة؟ فتعد ياسمين انها ستختار الوقت المناسب لتكشف الحقيقة للشابين خصوصا ان علاقة حب قد بدأت تجمعها مع (سمير)، لكن جمانا تعيش خيبة امل اذ ان (عثمان) لا يريد الزواج، ولا يبحث عن الحب انما المتعة والتسلية.

( سقوط الاقنعة)


لمَ تأجيل قول الحقيقية والمواجهة؟ هل الحياة امتع واجمل مع الكذب؟
ربما... لكن عندما تختار الحقيقة ان تعلن عن نفسها دون ان تستأذن، ودون ان نكون متهيئين لذلك فتباغتنا... تسقط ورقة التوت الاخيرة وكل الاقنعة معها... لا شيء الان سوى دموع ياسمين تختلط بصوتها وهي تغني " اتنين اتنين اصحاب اصحاب"، وقد احست بالوحدة والعري امام ضحكات (عثمان) و(سمير) حبيبها وصديقتها جمانا، حين اكتشفوا اول كذباتها... صوتها غير الجميل؛ كانت ياسمين قد نسقت مع مغنية كورال دعوة حبيبها إلى تسجيبل الاغنية بالاستديوعلى ان يبقي مهندس الصوت ميكرفونها مغلقا وبينما تمثل هي الغناء، واذ مع (سمير) تحضر جمانا وكذلك (عثمان) الذي طلب من مهندس الصوت ان يقفل جميع ميكرفونات افراد الكورال ويبقي فقط على ميكرفون ياسمين ليستمعوا إلى صوتها.

على رصيف المترو... اقنعة اخرى تسقط، ياسمين المتألمة من مشاركة جمانا في موقف الاستديوحيث لم تمنع الامور من ان تحدث ولم تساندها، فتذكرها في لحظة مواجهة انها سراقة؛ تسرق الرجال من حياتها كما سرقت الملابس الداخلية من المحل الذي تعمل به، جمانا المجروحة الان تذكرها بانها كذابة؛ تكذب على نفسها كما على الاخرين، هي من بدأ لعبة الكذب هذه، وهي من وعد بكشف الحقيقة ولكنها لم تلتزم بذلك، بعد العتاب والبوح تقف كل منهما على رصيف، لحظات صمت والم... ثم نظرات مودة وابتسامة، حيث تستمر الصداقة.

"خرج ولم يعد"، "زوجة رجل مهم"،"احلام هند وكاميليا"،... افلام مهمة حققها المخرج (محمد خان) الذي هومن رواد الواقعية في السينما المصرية، لكنه في " بنات وسط البلد" انتاج 2005 يحاول ان يوازن بين رغبة الجمهور بنهاية سعيدة ورغبته بالنهاية المفتوحة فرسم نهاية لقصة ياسمين و(سمير) بالزواج، وتركها مفتوحة مع جمانا، لكن (محمد خان) يبقى امينا للواقعية فيصور في الشارع والسوق والمتروبعيدا عن الاستديو، ويرسم شخصيات نابضة بالحياة وهي على تنوعها تشبه الواقع والنسيج الذي تنتمي اليه، منها من هوعالق بالزمن الماضي كوالدة جمانا التي هجرها زوجها، ومنها من يحمل نكهة الماضي واصالته المنفتحة على التجديد كوالد (سمير) الذي يحب الاحتفاظ بالانتيك والاستماع إلى ليلى مراد والذي نقل لابنه نبل الاخلاق واصول مهنة الطبخ، ومنها اشباه المثقفين كالناقد في المقهى الثقافي...

على هذه الخلفية يتحدث خان عن الاحلام البسيطة والخيبات، عن الحب والكذب والشقاوة، وعن الصداقة بالطبع كثيمة رئيسية... انها الصداقة كما في واقع الحياة التي هي مزيج من الحب والغضب والكذب والغيرة والعتب والخصام والتسامح، بعيدا عن المثالية، كما تحدث اغنية الفيلم "اتنين اتنين... اصحاب اصحاب، يتخانقوا ساعات... يتصالحوا ساعات".

ووعد بفرح قد لا يأتي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى