الأحد ١٦ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم رانية عقلة حداد

راتاتوي وفيلم النحلة

الرسوم المتحركة والحكمة التي يمكن للإنسان أن يتعلمها من الحيوان

لربما من الممكن لعلاقة صداقة أن تجمع الإنسان بحيوان اليف، لكن هل من الممكن أن تجمعه مع حيوان مؤذي أو ضار بالنسبة له؟

بعض أفلام الرسوم المتحركة المنتجة في 2007 تقدم مقترح إجابة لهذا السؤال، كما هو الأمر مع الفيلمين الامريكيين "راتاتوي" تأليف وإخراج براد بيرد، و"فيلم النحلة" تأليف جيري سينفيلد، وإخراج سايمون سميث وستيفين هيكنر، في كليهما البطل حيوان؛ في الأول الجرذ ريمي، وفي الثاني النحلة باري بينسون، وكليهما يتمرد على فصيلته، فالفضول وحب معرفة ما هو جديدة يدفعهما لكسر قانون الجماعة الذي يحرم إقامة أي علاقة مع أعدائهم البشر، حيث في عالم الرسوم المتحركة فقط يمكن لعلاقة صداقة أن تنشأ بين إنسان وحيوان مؤذي له.

في عاصمة النور وملهمة العالم فنيا... في باريس، تدور أحداث "راتاتوي" الحائز على جائزتي؛ أوسكار أحسن فيلم رسوم متحركة والبافتا، وفي الفيلم يتربع الطباخ غوستو ومطعمه الذي يحمل اسمه على عرش فن الطبخ حتى بعد وفاته، والذي لم يقتصر إلهامه على البشر فحسب، إنما تجاوزهم إلى الجرذ ريمي (صوت باتون اوسولت) المأخوذ بفنه، فغدا غوستو - الذي يشّبه الطعام الجيد بالموسيقى - معلمه الروحي، وأصبح قانون غوستو الأساسي أن "الجميع يستطيع أن يطبخ... لكن وحدهم الشجعان يمكن أن يصبحون عظماء" دافعه إلى الخلق والإبداع، حيث يشبه الجرذ ريمي القلة القليلة من البشر التي تغني خارج السرب باحثة عن التميز والاكتشاف والابتكار، فهو يرفض الاستمرار بالمهمات البسيطة الموكلة له؛ باستخراج الطعام المسموم مما تجمعه فصيلته، تبعا لحاستي الشم والذوق الخارقتين اللتين يتمتع بهما، وكذلك ينبذ طريقة فصيلته التقليدية في الحصول على الطعام من خلال ما يسميه السرقة.

النحل كالبشر هكذا هم في "فيلم النحلة" الذي رشح لجائزة الجولدن جلوب هذا العام، حيث يدرسون في المدرسة ويتخرجون من الجامعة وبعد ذلك يذهبون إلى العمل، ولكن لأن عمرهم قصير نسبة للإنسان، فإن فترة الدراسة تنجز في تسع أيام، واليوم هو يوم تخرج النحلة باري (صوت جيري سينفيلد) من الجامعة، وعليه الآن أن يختار العمل الذي سيقوم به طوال عمره، لكن رغبته الجامحة لاكتشاف العالم خارج خلية النحل، دفعته إلى أن يرافق النحل الذي يجمع رحيق الازهار في رحلته خارج الخلية.

ريمي الباحث عن الابتكار يتفوق على استاذه:

"يجب أن لا تسمح لأحد أن يحدّك بسبب المكان الذي تأتي منه، حدودك الوحيدة هي روحك"، بقي غوستو وتعاليمه كضمير حي كامن في الجرذ ريمي، يتراءى له كطيف من حين لآخر، ونبراسا يضيء له درب الإبداع.

تقود الصدفة والأحداث الجرذ ريمي إلى مطبخ مطعم غوستو، وإلى علاقة صداقة سرية تنشأ بينه وبين عامل النظافة (لنغويني) فيه، فيصبح (لنغويني) اليد المنفذة للطباخ الصغير المبدع ريمي الذي يختبئ أسفل طاقيته، يتفوق الجرذ ريمي على أستاذه غوستو، وتلفت وصفاته المبتكرة والمميزة الانتباه لعامل النظافة لينغويني الذي يعتقد الجميع أنه موهوب، إلى أن تَكشِف الأحداث حقيقة أن الجرذ ريمي يقف خلف ذلك.

المحافظة على توازن الطبيعة:

عدة متاعب تواجه باري ذو الحجم الضئيل مع العالم الخارجي الكبير والضخم، والذي يحتل البشر الأعداء حيزا كبير منه، لكن فينسا (صوت رينيه زولويجر) بائعة الزهور، هي الإنسانة الوحيدة التي تلتفت إلى باري وتنقذ حياته من الهلاك وتهتم به فيصبحوا اصدقاء، يرافقها باري إلى السوبرماركت في إحدى الرحلات، ليكتشف هناك ما سيدفعه إلى مقاضاة البشر اصحاب شركات الأطعمة الكبرى في المحكمة، إذ أن هذه الشركات تسرق جهد النحل - عسلهم الذي يفنون حياتهم في انتاجه - وتبيعه في السوق.

ماذا يفعل النحل وقد كسب الدعوة القضائية وأصبح لديه فائض من العسل؟... يتوقف النحل عن العمل ويدخل في اجازة طويله، فيحدث ما لم يكن بالحسبان، إذ يختل التوازن وتتوقف دورة الحياة الطبيعية بعد أن يكف النحل عن نقل حبوب الطلع فتموت الأزهار، ليكتشفوا بعدها أهمية عملهم في دورة الحياة فيواصلوا العمل.

العصيان عتبة المعرفة:

رغم التشابه بين الفيلمين من حيث بطولتهما لحيوان يتمرد على فصيلته وروتينها كما أسلفنا، لكن الأسلوب الشيق والجذاب، والمضمون العميق الذي يتمتع به "رتاتوي" يجعله يتفوق على "فيلم النحلة"، حيث في "رتاتوي" الاتقان في أداء الشخصيات الكرتونية وفي انشاء أشكال شخصيات وتعابير وجوه مقاربة للواقع عبر الكمبيوتر، كذلك بناء شخصيات متنوعة كل منها له بنيته وهويته الخاصة كشخصية الجرذ ريمي، ولنغويني، وغوستو، والناقد، ورئيس الطباخين...، كما ان مؤلف "رتاتوي" يُظهر فضيلة التمرد والعصيان اللازم لكل ابداع وابتكار وسير إلى الأمام، في حين "فيلم النحلة" يدعو إلى التمرد ظاهريا وإلى الاستكانة باطنيا، حيث يسفر تمرد النحلة باري على روتين الحياة، وعلى القواعد التي تكبل الابداع، الى كارثة تجعل باري يتراجع عن تمرده، مستسلما لحياته السابقة المنتظمة والرتيبة، ويغدو هذا هو الحل، فكل شيء يجب ان يبقى على ما هو عليه، والتمرد نتيجته الفشل، ويعتمد احيانا على تباين الاحجام بين النحل والبشر لاثارة الضحك كما في مشهد المحكمة.

"الطباخ يصنع والسارق ياخذ" هذا هو الفرق بين المبدع وغير المبدع برأي غوستو، فيطلق "راتاتوي" دعوة لكل انسان كي يتعلم حكمة عدم الاستكانة من الجرذ ريمي، والسعي الدائم للخلق والابداع الذي لا حدود له، فكل انسان قادر على ذلك.

كما تزخر الاداب الانسانية بقصص على لسان الحيوانات مثل كتاب "كليلة ودمنة" نجني منها الحكمة، كذلك افلام الرسوم المتحركة التي تعد مساحة رحبة للخيال ولتجسيد هذا النوع من القصص التي تحمل مضمونا رمزيا، فيغدو بعضها مفيد وممتع ليس للاطفال وحسب وإنما للعائلة أيضا.

الرسوم المتحركة والحكمة التي يمكن للإنسان أن يتعلمها من الحيوان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى