الأحد ٩ آذار (مارس) ٢٠٠٨

قطار الحياة

بقلم: محمود سعيد حميدة

كانت حلمي الذي طالما رافقني، حلم أعيشه في منامي مستمتعا، وأتمنى له أن يدوم، لكنني في النهاية أستيقظ على صوت القطار، الذي تسبق زمارته زلزلته لبيتي المتواضع، تشق أصواته الجدارن لتسكن آذاني الممتلئة بهدهدة الحلم..

أستيقظ كرها، لاعنا هيئة السكة الحديد كعادته، رجيع صداه يغالب صوت أمه المتقطع العجوز، وهي تنادي: على الفطور جاهز، لم يسمعها في ذاك اليوم من نشوة الحلم الذي خشي أن يهرب مع القطار، ولكن جرت العادة بتناوله الفطور مع صوت القطار، حتى لا يفزعه، فكأنه في انتظاره، ولكن يبدو أنه تأخر اليوم قليلا.

مشهد يتكرر كل يوم لدرجة السآمة، أشفق منه على العجوز التي تحمل همي، أخفف عنها بتناول وجبة الفول التي تعودت عليها أيضا، وكأنها علاج طبي تخشى علي أن أنساه فتخر قواي في عملي المجهد.خرجت من بيتي في سرعة على دعوات الصوت المتقطع الذليل، وعينها ملؤها الأمل أن يرزقني الله كما دعت يزاحمها التجلد الزائف، فابتسمت ابتسامة خفيفة ترفع من أملها، ثم خرجت مرتجلا، وقد أفرجت عن العبرات المحتبسات.. فالعمل بعيد ولا وسيلة ركوب إلا الصبر على عناء المشي، أسير بين القضبان، تنتقل قدماي في خطوة ضيقة وئيدة في ثبات مستمر، عقارب الساعة تلاحقني، أحلامي تلاحقني وأقدامي تتبادل على خشابات السكة، في سرعة لا أحس إلا أنها كسرعة القطار الذي أيقظني إلا أنني لا أزعج أحدا.

تطوى الأرض تحت قدمي المتبادلتين، ولكنني لا أشعر بنفسي و لا سرعتي ما زلت مستغرقا في ذكريات الحلم، أحلم ثانية، مع جمالها ورقة كلامها، لا يوقظني صوت القطار الذي من خلفي، أظن أنه يناديني هذه المرة، لكني لا أسمعه، لا أريد أن أسمع إلا صوت العصافير في قصري المنيف، وحبيبتي تقول لي وقد قتحت أذرعها موافقة على الزواج منك، فإذا بالقطار يدهمني. ثم استيقظت على صوت القطار، وصوت أمي المتقطع.

بقلم: محمود سعيد حميدة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى